صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 20

الموضوع: صرخات تحت التراب ........

  1. #1
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414

    صرخات تحت التراب ........

    فنحت عيني فابتلعني ظلام دامس ، استبد بي شعور قاهر ، وخيل لي أني فقدت بصري

    رفعت يدي ، لكنها عادت واستقرت في مكانها بخضوع

    شعرت بضيق واختناق ، تململت وتحسست ما حولي . أصفاد وقيود تأسرني فيما يشبه الموت

    المكان الذي يحتويني ضيق جدا .. وأنا مكبل فيه كالأموات

    لماذا لا أكون ميتا ؟ همست لنفسي ، كنت شديد الإعياء حين آويت إلى فراشي ، الناس يتحلقون

    بي ، والأضواء ترتعش فوق رأسي .. وهاأنذا مدفون تحت الأرض

    قطرات حارة من سائل ما تنساب على وجهي ، أنياب حادة تلسع أصابع قدمي كوخز الأشواك

    أجسام صغيرة تحبو تحت قطعة القماش التي تلفني بإحكام

    لم لا أكون ميتا ؟ همست لنفسي مرة أخرى

    مددت يدي أمام وجهي ، فارتطمت بمادة هشة ، وعادت إلي بخضوع القطرات الغريبة

    تحفر وجهي ، والجسيمات الجائعة تنهش أطراف جسمي .. حثالة وتراب ومواد لا أعرفها تتقاطر

    في عيني الأصفاد والقيود تقبض أنفاسي

    يا إلهي ! من جرأ أن يدفنني في هذا القبر الأحمق ؟ ألا يمكن أن تكون لعبة سخيفة ، أم أنه

    الموت البغيض ؟ الهوام والديدان تزحف على صدري ، رائحة خانقة تعبق في أنفي .. خناجر

    الألم تحفر أعماقي . لا .. لا يمكن أن أكون ميتا لماذا لا أحفر هذا الغطاء المتكابر فوق رأسي ؟

    تحركت أصابعي خلال الفسحة التي تفصل بيني وبين الغطاء .. خدشت الطين الرطب الحار ،

    فسرت في أوصالي رعشة محمومة ، وسمعت صوتا ناعما يرن في أذني : لا تعبث بالطين .

    أدرت ناظري بيأس مقهور ، وقلت بنبرة مضطربة : أهذا أنت ؟

    قال الصوت الناعم : أجل .. أنا التي وهبتك الحياة والحب والموت .

    ــ : وهل أنا ميت حقا ؟

    ــ : إنك على الخيط الفاصل بين الموت والحياة .

    ــ : وما هذا الجحر اللعين ؟

    ـ : إنه جحر الذين يبحثون عن الحرية

    ــ : ومتى كانت الحرية أصفادا وقيودا ؟

    ــ : مقاومة القيود حرية .

    ــ : وهل الموت حرية ؟

    ــ : منحتك الحرية فأضعتها .

    ــ : بالله عليك عن أية حرية تتحدثين ؟

    ــ : حرية الخضوع .. الهتاف ، وقرع الطبول .

    ــ : الخضوع للأموات ، والحرية للأحياء

    ــ : وأنت ميت .

    ــ : سأخرج من قبري .. وأضرم النيران .

    قهقهت ساخرة ثم قالت : تأبى إلا أن تكون شيطانا .

    قلت : وأنت رغم سحرك الفتان .. آثمة طاغية ، ما زلت أذكر قولك : الحرية للشيطان .

    قالت : والطاعة من شيم الملائكة

    كظمت غيظي ، أحدقت فيها ، لكن نظراتي انحسرت ، وقد اضطرمت بي رغبة مجنونة ، وأنا

    أتابع تلك القناة الضيقة التي حفرت على صدرها ، وقد خيل لي أن حريتي تتوقف حين تنحسر

    تلك القناة فتنبلج على ضفتيها آثام الحياة بأبهى مفاتنها .

    عاهرة ……. صرخت دون ما وعي.. أنت لا تبحثين عن ملائكة ، بل عن كلاب

    كلاب تحسن الطاعة ، وتحسن الفتك والنباح .

