صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 16

الموضوع: مطلوب بحوث عن ( أسماء الله الحسني , اليدان لله , الحكمة لله )

  1. #1
    ~ [ عضو جديد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Feb 2006
    المشاركات
    26

    مطلوب بحوث عن ( أسماء الله الحسني , اليدان لله , الحكمة لله )

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    مطلوب بحث عن أحد المواضيع التالية :


    ( أسماء الله الحسني , اليدان لله , الحكمة لله )




    وشكراً للجميع

  2. #2

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    هلا بك خيتي رحاب

    وإن شاء الله يكون مطلوبك بين يديك في اقرب وقت

    تقبلي خالص تحياتي
    [align=center][/align]

  3. #3

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]أهمية معرفة الأسماء الحسنى
    1
    1- معرفة أسماء الله وصفاته أصل التوحيد:
    التوحيد في قلب المؤمن كشجرة أصلها ثابت في قلبه علما واعتقادا وفرعها من العمل الصالح في السماء مرفوعاً ومقبولاً( 1)، قال تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ) (إبراهيم:24) والكلمة الطيبة في الآية الكريمة هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله ، الدالة على الإيمان به عزوجل (2 ) ، ومن هنا كان القول بأن معرفة أسماء الله وصفاته أصل التوحيد وأساسه الذي يستلزم أنواع التوحيد كلها ويتضمنها( 3) ؛ فمن عرف أسماء الرب عز وجل ؛ أعطاه حق الربوبية ، ومن عرف أوصاف الإله عزوجل ؛ أعطاه حق الألوهية وأخلص له العبادة ، قال ابن تيمية : ( إن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية ، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس ، وأدركته العقول )( 4).
    ولتحقيق أصل التوحيد من العلم والاعتقاد كانت معرفة الأسماء والصفات من أول الفروض ، وأوجب الواجبات ؛ قال تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) (محمد: من الآية19) ، وقال لمعاذ عندما بعثه لليمن (فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ ) فالعلم بـ لا إله إلا الله وما تتضمنه من تعريف بالله هو الأصل الذي يقوم عليه التوحيد إذ لا تقوم شجرة الإيمان إلا على ساق العلم والمعرفة )(5 ).

    2- معرفة الأسماء والصفات سبب في زيادة الإيمان:
    من أصول أهل السنة والجماعة : أن الإيمان يزيد وينقص ، لدلالة الكتاب والسنة على ذلك( 6)، كما في قوله تعالى :( لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ ) (الفتح: من الآية4) حيث تدل الآية على زيادة الإيمان بمنطوقها وعلى نقصانه بمفهومها للتلازم بين الزيادة والنقص فلا يتصور أحدهما بدون الآخر.
    وقد تواترت النصوص على أن أفضل الأعمال : الإيمان بالله ، والأعمال بعده على مراتبها وهي داخلة في مسماه ( 7).
    وأركان الإيمان بالله أربعة : الإيمان بوجوده ، والإيمان بربوبيته ، والإيمان بألوهيته ، والإيمان بأسمائه وصفاته ، والإيمان بأسماء الله وصفاته يتضمن باقي الأركان باعتبار ويستلزمها باعتبار آخر(8 ) ، ومن هنا كانت معرفة أسماء الله وصفاته تحقيق لهذا الركن وزيادة لباقي الأركان ، قال ابن تيمية ’ : ( من عرف أسماء الله ومعانيها فآمن بها كان إيمانه أكمل ممن لم يعرف تلك الأسماء بل آمن بها إيمانا مجملا )(9 ) ، ولهذا دعى رسول الله إلى إحصائها ومعرفتها .
    كذلك فإن معرفة أسماء الله وصفاته ترسخ الإيمان بوجوده وتعرف بحقه في الربوبية ،كما تورث العبد محبة وتأليها للمتصف بالجمال والكمال والجلال ، ذوالقوة والعظمة والجبروت ؛ فيقبل على عبادته حبا وإجلالا ، ويبتعد عن معصيته خشية وخوفا ، ويداوم على دعائه وسؤاله رجاء ما وعد من مغفرته وجزيل ثوابه ، فكانت المعرفة بذلك سبب زيادة عمله الصالح الذي يسبب زيادة في إيمانه ، فـ (كلما ازداد العبد معرفة بأسماء الله الحسنى وصفاته ازداد إيمانه وقوي يقينه )( 10).

    3 - معرفة الأسماء والصفات أشرف المعارف :
    تتفاوت المعارف في الشرف بذاتها ومتعلقاتها وثمراتها وبما هي وسيلة إليه ، ومعرفة أسمائه عزوجل وصفاته أشرف المعارف ؛ لأن متعلقاتها أشرف المتعلقات ، وثمراتها أفضل الثمرات ، وهي وسيلة إلى أسمى الغايات ( 11): فمتعلقها هو الله البارئ عزوجل (والبارئ أشرف المعلومات فالعلم بأسمائه أشرف العلوم )(12 ) ، وثمراتها : التوحيد والإيمان أفضل الثمرات ، وغايتها : تحقيق العبودية لله عزوجل ، وهي أسمى الغايات .
    والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم فإن المعلومات سواه عزوجل : إما أن تكون خلقا له تعالى ، أو أمرا كونيا أو شرعيا . ومصدر الخلق و الأمر عن أسمائه وصفاته ؛ فأمره كله حسن فيه الرحمة والإحسان في كل ما يدعوهم إليه وما ينهاهم عنه . وخلقه كله بالحكمة والقدرة والعلم فهو الخالق الباري الحكيم العليم عزوجل . وكما أن كل موجود فبإيجاده ، فكذلك العلم بكل معلوم تابع للعلم بأسمائه وصفاته ( وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة مرادة لأجلها )(13 ) ، قال ابن القيم : ( وكما أن العلم به أجل العلوم وأشرفها ، فهو أصلها كلها ، كما أن كل موجود فهو مستند في وجوده للملك الحق المبين ، ومفتقر إليه في تحقق ذاته ، وكل علم فهو تابع للعلم به ، مفتقر في تحقق ذاته إليه ، فالعلم به أصل كل علم ، كما أنه سبحانه رب كل شيء ومليكه وموجده )( 14) (فمن عرف الله ، عرف ما سواه ، ومن جهل ربه ، فهو لما سواه أجهل )( 15).والعلوم إنما تتفاوت في الفضل بعد معرفة الأسماء والصفات بحسب إفضائها إلى إليها ( فكل علم كان أقرب إفضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه )( 16).

    4 - معرفة الأسماء والصفات هي الطريق لمعرفة الله :
    تتطلع النفس العابدة للتعرف على معبودها الحق عزوجل ، ولما كان غيبا لا تراه ؛ فلا سبيل لها إلى معرفته إلا بأسمائه وصفاته التي عرّف بها نفسه عزوجل في كتابه ، أو عرّفه بها نبيه محمد ، أو دل عليها بديع خلقه ، وعظيم نعمائه ، وجزيل عطائه .
    ومن عرف أسماء الله وصفاته ؛ عرف إلها حقا ، خالقا رازقا ، ربا منعما متفضلا ، (ملكا قيوما فوق سماواته على عرشه يدبر أمر عباده ، يأمر وينهى ، يرسل الرسل ؛ وينـزل الكتب ، يرضى ويغضب ؛ ويثيب ويعاقب ، يعطي ويمنع ؛ ويعز ويذل ؛ ويخفض ويرفع ، يرى من فوق سبع سموات ويسمع ، يعلم السر و العلانية ، فعّال لما يريد ، موصوف بكل كمال ، منـزه عن كل عيب ، لا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه )( 17) ، ومن هنا كانت جناية المعطلة جناية عظيمة ؛ بقطعهم الطريق إلى معرفة الله عزوجل بنفي صفاته وتعطيل كماله عزوجل ، فكيف يكون إيمان ؟ وكيف يكون توحيد عند المعطلة ونفاة الصفات ؟!، (وكيف تأله القلوب من لا يسمع كلامها ولا يرى مكانها ،ولا يحب ولا يحب ،ولا يقوم به فعل ألبته ،ولا يتكلم ولا يكلم ولا يقرب من شيء ولا يقرب منه شيء ، ولا يقوم به رأفة ولا رحمة ولا حنان ،ولا له حكم ولا غاية يفعل ويأمر لأجلها )( 18) ، فلا يتصور الإيمان بمجهول ، فكيف بمعدوم تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
    فمعرفة الأسماء والصفات هي الطريق لمعرفة الله ، ومعرفته طريق عبادته كما يحب ويرضى ، والعبد يحب أن يتعرف على كل من يتعامل معه و( الله الذي خلقنا ورزقنا ، ونحن نرجو رحمته ، ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها )( 19) .

    5- معرفة الأسماء والصفات هي الطريق لعبادة الله عزوجل*

    قال تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65) فجعل تفرده عزوجل بالربوبية ، واختصاصه بالأسماء الحسنى برهانا قاطعا على استحقاقه للعبودية وحده ، وإبطال عبادة من سواه(20 )، فينبغي للعباد ( أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها فيعظموا الله حق عظمته )(21 ) ، ويعرفوا ما يجب له وما يستحقه ؛ فيوحدوه ويحمدوه ويمجدوه ، وبها يدعونه ويسألونه عزوجل ، وبمعرفتها يعرفون ما يحب وما يكره ؛ فيتقربون إليه بفعل ما يحب واجتناب ما يكره ، وهذه هي العبادة التي تعبدهم بها الله عزوجل( 22) .
    وبمعرفة أسماء الله وصفاته يتحقق الذل والخضوع في أكمل درجاته ، وتتحقق المحبة في أعلى صورها وكذا في سائر العبادات ، فكلما كان العبد بأسماء الله وصفاته أعرف كلما كان لله أعبد فالمعرفة الكاملة الصحيحة تستلزم الاهتداء( 23)، إذ أن الاعتراف والإقرار اللذان هما أصل المعرفة ، هما المحركان على باقي الطاعات ؛ فإذا وجدا بعثا وحركا على غيرهما من العبادات ، ولا يكون وجود الصلاة مثلا أو الصيام أو الحج مع جحد الباري عزوجل( 24).
    فالأسماء الحسنى هي وسيلة الدعاء ، و« الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ »(25 ) ،قال عزوجل (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأعراف:180) ؛ فمن عرف أن الله سميع دعاه وناداه : يا رحمن : ارحمني ، ويا تواب : تب علي ، ويا رزاق : ارزقني ، ويا وهاب : هب لي .
    وهي كذلك وسيلة حمده والثناء عليه وذكره عزوجل ، كما جاء في ثناء المصطفى على ربه عزوجل: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ .........الحديث )( 26) ، وهذا من أعظم العبادة التي أوجبها الله على العباد ، فـ ( الأسماء الحسنى والصفات العلا ، مقتضية لآثارها من العبودية والأمر اقتضاؤها آثارها من الخلق والتكوين ، فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها ، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها)( 27).
    فـ ( الإيمان بالصفات ومعرفتها وإثبات حقائقها وتعلق القلب بها وشهوده لها مبدأ الطريق ووسطه وغايته ، وهو روح السالكين وحاديهم إلى الوصول ومحرك عزماتهم إذا فتروا ومثير هممهم إذا قصروا )( 28).
    ولما كانت معرفة الله عزوجل بهذه الأهمية والمكانة من الدين ؛ فقد تطلعت إليها النفوس ، وسعى إلى تحصيلها كل عاقل ، وتفاوت العباد في حظهم منها تفاوتا كبيرا .


    وصلّ اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليماً مزيداً


    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
    * مختصرة من رسالة الماجستير للدكتورة فواز الكردى( تحقيق العبودية بعرفة أسماء الله وصفاته).
    ( 1)انظر تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي ( 2 / 467 ) .
    ( 2)انظر جامع البيان للطبري ( 8 / 203 ) ، وتفسير ابن كثير ( 2 / 485 ) .
    ( 3)راجع تفصيل هذا وأدلته في المبحث الأخير من فصل العبودية .
    ( 4)مجموع فتاوى ابن تيمية ( 5 / 6 ) .
    ( 5)مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 1 / 154 ) .
    ( 6)لا يكاد يخلو مصنف من مصنفات عقيدة أهل السنة والجماعة من مسألة زيادة الإيمان ونقصانه وإثبات ذلك بأدلة الكتاب والسنة ، وقد خالف أهل السنة في هذا الأصل بعض الفرق : كالجهمية و المرجئة الذين يجعلون إيمان الفساق وعدول الأمة سواء ! لأن الإيمان عند الجهمية هو المعرفة الفطرية بالرب وهذه لا تتفاوت ، وعند المرجئة هواعتقاد وقول فقط. وكذلك خالف المعتزلة والخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة لأن الإيمان عندهم لا يتفاضل بل يوجد كله أو يذهب كله. وقد رد أهل السنة على المخالفين بأدلة النقل والعقل فبينوا الحق ودحضوا الباطل ، وللتوسع في المسألة راجع شرح الطحاوية لابن أبي العز ص360 وما بعدها ، وفتح الباري لابن حجر ( 1 / 64 ) ، وشرح الواسطية للعثيمين ( 2 / 233 وما بعدها ) ، ومعارج القبول للحكمي ( 3 / 1004 وما بعدها ) .
    ( 7)دخول الأعمال في مسمى الإيمان هو مذهب أهل السنة والجماعة حيث أن الإيمان هو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان إلا أبوحنيفة لا يدخل العمل في مسمى الإيمان ، وإن كان يؤكد على أن أهميته وقد تقدم ذكر ذلك في هامش ص77 ، بينما خالفت في هذه المسألة فرق كثيرة كالماتريدية والجهمية والكرامية ؛ خلافا جوهريا يعطل قيمة العمل الصالح . للتوسع انظر شرح الطحاوية لابن أبي العز ص 360 وما بعدها .

