إستنطاء هُذيل ..وعنعنة تميم
فهد عامر الأحمدي
قبل فترة دخلت مسجد قباء متأخرافصليت مع جماعة من الزوار منخارجالمملكة.. وبعد الفاتحة قرأ الإمام سورة الكوثر بلفظ { إنا أنطيناك الكوثر}فرد عليه رجل من"ربعنا" { إنا أعطيناك الكوثر} فعاد الإمام وقرأها { إنا أنطيناك الكوثر} فرد عليه الرجل مرتين وثلاثاً بدون أن يتزحزح الإمام عن موقفه..
وبعد انتهاء الصلاة ألقى"المأموم" محاضرة على "الزائرين" ناصحا إياهم بتعديل لسانهم المعووج ومذكرا فيها بأن القرآن نزل بلسان عربي مبين }.. ولم يعلم سيادته أنه نزل أيضا على سبعة أحرف}!!
... وكنت قد سمعت قصة مشابهة من أحد الأصدقاء حيث قرأ الإمام الفاتحة { اهدناالزراط المستقيم} فرد عليه الناس { الصراط المستقيم} فعاد وقال { الزراط المستقيم}فردوا عليه مرتين وثلاثاً {الصراط المستقيم} ولكنه أصر على موقفه الأمر الذي جعل أ حد المصلين يقول بصوت مرتفع: الصراط المستقيم أو اترك الإمامة لغيرك...
... وما يحدث في مثل هذه المواقف أن الإمام يقرأغالبا على "حرف" يناسب لهجتهالمحليةفي حين لا يعرف المأمومون جواز قراءة القرآن على هذا الحرف أو ذاك..
ومواقف كهذه ظهرت منذ عهد النبوةحيث خفي حتى على بعض الصحابة الوجوه المتعددة لقراءة القرآن الكريم (مثل عمر بن الخطاب الذي سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يسمعها من قبل) وجميعها انتهت بإجازتها من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم..
ورغم اختلاف العلماء في معنى"سبعة أحرف" إلا أن أشهرها قولهم إنها سبع لهجات كانت شائعة لدى قبائل العرب في ذلك الوقت.. وبهذا الشأن يقول أ لزركشي: نزل القرآن بعضه بلغة قريش، وبعضه بلغه هذيل، وبعضه بلغة تميم، وبعضه بلغة أزد وربيعه، وبعضه بلغة هوازن وسعد وهكذا ... وهذه اللهجات (رغم أنها عربية) إلا أن مخارجها وألفاظها توافق مخارج وألفاظ الحروف في اللغات الأجنبية كالفارسية والحبشية والهندية والتركية (ومن هنا ظهر علم القراءات وأصبح لكل بلد قراءته التي يشتهر بها)!!
... ومن النماذج المشهورة لاختلاف مخارج الحروفبين القبائل العربية:
@ ما يعرف "باستنطاء قبيلة هذيل" حيث تقلب العين نونا وبالتالي تُقرأ { إناأعطيناك}{إنا أنطيناك} وهو قلب يُسمع حتى اليوم في بعض دول الخليج!
@ أما قبائل قيس وتميم وأسد فاشتهرتب"العنعنة" حيث تقلب الهمزة عيناً بحيث يقرأبعضهم { سعل ساعل} بمعنى {سأل سائل}!
@ أما قبيلتا ربيعة ومضر فكانتا تقلبان الكاف شينا وكانتا تنطقان كلمتي "بيتك"و"لبيك الله" ؛ "بيتش" و"لبيش الله" وهو ما يدعى الشنشنة(ويلاحظ حتى اليوم في اليمن وجنوب المملكة)!
@ أما قبائل حمير فكانت تقلب "ال"التعريف الى "أم" وبهذا اللفظ تناقلت حديث{ليس من البر الصيام في السفر} بلفظ {ليس من أمبر أمصيام في أمسفر}!!
@ أيضا هناك التختخة ، واللخلخة ، والكشكشة ،واليأيأة ، والخأخأة ؛ التي ميزت قبائل بعينها ولها حتى اليوم ما يطابقها في مخارج الحروف العالمية!
... ورغم أنني لست ضليعا في علم القراءات - ولالهجات العرب ومخارج الحروف- ولكنني أرى في هذاالعلم مغزيين عظيمين يجب على الجميع استيعابهما:
... الأول: احترام ثقافات ولهجات الآخرين...والثاني: أن لا تتخذ أي جهة مننفسها مرجعا للغة والدين!!

-- والله أعلى وأعلم
توكلت في رزقي على الله خالقي وأيقنت أن الله لا شك رازقي

وما يك من رزق فليس يفوتني ولو كان في قاع البحار العوامق

سيأتي به الله العظيم بفضله ولو لم يكن مني اللسان بناطق

ففي أي شيء تذهب حسرة وقد قسم الرحمن رزق الخلائق



تحياتي

محمد