أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروى وتمييز سبيل المرذول والمرضي واستنباط ما في السنن من الأحكام وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام بل قنعوا من الحديث باسمه واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه فهم أغمار وحملة أسفار قد تحملوا المشاق الشديدة وسافروا الى البلدان البعيدة وهان عليهم الدأب والكلال واستوطئوا مركب الحل والإرتحال وبذلوا الأنفس والأموال وركبوا المخاوف والأهوال شعث الرؤوس شحب الألوان خمص البطون نواحل الأبدان يقطعون أوقاتهم بالسير في البلاد طلبا لما علا من الإسناد لا يريدون شيئا سواه ولا يبتغون إلا إياه يحملون عمن لا تثبت عدالته ويأخذون ممن لا تجوز أمانته ويروون عمن لا يعرفون صحة حديثه ولا يتيقن ثبوت مسموعه ويحتجون بمن لا يحسن قراءة صحيفته ولا يقوم بشيء من شرائط الرواية ولا يفرق بين السماع والإجازة ولا يميز بين المسند والمرسل والمقطوع والمتصل ولا يحفظ اسم شيخه الذي حدثه حتى يستثبته من غيره ويكتبون عن الفاسق في فعله المذموم في مذهبه وعن المبتدع في دينه المقطوع على فساد اعتقاده ويرون ذلك جائزا والعمل بروايته واجبا إذا كان السماع ثابتا والإسناد متقدما عاليا فجر هذا الفعل منهم الوقيعة في سلف العلماء وسهل طريق الطعن عليهم لأهل البدع والأهواء حتى ذم الحديث وأهله بعض من ارتسم بالفتوى في الدين ورأى عند اعجابه بنفسه أنه أحد الأئمة المجتهدين بصدوفه عن الآثار الى الرأي المرذول وتحكمه في الدين برأيه المعلول وذلك منه غاية الجهل ونهاية التقصير عن مرتبة الفضل ينتسب إلى قوم تهيبوا كد الطلب ومعاناة ما فيه من المشقة والنصب وأعيتهم الأحاديث أن يحفظوها واختلفت عليهم الأسانيد فلم يضبطوها فجانبوا ما استثقلوا وعادوا ما جهلوا وآثروا الدعة واستلذوا الراحة ثم تصدروا في المجالس قبل الحين الذي يستحقونه وأخذوا أنفسهم بالطعن على العلم الذي لا يحسنونه إن تعاطى أحدهم رواية حديث فمن صحف ابتاعها كفى مؤونة جمعها من غير سماع لها ولا معرفة بحال ناقلها وان حفظ شيئا منها خلط الغث بالسمين وألحق الصحيح بالسقيم وان قلب عليه إسناد خبر أو سئل عن علة تتعلق بأثر تحير واختلط وغبث بلحيته وامتخط تورية عن مستور جهالته فهو كالحمار في طاحونته...