    ( 8)انظر ما تقدم ذكره عن هذا في مبحث العلاقة بين أنواع التوحيد ص53 .
    (9 )مجموع فتاوى ابن تيمية ( 7 / 234 )
    (10 )التوضيح والبيان لشجرة الإيمان لابن سعدي ص108 .
    (11 )انظر شجرة المعارف والأحوال للعز بن عبد السلام ص 54 .
    (12 )أحكام القرآن لابن العربي( 2 / 993 ).
    (13 ) عدة الصابرين لابن القيم ص 93 .
    (14 ) مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 1 / 164 ) .
    (15 )مدارج السالكين لابن القيم ( 3 / 351 ).
    (16 )عدة الصابرين لابن القيم ص 93 .
    (17 ) انظر الفوائد لابن القيم ص80 بتصرف يسير .
    (18 ) مدارج السالكين لابن القيم ( 3 / 351 ) .
    (19 ) الحجه في بيان المحجة للأصبهاني ( 2/ 452) .
    * . بخلاف ما يزعمه المتصوفة والملاحدة الباطنية الذين يجعلون العبادة هي الطريق للمعرفة ، ولهذا لا يوجبون العبادة و العمل بالشرائع على من وصل إلى حقيقة المعرفة ويقولون إنها لا تجب على الأنبياء كذلك وإنما كانوا يفعلونها لأنها من تمام التبليغ ليقتدي بهم الناس ، وقال ضلال المتصوفة : أن غاية العبادات حصول المعرفة فإذا حصلت سقطت العبادات محتجين بقول الله عزوجل : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين الحجر ): 99 ، ويزعمون أن اليقين هو المعرفة وهو خطأ بإجماع أهل التفسير وغيرهم ، انظر درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ( 3 / 270 ) .
    ( 20) انظر تيسير الكريم الرحمن لابن سعدي ( 3 / 179 ) .
    ( 21) الحجه في بيان المحجة للأصبهاني ( 2/ 452) .
    ( 22)انظر شرح الطحاوية لابن أبي العز ص 417 . وانظر ص77 من هذه الرسالة بيان لمسألة هل المعرفة تستلزم الاهتداء .
    ( 23)انظر المنهاج في شعب الإيمان للحليمي ( 1 / 64 ) .
    ( 24)أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب الدعاء ، باب ما جاء في فضل الدعاء ، ( 5 / 456 ) وقال حديث حسن صحيح ، وأخرج نحوه ابن ماجه في سننه ، كتاب الدعاء ، باب فضل الدعاء ( 2 / 1258 ) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، كتاب الدعاء ( 1 / 491) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
    ( 25)جزء من حديث أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الدعوات ، باب الدعاء إذا انتبه بالليل ص1215 ، وأخرج مسلم نحوه في الصحيح ، كتاب الصلاة ، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ص304 .
    ( 26)مفتاح دار السعادة لابن القيم ( 2 / 90) .
    ( 27)مدارج السالكين لابن القيم ( 1 / 350 ).[/align]
    [align=center][/align]

  4. #4

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]حقيقة أسماء الله الحسنى

    بقلم: د‏.‏ محمود عبدالرازق الضوانيالاستاذ بجامعة الازهر


    اتفق علماء الامة علي اختلاف مذاهبهم علي انه يجب الوقوف علي ما جاء في الكتاب وصحيح السنة بذكر اسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان‏,‏ لان اسماء الله الحسني توقيفية لا مجال للعقل فيها‏,‏ فالعقل لا يمكنه بمفرده ان يتعرف علي اسماء الله التي تليق بجلاله‏,‏ ولا يمكنه ايضا ادراك ما يستحقه الرب من صفات الكمال والجمال‏,‏

    فتسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول علي الله بلا علم‏,‏ وهو أمر حرمه الله علي عباده‏,‏ وقد اشتهرت في ذلك مناظرة بين الامام ابي الحسن الاشعري وشيخه ابي علي الجبائي عندما دخل عليهما رجل يسأل‏:‏ هل يجوز ان يسمي الله تعالي عاقلا؟ فقال ابو علي الجبائي‏:‏ لا يجوز‏,‏ لان العقل مشتق من العقال وهو المانع‏,‏ والمنع في حق الله محال فامتنع الاطلاق‏,‏

    فقال له ابو الحسن الاشعري‏:‏ فعلي قياسك لا يسمي الله سبحانه حكيما‏,‏ لان هذا الاسم مشتق من حكمة اللجام‏,‏ وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ فنحكم بالقوافي من هجانا‏,‏ ونضرب حين تختلط الدماء‏,‏ وقول الآخر‏:‏ ابني حنيفة حكموا سفهاءكم‏,‏ اني اخاف عليكم ان اغضبا‏,‏ والمعني نمنع بالقواقي من هجانا‏,‏ وامنعوا سفهاءكم‏,‏ فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع‏,‏ والمنع علي الله محال لزمك ان تمنع إطلاق حكيم علي الله تعالي‏,‏ فلم يجب الجبائي

    إلا انه قال للاشعري‏:‏ فلم منعت انت ان يسمي الله عاقلا واجزت ان يسمي حكيما؟ قال الاشعري‏:‏ لان طريقي في مأخذ اسماء الله ـ عز وجل ـ الإذن الشرعي دون القياس اللغوي‏,‏ فأطلقت حكيما لان الشرع اطلقه ومنعت عاقلا لان الشرع منعه‏,‏ ولو اطلقه الشرع لاطلقته‏.‏

    بني الله السماء وسقانا الغيث ولا يجوز ان يسمي بناء أو سقاء وقال ابن حزم‏: لا يجوز ان يسمي الله تعالي ولا ان يخبر عنه الا بما سمي به نفسه أو اخبر به عن نفسه في كتابه أو علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم أو صح به إجماع جميع أهل الاسلام المتيقن ولا مزيد‏,‏ وحتي وان كان المعني صحيحا فلا يجوز ان يطلق عليه تعالي اللفظ‏,‏

    وقد علمنا يقينا ان الله عز وجل بني السماء فقال‏:(‏ والسماء بنيناها‏),(‏ الذاريات‏:47),‏ ولا يجوز ان يسمي بناء‏,‏ وانه تعالي خلق اصباغ النبات والحيوان‏,‏ وانه تعالي قال‏:(‏ صبغة الله ومن احسن من الله صبغة‏)(‏ البقرة‏:138)‏ ولايجوز ان يسمي صباغا‏,‏ وانه تعالي سقانا الغيث ومياه الارض ولا يسمي سقاء ولا ساقيا‏,‏ وهكذا كل شئ لم يسم به نفسه

    وقال الامام النووي‏:(‏ اسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح‏),‏ واحتج الامام الغزالي علي ان الاسماء توقيفية بالاتفاق علي انه لا يجوز لنا ان نسمي رسول الله صلي الله عليه وسلم باسم لم يسمه به ابوه ولا سمي به نفسه وكذا كل كبير من الخلق‏,‏ قال‏:‏ فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولي

    وقال الامام السيوطي‏:(‏ اعلم ان اسماء الله تعالي توقيفية بمعني انه لا يجوز ان يطلق اسم ما لم يأذن له الشرع وان كان الشرع قد ورد بإطلاق ما يرادفه‏),‏ وقال ابو القاسم القشيري‏:(‏ الاسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والاجماع‏,‏ فكل اسم ورد فيها وجب اطلاقه في وصفه‏,‏ وما لم يرد لم يجز ولو صح معناه‏),‏

    وقال ابن المرتضي‏:(‏ اسماء الله وصفاته توقيفية شرعية‏,‏ وهو اعز من ان يطلق عليه عبيده الجهلة ما رأوا من ذلك‏),‏ والاقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها وكلها تدل علي ان عقيدة أهل السنة والجماعة مبنية علي ان الاسماء الحسني توقيفية‏,‏ وانه لابد في كل اسم من دليل نصي صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه‏,‏

    إذا كان الامر كذلك فمن الذي سمي الله عز وجل الخافض المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبدئ المعيد المميت المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور‏.‏ لابد لثبوت كل اسم من دليل نصي صحيح يذكر فيه الاسم بلفظه

    هذه جميعها ليست من اسماء الله الحسني لان الله عز وجل لم يسم نفسه بها وكذلك لم ترد في صحيح السنة‏,‏ وانما سماه به الوليد بن مسلم ضمن ما ادرجه باجتهاده في رواية الترمذي‏,‏ فالخافض مثلا لم يرد في القرآن أو السنة اسما وانما ورد فعلا في صحيح مسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال‏:(‏ ان الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له ان ينام يخفض القسط ويرفعه‏),‏

    ولا يجوز ان نشتق لله من كل فعل اسما ولم يخولنا الله في ذلك قط‏,‏ وانما امرنا سبحانه بإحصاء اسمائه وجمعها وحفظها ثم دعاؤه بها‏,‏ فدورنا حيال الاسماء الحسني الإحصاء وليس الاشتقاق والإنشاء‏,‏ ولو أصر علي تسميته بالخافض وأجاز لنفسه ذلك فيلزمه تسميته البناء لانه بني السماء‏,‏ والسقاء لانه سقي أهل الجنة شرابا طهورا‏,‏ والمدمدم لانه دمدم علي ثمود‏,‏ والمدمر لانه دمر الكافرين‏,‏ والطامس لانه طمس علي اعينهم‏,‏ والمقطع لانه قطع اليهود امما‏,‏ والمنسي لانه انساهم ذكره‏,‏ والمفجر لانه فجر الارض عيونا‏,‏ والمفصل لانه فصل الآيات‏,‏ والمضاعف لانه يضاعف الاجر‏,‏ والمضحك والمبكي لانه اضحك وابكي‏,‏ والمخرج لانه يخرج الزرع وغير ذلك من آلاف الافعال في الكتاب والسنة والتي سيقلبها بدون حق إلي اسماء‏,

    كما ان الله عز وجل قال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏),(‏ فله الاسماء الحسني‏)(‏ الاسراء‏110),‏ ولم يقل ولله الاوصاف أو فله الافعال‏,‏ وشتان بين الاسماء والاوصاف‏,‏ فالوصف لا يقوم بنفسه كالعلم والقدرة والعزة والحكمة والرحمة والخبرة وإنما يقوم الوصف بموصوفه ويقوم الفعل بفاعله‏,‏ إذ لا يصح ان نقول‏:‏ الرحمة استوت علي العرش‏,‏ أو العزة اجرت الشمس‏,‏ أو العلم والحكمة والخبرة انزلت الكتاب واظهرت علي النبي صلي الله عليه وسلم ما غاب من الاسرار‏,‏ فهذه كلها اوصاف لا تقوم بنفسها بخلاف الاسماء الدالة علي المسمي الذي اتصف بها كالرحمن الرحيم والعزيز العليم والخبير الحكيم القدير‏.‏

    ويقال هذا ايضا في اشتقاق الوليد بن مسلم وغيره للمعز المذل حيث اشتق هذين الاسمين من قوله تعالي‏:(‏ قل اللهم مالك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شئ قدير‏)(‏ آل عمران‏:26),‏ فالله عز وجل اخبر انه يؤتي ويشاء وينزع ويعز ويذل ولم يذكر في الآية بعد مالك الملك واسمه القدير سوي الافعال‏,‏ فهؤلاء اشتقوا لله اسمين من فعلين وتركوا علي قياسهم اسمين آخرين‏,‏ فيلزمهم تسمية الله عز وجل بالمؤتي والمنزع فضلا عن تسميته بالمشئ طالما ان المرجعية في علمية الاسم إلي الرأي والاشتقاق دون التتبع والجمع والإحصاء‏.‏ دورنا حيال الاسماء الجمع والاحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والانشاء

    وكذلك العدل لم يرد في القرآن اسما أو فعلا ولا دليل لمن سمي الله بهذا الاسم سوي الامر بالعدل في قوله تعالي‏:(‏ ان الله يأمر بالعدل والاحسان‏)(‏ النحل‏:90),‏ اما الجليل فلم يرد اسما في الكتاب أو صحيح السنة ولكن ورد وصفا في قوله تعالي‏:(‏ ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام‏)(‏ الرحمن‏:27),‏ وفرق كبير بين الاسم والوصف لان الله عز وجل وصف نفسه بالقوة فقال‏:(‏ ذو القوة المتين‏)(‏ الذاريات‏:58),‏ وسمي نفسه القوي في قوله‏:(‏ وهو القوي العزيز‏)(‏ الشوري‏:19),‏

    ووصف نفسه بالرحمة فقال‏:(‏ وربك الغني ذو الرحمة‏)(‏ الانعام‏:133),‏ وسمي نفسه الرحمن الرحيم فقال‏:(‏ تنزيل من الرحمن الرحيم‏)(‏ فصلت‏:2),‏ ولما كانت اسماء الله توقيفية ولا نسمي الله إلا بما سمي به نفسه‏,‏ فإن الله وصف نفسه بالجلال ولم يسم نفسه الجليل‏,‏ وكذلك الباعث المحصي لم اجد حجة أو دليلا علي اثبات هذين الاسمين‏,‏ والذي ورد في القرآن والسنة صفات الافعال فقط كما في قوله تعالي‏:(‏ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله علي كل شئ شهيد‏)(‏ المجادلة‏:6),‏ وهي كثيرة في القرآن والسنة‏,‏

    ومن الملاحظ أن الذي اشتق الباعث من قوله يبعثهم والمحصي من قوله احصاه الله ترك المنبئ من قوله فينبئهم‏,‏ لان الآية لم يرد فيها بعد اسم الله الشهيد سوي الافعال التي اشتق منها فعلين وترك الثالث في حين ان هذه الاسماء جميعها لم ترد نصا صريحا في الكتاب أو صحيح السنة‏,‏ وكذلك ايضا المبدئ المعيد اسمان لا دليل علي ثبوتهما‏,‏ فقد استند من سمي الله بهذين الاسمين إلي اجتهاده في الاشتقاق من قوله تعالي‏:(‏ انه هو يبديء ويعيد‏)(‏ البروج‏:13),‏ ومعلوم ان اسماء الله الحسني توقيفية علي النص وليس في الآية سوي الفعلين فقط‏,‏

    أما الضار النافع‏,‏ فهذان الاسمان لم يردا في القرآن أو السنة‏,‏ وليس لمن سمي الله بهما إلا اجتهاده في الاشتقاق من المعني المفهوم من قوله‏:(‏ قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله‏)(‏ الاعراف‏:188),‏ أو ما صح في سنن الترمذي ان النبي صلي الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏واعلم ان الامة لو اجتمعت علي ان ينفعوك بشئ لم ينفعوك الا بشئ قد كتبه الله لك‏,‏ ولو اجتمعوا علي ان يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك‏),‏

    ولم يذكر في الآية أو الحديث النص علي الاسم أو حتي الفعل‏,‏ فالضار لم يرد اسما ولا وصفا ولا فعلا‏,‏ ولم اجد في القرآن أو السنة إلا ما ورد عند البخاري من قول عائشة‏:(‏ فما كانت من خطبتهما من خطبة الا نفع الله بها‏,‏ لقد خوف عمر الناس وان فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك‏)‏ وقس علي ذلك في بقية الاسماء التي ذكرناها سابقا‏,‏

    والسؤال الذي يطرح نفسه‏:‏ ما هي الاسماء الحسني التي ندعو الله عز وجل بها وكيف يمكن التعرف عليها؟ [/align]
    [align=center][/align]

  5. #5

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]قال ابن الوزير اليماني‏:‏ تمييز التسعة والتسعين يحتاج الي نص متفق علي صحته او توفيق رباني‏,‏ وقد عدم النص المتفق علي صحته في تعيينها‏,‏ فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع الي ما ورد في كتاب الله بنصه او ما ورد في المتفق علي صحته من الحديث العواصم‏228/7‏ والرجوع الي ما اشار اليه ابن الوزير مسألة اكبر من طاقة فرد واوسع من دائرة مجد‏,‏ لان الشرط الاول والاساسي في إحصاء الاسماء هو فحص جميع النصوص القرآنية وجميع ما ورد في السنة النبوية مما وصل الينا في المكتبة الاسلامية‏,‏

    وهذا الامر يتطلب استقصاء شاملا لكل اسم ورد في القرآن‏,‏ وكذلك كل نص ثبت في السنة ويلزم من هذا بالضرورة فرز عشرات الآلاف من الاحاديث النبوبة وقراءتها كلمه للوصول الي اسم واحد‏,‏ وهذا في العادة خارج عن قدرة البشر المحدودة وايامهم المعدودة‏,‏ ولذلك لم يقم احد من اهل العلم سلفا وخلفا بتتبع الاسماء حصرا‏,‏ وانما كان كل منهم يجمع ما استطاع باجتهاده‏,‏

    وكان اغلبهم يكتفي برواية الترمذي او ما رآه صوابا عند ابن ماجة والحاكم فيقوم بشرحه وتفسيره كما فعل الزجاج والبيهقي والقشيري والغزالي والرازي والقرطبي وغيرهم من القدامي والمعاصرين‏,‏ لكن الله عز وجل لما يسر الاسباب في هذا العصر اصبح من الممكن انجاز مثل هذا البحث في وقت قصير نسبيا‏,‏ وذلك من خلال استخدام الكمبيوتر والموسوعات الالكترونية التي قامت علي خدمة القرآن وحوت الاف الكتب العلمية واشتملت علي المراجع الاصلية للسنة النبوية وكتب التفسير والفقه والعقائد والادب والنحو والصرف وغيرها الكثير والكثير‏,‏