    رمقتني بنظرة عابثة وهي تقول : أنت شيطان بائس ، تحلم أن تكون نبيا ، لكنك في أرقى

    الحالات لا تحسن أن تكون أكثر من نصف ملحد .

    ــ : تبا لك .. إن الأنبياء أكثر الناس شقاء ، وأنا لا أطمع في شقاء أكثر مما أنا فيه .

    ــ : زنديق مكابر .. أراهن أنك تعشق الشقاء.

    ــ : بل الشقاء هو الذي يعشقني .

    ــ : لم لا تنفضه عن كاهلك وتمضي حيث النعيم ؟

    ــ : والجياع من لهم غيري ؟

    ضحكت كأنها تهزأ ، ثم تداركت : الجياع ؟ ومن دفنك هنا غير الجياع ؟

    ــ : كاذبة .. لم يفعل بي ذلك إلا الكلاب .

    ــ : والجياع ماذا فعلو لك ؟ ــ : مغلوب على أمرهم

    ــ : أنت أحمق ، لا تقرأ مطاوي النفوس ، هؤلاء الجياع لا يرون فيك إلا شيطانا يثير الفتن ،

    ولو عدت إليهم لصوبوا نحوك السهام ، وصلبوك على قارعة الطريق .

    مذ رحلت وهم يصبون عليك جامّ غضبهم ، ويقدمون الولاء للكلاب .

    حشرجة الموت تفتك بي ، ويدي تنسدل بجواري ساكنة مهزومة ، ظلام دامس يغلف بصري .. رمال قذرة تعبث بعيوني .. أبحث عمن يواسيني على عتبات الموت .

    أين أنت يا جلادي ؟

    هربت مني الأشياء فلم يبق لي سوى أصفادي وذاكرتي .

    أذكر يوم ‘فتحت أبواب المدينة للكلاب .. جفت المياه ، وأنشب الجوع أنيابه . لكن الفزع دفع

    الناس إلى الهتاف ودق الطبول .

    طافت بضحكتها الجموع الحاشدة ، ثم قالت : يسرني أن أصغي إليكم ؟

    قفزت من بينهم وقلت : نريد الخبز والحرية .

    ابتسمت بعذوبة وقالت : بل الخبز أو الحرية .

    قلت : نريد الحرية .

    رد القوم بصوت واحد : الحرية .. الحرية .

    قالت وهي تدير ظهرها وتمضي : لكم ذلك .

    لم تمض إلا لحظات حتى تدافعت الكلاب الهائجة ، فالتحمت بالجموع الحاشدة . كانت تفتك

    بالأطفال والنسوة والشيوخ ،

    تراجع القوم وقد ألجمهم الذعر والفزع . صرخت : أيها الناس ، لا بد أن تدفعوا تمن الحرية

    اصبروا ، فالكلاب لن تكسب الجولة . سوف ترحل .

    وحينذاك يكون الخبز لكم دون منازع .

    صاح رجل بالجموع : يا قوم : تريثوا ، فالكلاب لن تؤذيكم ، سوف تمضي في حال سبيلها

    و‘تفتح لكم أبواب المدينة . لكن الكلاب اشتد سعارها ، والجموع باتت تخشى سوء العاقبة .

    ــ : أيها الحمقى .. سوف تخسرون الحرية والخبز . هتف أحدهم

    ــ: : نريد الخبز ، ولا شيء سوى ذلك .. قال آخر



    تقهقر الناس ، وانفضت الحشود . صرخت فيهم : أيها الجياع : تريثوا .. سآتيكم بالخبز ،

    همت على وجهي . على أبواب المدينة بعت قميصي وحذائي ، ابتعت كثيرا من الخبز ، عدت

    فألقمت الأفواه الجائعة . هتفوا لي . صحت فيهم : لا أطمع في الهتاف . أريد أن تتمسكوا

    بالحرية وأن تصبروا . خمد جوعهم فدبّت الحياة في عروقهم ، هتفوا بصوت واحد : لن نتخلى عن الحرية .

