أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


[المسألة الأولـى] :
رتب المؤلف[أي : ابن العربي] على هذا الباب عددا من المسائل :
- المسألة الأولى: تكليف ما لا يطاق. الأشاعرة يقولون بجواز تكليف ما لا يطاق، وقد تابعهم المؤلف في هذه المسألة .
من أين نشأ قولهم ؟ يقولون :أصلا التكاليف في الشريعة كلها مما لا يطاق ، كيف ؟ هم يقولون :الإنسان بمثابة ورقة الشجر التي يحركها الريح فيرف بها من غير أن يكون له قدرة ولا اختيار ، فيقولون : أصلا كل أفعالنا كصلاتنا وصيامنا هذا ما لنا فيه اختيار ، ومن ثَمَّ فكل أفعالنا لا طاقة لنا بها وقد كُلِّفْنا بها .
اتضح لنا منهج الأشاعرة في هذا الباب ، فهم انبنى قولهم هنا على أصل عقدي ، الأصل العقدي قول باطل لأن النصوص قد أثبتت للعبد قدرة و اختيارا ، فعندنا ثلاثة مناهج :
· منهج الأشاعرة يقول : ليس للعبد اختيار في أفعاله ، وهذه الأفعال تنسب إلى الله ولا تنسب إلى العبد إلا من جهة الكسب ، ما له قدرة عليها ولا اختيار ولا ...هذا منهج من ؟ الأشاعرة ، ويقولون :القدرة هي القدرة المقارنة للفعل التي هي توفيق من الله ، وأما ما قبل الفعل فلا نسميه قدرة .

· قابلهم المعتزلة، يقولون: أفعال العبد باختياره وفعله وخلقه، فالعبد يخلق فعل نفسه، والقدرة هي القدرة السابقة للفعل.
من أين جاء هذا الاختلاف ؟ جاء من أن كل طائفة نظرت إلى بعض النصوص دون جميعها، هؤلاء نظروا إلى طرف من النصوص، وهؤلاء نظروا إلى آخر .
طيب ، أيهما أرجح ؟ القول الأول قول الأشاعرة ، ولا قول المعتزلة؟
و تلاحظون قد يأتيك إنسان لا ترجح في مسألة حتى تستكمل الأقوال فيها ، ولذلك ضل أئمة كبار في مسائل مهمة بسبب أنهم لم يطلعوا إلا على قول في المسألة [كلمة غير مفهومة] ولم يطلعوا على بقية الأقوال .

· طيب القول الثالث في المسألة نقول : نثبت مشيئتين ، ونثبت للعبد فعل ولله خلق ، فالفعل الذي يكون من المكلف فيه مشيئة للعبد وفيه مشيئة لله ، وهذا الفعل فعل للمكلف ليس فعلا لله ، وإلا كان الزنا والسرقة فعل لله هذا أعوذ بالله ما يقول به من يتصوره ، لكنه خلق لله ، أفعال المكلفين مخلوقة لله جل وعلا ، والقدرة على نوعين :قدرة سابقة ، وقدرة مقارنة ؛ القدرة السابقة بالآلات بوجود الآلة ، عندك رجلين تقدر تذهب بها إلى الصلاة في المسجد . والقدرة المقارنة التي هي توفيق الله للعبد في أثناء وقت الصلاة فهي قدرة مقارنة.
ويدل على هذا نصوص عديدة :انظر لقوله تعالى :(وَمَاتَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)- [التكوير/29] أثبت للعبد مشيئة وأثبت لله مشيئة ، وبين أن مشيئة العبد مرتبطة بمشيئة الخالق .

طيب ، كيف مسألتنا هذه قال الأشاعرة :أصل أفعال العباد كلها ليست بقدرتهم ، ومن ثَمَّ فكل تكاليف الشريعة من تكليف ما لا يطاق ، فحينئذ قالوا : يجوز تكليف ما لا يطاق ، واستدلوا على ذلك بقوله : -(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)- [البقرة/286] قالوا : لولا حسن وقوع التكليف بما لايطاق ما سألوا دفعه .
كلمة "حسن" هذه تسير على طريقة المعنزلة ، لكن لو قالوا : ولولا إمكان وقوعه أو جواز وقوعه ما سألوا دفعه .
والاستدلال بالآية فيه نظر ؛ لأن قول : -(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)- المراد بقوله : -(مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)- ليس المستحيل ، وإنما المراد به ما يكون شاقا على العباد مع قدرتهم عليه كما قال تعالى : -(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)- [البقرة/184] يعني الذي يشق عليهم مع أنهم يقدرون عليه .

انظر كيف قال المؤلف :الله تعالى كلف العباد بالعبادات وبالوظائف كلها قبل أن يقدروا عليها ، على طريقة الأشاعرة .
فرق المؤلف بين التكليف بالمحال وتكليف المحال، فتكليف المحال هذا يمنعونه-تكليف المحال -.بينما التكليف بالمحال يجيزونه، وإذا نظر الإنسان في مقتضى اللغة لا يجد فرقا.


من شرح المحصول في أصول الفقه للعلامة ابن العربي المالكي -رحمه الله- لمعالي الشيخ الدكتور سعد بن ناصر الشثري -حفظه الله - الشريط الثاني ، ضمن دورة علمية بدولة قطر .