    ولم تكن هذه التقنية قد ظهرت منذ عشر سنوات تقريبا‏,‏ او بصورة ادق لم يكن ما صدر منها كافيا لانجاز مثل هذا البحث‏,‏ ولما عايشت الحاسوب منذ اول ظهوره وظهور الموسوعات التراثية الالكترونية حتي جمعت بين يدي تباعا اكثر من خمس وثلاثين موسوعة الكترونية تراثية دفعني ذلك ومنذ عامين تقريبا الي ان اقدم علي هذا الموضوع مستعينا بالله اولا ثم بما سخره من هذه التقنية الحديثة وقدرة الحاسوب علي قراءة الاف المراجع الاصلية من هذه الموسوعات في ثوان معدودات‏,‏

    فالرغبة في اتمام البحث مهما كانت النتائج امر ملح وضرورة يصعب دفعها عن النفس‏,‏ وكثيرا ما يشعر اي متخصص او اي داعية بالحيرة والاضطراب عندما يسأل عن تحرير المسألة في اسم من اسماء الله المشهورة كالخافض والرافع والمعطي والمانع والضار والنافع والمبدئ والمعيد والمعز والمذل والواجد والماجد والكافي والمنتقم والرازق والباقي والجليل وغير ذلك مما اشتهر علي ألسنة العامة والخاصة‏,‏ هل هذه من اسماء الله الحسني‏!‏ فكانت الاجابة محيرة بالفعل‏.‏

    لقد كان لارتباط التقنية الحديثة بخبرة التخصص في العقيدة والتوصل الي القواعد العلمية والشروط المنهجية لاحصاء الاسماء الالهية التي تعرف الله بها الي عبادة اثر كبير في ظهور المفاجأة التي لم تكن متوقعة ولم تكن في حسبان احد‏,‏ وهي تصديق قول النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ان لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا ولنبدأ اولا بذكر الشروط التي يتمكن من خلالها اي مسلم ان يتعرف بسهولة ويسر علي كل اسم من الاسماء الحسني والدليل علي تلك الشروط من كتاب الله‏:‏

    الشرط الاول هو ثبوت النص في القرآن او صحيح السنة
    طالما انه لم يصح عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ حديث في تعيينها وسردها فلا بد لاحصائها من وجود الاسم نصا في القرآن الكريم او صحيح السنة‏,‏ وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالي‏:‏ ولله الأسماء الحسني ولفظ الاسماء يدل علي ان انها معهودة موجودة فالالف واللام فيها للعهد‏,‏ ولما كان دورنا حيال الاسماء هو الاحصاء دون الاشتقاق والانشاء فان الاحصاء لايكون الا لشئ موجود ومعهود ولا يعرف ذلك الا بما نص عليه القرآن الكريم والسنة‏,‏ ومعلوم من مذهب اهل السنة والجماعة ان الاسماء توقيفية علي الادلة السمعية ولا بد فيها من تحري الدليل بطريقة علمية تضمن لنا مرجعية الاسم الي كلام الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ـ‏,‏ ولا يكون ذلك الا بالرجوع الي ما ورد في القرآن الكريم بنصه او ما صح في السنة علي طريقة المحدثين‏;‏ فمحيط الرسالة لا يخرج عن هذه الدائرة‏,‏ وعلي ذلك ليس من اسماء الله النظيف والسخي والواجد والماجد والحنان والهوي والمفضل والمنعم ورمضان وآمين والاعز والقيام لانها جميعا لم تثبت الا في روايات ضعيفة او موقوفة او قراءة شاذة‏.‏

    الشرط الثاني‏:‏ علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية
    يشترط في جميع الاسماء واحصائها ان يرد الاسم في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة‏,‏ كأن يدخل علي الاسم حرف الجر كما في قوله‏:‏ وتوكل علي الحي الذي لا يموت الفرقان‏:58‏ او يرد الاسم منونا كقوله‏:‏ سلام قولا من رب رحيم يس‏58,‏ او تدخل عليه ياء النداء كما ثبت في الدعاء المرفوع‏:‏ يا حي يا قيوم صحيح ابي داود‏1326,‏ أو يكون الاسم معرفا بالالف واللام كقوله‏:‏ سبح اسم ربك الاعلي الاعلي‏:1‏ او يكون المعني مسندا اليه محمولا عليه كقوله‏:‏ الرحمن فاسأل به خبيرا الفرقان‏:59,‏ فهذه خمس علامات يتميز بها الاسم عن الفعل والحرف وقد جمعها ابن مالك في قوله‏:‏ بالجر والتنوين والندا وأل‏:‏ ومسند للاسم تمييز حصل شرح ابن عقيل‏21/1‏ فلا بد اذن ان تتحقق في الاسماء علامات الاسم اللغوية وهذا الشرط مأخوذ من قوله‏:‏ ولله الاسماء ولم يقل الاوصاف او الافعال‏,‏ فالوصف او الفعل لا يقوم بنفسه كالسمع والبصر والعلم والقدرة وهي بخلاف الاسماء الدالة علي المسمي بها كالسميع والبصير والعليم والقدير‏,‏

    كما ان معني الدعاء بالاسماء في قوله‏:‏فادعوه بها ان تدخل علي الاسماء اداة النداء سواء ظاهرة او مضمرة‏,‏ والنداء من علامات الاسمية‏,‏ وعليه فإن كثيرا من الاسماء المشتهرة علي ألسنة الناس ليست من الاسماء الحسني وانما هي في الحقيقة اوصاف او افعال لا تقوم بنفسها فكثير من العلماء ورواة الحديث جعلوا المرجعية في علمية الاسم الي انفسهم وليس الي النص الثابت‏,‏ فاشتقوا لله اسماء كثيرة من الاوصاف والافعال وهذا يعارض ما اتفق عليه السلف في كون الاسماء الحسني توقيفية علي النص فالمعز المذل اسمان اشتهرا بين الناس شهرة واسعة علي انهما من الاسماء الحسني‏,‏ وهما وان كان معناهما صحيحا لكنهما لم يردا في القرآن او السنة‏,‏ وقس علي ذلك الخافض‏,‏ المبدئ‏,‏ المعيد‏,‏ الضار‏,‏ النافع‏,‏ العدل‏,‏ الجليل‏,‏ الباعث‏,‏ المحصي‏,‏ المقسط‏,‏ المانع‏,‏ الباقي‏,‏ والفاتن والبالي والراتق والساتر والسخط والمبغض والمحب والمفني والمنجي والمرشد والمترع وغير ذلك من الاسماء التي اشتقها الكثيرون من أوصاف الله وافعاله‏.‏

    الشرط الثالث إطلاق الاسم دون اضافة او تقييد
    والمقصود بهذا الشرط ان يرد الاسم مطلقا دون تقييد ظاهر او اضافة مقترنة بحيث يفيد المدح والثناء بنفسه‏,‏ لان الاضافة والتقييد يحدان من اطلاق الحسن والكمال علي قدر المضاف وشأنه‏,‏ وقد ذكر الله اسماءه بطلاقة الحسن فقال‏:‏ ولله الاسماء الحسني‏,‏ اي البالغة مطلق الحسن بلا حد او قيد‏,‏ قال القرطبي‏:‏ وحسن الاسماء انما يتوجه بتحسين الشرع لاطلاقها والنص عليها تفسير القرطبي‏343/10,‏ ويدخل في الاطلاق ايضا اقتران الاسم بالعلو المطلق لان معاني العلو هي في حد ذاتها اطلاق فالعلو يزيد الاطلاق كمالا علي كمال‏,‏ وكذلك ايضا اذا ورد الاسم معرفا بالالف واللام مطلقا بصيغة الجمع والتعظيم فإنه يزيد الاطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا وينفي في المقابل اي احتمال لتعدد الذوات او دلالة الجمع علي غير التعظيم والاجلال‏,‏ قال ابن تيمية في تقرير الشروط الثلاثة السابقة‏:‏ الاسماء الحسني المعروفة هي التي يدعي الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة‏,‏ وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها‏)[‏ الاصفهانية ص‏19].‏

    وإذا كانت الاسماء الحسني لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كالخالق والخلاق والرازق والرزاق أو لا تخلو من تخصيص ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض‏,‏ كالاسماء الدالة علي صفات الرحمة والمغفرة مثل الرحيم والرءوف والغفور فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور‏,‏ وإنما المقصود هو التقييد بالاضافة الظاهرة في النص‏,‏ فلا يدخل في اسماء الله الحسني البالغ لقوله‏:(‏ إن الله بالغ أمره‏)[‏ الطلاق‏:3]‏ ولا يصح اطلاقه في حق الله‏,‏ بل يذكر علي التقييد كما ورد النص‏,‏

    وليس من اسمائه المخزي أو العدو أو الخادع أو المتم أو الفالق أو المخرج لأنها اسماء مقيدة لا يجوز اطلاقها بل تذكر كما وردت في قوله‏:(‏ وأن الله مخزي الكافرين‏)[‏ التوبة‏:2]‏ وقوله‏:(‏ فإن الله عدو للكافرين‏)[‏ البقرة‏:98]‏ وقوله‏:(‏ إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم‏)[‏ النساء‏:142]‏ وقوله‏(‏ والله متم نوره‏)[‏ الصف‏:8]‏ وقوله‏:(‏ إن الله فالق الحب والنوي‏..‏ ومخرج الميت‏)[‏ الأنعام‏:95],‏ وكذلك من الاسماء المقيدة الغافر والقابل والشديد وقس علي ذلك الفاطر والجاعل والرافع والمطهر والمهلك والحفي والمنزل والسريع والمحيي والرفيع والنور والبديع والكاشف والصاحب والخليفة والقائم والزارع والموسع والمنشئ والماهد وغير ذلك كثير‏,‏ فهذه اسماء مقيدة تذكر في حق الله علي الوضع الذي قيدت به ويدعي بها علي ما ورد في النص من غير اطلاق اللفظ‏,‏ فتقول كما قال النبي‏:‏ يا مقلب القلوب‏,‏ ولا نقول يا مقلب فقط‏.‏

    الشرط الرابع دلالة الاسم علي الوصف
    والمقصود بدلالة الاسم علي الوصف أن يكون اسما لأن القرآن بين أن اسماء الله اعلام وأوصاف فقال في الدلالة علي علميتها‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني‏)[‏ الإسراء‏:110]‏ فكلها تدل علي مسمي واحد ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام إلي آخر ما ذكر في الدلالة علي ذااته‏,‏ وقال في كون اسمائه دالة علي الأوصاف‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ فدعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره من ضعف أو فقر أو ظلم أو قهر أو مرض أو جهل أو غير ذلك من أحوال العباد‏,

    فالضعيف يدعو الله باسمه القادر المقتدر القوي‏,‏ والفقير يدعوه باسمه الرازق الرزاق الغني‏,‏ والمقهور المظلوم يدعوه باسمه الحي القيوم إلي غير ذلك مما يناسب أحوال العباد والتي لا تخرج علي اختلاف تنوعها عما أظهر لهم من اسمائه الحسني فلو كانت الاسماء جامدة لا تدل علي وصف ولا معني لم تكن حسني‏,‏ وعندها يلزم أنه لا معني لها ولا قيمة لتعدادها أو الدعوة إلي احصائها ويترتب علي ذلك أيضا رد حديث الصحيحين‏:(‏ إن لله تسعة وتسعين اسما‏)‏ كما أن الله اثني بها علي نفسه فقال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني‏)‏ والجامد لا مدح فيه ولا دلالة له علي الثناء‏,

    أما مثال ما لم يتحقق فيه الدلالة علي الوصف من الاسماء الجامدة ما ورد عن البخاري مرفوعا‏:(‏ قال الله عز وجل‏:‏ يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار‏)[‏ البخاري‏4549]‏ فالدهر اسم لا يحمل معني يلحقه بالاسماء الحسني‏,‏ كما أنه في حقيقته اسم للوقت والزمن‏,‏ فمعني أنا الدهر أي خالق الدهر‏[‏ فتح الباري‏566/10]‏ ويلحق بذلك أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور والتي اعتبرها البعض من اسماء الله فلا يصح أن تدعو الله بها فتقول في ألم‏:‏ اللهم يا ألف ويا لام ويا ميم اغفر لي‏.‏

    الشرط الخامس‏:‏ دلالة الوصف علي الكمال المطلق
    والمقصود أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال فلا يكون المعني عند تجرد اللفظ منقسما إلي كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من اطلاق الكمال والحسن‏,‏ وذلك الشرط مأخوذ من قوله تعالي‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ وكذلك قوله‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام‏)[‏ الرحمن‏:78]‏ فالآية تعني أن اسم الله تنزه وتمجد وتعظم وتقدس عن كل معاني النقص لأنه سبحانه له مطلق الحسن والجلال وكل معاني الكمال والجمال‏,‏ فليس من اسمائه الحسني الماكر والخادع والفاتن والمضل والمستهزئ والمكايد ونحوها لأن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر‏,‏ فلا يوصف الله به إلا موضع الكمال فقط كما ورد به نص القرآن والسنة‏.‏

    ارتباط البحث في الموسوعات الالكترونية بالشروط المنهجية أظهرت مفاجأة لم تكن متوقعة

    هذه هي الشروط التي تضمنها قوله تعالي‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ وعندما تتبعت ما ورد في الكتاب والسنة من خلال الموسوعات الالكترونية واستخدام تقنية البحث الحاسوبية‏,‏ وما ذكره مختلف العلماء الذين تكلموا في احصاء الاسماء‏,‏ والذين بلغ احصاؤهم جميعا ما يزيد علي المائتين والثمانين اسما ثم مطابقة هذه الشروط علي ما جمعوه أكثر من مرة‏,‏ فإن النتيجة التي يمكن لأي باحث أن يصل إليها هي تسعة وتسعون اسما فقط دون لفظ الجلالة‏,‏ وأكرر تسعة وتسعون اسما فقط‏,‏ وهو إعجاز جديد بتقنية الكمبيوتر يصدق قول النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث‏:(‏ إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا‏)‏[/align]
    [align=center][/align]

  6. #6

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]أسماء الله الكلية

    الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ من الأمور الضرورية التي تطرح نفسها في موضوع الأسماء الحسني كيفية الجمع بين عدم حصر اسماء الله الكلية في تسعة وتسعين اسما‏,‏ ومعني احصاء هذا العدد الذي يترتب عليه دخول الجنة‏,‏ فقد روي الامام أحمد وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال في دعاء الكرب‏:(‏ أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو انزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏),‏ ومعني ذلك ان العدد الكلي للأسماء الحسني لا يعلمه الا الله‏,‏ وورد في الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ ان لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من احصاها دخل الجنة‏),‏ فهل بين الحديثين تعارض؟ لقد ادي ذلك إلي ان تكون آراء أهل العلم في هذه القضية بين طرفين ووسط‏.‏

    الأول‏:‏ فريق يقول بعدم حصر أسماء الله الواردة في الكتاب والسنة في عدد معين حيث توسع في تسمية الله بما يشاء اما جمعا من النصوص أو اشتقاقا من الافعال والاوصاف وحجته حديث ابن مسعود‏,‏ وقد تم تأويل حديث ابي هريرة علي أي معني لا يتعارض مع وجهته‏,‏ ومن ثم اخذ صاحب هذه الوجهة يشتق من افعال الله واوصافه ما يشاء من الاسماء‏,‏ أو يطلق ما قيده الله في كتابه‏,‏ أو يفصل ما اضافه النبي صلي الله عليه وسلم في سنته‏,‏ وقد تتبعت ما ذكره المتوسعون علي تنوع اجتهاداتهم واختلاف مقالاتهم فبلغ جمعهم وإحصاؤهم للأسماء علي أوسع ما ذكروا قرابة المائتين والتسعين اسما‏.‏

    الثاني‏:‏ فريق له وجهة اخري تولاها ابن حزم الاندلسي حيث جزم بأن اسماء الله الكلية محصورة في تسعة وتسعين اسما فقط وهي الواردة في الكتاب والسنة وحجته حديث ابي هريرة رضي الله عنه‏,‏ ولما لزم ابن حزم استخراج التسعة والتسعين لم يتمكن الا من جمع اثنين وثمانين اسما من الكتاب والسنة‏,‏ قال رحمه الله‏:(‏ فصح انه لا يحل لاحد ان يسمي الله تعالي الا بما سمي به نفسه‏,‏ وصح ان اسماءه لا تزيد علي تسعة وتسعين شيئا لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ مائة إلا واحدا‏,‏ فنفي الزيادة وابطلها لكن يخبر عنه بما يفعل تعالي‏,‏ وجاءت احاديث في احصاء التسعة والتسعين اسما مضطربة لا يصح منها شئ اصلا‏,‏ فإنما تؤخذ من نص القرآن ومما صح عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم‏,‏ وقد بلغ إحصاؤنا منها إلي ما نذكر‏)(‏ المحلي‏31/8)‏ ثم ذكر رحمه الله في كتابه المحلي اثنين وثمانين اسما استخرجها من القرآن والسنة جميعها ينطبق مع ضوابط الإحصاء ما عدا اسمه الدهر‏.‏

    أما الفريق الثالث فهو فريق وسط تولي وجهته ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن انتهج نهجهما من أهل السنة والجماعة‏,‏ فلم يقل بقول ابن حزم ولم يتوسع في الاشتقاق كما فعل الفريق الأول‏,‏ بل اتفقوا جميعا علي ان الاسماء الحسني توقيفية علي النص‏,‏ لكن احدا منهم لم يستطع جمعها بتمامها أو حصرها من الكتاب والسنة‏,‏ وبقي الباحث مترددا في فهم اجاباتهم عن كون اسماء الله الحسني الواردة في الكتاب والسنة تتجاوز أو لا تتجاوز تسعة وتسعين اسما‏,‏ فيراهم يأخذون بالروايتين الثابتين معا‏,‏ رواية ابي هريرة ورواية ابن مسعود رضي الله عنهما‏,‏ وبقي السؤال عالقا في الاذهان‏:‏ ما الحكمة مما ورد في حديث ابي هريرة من النص علي هذا العدد بالذات؟ وهل من احصي تسعة وتسعين اسما من جملة اسماء الله الحسني الواردة في الكتاب والسنة ـ علي فرض انها اكثر من تسعة وتسعين اسما ـ فقد تحقق فيه الوصف بدخول الجنة؟‏!‏ وان كان هذا المعني المقصود فما عدد الاسماء الموجودة لدينا بالنص الصريح؟‏..‏

    وقد حاول بعض المعاصرين جزاهم الله خيرا خوض التجربة بطريقة اجتهادية واستخراج الاسماء الحسني الثابتة في الكتاب والسنة دون تحديد ضوابط منهجية أو شروط معلنة‏,‏ فتوصل بعضهم إلي ما يزيد عن التسعة والتسعين اسما أو ما يقل علي ذلك‏,‏ لكن الملاحظ ان الزيادة أو النقص فيما وصلوا اليه لا تتجاوز خمسة اسماء‏,‏ والكل يجتمع علي اربعة وتسعين اسما صحيحا ثابتا بنص الكتاب أو صحيح السنة‏,‏ وكأن الدائرة تضيق لتنير الطريق إلي تحقيق مقتضي حديث أبي هريرة الذي نص فيه النبي صلي الله عليه وسلم علي تسعة وتسعين اسما أو مائة إلا واحدا ووعد من احصاها بدخول الجنة‏.‏

    كيف نجمع بين رواية ابن مسعود ورواية ابي هريرة رضي الله عنهما؟ ما نود التنبيه اليه مما تجتمع الادلة عليه في هذه القضية ان جملة اسماء الله تعالي الكلية من الامور الغيبية التي استأثر الله بها‏,‏ وانها غير محصورة في عدد معين وهذا نص ظاهر في رواية ابن مسعود رضي الله عنه‏,‏ ولا يفهم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه الذي ورد فيه النص علي تسعة وتسعين اسما حصرها بمجموعها الكلي‏,‏ لان المقصود بإحصاء هذا العدد إحصاء الاسماء الحسني التي تعرف الله عز وجل بها إلي عباده في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم‏,‏

    ولو كان المراد الحصر لقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ ان اسماء الله تسعة وتسعون اسما من احصاها دخل الجنة أو نحو ذلك‏,‏ فمعني الحديث ان هذا العدد الذي تعرف الله به إلي عباده في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم من جملة اسماء الله عز وجل‏,‏ ومن شأنه ان من احصاه دخل الجنة‏,‏ ونظير هذا ان تقول‏:‏ عندي مائة درهم اعددتها للصدقة‏,‏ فإنه لا يمنع ان يكون عندك دراهم اخري لم تعدها للصدقة‏,‏ فالمراد اذ الاخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الاخبار بحصر اسماء الله الكلية‏,‏ وقد اظهرت نتيجة الاستقصاء الحاسوبي الشامل ان ما تعرف الله به إلي عباده من اسمائه الحسني التي وردت في كتابه وفي سنة رسوله صلي الله عليه وسلم هي الاسماء التسعة والتسعون المذكورة في العدد النبوي المخصوص‏,‏ وذلك عند تمييزها عن الاوصاف‏,‏ واخراج ما قيد منها بالاضافة أو بموضع الكمال عند انقسام المعني المجرد وتطرق الاحتمال‏,‏

    هذا مع تحري ثبوتها بالنص وتتبعها بالدليل‏,‏ تلك الشروط أو الضوابط التي دل عليها دليل القرآن والسنة لم تنطبق الا علي تسعة وتسعين اسما فقط مما يتفق مع العدد المذكور في حديث ابي هريرة رضي الله عنه وقد تبين ايضا ان اظهار الاسماء الحسني مرتبط بمقتضي الحكمة الإلهية‏,‏ فكل مرحل من مراحلة الخلق يظهر فيها الحق سبحانه من اسمائه وصفاته ما يناسب الغاية من وجودها ويحقق كمال الحكمة في تكوينها ويظهر دلائل التوحيد في ابداعها‏,‏ ففي مرحلة الدنيا وما فيها من شبهات وشهوات وأهواء واختلاف في الآراء وتقليب الامور للانسان علي انواع الابتلاء‏,‏ وحكمة الله في تكليفه بالشرائع والاحكام وتمييز الحلال من الحرام‏,‏

    في هذه المرحلة تعرف الله عز وجل إلي عباده بجملة من اسمائه وصفاته تناسب حاجة الانسان وضرورياته‏,‏ فيبدي لربه اقصي طاقاته وامكاناته في تحقيق التوحيد بمقتضي هذه الاسماء‏,‏ تلك الاسماء هي المعنية بقول النبي صلي الله عليه وسلم‏:(‏ ان لله تسعة وتسعين اسما‏).‏

    ولمزيد من البيان يمكن القول ان الحياة الدنيا لما كانت دارا للابتلاء والامتحان ومحلا لاختيار الكفر أو الايمان وكان الناس فيها متفاوتين مختلفين آجالا وأرزاقا وألوانا وأخلاقا‏,‏ منهم الغني والفقير والاعمي البصير‏,‏ منهم القوي والضعيف والظالم والمظلوم والحاكم والمحكوم والمالك والمعدوم‏,‏ منهم الكاذب والصادق والمخلص والمنافق إلي غير ذلك من انواع الاخلاق وتنوع الارزاق واختلاف السلوك وابتلاء ملك الملوك‏,‏ لما كانت الدنيا كذلك فإن حكمة الله تظهر في تعريف الخلائق بما يناسبهم من اسمائه وصفاته‏,‏ فالمذنب من العباد ان اراد التوبة سيجد الله توابا رحيما عفوا غفورا‏,‏ والمظوم سيجده حقا مبينا حكما عدلا وليا نصيرا‏,‏ والضعيف المقهور سيجده قويا عزيزا جبارا قديرا‏,‏ والفقير سيجد الله رزاقا حسيبا مقيتا وكيلا‏,‏

    وهكذا سيجد العباد من اسماء الله وصفاته ما يناسب حاجتهم ويلبي بغيتهم‏,‏ فالفطرة التي فطر الله الخلائق عليها اقتضت ان تلجأ النفوس إلي قوة عليا عند ضعفها وتطلب غنيا أعلي عند فقرها‏,‏ وتوابا رحيما عند ذنبها‏,‏ وسميعا قريبا بصيرا مجيبا عند سؤالها‏,‏ ومن هنا كانت لكل مرحلة من مراحل الخلق التي قدرها الله عز وجل ما يناسبها من اسمائه وصفاته وافعاله‏.‏

    الا تري انه في البدء عندما اسكن الله آدم وحواء جنة الابتلاء فأكلا من الشجرة وانكشفت العورة وتطلبت الفطرة فرجا ومخرجا كان الفرج والمخرج في تعريفهما بأسماء الله عز وجل التي تناسب حالهما وما يغفر به ذنبهما‏,‏ فعلمهما كلمات هي في حقيقتها اسماء لله وصفات‏,‏ علم آدم ان يدعو الله باسمه التواب الرحيم‏,‏ أو يدعو بوصف التوبة والرحمة كما قال سبحانه‏:(‏ فتلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم‏)(‏ البقرة‏:37)‏ فتعلمها ودعا الله بها‏:(‏ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‏)(‏ الاعراف‏:23)‏ روي عن انس بن مالك وابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف رضي الله عنهم أنهم قالوا‏:(‏ الكلمات التي تلقي آدم من ربه فتاب عليه‏..‏ لا إله الا انت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك انت التواب الرحيم‏).‏

    وطالما ان الدنيا خلقت للابتلاء فإن الله قد عرفنا بما يناسبنا ويناسبها من الاسماء‏,‏ وقد لا ينفع الدعاء بهذه الاسماء أو بعضها في مرحلة اخري كمرحلة القيامة والدار الآخرة‏,‏ فلو دعا المشركون أو الكفار المخلدون ربهم يوم القيامة باسمه العظيم القريب الرفيق المجيب الواسع المنان الرحيم الرحمن المحسن السلام الجواد الفتاح الستير الرءوف الودود اللطيف الكريم الأكرم الغفور الغفار البر الطيب العفو التواب‏,‏ لو دعا المخلدون في النار ربهم بأي اسم من هذه الاسماء ان يغفر ذنبهم وان يفرج كربهم وان يعفو عنهم وان يقبل التوبة منهم وان يرحمهم من العذاب‏,‏ فإن ذلك لا يتحقق ولا يستجاب لمخالفته مقتضي الحكمة وما دون في ام الكتاب‏,

    ولذلك قال تعالي عن أهل النار ودعائهم‏:‏ ‏(‏ وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لمتك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلي قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال‏)0‏ غافر‏:50/49),‏ ومن ثم فإن كل مرحلة من مراحل الخلق لها ما يناسبها من الحكم وابداء الاسماء والصفات‏[/align]
    [align=center][/align]

  7. #7

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]جلال أسماء الله الحسني

    الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فمن حكمة الله عز وجل أنه فطر عباده علي أن يكون جلال المحبوب هو أعظم دواعي الحب في قلوبهم فالقلب يحب كل جميل ويتعلق بكل جليل‏.‏ ومن هنا تعلقت القلوب بربها لعظمة اسمائه وجلالها وكمال أوصافه وجمالها‏,‏ قال تعالي في وصف اسمائه‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)[‏ الأعراف‏:180]‏ وقال في مدحها وعلو شأنها‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)[‏ الرحمن‏:78]‏ وقد أجمع القراء علي قراءة ذي الجلال بالياء‏,‏ وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والعراق علي اعتبار معني المباركة ووصف المسمي بالجلال فيكون المسمي نفسه موصوفا بالجلال والإكرام وتفرد ابن عامر بالواو فقرأ‏:(‏ تبارك اسم ربك ذو الجلال‏)‏ وكذلك في مصاحف أهل الشام علي اعتبار ان الجلال والمباركة تعود علي الأسماء الحسني فالاسم نفسه موصوف بالجلال والإكرام‏.‏

    والجلال هو منتهي الحسن والعظمة في الأسماء والصفات والأفعال‏,‏ وله عند التحقيق ركنان‏:‏ أولهما الكمال وهو بلوغ الوصف اعلاه‏,‏ والثاني الجمال وهو بلوغ الحسن منتهاه ومن حكمة الله عزوجل في خلقه أنه ان أعطي احدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال‏,‏ وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال‏,‏ وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال فربما يبلغ المرء كمالا في الغني بحيث يفوق الآخرين فيه حتي يبلغ الوصف اعلاه‏,‏ لكنه مبتلي في غناه فربما يكون جاهلا أو مريضا أو قبيحا أو عقيما أو مبتلي في ولده وزوجته‏,‏ أو أهله وعشيرته أو غير ذلك من أنواع البلاء‏,‏ وكذلك ربما تجد امرأة بلغت كمالا في الخلق والنسب ولها منزلة كبيرة في الشرف والحسب وعلي قدر كبير من العلم والفهم وهي أبعد ما تكون عن الخيانة وموصوفة بالصدق والأمانة‏,‏ غير أنها قبيحة سوداء أو دميمة بكماء لا تسر أحدا من الناظرين اعطاها الله من جهه الكمال وابتلاها من جهة الجمال‏.‏

    والله عز وجل لو أعطي أحدا من عباده كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال‏,‏ فما يلبث ان يموت الملك العادل او يغتال‏,‏ وكل ذلك عن حكمة الله في خلقه ليعلموا ان الجلال المطلق في اسمائه وصفاته وأنه المنفرد به دون غيره فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال‏,‏ بل كل اسم من اسمائه فيه الكمال والجمال معا كما قال تعالي‏:(‏ تبارك أسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)[‏ الرحمن‏:78].‏

    ويذكر ابن القيم‏(‏ الفوائد‏183)‏ انك إذا أضفت إلي كماله وجماله ما كان من إحسانه في ملكه وإنعامه علي خلقه فإنه لا يتخلف عن حبه إلا الجاحدون وأصحاب القلوب الخبيثة والنفوس الخسيسة‏,‏ فإن الله فطر النفوس علي محبة المحسنين اليهم المتصفين بالكمال والجمال‏,‏ وإذا كانت هذه فطرة الله التي فطر عليها القلوب فمن المعلوم ان مقلب القلوب لا أحد يعظمه إحسانا وجمالا أو انعاما وكمالا‏,‏ فلا شيء أكمل من الله ولاشيء لا أجمل من الله‏,‏ فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته وكمال قدرته وبديع حكمته وكل هذه اوصاف دلت عليها الأسماء‏,‏ فلا نحصي ثناء عليه هو كما أثني علي نفسه‏,‏ له الفضل كله علي خلقه وجنه وإنسه‏,‏ له النعمة السابغة والحجة البالغة والسطوة الدامغة‏,‏ ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه‏,‏ بل أفعاله كلها لا تخرج عن المصلحة والحكمة والفضل والرحمة‏,‏ كلامه صدق ووعده حق وعدله ظاهر في سائر الخلق‏,‏ إن أعطي فبفضله ورحمته وكرمه ونعمته‏,‏ وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته‏.‏