    تدافعوا كالطوفان ، وعلى أبواب المدينة برزت لهم الكلاب . كانت هائجة مائجة . نبحت :

    أيها الأوغاد : ماذا حلّ بكم ؟ قالوا بصوت واحد : نريد الحرية ؟

    ‘فتحت أبواب المدينة . تدافعت الكلاب من كل صوب . تخطفت بقايا الخبز من أفواههم ،

    أعملت الأنياب في جلودهم ، نزفت الدماء ، فدبّ فيهم الوهن والضعف .

    قذفوني بنظرات عاتبة : أنت السبب . لعن الله …

    حاولت أن أقول شيئا ، لكني لاحظت الجموع تتضاءل ، والكلاب تطغى ، بل خيل لي أن الناس

    باتوا يخلعون ثيابهم ، ويرتدون جلود الكلاب .

    انفض القوم من حولي ، وبرزت لي من ضباب هزيمتي .

    عيناها تفترسني ، ومضات حب آثم تجذبني ، قالت : اتبعني

    قلت : أحبك ، كم أنت رائعة ، لكنك لا ترحمين .

    قالت : بل أنت المكابر ، لم أطلب منك سوى أن تكون كلبا ، فأهبك نفسي .

    ــ : أفضّل أن أكون صرصارا على أن أكون كلبا .

    ــ : أيها الأحمق ، لن تكون كلبا عاديا ، بل سيدهم .

    ــ : لا أطلب السيادة ، بل الحرية ، حرية الجياع .

    صرخت بالكلاب : خذوه .. قذفوا بي على عتبة بيتي وأنا أعاني لهاث الموت ، وخيط الرجاء

    انقطعت خيوط الذاكرة ، فعاد إلي قبري ، أشعر بضيق واختناق حتى الموت .

    حركت يدي وطفقت أحفر الغطاء الطيني .

    قطرات السائل الحار تنهمر على وجهي ، الحشرات والديدان تنهش شرائح لحمي ، الركام والتراب

    يتهاوى .

    شعرت بلزوجة تسري في عظامي ، ورائحة نتنة تفغم أنفي . أظافري الممزقة تعبث بالغطاء .

    والطين ينشق بصعوبة . صممت أن أمضي في المقارعة حتى الرمق الأخير .

    من يدري ؟ فربما أزحت هذا الغطاء قبل أن تنفذ روحي .

    نبضات الحياة تخبو ، والضيق يفتك بي ، لكني مضيت أحفر على غير هدى .

    كميات هائلة من التراب تنهال على رأسي . الحفرة تضيق من حولي لكنها تمتد إلى الأعلى .

    تململت ورفعت رأسي بحذر ، فشعرت براحة غامرة ، رغم أن نصفي الأسفل ما زال مدفونا

    في الطين .

    الغطاء يتمزق ، ورأسي تترنح في ظلمة تكاد أن تخلو من الهواء ، لكن الخدر ينداح عني قليلا

    شعرت بتيار بارد يلفح وجهي .

    مددت يدي بحرية ، وحركت رأسي خلال الفجوة الضيقة ، ثم سحبت نصفي الأسفل من

    الركام والأنقاض .

    تنفست الصعداء ، وحركت جفني . لكني لم أشاهد شيئا .

    رفعت رأسي إلى الأعلى ، فلمحت شعاع النجوم يخفق في كبد السماء ، أدركت أني تأخرت

    وأن الليل قد هبط مرة أخرى .--------------------------------------------------------------------------------

  2. #2
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    ترااب الـ uae
    المشاركات
    47
    قصة راائعة تحمل بين اسطرهاا حكما

    اتمنى ان يستفيد منهاا الجميع

    يسلمووو بانتظاار المزيد

  3. #3
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    [align=center][blur] أخي الكريم .......

    مرورك مواسم الخير وعبق الطيب ......

    شكرا على الثناء

    لك الغيث ....
    ..
    [/blur]
    [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة omar_moosa ; 29-04-2007 الساعة 09:03 PM

  4. #4
    ~عضو مؤسس ICDL ~
    الصورة الرمزية دفا المشاعر
    تاريخ التسجيل
    Jun 2005
    الدولة
    جـــدة
    المشاركات
    11,415
    أخي المبدع الكريم /

    عمر موسى ،،

    قصة بالغة الوصف ومليئة بالعبرة والفائدة ،،

    فعلاً رائع ما خطه قلمك ،،

    أتمنى أن نرى جديد إبداعك في قسم الرواية والقصة القصيرة ،،

    .
    .
    .

