أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
فمن عجيب أمر الأشاعرة دعواهم وتفاخرهم بأن لهم بعض الأسانيد إلى بعض كتب السنة ،ثم إنهم ليوهمون البسطاء من أتباعهم بأن نقل هذه الكتب قد توقف عليهم ، وأنهم هم أهل الحديث والأثر دون غيرهم ، وأن لهم الفضل والسبق في ذلك ،ويحتجون بذلك على إنهم هم أهل الحق أهل السنة ،وأن لو كانوا ضلالاً لما كان هذا شأنهم في توقف الأسانيد عليهم .
- أما دعواهم توقف نقل السنة عليهم في باطلة بلا شك وما يتفاخرون به ليست له قيمة حقيقية في نقل السنة أو القرآن أو غيرهما من الكتب ، كيف ذلك والأشعري رحمه الله ما عُرِف إلا في القرن الرابع الهجري !
- ومدار دعاويهم لا تخرج عن أمرين :
الأول : أنهم يزعمون أن لهم أسانيد مسلسلة بالأشاعرة ليس فيها غيرهم إلى كتب السنة ،وهذا باطل يقيناً كما سيأتي !
الثاني : أنهم يزعمون أن ما من سند إلى هذه الكتب بل وإلى كتاب الله سبحانه وتعالى إلا ويمر بأشاعرة في بعض ا لطبقات وهذا قد يكون صحيحاَ ،ولكنه لا يعتبر فضيلة لهم دون غيرهم ...

- أما الادعاء الأول فبطلانه يظهر لبادي النظر حين يعلم أن غالب كتب السنة قد مات أصحابها قبل أن يولد الأشعري رحمه الله أو بعد ولادته وهو صغير لا يدرك أو قبل قبل توبته من براثن الاعتزال !
فالبخاري مثلاً ولد وتوفي في : ( 194 -256 ) ، بينما الأشعري ولد في : ( 260 أو 270 وتوفي في : 324 أو 330 )
- ومسلم رحمه الله في : 204 – 261
- وأبو داود رحمه الله في : 202 -275
- والترمذي رحمه الله في : 209 – 279
- والنسائي رحمه الله في: 215 - 303
- وابن ماجة رحمه الله في : 209 – 273
فها هم أصحاب الكتب الستة عاشوا وماتوا قبل ولادة الأشعري رحمه الله أو قبل توبته من الاعتزال فكيف يصح عقلاً أن يتصل بهم إسناد اشعري والأشعري نفسه ساقط منه ؟!
هذا فضلاً عن كتب الحديث الأخرى والتي هي متقدمة عن هذه الكتب كمسند أحمد : ت 241وموطأ مالك : ت 179وسنن سعيد ابن منصور : ت 227 وغيرها ، فكيف يصح في العقل والمنطق الذي يدعيه هؤلاء بأن أسانيدهم متصلة ومسلسلة بالأشاعرة إلى أصحاب كتب السنة ؟! لا شك في بطلان هذه الدعوى .
- مع التنبيه أن الأشعري رحمه الله لم يكن من أصحاب الرواية أصلاً لا هو ولا تلامذته الذين أخذوا عنه منهجه !