    وقد سماه نبينا صلي الله عليه وسلم بالجميل وبين أنه يحب الجمال‏,‏ روي مسلم من حديث ابن مسعود ان النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ إن الله جميل يحب الجمال‏)‏ فهو سبحانه له في اسمائه جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال في سائر المخلوقات لا تقوي الأبصار في هذه الدار علي النظر إلي رب العزة والجلال‏,‏ قال تعالي‏:(‏ ولما جاء موسي لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا‏)[‏ الأعراف‏:143]‏ فأي محبوب في الوجود يسمو إلي علو شأنه وكماله؟ قال تعالي‏:(‏ هو الله الخالق الباريء المصور له الأسماء الحسني يسبح له ما في السموات والأرض وهوالعزيز الحكيم‏)[‏ الحشر‏:24].‏

    ولابد لمن وجد الله في اسمائه الحسني من التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق والاسم ودلالته في حق الخالق‏,‏ فلو قلنا مثلا‏:‏ سعيد سعيد‏,‏ كلاهما من الناحية اللغوية اسم‏,‏ لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره‏,‏ ولا يعني المنادي عند ندائه سعيدا ان كانت فيه صفة السعادة أم لا‏,‏ فالاسم في حق البشر فارغ من الوصفية علي الأغلب بل لما سمي الإنسان سعيدا عند الولادة فإن احدا لا يعلم انه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا‏,‏ لأن ذلك امر لا يعلمه إلا الله‏,‏ فلما اكتسب وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت بالمسمي ووصف بها استدعي ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول صفة السعادة فيه‏,‏ فقلنا‏,‏ سعيد سعيد‏,‏ ومن ثم فإن الأصل في أسماء البشر ارتباطها علي الدوام بمسماها كأسماء بلا أوصاف‏,‏ أو أسماء فارغة من الأوصاف فإن استجد الوصف بالمسمي عبرنا عن ذلك بقدر زائد فقلنا سعيد سعيد أو سعيد في منتهي السعادة‏.‏

    أما الأسماء في حق الله فتختلف اختلافا كليا عن ذلك‏,‏ فهي علمية‏,‏ ووصفية معا في آن واحد ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق‏,‏ ولذلك لم يقل النبي صلي الله عليه وسلم ان الجواد سبحانه جواد‏,‏ وإن المحسن محسن‏,‏ وإن الحيي الستير حيي ستير وإن الجميل سبحانه جميل‏,‏ والوتر تعالي وتر‏,‏ كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح لأن الأسماء في حق الله أعلام وأوصاف‏,‏ سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا مبتدأ أو خبرا فأي موضع كان من النص فهو علم ووصف

    أما في حقنا فالأسماء علي الأغلب أعلام بلا أوصاف فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح ولم يصح في حق الله‏,‏ ولو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا يتنزه عنه من أوتي جوامع الكلم صلي الله عليه وسلم ولذلك فإن الثابت الصحيح عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ انه قال‏:‏ إن الله عز وجل جواد يحب الجود‏,‏ إن الله جميل يحب الجمال‏,‏ وقال‏:‏ وإن الله وتر يحب الوتر‏,‏ إن الله رفيق يحب الرفق إلي آخر ماذكره النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ فكان الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير كلها أسماء لله عز وجل تدل علي العلمية والوصفية معا لأن الله لم يطرأ عليه وصف كان مفقودا أو يستجد به كمال لم يكن موجودا‏,‏ كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح علي سعيد ومنصور وصالح‏.‏

    وقد كان من شأن العرب ان يسموا اولادهم بأسماء الجماد والحيوان لما يرون فيها من بعض الصفات النبيلة كتسميتهم صخرا أو حربا أو اسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا‏,‏ وهم يقصدون بهذه التسمية تمييز الشخص عن غيره لأنه لابد لكل فرد من اسم يميزه بالعلمية ويتطلعون أيضا إلي أن يتحقق الوصف فيه مستقبلا‏,‏ فالذي يسمي ولده صخرا يأمل ان تتوافر فيه صفه القوة والصلابة‏,‏ والذي يسميه حربا يأمل ان تتوافر فيه صفه الفارس المقاتل والمقدام الهمام‏,‏ والذي يسميه أسدا أو كلبا أو جحشا أو كعبا يرغب ان تتوافر فيه صفه الشجاعة والجرأة والوفاء والتحمل والعظمة والبقاء‏,‏ وقد يسمون الجارية زهرة أو غزالا أو شهدا أو نورا‏,‏ أو قمرا أو جميلة وهي سوداء كالليل البهيم أو قبيحة وجهها دميم أو خبيثة الجوهر والمنظر ولذلك كانت أغلب الأسماء التي يسميها العرب مبنية علي مراعاة العلمية والرغبة في حدوث الوصفية‏.‏

    وأصل الضلال والبلاء وعدم استيعاب طريقة الموحدين في فهم الأسماء الحسني قياس اسماء المخلوق علي أسماء الخالق لكن عقيدة أهل السنة لما كانت مبنية علي أن التوحيد هو إفراد الله بما ثبت له من الأسماء والصفات وأن الله متوحد عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية التي تحكم ذوات المخلوقات واسمائهم‏,‏ فإنهم وفقوا إلي الفهم الصحيح في باب الأسماء والصفات‏,‏ فعندهم ان الأسماء في حق الله علمية ووصفية‏,‏ علمية من جهة الدلالة علي الذات ووصفية من جهة المعني الذي تضمنه كل اسم فاسم الله القدير وكذلك العلي الرحمن القوي العزيز الحكيم السميع العليم وغير ذلك من الأسماء دلت علي إثبات صفة القدرة والعلو والرحمة والقوة والعزة والحكمة والسمع والعلم فهي أعلام لقوله تعالي‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسني‏)[‏ الإسراء‏:110]‏

    وكلها تدل علي ذات واحدة ومسمي واحد‏,‏ وهي أيضا أوصاف لقوله تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)[‏ الأعراف‏:180]‏ وقد ذكر الله عزوجل من اسمائه الحسني الغفور الرحيم وكلاهما علم علي ذاته كما جاء في قوله‏:(‏نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم‏)[‏ الحجر‏:49]‏ وقد بين في موضع آخر ان الاسم يتضمن الوصف وأن الغفور ذو مغفرة‏,‏ والرحيم ذو رحمة‏,‏ فقال تعالي‏:(‏ وإن ربك لذو مغفرة للناس علي ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب‏)[‏ الرعد‏:6]‏ وقال‏:(‏ وربك الغفور ذو الرحمة‏)[‏ الكهف‏:58]‏ ومن اسمائه الحسني القوي حيث ورد علما مطلقا علي ذات الله فقال‏:(‏ إن ربك هو القوي العزيز‏)[‏ هود‏:66]‏ وفي موضع آخر بين أنه متصف بالقوة فقال‏:(‏ إن الله هوالرزاق ذو القوة المتين‏)[‏ الذاريات‏:58].‏

    وذكر الله أيضا من اسمائه الحسني العزيز فقال‏:(‏ لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏)[‏ آل عمران‏:6]‏ ثم قال في تضمن الاسم للوصف‏:(‏ سبحان ربك رب العزة عما يصفون‏)[‏الصافات‏:180]‏ وقال أيضا‏:(‏ فإن العزة لله جميعا‏)[‏ النساء‏:139]‏ ومن ثم فان الأدلة قاطعة في أن الله سبحانه رحيم برحمة‏,‏ قوي بقوة‏,‏ عزيز بعزة وكذلك أيضا قدير بقدرة حكيم بحكمة‏,‏ سميع بسمع عليم بعلم‏,‏ وغير ذلك من الأسماء ودلالتها علي الصفات ولا يشبه في وصفه حال المخلوق كما نقول سعيد بلا سعادة أو صالح بلا صلاح‏,‏ أو سعيد وهو حزين كاسم بلا مسمي‏,‏ أو منصور وهو مهزوم أو صالح وهو طالح‏[/align]
    [align=center][/align]

  8. #8

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد ذكرنا فيما سبق ان الأسماء التسعة والتسعين التي يحفظها الناس منذ أكثر من ألف عام ليست نصا من كلام النبي صلي الله عليه وسلم ذكره في حديث واحد وإنما هي اجتهاد من جمع الوليد بن مسلم وإدراجه لها في حديث الترمذي

    وقد علمنا أيضا ضرورة الالتزام بعدة شروط عند إحصاء الأسماء الحسني وهي ثبوت الاسم في القرآن أو صحيح السنة وأن يرد في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة‏,‏ وان يكون مطلقا دون تقييد ظاهر أو إضافة مقترنة بحيث يفيد المدح والثناء بنفسه ولابد من دلالة الاسم علي الوصف وأن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال ولما طبقنا هذه الضوابط مرات عدة باستخدام التقنية الحاسوبية والموسوعات الالكترونية التي شملت الكتب الأصلية للسنة المطهرة لم تنطبق إلا علي تسعة وتسعين اسما تضاف إلي لفظ الجلالة‏,‏ وها هي الأسماء الحسني الثابتة في الكتاب والسنة بأدلتها التفصيلية‏:‏
    ‏1‏ ــ الرحمن
    ‏2‏ ــ الرحيم‏:‏ قال تعالي‏:(‏ تنزيل من الرحمن الرحيم‏)[‏ فصلت‏:2]‏
    ‏3‏ ــ الملك
    ‏4‏ ــ القدوس
    ‏5‏ ـــ السلام
    ‏6‏ ــ المؤمن
    ‏7‏ ــ المهيمن
    ‏8‏ ــ العزيز
    ‏9‏ ــ الجبار

    ‏10‏ ــ المتكبر‏:(‏ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون‏)[‏ الحشر‏:23]‏
    ‏11‏ ــ الخالق
    ‏12‏ ــ الباريء
    ‏13‏ ــ المصور‏:(‏ هو الله الخالق الباريء المصور‏)[‏ الحشر‏:24]‏
    ‏14‏ ــ الأول
    ‏15‏ ــ الآخر
    ‏16‏ ــ الظاهر
    ‏17‏ ــ الباطن‏:(‏ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم‏)[‏ الحديد‏:3]‏
    ‏18‏ ــ السميع
    ‏19‏ ــ البصير‏:(‏ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏)[‏ الشوري‏:11]‏
    ‏20‏ ــ المولي

    ‏21‏ ــ النصير‏:(‏ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير‏)[‏ الحج‏:78]‏
    ‏22‏ ــ العفو
    ‏23‏ ــ القدير‏:(‏ فإن الله كان عفوا قديرا‏)[‏ النساء‏:149]‏
    ‏24‏ ــ اللطيف
    ‏25‏ ــ الخبير‏:(‏ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير‏)[‏ الملك‏:14]‏
    ‏26‏ ــ الوتر‏:‏ حديث ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ وإن الله وتر يحب الوتر‏)[‏ مسلم‏2677]‏
    ‏27‏ ــ الجميل‏:‏ حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله جميل يحب الجمال‏)[‏ مسلم‏:91]‏
    ‏28‏ ــ الحيي
    ‏29‏ ــ الستير حديث يعلي بن أمية مرفوعا‏:(‏ إن الله عز وجل حيي ستير يحب الحياء والستر‏)[‏ صحيح أبي داود‏:3387]‏
    ‏30‏ ــ الكبير

    ‏31‏ ــ المتعال‏:‏ قال تعالي‏(‏ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال‏)[‏ الرعد‏:9]‏
    ‏32‏ ــ الواحد
    ‏33‏ ــ القهار‏:‏ قال تعالي‏(‏ قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار‏)[‏ الرعد‏:16]‏
    ‏34‏ ــ الحق
    ‏35‏ ــ المبين‏:‏ قال تعالي‏:(‏ يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين‏)[‏ النور‏:25]‏
    ‏36‏ ــ القوي‏:‏ قال‏(‏ إن ربك هو القوي العزيز‏)[‏ هود‏:66]‏
    ‏37‏ ــ المتين قال تعالي‏:(‏ إن الله هوالرزاق ذو القوة المتين‏)[‏ الذاريات‏:58]‏
    ‏38‏ ــ الحي
    ‏39‏ ــ القيوم‏:(‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ ‏[‏ البقرة‏:255]‏
    ‏40‏ ــ العلي

    ‏41‏ ــ العظيم‏:‏ قال تعالي‏:(‏ وهوالعلي العظيم‏)[‏ البقرة‏:255]‏
    ‏42‏ ــ الشكور
    ‏43‏ ــ الحليم‏:‏ قال تعالي‏:(‏ والله شكور حليم‏))[‏ التغابن‏:17]‏
    ‏44‏ ــ الواسع
    ‏45‏ ــ العليم قال تعالي‏:(‏ إن الله واسع عليم‏)‏ ‏[‏ البقرة‏:115]‏
    ‏46‏ ــ التواب
    ‏47‏ ــ الحكيم قال تعالي‏:(‏ وأن الله تواب حكيم‏)[‏ النور‏:10]‏
    ‏48‏ ــ الغني
    ‏49‏ ــ الكريم قال تعالي‏:(‏ ومن كفر فإن ربي غني كريم‏)[‏ النمل‏:40]‏
    ‏50‏ ــ الأحد

    ‏51‏ ــ الصمد قال تعالي‏:(‏قل هو الله أحد الله الصمد‏)‏
    ‏52‏ ــ القريب
    ‏53‏ ــ المجيب قال تعالي‏:(‏ إن ربي قريب مجيب‏)[‏ هود‏:61]‏
    ‏54‏ ــ الغفور
    ‏55‏ ــ الودود قال تعالي‏:(‏ وهو الغفور الودود‏)[‏ البروج‏:15,14]‏
    ‏56‏ ــ الولي
    ‏57‏ ــ الحميد‏:‏ قال تعالي‏:(‏ وهو الولي الحميد‏)[‏ الشوري‏:28]‏
    ‏58:‏ الحفيظ قال تعالي‏:(‏ وربك علي كل شيء حفيظ‏)[‏ سبأ‏:21]‏
    ‏59‏ ــ المجيد قال تعالي‏:(‏ ذو العرش المجيد‏)[‏ البروج‏:15]‏
    ‏60‏ ــ الفتاح‏:‏ قال تعالي‏:(‏ وهو الفتاح العليم‏)[‏ سبأ‏:26]‏

    ‏61‏ ــ الشهيد‏:‏ قال تعالي‏(‏ وهو علي كل شيء شهيد‏)[‏ سبأ‏:47]‏
    ‏62‏ ــ المقدم
    ‏63‏ ــ المؤخر‏:‏ حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ أنت المقدم وأنت المؤخر‏)[‏ البخاري‏:1069]‏
    ‏64‏ ــ المليك
    ‏65‏ ــ المقتدر قال تعالي‏:(‏ إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر‏)[‏ القمر‏:55]‏
    ‏66‏ ــ المسعر
    ‏67‏ ــ القابض
    ‏68‏ ــ الباسط
    ‏69‏ ــ الرازق (حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق‏)[‏ صحيح الجامع‏18146]‏
    ‏70‏ ــ القاهر قوله تعالي‏:(‏ وهوالقاهر فوق عباده‏)[‏ الأنعام‏:18]‏