    أصدق مـودة
    استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليـه






    شكراً ع الإهداء غلاتي الحلوة فهوووودة

  5. #5
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    دفا المشاعر ........


    وجودك يسمو بالموضوع نحو الذرى ...


    ويسكب الضوء ألحانا في ظلمات البؤس


    لك أجمل التحايا

    وكل الغيث والخير
    التعديل الأخير تم بواسطة omar_moosa ; 01-05-2007 الساعة 10:07 PM

  6. #6
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414

    أتابع تلك القناة الضيقة التي حفرت على صدرها ، وقد خيل لي أن حريتي تتوقف حين تنحسر


    تلك القناة فتنبلج على ضفتيها آثام الحياة بأبهى مفاتنها

  7. #7
    ~ [ نجم ماسي ] ~ الصورة الرمزية حــنــيــن
    تاريخ التسجيل
    Aug 2006
    الدولة
    بيتنااااا
    المشاركات
    2,523
    الف شكر لك اخوي..

    ننتظر جديدك بشوق..

    تحيتي
    أستغفر الله

  8. #8
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    حنين ......


    مرورك ... يشد من أزري



    ويغرس باقات الأمل .....


    لك الغيث والخير

  9. #9
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    رمقتني بنظرة عابثة وهي تقول : أنت شيطان بائس ، تحلم أن تكون نبيا ، لكنك في أرقى

    الحالات لا تحسن أن تكون أكثر من نصف ملحد .

    ــ : تبا لك .. إن الأنبياء أكثر الناس شقاء ، وأنا لا أطمع في شقاء أكثر مما أنا فيه .

  10. #10
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Nov 2005
    المشاركات
    44
    مشكوووووووووووووووووووووو وووووووووووووور

  11. #11
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    [align=center]أبو ريماس ........

    مرورك أنسام الربا

    وموج العبير

    لك الغيث والخير
    [/align]

  12. #12

    عضو ماسي


    تاريخ التسجيل
    Jan 2005
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    6,929
    عـمـر مـوسـى

    ........................

    قصة رائعة

    الله يعطيك العافية على سردتها هنا

    أختك .. بــشــرى

  13. #13
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    [align=center]بشرى .......

    تأخذ الأزهار قيمتها من شفاه

    الفراش الذي يطوف بها ...

    وأمواج النسيم

    حين يعبث بنبضها

    لك الغيث والخير
    [/align]

  14. #14
    ~ [ نجم ماسي ] ~ الصورة الرمزية اخر الفرسان
    تاريخ التسجيل
    Jul 2006
    الدولة
    نـــجـــــد
    المشاركات
    1,013
    قصة في غاية الجمال
    سلم قلمك
    بانتظار جديدك
    تحياتي
    آخر الفرسان
    غريب ومسافر لحالي .. ودروب الايام تعابه
    مااحب انا المركز التالي .. الاول اموت واحيابه

  15. #15
    عطر الكلمات
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    414
    [align=center]آخر الفرسان .........

    إن النبض يحيى من نبضكم

    كان المرور غيما وخصبا

    سعدت بكم

    لكم الغيث والخير
    [/align]
    يوما ما .. كنت هنا

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. o.O (صرخات قلم ! ) O.o
    بواسطة عاشقة الرحيل في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-06-2007, 09:12 AM
  2. ..صرخات عاشق ..
    بواسطة عاشــق الغربة في المنتدى منتدى الخواطر والشعر الفصيح
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 07-05-2007, 08:12 PM
  3. امراة حامل , ولدت 48 هاتفا خليويا بعد صرخات من الالم
    بواسطة عطر طيبه في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 27
    آخر مشاركة: 30-10-2006, 02:32 PM
  4. اخر صرخات الحب حب البعارين ودلعهم هههههههههههههه لا تفوتكم
    بواسطة عطر طيبه في المنتدى منتدى الفكاهة والغربلة
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 30-09-2006, 01:08 AM
  5. ...&&...صرخات الم...&&...
    بواسطة دنيا غريبه في المنتدى منتدى الخواطر والشعر الفصيح
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 31-03-2005, 09:08 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •