أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الأصول السلفية في أسماء الله وصفاته العليه
الفصل الأول: قواعد في أسماء الله تعالى:-
القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها:
لأن العقل لايستطيع إدراك مايستحقه الله من الاسماء فوجب التوقف على ماجاء في الكتاب والسنة, وتسميته بما لم يسم به نفسه سوء أدب وقول على الله بلا علم, قال تعالى: ففف وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولً ققق,وقال: ففف قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطن ققق الى أن قال: فففوَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ ققق, فتسميته بما لم يسم به نفسه قول عليه بلا علم وهو من أكبر المحرمات بنص القرآن.

القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين:
والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك, او أنزلته في كتابك, أو علمته أحد من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك )) صحيح رواه أحمد وابن حبان والحاكم.
أما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (( إن لله تسع وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة )) فلا يدل على حصر اسماء الله تعالى بهذا العدد, بل يدل ان من أحصى هذه الاسماء دخل الجنة, ومثال ذلك إذا قلت: عندي مائة ناقة أعددتها للحرب, فإنه لايلزم منه ألا يكون لدي إلا هذا العدد, بل قد يكون عندي مئات أخرى غيرها.

القاعدة الثالثة: أسماء الله تعالى كلها حسنى:
أي بلغت في الحسن غايته وليس فيها نقص بوجه من الوجوه, قال تعالى: فففوَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاققق, والحسن في أسماء الله تعالى يكون بإعتبار كل اسم بمفرده وبإعتبار جمع هذا الاسم مع اسم آخر فيحصل بجمع الاسم مع الآخر كمال فوق كمال, مثال ذلك ماقاله تعالى: ففف وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ققق فالله تبارك وتعالى يجمع بين هذين الاسمين في مواطن كثيرة, فإسم (العزيز) تضمن صفة كمال وهي العزة, وإسم (الحكيم) تضمن صفة كمال آخر وهي الحُكم والحكمه, وعند جمع الاسمين يحصل كمال آخر, فعزته سبحانه لا تقتضي ظاما ولا جورا ولا سوء فعل بخلاف المخلوق الذي لو كان عزيزا لربما تأخذه العزة بالاثم, وكذلك حُكم الله وحكمته لايعتريهما الذل بحال من الاحوال بخلاف حُكم المخلوق وحكمته فإنهما يعتريهما الذل.

القاعدة الرابعة: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف:
أعلام بإعتبار دلالتها على الذات, وأوصاف بإعتبار مادلت عليه من المعاني, وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على موصوف واحد, وبالاعتبار الثاني متباينه لدلالة كل اسم لمعناه الخاص.
وإنما قلنا ذلك لدلالة القرآن عليها, قال تعالى: ففف الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِققق, فففوَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِققق, فالآية الثانية دلت على ان الرحيم هو المتصف بالرحمة. ولإجماع اهل اللغة والفطرة أنه لا يقال لأحد (عالِم) إلا إذا تضمن صفة العلم, ولا يقال (أبيض) إلا إذا تضمن صفة البياض, وهكذا...
القاعدة الخامسة: أسماء الله تعالى تدل على صفات لازمة ومتعدية:
فإن كان الاسم يدل على صفة لازمة تضمن لأمرين:
الأول: ثبوت ذلك الاسم لله تعالى.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها ذلك الاسم.
مثال على ذلك اسم (الحي) تضمن صفة لازمه غير متعدية الى الخلق وليست متعلقة بمشيئة الله تعالى.
وإن كان الاسم يدل على صفة متعدية تضمن ثلاثة أمور:
الأول: ثبوت الاسم.
الثاني: ثبوت الصفة.
الثالث: ثبوت حكم الصفة ومقتضاها (الاثر).
مثال اسم (الخالق) تضمن صفة الخلق وهي صفة متعدية الى المخلوقات متعلقة بمشيئة الله تعالى, فيثبت حكم الصفة ومقتضاها وهو أن الله يخلق, بل هو خالق كل شئ.

القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى تدل على ذات الله وعلى صفاته بالمطابقة والتضمن والإلتزام:
فدلالة المطابقة: دلالة اللفظ على جميع مدلوله, وعلى هذا فإسم (الحي) يدل على ذات الله وعلى صفة الحياة لله بدلالة المطابقة, وكذلك اسم (السميع) دل غلى ذات الله وعلى صفة السمع وعلىالحكم والمقتضى والاثر وهو أن الله يسمع كل شئ بدلالة المطابقة.
ودلالة التضمن: دلالة اللفظ على بعض مدلوله, وعلى هذا فإسم (الحي) يدل على ذات الله وحدها, وعلى صفة الحياة لله وحدها بدلالة التضمن, وكذلك اسم (السميع) دل على ذات الله وحدها, وعلى صفة السمع لله وحدها, وعلى الحكم والمقتضى والاثر وهو أن الله يسمع كل شئ وحدها بدلالة التضمن.
أما دلالة الالتزام: دلالة تفهم لا من اللفظ ولكن من لازمه, فإسم (الحي) يدل على صفة السمع والبصر بدلالة الالتزام؛ لأن كل حيِّ إما ان يكون سميعا بصيرا او ضده, وضد السميع البصير هو الأعمى الاصم وهذا ممتنع في حق الله تعالى, فإسم (الحي) يدل على صفة السمع والبصر بدلالة الالتزام.
ودلالة الالتزام مهمة جدا لطالب العلم, فإذا رزقك الله فهما للتلازم فإنك ستتحصل من المسألة الواحدة على مسائل كثيرة.
وتعريف اللازم: هو الذي يلزم من ثبوت القول ثبوته, شرعا أو عقلا أو لغة ولم يذكر في الكلام. ولكن هل لازم القولِ قول؟
الجواب فيه تفصيل, فلازم قول الله وقول رسوله إن صح أن يكون لازما فهو قول؛ لأن لازم الحق حق, ولأن الله أعلم بما يلزم من كلامه وكلام رسوله فيكون مرادا. وأما اللازم في قول أحد سوى الله ورسوله ففيه حالات:
الأولى هي أن يذكر له اللازم فيلتزم به.
الثانية هي أن يذكر له اللازم فيمنع التلازم.
الثالثة هي أن يكون الازم مسكوتا عنه فلا يذكر بالتِزام ولا منع, فحكمه في هذه الحالة ألا ينسب الى القائل؛ لأنه يحتمل لو ذكر له هذا اللازم ان يلتزم به او يمنع التلازم او يرجع عن قوله إذا تبيين له فساد اللازم لأن فساد اللازم يدل على فساد الملزوم وهو القول.
وبسبب هذه الاحتمالات لايمكن الحكم ان لازم قول غير الله ورسوله قول.

القاعدة السابعة: الإلحاد في أسماء الله تعالى محرم:
الالحاد لغة: الميل, ومنه اللحد في القبر لأنه مائل. والإلحاد فيها هو الميل بها عما يجب فيها, وهو أنواع:
الأول: هو ان يجعلها دالة على صفات تماثل صفات المخلوقات, كما يفعله أهل التمثيل من الكرامية وبعض الشيعة, وهذا باطل محرم. وإنما كان ذلك إلحادا فيها لأن التشبيه معنى باطل لايمكن أن تدل عليه النصوص, بل إن النصوص دالة على بطلانه, قال تعالى: ففف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌققق, وقوله: فففأَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ أَفَلا تَذَكَّرونَققق, فففهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّققق, ففففَلا تَضرِبوا لِلَّـهِ الأَمثالَ إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَققق, فأصبح جعلها دالة على صفات تشابه صفات المخلوقين ميل بها عما يجب فيها.
الثاني: هو أن ينكرها أو ينكر شيئا مما دلت عليه من الاحكام والمعاني, كما يفعله أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة والاشاعرة, وإنما كان ذلك إلحادا فيها لوجوب الإيمان بها وبما دلت عليه من الاحكام والمعاني, فالله أعلم بنفسه من غيره, وأصدق خبرا, وأفصح بيانا, فوجب إثباتها وإثبات ما دلت عليه من الاحكام والمعاني, فإنكار شئ منها ميل بها عما يجب فيها.
الثالث: هو تسمية الله مالم يسمِ به نفسه, كتسمية النصارى له (الأب) وتسمية الفلاسفة له (العلة الفاعلة) وتسمية بعض الجهلة له (المهندس) أو (الفنان), وإنما كان ذلك إلحاد في أسماء الله تعالى لأن أسمائه توقيفية فلا تثبت إلا بالكتاب والسنة, فأصبح تسمية الله مالم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها.