- أما دعواهم بأن بعض الأسانيد تمر بهم وتتوقف عليهم فهذا لو سلمنا لهم فيه جدلاً فلمخالفهم أن يدعي نفس دعواهم إذ لم يتفردوا بهذه الأسانيد ووجد فيها غير الأشاعرة !
فما من سند فيه الأشاعرة إلا ويوجد فيه غيرهم ،وما من فضل يدعونه في وجودهم بهذه الأسانيد إلا وهو ثابت لغيرهم ...
- والاشكال ليس في فضل تحملهم وأدائهم في الأسانيد فهذه فضيلة وشرف لصاحبه بلا شك ،بل إن أفاضل الأشاعرة هم من كانوا من أهل الحديث والأثر كالخطابي والبيهقي وابن عساكر وغيرهم ،فهم أقرب إلى السنة من سائر من ينتسب إلى الأشاعرة ،وأقلهم مخالفة للنصوص وأبعدهم عن الكلام والفلسفة والمنطق اليوناني ،ولبعضهم تآليف في التحذير من الكلام وأهله ، فشرف وجودهم في الأسانيد حاصل بلا شك لهم ولغيرهم من أهل السنة والبدعة ،كيف لا وهذه من خصائص الأمة المحمدية ، ولكن أن يستدل بمثل هذا على صحة ما هم عليه من أخطاء وفساد عقائد ومنهج ،فهذا باطل ضرورة ،بل لا يقول بذلك عالم !!
- فأحقية المنهج وصحة العقيدة لا تكون إلا بموافقة منهج السلف من الصحابة والتابعين لا بمجرد وجودهم في بعض الأسانييد فهذا ليس له علاقة من قريب ولا من بعيد بصحة المنهج أو سلامة المعتقد ، فكيف إن كانت أصولهم متنافية ومتعارضة مع نصوص الكتاب والسنة ؟!
- ولو أخذنا في تحقيق القيمة العلمية لوجودهم في كثير من الأسانيد لما كان لنا إلا أن نقول كما قال الامام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله:
- " اعلم أن الرواية بالاسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا وكثير من الاعصار قبله اثبات ما يروى إذ لا يخلو اسناد منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطا يصلح لان يعتمد عليه في ثبوته وانما المقصود بها ابقاء سلسلة الاسناد التي خصت بها هذه الامة زادها الله كرامه" .. ا.هـ

- بينما لو نظرنا إلى وجود الكثير من المبتدعة في أسانيد أصحاب الكتب قبل تدوينها لوجدنا أن أهميتهم في اتصال السند و صحة الحديث أكبر بكثير من وجود هؤلاء في أسانيد بعض الكتب الثابتة لأصحابها أصلاً ، فإن أهل البدع من الخوارج والمرجئة والرافضة والقدرية وغيرهم كان وجودهم في الأسانيد أعظم أهمية من وجود هؤلاء بعد تدوين الكتب وصحة الأحاديث ،فلو كان لهؤلاء المبتدعة أن يفخروا بذلك لحق لهم الفخر ، ولو صحت العقائد بمثل ذلك لكان هؤلاء هم أولى بذلك من غيرهم .

- ومن جهة أخرى فإنا نقول لمن يتفاخر بأن طائفته كانت سبباً في نقل الكثير من كتب السنة : ماذا فعلتم بالسنة لما توصلتم إليها بهذه الأسانيد ؟! هل التزمتم السنة أم خرجتم عنها إلى أقوال ارسطوا وأفلاطون وغيرهم الفلاسفة ؟

- لقد طعن الرازي في جمهورر أهل الحديث طعنة نجلاء حيث جعلهم كالدراويش المغفلين حاطبي ليل لايدرون ما يجمعون ولا ما يوضع في كتبهم من أحاديث !
- وقطع بأن أحاديث الصفات المثبتة لصفات الله سبحانه وتعالى منكرة تخالف - بزعمه – الألوهية والربوبية وهي والله لا تخالف إلا أصوله الكلامية الفلسفية التي يدعي أنها عقلية يقينية ! فحكم بوضعها بل جعلها من وضع الملاحدة والزنادقة !!!

يقول في أساس التقديس :
" إنه اشتهر بين الأمة أن جماعة من الملاحدة وضعوا أخباراً منكرة، واحتالوا في ترويجها على المحدثين، والمحدثون لسلامة قلوبهم ما عرفوها، بل قبلوها، وأي منكر فوق وصف الله تعالى بما يقدح في الإ̃لهية ويبطل الربوبية؟ (يعني أن جملة من هذه الأخبار مشتملة على وصف الله تعالى بذلك)، فوجب القطع في أمثال هذه الأخبار بأنها موضوعة.
وأما البخاري والقشيري (يعني مسلما) فهما ما كان عالمين بالغيوب، بل اجتهدا واحتاطا بمقدار طاقتهما. فأما اعتقاد أنهما علما جميع الأحوال الواقعة في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى زماننا فذلك لا يقوله عاقل. غاية ما في الباب أنا نحسن الظن بهما وبالذين رويا عنهم، إلا أنا إذا شاهدنا خبرا مشتملاً على منكرٍ لا يمكن إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قطعنا بأنه من أوضاع الملاحدة، ومن ترويجاتهم على أولئك المحدثين"
ا.هـ