    ‏71‏ ــ الديان‏:‏ حديث عبد الله بن أنيس مرفوعا‏:(‏ يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب‏,‏ أنا الملك انا الديان‏)[‏ البخاري‏:2719/6]‏
    ‏72‏ ــ الشاكر قال تعالي‏:(‏ وكان الله شاكرا عليما‏)[‏ النساء‏:147]‏
    ‏73‏ ــ المنان‏:‏ حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا وفيه‏:(‏ لا إله الا انت المنان‏)[‏ صحيح أبي داود‏:1325]‏
    ‏74‏ ــ القادرقوله تعالي‏:(‏ فقدرنا فنعم القادرون‏)[‏ المرسلات‏:23]‏
    ‏75‏ ــ الخلاق‏:‏ قوله تعالي‏:(‏ إن ربك هو الخلاق العليم‏)[‏ الحجر‏:86]‏
    ‏76‏ ـــ المالك حديث ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ لا مالك إلا الله عز وجل‏)[‏ مسلم‏2143]‏
    ‏77‏ ــ الرزاق قال تعالي‏:(‏ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين‏)[‏ الذاريات‏:58]‏
    ‏78‏ ــ الوكيل قال تعالي‏:(‏ وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل‏)[‏ آل عمران‏:173]‏
    ‏79‏ ــ الرقيب قال تعالي‏:(‏ وكان الله علي كل شيء رقيبا‏)[‏ الأحزاب‏:52]‏
    ‏80‏ ــ المحسن‏:‏ حديث شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله محسن يحب الإحسان‏)[‏ صحيح الجامع‏:1824]‏

    ‏81‏ ــ الحسيب قال تعالي‏:(‏ إن الله كان علي شيء حسيبا‏)[‏ النساء‏:86]‏
    ‏82‏ ــ الشافي‏:‏ حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا‏:(‏ أشف وأنت الشافي‏)[‏ البخاري‏:5351]83‏ ــ الرفيق‏:‏ حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا‏:(‏ رفيق يحب الرفق في الأمر كله‏)‏ ‏[‏ البخاري‏:5901]‏
    ‏84‏ ــ المعطي‏:‏ حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ والله المعطي وأنا القاسم‏)[‏ البخاري‏:2948],‏
    ‏85‏ ـ المقيت‏:‏ قوله تعالي‏:‏ وكان الله علي كل شيء مقيتا‏[‏ النساء‏:85],‏
    ‏86‏ ـ السيد‏:‏ حديث عبدالله بن الشخير رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ السيد الله‏)[‏ صحيح ابي داود‏:4021],‏
    ‏87‏ ـ الطيب‏:‏ حديث ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا‏)[‏ مسلم‏:8330],‏
    ‏88‏ ـ الحكم‏:‏ حديث شريح بن هانيءء رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله هو الحكم وإليه الحكم‏)[‏ صحيح ابي داود‏:4145],‏
    ‏89‏ ـ الاكرم‏,‏ قال تعالي‏:(‏ اقرأ وربك الأكرم‏)[‏ العلق‏:3],‏
    ‏90‏ ـ البر‏,‏ قال تعالي‏:(‏ إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم‏)[‏ الطور‏:28],‏

    ‏91‏ ـ الغفار قال تعالي‏:(‏ رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار‏)[‏ ص‏:66],‏
    ‏92‏ ـ الرءوف‏,‏ قال تعالي‏:(‏ وأن الله رءوف رحيم‏)[‏ النور‏20],‏
    ‏93‏ ـ الوهاب‏,‏ قال تعالي‏:(‏ ام عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب‏)[‏ ص‏:9],‏
    ‏94‏ ـ الجواد‏:‏ حديث سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه مرفوعا‏:(‏ إن الله عز وجل جواد يحب الجود‏)[‏ صحيح الجامع‏:1744]‏
    ‏95‏ ـ السبوح‏:‏ حديث عائشة مرفوعا‏:(‏ سبوح قدوس رب الملائكة والروح‏)[‏ مسلم‏:487],‏
    ‏96‏ ـ الوارث‏:‏ قوله‏:(‏ وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون‏)[‏ الحجر‏:23],‏
    ‏97‏ ـ الرب‏,‏ قال تعالي‏:(‏ سلام قولا من رب رحيم‏)[‏ يس‏:58],‏
    ‏98‏ ـ الاعلي‏,‏ قال تعالي‏:(‏ سبح اسم ربك الأعلي‏)[‏ الأعلي‏:1],‏
    ‏99‏ ـ الاله‏,‏ قال تعالي‏:(‏ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم‏)[‏ البقرة‏:163].‏

    هذه تسعة وتسعون اسما هي الي توافقت مع شروط الاحصاء بلا مزيد ثمانية وسبعون اسما في القرآن وواحد وعشرون في السنة‏,‏ ويجدر التنبيه علي ان هذا العدد لا يعني ان الاسماء الكلية لله عز وجل محصورة فيه فقد جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا ان النبي صلي الله عليه وسلم قال في دعاء الكرب‏:(‏ أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك‏,‏ أو علمته أحدا من خلقك‏,‏ أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏)[‏ السلسلة الصحيحة‏383/1],‏ فهذا الحديث يدل علي ان العدد الكلي لاسمائه الحسني انفرد الله عز وجل بعلمه‏,‏ وما استأثر به عنده لا يمكن لأحد حصره ولا الاحاطة به‏,‏ اما حديث ابي هريرة رضي الله عنه في ذكر التسعة والتسعين فالمقصود به الاسماء التي تعرف الله بها الي عباده في الكتاب والسنة وتناسب الغاية من وجودهم‏.‏

    وتجدر الاشارة الي ان ترتيب الاسماء الحسني بأدلتها المذكورة مسألة اجتهادية راعينا في معظمها ترتيب اقتران الاسماء حسب ورودها في الآيات مع تقارب الالفاظ علي قدر المستطاع ليسهل حفظها بأدلتها والامر في ذلك متروك للمسلم وطريقته في حفظها‏.‏

    واتماما للفائدة فإنه بعد مراجعة الاسماء المشهورة علي ألسنة الناس منذ اكثر من الف عام تبين ان الاسماء التي وردت فيها ليست تسعة وتسعين اسما بل ثمانية وتسعين لان لفظ الجلالة هو الاسم الاعظم الذي تضاف اليه الاسماء ويكمل به عند احصائه مائة اسم كما هو واضح وظاهر من نص الحديث‏:(‏ إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا‏),‏

    كما ان الأسماء الحسني التي ثبتت بنص الكتاب والسنة في المحفوظ علي ألسنة الناس عددها تسعة وستون اسما فقط وهي‏:‏ الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق الباريء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط السميع البصير الحكم اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد الحي القيوم الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن المتعالي البر التواب العفو الرءوف المالك الغني الوارث‏,

    اما الاسماء التي لم تثبت او توافق شروط الاحصاء فعددها تسعة وعشرون اسما‏,‏ منها اثنان وعشرون ليست من الاسماء الحسني ولكنها افعال واوصاف لا يصح الاجتهاد الشخصي في الاشتقاق منها هي‏:‏ الخافض الرافع المعز المذل العدل الجليل الباعث المحصي المبديء المعيد المميت الواجد الماجد الوالي ذو الجلال والإكرام المقسط المغني المانع الضار النافع الباقي الرشيد الصبور‏,‏ وكذلك سبعة اسماء مقيدة لابد من ذكرها مضافة كما ورد نصها في القرآن وهي‏:‏ الرافع المحيي المنتقم الجامع النور الهادي البديع‏.‏

    اما الاسماء المدرجة التي لم تثبت او توافق ضوابط الاحصاء عند ابن ماجة فعددها تسعة وثلاثون اسما وهي‏:‏ البار الجليل الماجد الواجد الوالي الراشد البرهان المبديء المعيد الباعث الشديد الضار النافع الباقي الواقي الخافض الرافع المعز المذل المقسط ذو القوة القائم الدائم الحافظ الفاطر السامع المحيي المميت المانع الجامع الهادي الكافي الأبد العالم الصادق النور المنير التام القديم‏.‏

    وبخصوص ماادرجه عبدالعزيز بن حصين عند الحاكم فالاسماء التي لم تثبت فيها او توافق شروط الاحصاء عددها سبعة وعشرون اسما هي‏:‏ الحنان البديع المبديء المعيد النور الكافي الباقي المغيث الدائم ذو الجلال والإكرام الباعث المحيي المميت الصادق القديم الفاطر العلام المدبر الهادي الرفيع ذوالطول ذو المعارج ذوالفضل الكفيل الجليل البادي المحيط‏.‏

    وقد اجرينا دراسة كاملة لكل اسم من الاسماء الحسني الثابتة في الكتاب والسنة تناولت الادلة التفصيلية علي ثبوتها وكيف انطبقت عليها شروط الاحصاء ثم تناولت شرح الاسماء وتفسير معانيها بما ورد في القرآن والسنة وصح عن سلف الامة‏,‏ ثم دلالتها علي اوصاف الكمال بانواع الدلالات المختلفة مطابقة وتضمنا والتزاما‏,‏ وكيف ورد الاسم علما في موضع وورد وصفا لله في موضع اخر؟ ثم اشتملت علي كيفية الدعاء بالاسماء الحسني دعاء مسألة‏,‏ وما هو الدعاء القرآني او الدعاء النبوي الصحيح المأثور في كل اسم من الاسماء بمفرده؟ واخيرا تناولت الدراسة كيفية الدعاء بالاسماء الحسني دعاء عبادة؟ او اثر الاسماء الحسني ومقتضاها علي سلوك المسلم واقواله وافعاله‏,[/align]
    [align=center][/align]

  9. #9

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن أسماء الله عز وجل كلها حسني وكلها عظمي وقد وصف الله أسماءه بالحسني في أربعة مواضع من القرآن كما في قوله تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏ ووجه الحسن في أسماء الله أنها دالة علي أحسن وأعظم وأقدس مسمي وهو الله عز وجل فذاته في حسنها وجلالها ليس كمثلها شيء وأسماؤه في كمالها وجمالها تنزهت عن كل نقص وعيب‏,‏ وقد قال تعالي‏:(‏ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام‏)‏ الرحمن‏:78‏

    وهذا يسري علي كل اسم تسمي به الله سواء غابت عنا معرفته أو علمناه فاسم الله الحي متضمن لكمال الحياة وهي صفة أزلية أبدية لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال حياة لازمة لكمال الأسماء والصفات من العلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والملك والقوة والعزة وكذلك اسمه العليم متضمن لكمال العلم الذي لم يسبق بجهل ولايحاط بشيء منه إلا إذا شاء الموصوف به فهو علم واسع أحاط بكل شيء جملة وتفصيلا سواء مايتعلق بأفعال الله وأقداره أو مايتعلق بأمور الخلق وشئونه

    قال تعالي‏:(‏ وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلا هو ويعلم مافي البر والبحر وماتسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين‏)‏ الأنعام‏:60/59.‏

    وحسن أسماء الله عز وجل وعظمتها تظهر للمؤمنين باعتبار مايناسبها من أحوالهم ومن أجل ذلك تعرف الله اليهم بجمله منها تكفي لاظهار معاني الكمال في عبوديتهم وتحقق الحكمة في أفعال خالقهم فاسم الله الأعظم الذي يناسب حال فقرهم المعطي الجواد المحسن الواسع الغني واسمه الأعظم الذي يناسب حال ضعفهم القادر القدير المقتدر المهيمن القوي وفي حال الذلة وقلة الحيلة يناسبهم الدعاء باسمه العزيز الجبار المتكبر الأعلي المتعالي العلي وفي حال الندم بعد اقتراف الذنب يناسبهم الدعاء باسمه اللطيف التواب الغفور الغفار الحي الستير

    وفي حال السعي والكسب يدعون الرازق الرزاق المنان السميع البصير وفي حال الجهل والبحث عن أسباب العلم والفهم يناسبهم الدعاء باسمه الحسيب الرقيب العليم الحكيم الخبير وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولي ونعم النصير وهكذا كل اسم من الأسماء الحسني هو الأعظم في موضعه وبحسب حال العبد وماينفعه‏.‏

    والله عز وجل أسماؤه الكلية لاتحصي ولا تعد وهو وحده الذي يعلم عددها لكنه من حكمته أنه يعطي كل مرحلة من مراحل خلقه معرفة مايناسبها من أسمائه وصفاته بحيث تظهر فيها دلائل جلاله وكماله وقد تعرف إلينا في كتابه وفي سنة رسوله بتسعة وتسعين اسما كلها حسني وكلها عظمي علي اعتبار مايناسبها من أحوال العباد وذلك لابتلائهم في الاستعانة به والصدق معه والرغبة اليه والتوكل عليه وغير ذلك من معاني توحيد العبادة لله‏,‏ وكل ذلك أيضا ليعود النفع عليهم لا عليه فهم المنتفعون بذكرهم وطاعتهم ومسارعتهم في الخيرات‏.‏

    والاسم الأعظم ليس كما يصوره البعض حسب أهوائهم وأذواقهم سر مكنون وغيب مصون مقصور علي أوليائهم أو يأخذونه بالتلقي والسند عن قدماء الأولياء أو بلعام بن باعوراء وغير ذلك من القصص التي رويت في كتب السير والتاريخ وتناقلها العامة وهي باطلة لا أصل لها كالمبالغة في القصة التي ذكرت أن الملكين ببابل هاروت وماروت اللذين يقال أنهما أهبطا إلي الأرض حين عمل بنو آدم المعاصي ليقضيا بين الناس بالحق وأن الله ألقي في قلوبهما شهوة النساء ونهاهما ربهما عن شرب الخمر والزنا وسفك الدماء وأنهما كانا يعلمان الاسم الأعظم ليصعدا به إلي السماء فجاءتهما امرأة في مسألة لها فأعجبتهما وراوداها عن نفسها في البغي والفحشاء فأبت عليهما حتي يعلماها الاسم الأعظم

    ثم أبت مرة أخري حتي يشربا الخمر‏,‏ فشربا الخمر وزنيا بها ثم خرجا فقتلا بريئا معصوما فدعت المرأة بالاسم الأعظم فصعدت إلي السماء ومسخت فتحولت إلي كوكب خناس هو كوكب الزهرة الذي نراه في السماء وغضب الله علي الملكين فسماهما هاروت وماروت وخيرهما بين عذاب الدنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا وهناك من بالغ وزعم أن كوكب الزهرة مازال يعلم الشياطين الاسم الأعظم وهم بدورهم يعلمونه لأوليائهم مع السحر‏,‏ فيتكلمون بكلام يجعل الواحد منهم يطير في الهواء أو يمشي علي الماء أو غير ذلك مماتناقلته الدهماء وهو باطل قال ابن كثير‏(142/1):‏

    وقد روي في قصة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة وأبي العالية والزهري والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وغيرهم وقصها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين وحاصلها راجع في تفصيلها إلي أخبار بني اسرائيل إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلي الصادق المصدوق المعصوم الذي لاينطق عن الهوي وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فنحن نؤمن بماورد في القرآن علي ماأراده الله تعالي والله أعلم بحقيقة الحال‏.‏

    والأعجب من ذلك ماانتشر بين العامة والخاصة من إسرائيليات ومبالغات باطلة في قصة بلعام بن باعوراء التي يذكرون فيها أن الله أمر بني إسرائيل بقتال الجبارين بقيادة يوشع النبي فانطلق بلعام وهو رجل من قوم موسي عليه السلام كان يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر وأتي الجبارين فقال‏:‏ لاترهبوا بني إسرائيل فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون فكان عندهم فيما شاء من الأهواء غير أنه كان لايستطيع أن يأتي النساء فكان ينكح أتانا له وكان يلهث كما يلهث الكلب وخرج لسانه من فمه حتي نزل علي صدره