الفصل الثاني: قواعد في صفات الله تعالى:-
القاعدة الأولى: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها:
فلا تثبت إلا بالكتاب والسنة, وحسبنا حجة في هذا الباب ما نص عليه الامام أحمد بن حنبل رحمه الله, فقال: (لا يوصَف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم, لايتجاوز القرآن والحديث), والطرق لإثبات الصفة من الكتاب والسنة تكون من أوجه:
الأول: دلالة الاسم عليها, فإن كل اسم متضمن لصفة.
الثاني: التصريح بالصفة, كقوله تعالى: ففف وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِققق
الثالث: أن تأخذ من الفعل, كصفة الاستواء تأخذ من قوله تعالى: ففف الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ققق
وبهذه الطرق الثلاثة تبيين ان باب الصفات أوسع من باب الاسماء, فالصفات لها ثلاث طرق لإثباتها على عكس الاسماء التي ليس لها إلا طريق واحد وهو التصريح بالاسم.

القاعدة الثانية: صفات الله تعالى كلها صفات مدح, وهذا بدلالة السمع والعقل:
أما السمع فقوله تعالى:ففف لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ ققق, والمثل الأعلى أي الوصف الأعلى.
أما العقل فلأن كل موجودٍ لابد من صفات, فصفة أنه موجود, وصفة أن وجوده هذا هل هو واجب أو ممكن...الخ. وهذه الصفات إما أن تكون صفات كمال أو صفات نقص, وصفات النقص ممتنعة في حق الله تعالى؛ لأن المتصف بالنقص لايستحق أن يكون إله, ألم ترَ أن الله أبطل ألوهية الاصنام بإتصافها بالنقص فقال:ففف وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ققق, وقال:ففف وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ ققق, ففف وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ققق, وقال عن ابراهيم وهو يحتج على أبيه: ففف إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً ققق, وعلى قومه: ففف قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلايَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ققق.

القاعدة الثالثة: صفات الله تنقسم إلى ثبوتية وسلبية (منفية):
فالصفات الثبوتية (الوجودية) هي الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم, وكلها صفات مدح وكمال, فيجب إثباتها بدلالة السمع والعقل:
فمن السمع قوله تعالى: ففف يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ققق, فالإيمان بالله وبكتابه يتضمن الإيمان بما أخبر به عن نفسه في كتابه, والإيمان برسوله يتضمن الإيمان بما أخبر به الرسول عن ربه.
ومن العقل فلأن الله أخبر بها عن نفسه, وهو أعلم بنفسه من غيره, وأوضح بيانا, وأفصح كلاما؛ فوجب الإيمان بما أخبر عن نفسه من غير تردد! لأن التردد إنما يتأتى عندما يكون الكلام صادرا عمن يجوز عليه الكذب أو الجهل أو الإعياء بحيث لايستطيع الافصاح عما يريده, والله تعالى منزه عن كل ذلك, فوجب قبول ما أخبر من غير تشبيه ولا تكييف ولا تحريف ولا تعطيل.
والصفات السلبية (المنفية) هي الصفات التي نفاها الله عن نفسه, وهي كلها صفات نقص في حقه سبحانه كالكسل, والإعياء, والسنة والنوم, والصاحبة والولد, واللغوب...إلخ, فيجب نفيها مع إثبات كمال ضدها, فننفي عنه السِنه والنوم لكمال قدرته وقيوميته, وننفي عنه الصاحبة والولد لكمال أحديته وصمديته, وننفي عنه الكسل والإعياء لكمال قوته وعظمته وإحاطته, وهكذا...؛ لأن النفي المحض ليس بكمال إلا إذا تضمن صفة ثبوتية (وجودية), فالنفي عدم, والعدم لاشئ فضلا عن أن يكون كمالا. ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل, مثال: الجدار لا يظلم؛ فلا يكون مدحا ولا ذما, وقد يكون بسبب العجز فيصبح ذما, كما يقول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولايظلمون الناس حبة خردل
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا أولي حسب ::: ليسوا من الشر في شئ وإن هانا
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ::: ومن إسائة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته ::: سواهم من جميع الناس إنسانا
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ::: شدوا الإغارة فرسانا وركبانا

القاعدة الرابعة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين ذاتية وفعلية:
الذاتية هي التي لم يزل ولا يزال ربنا متصفا بها, وهي تنقسم إلى قسمين معنوية وخبرية:
فالمعنوية: مثل القدرة, والعلم, والحكمة, والقوة, والحياة...إلخ. والخبرية: مثل الوجه, واليدين, والقدم, والعينين. فهذه الصفات لم يزل ولايزال ربنا متصفا بها, فليس له حياة تتجدد, ولا قدرة تتجدد, ولاقوة تتجدد...إلخ. وتجدد المسموع لا يستلزم تجدد السمع؛ فأنا الآن مثلا عندما اسمع الأذان الآن فهذا لايلزم انه حدث لي سمع جديد عند سماع الأذان! بل هو موجود منذ أن خلقه الله فيَّ, فتجدد المسموع لا أثر له على الصفة.
والفعلية هي الصفات المتعلقة بالمشيئة, وهي نوعان:
صفات لها سبب معلوم, كالرضى والمحبة والغضب والسخط. وصفات ليس لها سبب معلوم, كالنزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
وهناك صفات تكون ذاتية وفعلية بإعتبارين, كصفة الكلام مثلا, فإنها بإعتبار أصلها ذاتية فلم يزل ربنا ولا يزال متكلما. وبإعتبار آحادها فعلية فالله يتكلم متى شاء بما شاء كيفما شاء.

القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية (الوجودية) أكثر بكثبر من الصفات السلبية (المنفية):
لأن الصفات الثبوتية كلها مدح وكمال, وكلما كثرت وتنوعت ظهر من كمال الموصوف ماهو أكثر على عكس الصفات السلبية فإنها غالبا ماتكون مجملة؛ لأن الطريقة المثلى في المدح هي أن تذكر المحامد مفصلة, وتنفي المعايب مجملة. فلو جئت عند ملك من ملوك الدنيا وقلت له: ليس كمثلك أحد, أنت مترفع عن الرذائل, لايوجد من يقف أمامك...الى غير ذلك من النفي المجمل فإنني أكون مادحا له بخلاف إن فصلت في النفي فإنني بذلك التفصيل أكون مسيئا إليه, مثل أن يقال للملك: أنت لست بزبَّال, ولست بجاهل, ولست بغبي, ولست بجبان...فإنه إن سمع ذلك سيأمر سيافه ليضرب عنقي.
لذلك بعث الله رسله بهذا الاثبات المفصل والنفي المجمل, فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل, ونفوا عنه ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل, كما قال تعالى: ففف هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّ ققق, أي نظيرا يستحق مثل اسمه, ويقال مساميا يساميه, وهذ معنى ا ما يُروى عن ابن عباس: "هل تعلم له مثلا أو شبيها", وقال: ففف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ققق, ففف وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ققق, إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فتبيَّن أن طريقة الرسل هي الموافقة للعقل والذوق السليم والأدب الرفيع.
وقد يكون النفي مفصل لسببين:
الأول هو للرد على ما ادعاه الكاذبون في حقه جل وعلا, كقوله: ففف مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ققق. والثاني يكون لدفع توهم نقص في كماله, كقوله: ففف وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ققق.