- بل لقد سمى ( كتاب التوحيد ) للإمام أبو بكر ابن خزيمة رحمه الله : ( كتاب الشرك ) وكأن هذا الإمام لا يدري ما يقول ولا ما يكتب في كتابه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال في تفسيره لقول الله سبحانه : "ليس كمثله شيء " : (واعلم أن محمد بن إسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سماه «بالتوحيد» ،وهو في الحقيقة كتاب الشرك ، واعترض عليها ، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات ، لأنه كان رجلا مضطرب الكلام ، قليل الفهم ، ناقص العقل) ا.هـ

فانظر كيف يصف هذا الإمام بالاضطراب وقلة الفهم وهو إمام الدنيا ،بينما لم يستطع من هو أطول منه لساناً وأشد تعصباً لأشعريته أن يغمزه ولو بكلمة ،ولم يجره تعصبه أن يطعن فيه كما طعن في شيخه الذهبي وذلك لما يعرفه عن هذا الإمام العظيم ومكانته العلمية وكلام الكبار فيه ،فقال طبقاته :
"المجتهد المطلق، البحر العجاج، والحَبْر الذي لا يُخايَر في الحِجى ولا يُناظَر في الحِجَاج، جمع أشتات العلوم، وارتفع مقداره فتقاصرت عنه طوالع النجوم، وأقام بمدينة نيسابور إمامَها حيث الضراغم مُزدحمة، وفردها الذي رفع العلم بين الأفراد علمه، والوفود تَفِد على رَبعه لا يتجنبه منهم إلا الأشقى، والفتاوى تُحمَل عنه برًّا وبحرًا وتشقُّ الأرض شقا، وعلومه تسير فتهدي في كل سوداء مُدلَهِمّة، وتمضي علما تأتمُّ الهداةُ به، وكيف لا وهو إمام الأئمة."
فتأمل وصف السبكي لهذا الإمام بأنه " إمام الأئمة " ثم تأمل كيف يصفه الرازي بأنه مضطرب قليل لافهم ناقص العقل !!!
بل يسمي كتابه التوحيد المحشو بالآثار والأحاديث الصحيحة التي يتفاخر هؤلاء بوجودهم فيها : "كتاب الشرك " !!!
فماذا فعل هؤلاء بالسنة لمّا وصلوا إليه بالأسانيد ؟!
- بل ماذا فعلوا بالقرآن ؟
لقد حكّموا فيه كلام أهل اليونان وقدموا ما توصلت إليه عقولهم الخربة عليه ،وزعموا أن هذا قانون كلي واجب الإتباع !
وقال متأخروهم : وكل " نص " أوهم التشبيها ** أوله أو فوض ورم تنزيها .
فهذا شأن النص الصحيح الصريح في إثبات الصفة يزعمون أنه يوهم التشبيه ومصيره إما التأويل أو التفويض فكيف بغيره من الأحاديث المتواترة ؟
فكيف بأحاديث الأحاد الصحيحة التي يمتنعون عن القول بها في الاعتقاد أصلا رغم صحتها ؟!
فليس لهؤلاء مزيد فضل على غيرهم ، وما من فضل يدعونه غلا وهو ثابت لغيرهم من أهل السنة أو البدعة وأحسن أحوالهم أن يكونوا ممن رضي أهل السنة روايتهم لصدقهم وعدم كذبهم ..
والله الموفق