    فخرج يوشع النبي يقاتل الجبارين في الناس وخرج بلعام مع الجبارين علي أتانه وهو يريد أن يلعن بني إسرائيل بالاسم الأعظم فكلما أراد أن يدعو علي بني إسرائيل تدور الأتان دون أن يدري فتأتي اللعنة علي الجبارين فقالوا له‏:‏ إنك تدعو علينا ياابن باعوراء فيقول لهم‏:‏ إنما أردت بني إسرائيل فأخذ ملك من ملوك الجبارين بذنب الأتان وجعلها تتحرك وأخذ بلعام يضربها ويكثر من ضربها فتكلمت الأتان وقالت‏:‏ ويلي منك يابلعام أنت تنكحني بالليل وتضربني بالنهار‏.‏

    والقصد أن أسماء الله أجل من أن تكون محورا لمثل هذه القصص الواهية التي انتشرت بين المسلمين كقصص مشوقة وحكايات عن الأمم السابقة دون تثبت من النقل أو اعمال للعقل يميز بين ماثبت بالدليل وماهو من قبيل التخيل فالعلم له ثوابته التي لايصح المساس بها‏.‏ لكن العظمة في أسماء الله تكون باعتبار كل اسم علي انفراده أو باعتبار جمعه الي غيره‏,‏ فيحصل بجمع الاسم إلي الآخر كمال فوق كمال والأعلي في الكمال هو الأعظم علي هذا الاعتبار

    ومن هنا ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم بعض الروايات في ذكر الاسم الأعظم روي ابن ماجة وحسنه الألباني من حديث بنت يزيد رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين‏:(‏ وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم‏)‏ وفاتحة سورة آل عمران وفي رواية أحمد وحسنه الألباني من حديث أسماء رضي الله عنها أنها قالت‏:(‏ سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في هذين الآيتين‏:(‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ و‏(‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏)‏ إن فيهما اسم الله الأعظم‏)‏

    وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث بريدة رضي الله عنه قال‏:(‏ سمع النبي صلي الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول‏:(‏ اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فقال صلي الله عليه وسلم‏:‏ والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي‏)‏ وعند أبي داود وابن ماجة وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا‏:(‏ اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض ياذا الجلال والاكرام ياحي ياقيوم فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطي‏)‏

    أما بيان اعتبار العظمة في الأسماء الحسني التي ذكرها العلماء واستندوا فيها إلي الروايات السابقة فمن أبرز الأقوال وأصحها أن الاسم الأعظم هو الله عز وجل وأكثر أهل العلم علي ذلك وهذا القول صحيح من عدة أوجه‏,‏ منها أنه ورد ذكره في الأحاديث السابقة ومنها أنه يدل علي جميع الأسماء الحسني والصفات العليا بدلالة المطابقة والتضمن واللزوم فإنه دال علي إلهيته سبحانه المتضمنة لثبوت صفات الالهية له مع نفي أضدادها عنه‏,‏ وصفات الالهية هي صفات الكمال المنزهة عن التشبيه والمثال وعن النقائص والعيوب ولهذا يضيف الله تعالي سائر الأسماء الحسني إلي هذا الاسم كقوله سبحانه‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فأدعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏

    كما أنه يقال الرحمن والرحيم والقدوس والسلام والعزيز والحكيم من أسماء الله‏,‏ ولايقال الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسني ودال عليها بالاجمال وهو الأصل في إسناد الأسماء الحسني إليه قال تعالي‏:(‏ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ماتدعوا فله الأسماء الحسني‏)‏ الأسراء‏:110‏ وقد ذكر الامام الرازي في شرح هذه الآية أن الله خص هذين الاسمين الله ـ الرحمن ـ بالذكر وذلك يدل علي أنهما أشرف من غيرهما ثم إن اسم أشرف من اسم الله الرحمن لأنه قدمه في الذكر من جهة ومن جهة أخري أنه أعظم في الدلالة علي الصفات من دلالة الرحمن فاسم الرحمن يدل علي كمال الرحمة بينما اسم الله يدل علي كل الصفات اللازمة لكمال الذات الإلهية كمالا مطلقا

    ومما ذكره الرازي أيضا أن هذا الاسم ماأطلق علي غير الله فالعرب كانوا يسمون الأوثان آلهة إلا هذا الاسم فإنهم ماكانوا يطلقونه علي غير الله كما قال سبحانه‏:(‏ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله‏)‏ لقمان‏:25‏ كما أن هذا الاسم له خاصية غير حاصلة في سائر الأسماء وهي أن سائر الأسماء والصفات إذا دخل عليها النداء أسقط عنها الألف واللام ولهذا لايجوز أن يقال‏:‏ يا الرحمن يا الرحيم‏,‏ بل يقال‏:‏ يارحمن يارحيم أما هذا الاسم فإنه يحتمل هذا المعني فيصح أن يقال‏:‏ ياالله فالألف واللام للتعريف فعدم سقوطها عن هذا الاسم يدل علي أن هذه المعرفة لاتزول عنه البتة‏..‏[/align]
    [align=center][/align]

  10. #10

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن أسماء الله عز وجل كلها حسني وكلها عظمي كما قال تعالي‏:(‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ فكل اسم من الأسماء الحسني هو الأعظم في موضعه وبحسب حال العبد وماينفعه والعظمة في أسماء الله تعالي تكون باعتبار كل اسم علي انفراده أو باعتبار جمعه إلي غيره فيحصل بجمع الاسم إلي الآخر كمال فوق كمال والأعلي في الكمال هو الأعظم علي هذا الاعتبار

    وقد تقدم رأي الجمهور في اعتبار لفظ الجلالة هو الاسم الأعظم أما ماورد في كون الرحمن الرحيم هو الاسم الأعظم فذلك باعتبار عدة أوجه دلت علي كمال مخصوص فوق كمال كل اسم منفرد وقد ذكر ابن القيم ان الرحمن هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة والرحيم هو الراحم لعباده ولم يجيء رحمن بعباده ولا رحمن بالمؤمنين مع مافي اسم الرحمن الذي هو علي وأن فعلان من سعه هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به‏,‏ ألا تري أنهم يقولون غضبان للممتليء غضبا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك فبناء فعلان للسعة والشمول

    ولهذا يقرن الله تعالي استواءه علي العرش بهذا الاسم كثيرا كقوله سبحانه‏:(‏ الرحمن علي العرش استوي‏)‏ طه‏:5‏ وكقوله أيضا‏:(‏ ثم استوي علي العرش الرحمن فاسأل به خبيرا‏)‏ الفرقان‏:59‏ فاستوي علي عرشه باسمه الرحمن لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم علي اختلاف أنواعهم كما قال تعالي‏:(‏ ورحمتي وسعت كل شيء‏)‏ الأعراف‏:156‏ فاستوي علي أوسع المخلوقات بأوسع الصفات ومن ثم وسعت رحمته كل شيء

    قال أبو علي الفارسي‏:(‏ الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالي والرحيم إنما هو خاص بالمؤمنين قال تعالي‏:(‏ هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيما‏)‏ الأحزاب‏:43‏ وقال ابن عباس رضي الله عنه‏:(‏ هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر‏)‏ وقال القرطبي‏:‏ الرحمن خاص الاسم عام الفعل والرحيم عام الاسم خاص الفعل وهذا قول الجمهور‏)‏

    وقد ذكر الله عز وجل استواءه علي عرشه مقرونا باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته ولولا هذه الرحمة مااتسعت الدنيا لكافر لحظة فالرحمة هنا أظهرت عظمة الحكمة بجلال الأسماء وظهور الآلاء ليتعظ من يتقلب في نعمته وهو غافل عن رحمنه وحكمته كما أن الله خص المؤمنين باسمه الرحيم فقال‏:(‏ وكان بالمؤمنين رحيما‏)‏ الأحزاب‏:43‏ وذلك ليميز بينهم وبين الكافرين

    فالكافر سيعامل بعدله والمؤمن سيعامل بفضله وهذان الاسمان كلاهما عليهما مدار الحكمة في الدنيا والآخرة وعلي ذلك فإن الرحمن الرحيم هما اسم الله الأعظم علي اعتبار علوهما عن غيرهما في الدلالة علي معاني الكمال والحكمة‏.‏

    أما اعتبار الاسم الأعظم هو الحي القيوم فذلك لعدة أوجه دلت علي كمال مخصوص فوق جميع الأسماء فهذان الاسمان عند اجتماعهما يختصان عن باقي الأسماء الحسني بمافيهما من معاني الكمال فجميع الأسماء الحسني والصفات العليا تدل باللزوم علي أن الله حي قيوم فالحياة وصف ذاته ومن أجلها كملت جميع أسمائه وصفاته فلا يمكن أن يكون سميعا بصيرا عليما قديرا إلا إذا كان حيا ولايمكن أن يكون ملكا عزيزا قويا غنيا إلا إذا كان حيا
    ولايمكن أن يكون رحيما رءوفا مهيمنا عظيما إلا إذا كان حيا ولايمكن أن يكون جبارا متكبرا خالقا بارئا مصورا إلا إذا كان حيا فجميع أسماء الله تدل علي صفة الحياة التي تضمنها اسمه الحي‏,‏ وهذه قضية عقلية نقلية بينها الله في القرآن بأفضل بيان وأجمل برهان
    قال تعالي‏:(‏ إن تدعوهم لايسمعوا دعاءكم ولو سمعوا مااستجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولاينبئك مثل خبير‏)‏ فاطر‏:14‏ فمعبوداتهم لاتستجيب لكونها موتي والميت تزول عنه صفاته بزوال ذاته فلا يقال عالم وهو ميت بل يقال كان عالما ولا يقال غني قوي وهو ميت بل يقال كان غنيا قويا ولايقال ملك وهو ميت بل يقال كان ملكا عادلا أو ظالما‏.‏

    كما أن ملكية الشيء أو حق التملك إما أن يكون سببه اختراع الأشياء وإيجادها أو دوام الحياة وكمالها فالمخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر‏,‏ وعند البخاري قال عمر رضي الله عنه‏:(‏ من أحيا أرضا ميتة فهي له‏)‏ ومن المعلوم أن أي ملك في الدنيا لايمكن أن يؤسس ملكه بمفرده بل يساعده خاصته وقرابته ويسانده حزبه وجماعته أما رب العزة فهو الحي قبل وجود الأحياء وهو الإله الحق الذي انفرد بإنشاء الخلق وإقامة الملك‏,‏

    قال تعالي‏:(‏ ماأشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وماكنت متخذ المضلين عضدا‏)‏ الكهف‏:51‏ ولما كان دوام الحياة وكمالها يؤدي إلي انتقال الملكية وثبوتها فإن الحياة والقيومية أساس الربوبية وكمال العظمة والملكية قال تعالي‏:(‏ كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام‏)‏ الرحمن‏:27‏

    وقال‏:(‏ ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير‏)‏ آل عمران‏:180‏ والله عز وجل لما ذكر هذا الاسم الأعظم في أعظم آية قرآنية فقال‏:(‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم‏)‏ قال بعدها مبينا التفرد بالملكية‏:(‏ له مافي السماوات ومافي الأرض‏)‏ البقرة‏:255.‏

    والقيم في اللغة هو السيد الذي يسوس الأمور ويدبرها‏,‏ فقيم البلدة سيدها وأمينها ومدبرها‏,‏ واسم الله القيوم تقدير فعله قام اللازم وأقام المتعدي‏,‏ قام بذاته فلا يحتاج إلي غيره وأقام غيره لافتقاره إليه‏,‏ والله سبحانه هو القائم بنفسه الذي بلغ مطلق الكمال في وصفه‏,‏ وهو الباقي بجلاله وكماله علي الدوام دون تأثر أو تغيير‏,‏ لأن الحي من البشر قد يكون موصوفا بالسمع لكن سمعه يتأثر بمرور الوقت فيفتقر إلي وسيلة للسماع‏,‏ وقد يكون بصيرا لكنه يتأثر بعد مدة فيضع عدسة يستعين بها علي الإبصار‏,‏ فالحي قد يكون متصفا بالصفات لكنه يتأثر بالسنة والغفلة والنوم‏,‏ ولو كان قائما لكملت حياته وبقيت صفاته‏,‏ ولذلك فإن الله أثبت الحياة واليومية اللازمة لكمال أسمائه وصفاته بطريق الإثبات والنفي المتضمن لكمال المقابل‏,‏ وهذه أبلغ طرق المدح التي اتبعها أهل السنة في مدح ربهم‏,‏ فمدار أوصاف الكمال وجميع الأسماء الحسني تدل باللزوم علي أن الله عز وجل حي قيوم‏,‏ ومن ثم جعلهما النبي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ اسم الله الأعظم علي هذا الاعتبار‏.‏

    وأما اعتبار الاسم الأعظم هو الأحد الصمد فذلك لأن الاسمين معا يدلان علي كمال مخصوص يلازم جميع الأسماء والصفات‏,‏ فالأحد دل علي أنه سبحانه المنفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله عن كل ما سواه‏,‏ فالأحدية هي الانفراد ونفي الشريك والشبيه والمثلية‏,‏ كما أن الصمدية تعني السيادة المطلقة في كل وصف علي حدة‏,‏ فالصمد هو السيد الذي له الكمال المطلق في كل شيء‏,‏ وهو المستغني عن كل شيء‏,‏ وكل من سواه مفتقر إليه يصمد إليه ويعتمد عليه‏,‏

    وهو الكامل في جميع صفاته وأفعاله‏,‏ وليس فوقه أحد في كماله‏,‏ وهو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وسائر أمورهم‏,‏ فالأمور أصمدت إليه وقيامها وبقاؤها عليه لا يقضي فيها غيره‏,‏ وهو المقصود اليه في الرغائب والمستغاث به عند المصائب‏,‏ الذي يطعم ولا يطعم ولم يلد ولم يولد‏.‏

    أما كمال الوصف المخصوص عند اجتماع الأحدية والصمدية‏,‏ فيمكن القول إن الله عز وجل لما فطر النفوس علي أن تلجأ إلي قوة عليا عند ضعفها‏,‏ وتطلب غنيا أعلي عند فقرها وعالما خبيرا عند جهلها ورءوفا شافيا عند مرضها ومن كملت أوصافه عند اضطرارها‏,‏ فإن الله هو المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه‏,‏ والمخلوق وإن كان صمدا من بعض الوجوه فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه لأنه يقبل التفرق والزوال والتجزئة والانحلال ويتقسم ويتبعض فينفصل بعضه من بعض‏,‏

    وهو أيضا مفتقر إلي ما سواه وكل ما سوي الله مفتقر إليه من كل وجه‏,‏ فليس أحد يصمد اليه كل شيء ولا يصمد هو إلي شيء إلا الله تبارك وتعالي‏,‏ لأنه لا يجري عليه شيء من ذلك‏,‏ بل حقيقة الصمدية وكمالها له وحده‏,‏ ولا يمكن انعدامها بوجه من الوجوه فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء كما قال تعالي‏:(‏ ولم يكن له كفوا أحد‏)(‏ الإخلاص‏:4),‏ وقد استعملت الأحدية هنا في النفي‏,‏ أي ليس شيء من الأشياء كفوا له في شيء من الأشياء لأنه أحد‏.‏