القاعدة السادسة: يلزم من اثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين وهما التشبيه والتكييف:
التشبيه هو جعل صفات الله مماثلة لصفات المخلوقين, وهذا باطل محرم بدلالة السمع والعقل:
أما اسمع فقول الله تعالى: ففف لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌققق, وقوله: فففأَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ أَفَلا تَذَكَّرونَققق, فففهَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِياًّققق, ففففَلا تَضرِبوا لِلَّـهِ الأَمثالَ إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَققق
أما العقل فمن وجوه:
الأول: أن الصفات على قدر الذات, فكما أن لله ذات ليس كمثلها ذات فكذلك له صفات ليس كمثلها صفات.
الثاني: أن الاتفاق في أصل الصفة أو في الاسم العام الكلي لايستلزم الاتفاق في الكيفية والحقيقة, فالعرش شئ موجود, والبعوضة شئ موجود, ولايلزم من اتفاقِهما في إسم الشئ والوجود أن يكونا متفقين في مسمى ذلك الاسم.
الثالث أن يقال: تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصا, فكيف يكون الله الخالق الكامل مماثلا في صفاته لصفات المخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله؟ فهذا مما يحيله العقل.
والمحذور الثاني هو التكييف وهو أن يعتقد العبد ان صفات الله كذا وكذا دون تقييدها بممثال, وهذا باطل محرم بدلالة السمع والعقل:
أما السمع فقوله تعالى: ففف وَلا يُحيطونَ بِهِ عِلمًاققق, فففوَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًققق, ففف قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَققق الى أن قال: فففوَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَققق, ومعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأن الله أخبرنا أن له صفات ولم يخبرنا عن كيفية هذه الصفات, فأصبح تكييف صفات الله قول على الله بلا علم وهذا محرم بنص القرآن.
أما العقل فلأن كيفية الشئ لاتدرك إلا بمشاهدة الشئ, أو بمشاهدة نظيرة, أو بإخبار الصادق عن كيفيته, وكل هذه الطرق منتفية في تكييف صفات الله تعالى فوجب الكف عن تكييفها. وأي تكييف لصفات الله تقدرها في ذهنك فإنك ستكون كاذب فيها لأنه لاعلم لك بذلك.

الفصل الثالث: قواعد في أدلة الاسماء والصفات:-
القاعدة الأولى: اسماء الله وصفاته لا تثبت إلا بالكتاب والسنة, وهذا بدلالة السمع والعقل:
أما السمع فقوله تعالى: ففف مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ققق, ففف وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ ققق, ففف وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ققق, ففف فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ققق, ففف وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ققق.
أما العقل فإن معرفة ما يجب أو يجوز أو يمتنع لله تعالى على سبيل التفصيل من الأمور الغيبية التي لايمكن إدراكها بالعقل فوجب الوقوف على ماجاء في الكتاب والسنة. وتقديم العقل في هذه الأمور مخالف لما كان عليه سلف هذه الامة وائمتها, فإنهم لم يجعلوا مدار إثبات الاسماء والصفات على العقل بل توقفوا فيما جاء في النقل. ولأن تقديم العقل في هذه الأمور مخالف للعقل؛ فالعقل يصرح وينص على أنه لا مدار في الاثبات في هذا الباب إلا على النقل, فأصبح تقديم العقل على النقل مخالفا للعقل.

القاعدة الثانية: الواجب تجاه نصوص الكتاب والسنة إجرائها على ظاهرها وخصوصا نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها:
دل على ذلك السمع والعقل:
أما السمع فقوله تعالى: ففف إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ققق, ففف بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ققق, ففف إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ققق, وهذا يدل على وجوب إجرائه بما يقتضيه ظاهره باللسان العربي, على قانون اللغة التي أنزل الله بها كتابه ونطق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه.
وقد ذم الله اليهود على عدم إجراء نصوص التوراة على ظاهرها وتحريفهم لها لفظيا ومعنويا, فقال: ففف مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ققق, فقد فسر التحريف بتحريف التنزيل وتحريف التأويل, وبيَّن أنهم بتحريفهم صاروا أبعد الناس عن اللإيمان, فقال: ففف أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ققق.
فمن حرف نصوص الكتاب والسنة كان فيه شبه من اليهود, فإن الله تعالى لما أخبر بإستوائه على عرشه في سبعة مواضع من كتابه العظيم, قال هؤلاء المأوله المعطلة: ما استوى ربنا على عرشه وإنما استولى, فزادوا (اللام), ففيهم شبه من اليهود, قال لهم ربنا: ففف وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ ققق فدخلوا على استاههم يزحفون ويقولون: حنطه حنطه, فزادوا (النون), فتلك اللام التي أقحمت على (استوى) فصارت (استولى), كنون اليهود التي أقحمت على (حطه) فصارت (حنطه).
أما العقل فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره وقد خاطبنا باللسان العربي فوجب قبوله على بما يقتضيه ظاهره باللسان العربي وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة, ولذلك تجد المتأولين هم أكثر الناس نزاعا في المراد بالنصوص؛ لأن كل واحد منهم يفسر القرآن على ما يقتضيه رأيه والآراء لا تنحصر فيحصل الاختلاف والتفرق وتصبح الأمة أمما.

القاعدة الثالثة: ظاهر النصوص هو ما يتبادر الى الذهن من المعاني:
فالظاهر في اللغة: هو الواضح البيِّن.
وفي الاصطلاح: هو ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره.
ويعتبر في معرفة الظاهر أمور, منها: دلالة اللفظ, دلالة السياق, حال المُتكلم, وسائر القرائنِ المحتفة بالخطاب. فالكلمة الواحدة يكون لها معنى في سياق ومعنى آخر في سياق, فلفظ (القرية) يُرَاد به القوم تارة ومساكن القوم تارة أخرى, كقوله تعالى: ففف وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِققق, ففف وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا ققق فالقرية هنا بمعنى القوم, وفي قوله: ففف إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ ققق بمعنى مساكن القوم. وكذلك إن قلت (رأيتُ الأسد) فالراجح أنه الحيوان المفترس لأن اللفظ حقيقة فيه، والمرجوح هو الرجل الشجاع. فاللفظ ظاهر في (الحيوان المفترس). وقد ينعكس لقرينة كسياق اللفظ ونحوه. فلو قلت: (رأيت أسدا راكبا فرسا ومتقلدا حساما) فإنه يكون ظاهرا في (الرجل الشجاع)، واحتمال اللفظ لمعنى الحيوان المفترس ضعيف لأجل السياق.
ويختلف هذا الظاهر بحسب عدة أمور, منها: السياق, والاضافة, والتركيب. فلو جائني طالب علم وقال: أريد كتبا, فقلت لوكيلي في المخزن: أعطه مايليق به, فإنه ينبغي لوكيلي أن يعطيه من المغني والمهذب وكتب السنة؛ لأنه طالب علم, وأنا قلت له: أعطه مايليق به. وأما إذا جائني طالب في المرحلة الابتدائية وطلب كتبا, فقلت لوكيلي: أعطه ما يليق به, فإنه ينبغي لوكيلي ان يعطيه من الكتب الصغيرة المناسبة له. فقولي: (أعطه مايليق به) واحد في المرتين, ولكنه اختلف بحسب ما أضيف إليه لا بحسب السياق فإن السياق واحد.
فالكلام إن كان لا يحتمل إلا معنى واحد يسمى نصاً, وإن كان يحتمل معنيين متساويين فيما بينهما يسمى مجملاً, ولا يجوز اختيار احد القولين الا بدليل, ومن اخذ احد القولين بلا دليل يكون كاذب على المتكلم, وأما ان كان يحتمل معنيين أحدهما أرجح من الآخر فهذا هو الظاهر.

القاعدة الرابعة: نصوص الصفات معلومة لنا بإعتبار ومجهولة لنا بإعتبار آخر:
فهي بإعتبار المعنى معلومة, دل على ذلك السمع والعقل:
أما السمع فول الله تعالى: ففف كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ققق, ففف أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ققق, ففف أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْل ققق ومعلوم أن الأمر بالتدبر لايكون إلا فيما يمكن الوصول الى فهمه.
أما العقل فلأن من المحال ان ينزل الله كتابا ويتكلم الرسول بكلام يقصد بهذا الكتاب وهذا االكلام ان يكون هداية للخلق ونورا وشفاء لما في الصدور وهدى وموعظة للمتقين ثم يكون في أعظم الأمور وأشرفها مجهول المعنى بمنزلة الحروف المقطع التي لايعرف معانيها؛ لأن هذا من السفه الذي تأباه حكمة الله.
وأما بإعتبار الكيفية مجهولة وقد تم ذكر الادلة من السمع والعقل.


المصادر:
1- القواعد المثلى في اسماء الله وصفاته الحسنى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
2- شرح الشيخ محمد سعيد رسلان على القواعد.
3- التدمُريَّة لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.