    كما أن هذا الاسم الأعظم أو الأحد الصمد دلا علي أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ فإن الصمد هو الذي لا جوف له ولا أحشاء‏,‏ فلا يدخل فيه شيء ولا يأكل ولا يشرب كما قال سبحانه‏:(‏ قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم‏)(‏ الأنعام‏:14),‏ وفي قراءة الأعمش وغيره ولا يطعم بالفتح‏,‏ وقال تعالي‏:‏ ‏(‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‏)(‏ الذاريات‏:57/56),‏ ومن مخلوقاته الملائكة وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون‏,‏ فالخالق لهم جل جلاله أحق بكل غني وكمال جعله لبعض مخلوقاته‏.‏

    وقد فسر بعض السلف الصمد بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب وأن الصمد هو المصمد الذي لا جوف له‏,‏ فلا يخرج منه عين من الأعيان ولا يلد‏,‏ وهو كلام صحيح علي معني أنه لا يفارقه شيء منه‏,‏ ولهذا امتنع عليه أن يلد وأن يولد‏,‏ وذلك أن الولادة والتولد‏,‏ وكل ما يكون من هذه الألفاظ لا يكون إلا من أصلين‏,‏ وما كان من المتولد عينا قائمة بنفسها فلابد لها من مادة تخرج منها‏,‏

    وقد نفي الله ذلك بقوله‏:(‏ قل هو الله أحد‏)(‏ الإخلاص‏:1),‏ فإن الأحد هو الذي لا كفؤ له ولا نظير فيمتنع أن تكون له صاحبة‏,‏ ولتولد إنما يكون بين شيئين‏,‏ قال تعالي‏:(‏ أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم‏)(‏ الأنعام‏:101),‏ فنفي سبحانه الولد بامتناع لازمه عليه‏,‏ فإن انتقاء اللازم يدل علي انتفاء الملزوم‏,‏ وبأنه خالق كل شيء وكل ما سواه مخلوق له‏,‏ ليس فيه شيء مولود له‏,‏ فهو سبحانه غني بذاته‏,‏ يمتنع في حقه أن يكون والدا وأن يكون مولودا‏,

    قال ابن تيمية‏:(‏ كذلك فإن هذين الاسمين يستلزمان سائر أسماء الله الحسني وما فيها من التوحيد كله قولا وعملا‏,‏ والنبي‏(‏ ص‏)‏ ذكر هذين الاسمين فقال‏:(‏ الله الواحد الصمد تعدل ثلث القرآن‏),‏ وذلك أن كونه أحدا وكونه الصمد يتضمن أنه الذي يقصده كل شيء لذاته ولما يطلب منه‏,‏ وأنه مستغن بنفسه عن كل شيء‏,‏ وأنه بحيث لا يجوز عليه التفرق والفناء‏,‏

    وأنه لا نظير له في شيء من صفاته ونحو ذلك مما ينافي الصمدية‏,‏ وهذا يوجب أن يكون حيا عالما قديرا ملكا قدوسا سلاما مهيمنا عزيزا جبارا متكبرا‏)‏ ومن ثم فاجتماع اسم الأحد مع الصمد يضيفان من معاني الجلال والعظمة ما ليس لغيرهما‏,‏ ولذلك ذكرهما النبي‏(‏ ص‏)‏ علي أنهما اسم الله الأعظم‏.‏[/align]
    [align=center][/align]

  11. #11

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]دعاء المسألة


    الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد‏..‏ فإن معني الدعاء هو استدعاء العبد ربه عز وجل العناية واستمداده المعونة وإظهار الافتقار إليه والتبرؤ من الحول والقوة‏,‏ وهو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية إلي معبودها‏,‏ كما أن حقيقة السؤال إن كان من العبد لربه كان طلبا ورجاء ومدحا وثناء ورغبة ودعاء واضطرارا والتجاء‏,‏ وإن كان من الله لعبده كان تكليفا وابتلاء ومحاسبة وجزاء وتشريفا وتعريفا‏,‏

    والله عز وجل لما أمر عباده أن يدعوه باسمائه الحسني فقال‏:(‏ ولله الاسماء الحسني فادعوه بها‏)‏ الأعراف‏:180‏ فإن أمره بذلك يشمل معاني الدعاء التي وردت في الكتاب والسنة‏,‏ وقد قسم المحققون من العلماء ما ورد في الآية من الأمر بالدعاء إلي نوعين‏:‏

    الأول‏:‏ دعاء مسألة ويكون بلسان المقال‏,‏ وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب منفعة أو دفع مضرة‏,‏ فيسأل الله باسمائه الحسني التي تناسب حاجته ومطلبه ويتوسل إلي الله بذكرها وذكر ما تضمنته من كمال الأوصاف وجلالها‏,‏ فيردد في دعائه من اسماء الله ما يناسبه عند تقلب الأحوال‏,‏ ويظهر في دعائه وأقواله إيمانه بالتوحيد وأوصاف الكمال‏,‏ ففي حال فقره يدعو ويستعين بالمعطي الجواد المحسن الواسع الغني‏,‏

    وفي حال ضعفه يبتهل إلي القادر القدير المقتدر المهيمن القوي‏,‏ وفي حال الذلة والقلة يناسبه أن يلتجئ في دعائه وابتهاله إلي ربه بذكر اسمائه العزيز الجبار المتكبر الأعلي المتعالي العلي‏,‏ وفي حال السعي والكسب يدعو الرازق الرزاق المنان السميع البصير‏,‏ وفي حال الحرب وقتال العدو فنعم المولي ونعم النصير‏,‏ وهكذا يدعو ويتوسل إلي ربه ويبتهل ويتضرع بذكر ما يناسب موضعه وما ينفعه من اسماء الله الحسني أو بعبارة أخري يقدم بين يدي سؤاله الثناء علي اسماء الله بأسمائه وأوصافه وأفعاله ما يتناسب مع أحواله فيثني علي الله ويلح في التجائه وندائه ويصدق في مناجاته وسؤاله ودعائه‏.‏

    النوع الثاني‏:‏ دعاء العبادة ويكون بلسان الحال‏,‏ وهو تعبد لله يظهر التوحيد في كل اسم من اسمائه وكل وصف من أوصافه‏,‏ فهو دعاء سلوكي ومظهر أخلاقي وحال إيماني يبدوا فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الاسماء الحسني بحيث تنطق أفعاله أنه لا معبود بحق سواه‏,‏

    وتتسابق مع أقواله في شهادته ألا إله إلا الله وأنه سبحانه المتوحد في اسمائه وأوصافه الذي لا سمي له في علاه‏,‏ فقد يكون العبد الموحد في ذروة غناه مبتلي بالمال فيما استخلفه الله واسترعاه فيظهر بمظهر الفقر والتواضع لعلمه أن الله غني متوحد في غناه‏,‏ وأن المال ماله وهو مستخلف عليه مخول فيه مبتلي به‏,‏ فتجده يلين لاخوانه ولا يعرف بينهم بالغني من شدة توحيده وإيمانه‏,‏ ولو كان الموحد شريفا حسيبا عليا نسيبا بدت عليه بدعاء العبادة مظاهر الذل والافتقار‏,‏ وخضع بجنانه وكيانه إلي الحسيب الجبار القهار المتعال لعلمه أن المتوحد في الحسب والكبرياء وما تضمنته هذه الاسماء هو الله‏,‏ فسلوكه سلوك المخلصين من العبيد وأفعاله بدعاء العبادة تنطق بشهادة التوحيد‏.‏

    وإذا كان مدح المخلوق قبل سؤاله بذكر القليل من صفات كماله سببا للاجابة وتحقيق المطلوب فإن مدح الخالق قبل سؤاله بذكر اسمأئه وصفاته وأفعاله سبب من باب أولي لاسيما أن المخلوق يمدح بوصف مكتسب لا يدوم‏,‏ وربما يمدح بما لا يستحق‏,‏ وربما يمدح نفاقا وكذبا‏,‏ كما أن مدح المسئول قبل السؤال يعود النفع فيه علي السائل والمسئول‏,‏ أما رب العزة والجلال فمازال باسمائه وصفاته أولا قبل خلقه‏,‏ لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته‏,‏ وكما كان باسمائه وصفاته أزليا كذلك لايزال عليها أبديا‏,‏

    وهو الغني بذاته عن العالمين‏,‏ كل شيء إليه فقير وكل أمر عليه يسير‏,‏ لا يحتاج إلي شيء‏,(‏ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‏)‏ وهو أهل الثناء والمجد مهما بالغت في مدحه فلن توفيه شيئا من حقه وما ينبغي لجلال وجهه وجمال وصفه وكمال فعله كما أن المادح لربه هو المستفيد من ثنائه ومدحه‏,‏ أما رب العزة والجلال فهو غني عن مدح العالمين‏,‏ ولما أمرنا سبحانه أن نمدحه ونسأله وندعوه فإن ذلك لنفعنا وليس لنفعه وقد وردت نصوص نبوية كثيرة تدل علي أن الداعي يتوجب عليه أن يثني علي ربه قبل السؤال والدعاء‏,‏ وأن يصلي علي خاتم الأنبياء ـصلي الله عليه وسلم ـ روي أبو داود وصححه الألباني من حديث فضالة بين عبيد‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أنه قال‏:‏ سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالي ولم يصل علي النبي صلي الله عليه وسلم فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ عجل هذا‏,‏ ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلي أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم يدعو بعد بما شاء‏,‏ وروي الترمذي وحسنه الألباني من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:(‏ كنت أصلي والنبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه‏,‏ فلما جلست بدأت بالثناء علي الله ثم الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي فقال النبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ سل تعطه سل تعطه‏.‏

    والله عز وجل يحب أن يثني عليه عبده باسمائه وصفاته قبل سؤاله ودعائه‏,‏ روي البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ ولا شيء أحب إليه المدح من الله لذلك مدح نفسه‏)‏ وأنواع التوسل التي شرعها الله تعالي لعباده وحث عليها ثلاثة أنواع أعلاها وأشرفها التوسل إليه باسمائه الحسني وصفاته وأفعاله

    وورد عند مسلم من حديث علي رضي الله عنه في دعاء النبي صلي الله عليه وسلم إذا قام إلي الصلاة‏:(‏ اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت‏..‏ الحديث‏)‏ فهذا أعلي أنواع التوسل إلي الله‏,‏ وقد استقصينا ما ورد في كتاب الله وصح في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم من أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالاسماء الحسني فكانت علي عدة أنواع‏:‏

    ‏1‏ ـ الدعاء بالاسم المطلق وهو أعلاه لأنه يدل علي وصف مطلق في الكمال‏,‏ كما في استعاذة مريم‏:(‏ قالت إني أعوذ منك إن كنت تقيا‏)‏ مريم‏:18‏ وقوله تعالي عن إبراهيم عليه السلام والذين معه‏:(‏ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم‏)‏ الممتحنة‏:5‏

    ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلي الله عليه وسلم‏:‏ علمني دعاء ادعو به في صلاتي‏,‏ قال‏:‏ قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم

    وبعد استقصاء شامل بالحاسوب تبين أن الاسماء الحسني التي ثبت الدعاء فيها بالاسم المطلق في كتاب الله وفي صحيح السنة ستة وأربعون اسما وهي الرحمن الرحيم القدوس السلام العزيز العليم السميع الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الحيي الواحد القهار الحق الحي القيوم العلي العظيم الحليم التواب الحكيم الغني الكريم الأحد الصمد القريب المجيب الغفور الحميد المجيد المقدم المؤخر المنان القادر الخلاق الوكيل الشافي الأكرم البر الغفار الرءوف الوهاب الإله‏.‏

    ‏2‏ ـ الدعاء بالاسم المقيد وهذا النوع شأنه شأن الدعاء بجميع الاسماء المقيدة‏,‏ ومن ذلك قوله تعالي عن زكريا عليه السلام‏:(‏ قل رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء‏)‏ آل عمران‏:38‏ فاسم الله السميع من الاسماء الحسني المطلقة ولكنه ورد مقيدا في هذا الموضع‏,‏ وكذلك اسم الله المولي في قوله‏:(‏ ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا علي القوم الكافرين‏)‏ البقرة‏:286‏

    وأيضا اسم الله النصير فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال‏:‏ كان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إذا غزا قال‏:‏ اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل ومن هذه النوعية التي ثبت الدعاء فيها بالاسم حال الاضافة والتقييد إحد عشر اسما وهي‏:‏ البصير المولي النصير القدير الولي المليك الرزاق المالك الرقيب الوارث الرب‏.‏

    ‏3‏ ـ الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصفا ذاتيا أو وصفا فعليا‏,‏ فمن دعاء المسألة بوصف الذات الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول‏:(‏ اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني‏)

    وكذلك الدعاء بالعظمة التي دل عليها اسمه العظيم فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:(‏ لم يكن رسول الله صلي الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح‏,‏ وذكر منها‏:‏ وأعوذ بعظمتك أن اغتال من تحتي‏)‏ أما الدعاء بوصف الفعل فكالدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح عليه السلام‏:(‏ قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين‏)‏ الشعراء‏:118‏

    والدعاء بوصف المغفرة والرحمة والمعافاة والإكرام والتوسيع وكلها أوصاف دل عليها اسم الله الغفار الرحيم العفو الكريم الواسع كما روي مسلم من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ـ صلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ علي جنازة فحفظت من دعائه‏:(‏ اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله‏)‏ وأما الاسماء التي ثبت الدعاء فيها بالوصف وتدخل تحت هذه النوعية فعددها خمسة وعشرون اسما وهي‏:‏ المؤمن الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الستير الكبير المبين القوي الواسع الحفيظ الفتاح الشهيد المقتدر المسعر القابض الباسط الرازق المحسن الحسيب الرفيق المعطي الطيب الحكم السبوح الأعلي‏.‏

    ‏4‏ ـ الدعاء بمقتضي الاسم ومعناه فهذا يشمله دعاء المسألة والمقصود الدعاء بمقتضي الطلب أو الخبر الذي ورد في سياق النص وفيه ذكر الاسم أو الوصف كقوله تعالي‏:(‏ إنا لذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم‏)‏ البقرة‏:218‏ وقوله‏:(‏ ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما‏)‏ النساء‏:110‏ وقوله سبحانه‏:(‏ أفلا يتوبون إلي الله ويستغفرونه والله غفور رحيم‏)‏ المائدة‏:74‏

    فالمسلم يقول‏:‏ اللهم إني ارجو رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم‏,‏ الله إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك انتالغفور الرحيم‏,‏ اللهم إني أتوب إليك واستغفرك ياغفور يارحيم‏,‏ وكذلك يمكن الدعاء أيضا بمقتضي الاسم المطلق كما في قوله تعالي‏:(‏ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولي ونعم النصير‏)‏ الحج‏:78,‏

    فالموحد يطلب من ربه أن يمسكه بشرعه وأن ينير له سبل الهداية والصلاح‏,‏ وأن يبصره بأسباب النجاح والفلاح‏,‏ وأن يجعل له بصيرة في قلبه وعصمة في قربه‏,‏ وأن يتولاه بحفظه وينصره علي عدوه والاسماء الحسني التي ورد الدعاء فيها بالمعني والمقتضي عددها خمسة عشر اسما وهي المهيمن اللطيف الخبير الوتر الجميل المتعال المتين الشكور الودود القاهر الديان الشاكر المقيت السيد الجواد‏ .[/align]
    [align=center][/align]

  12. #12

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]الدعاء بأسماء الله

    الدعاء يرد في القرآن الكريم والسنة علي معني النداء والطلب والسؤال والاستفهام والقول والتسمية والاستغاثة والحث علي الشيء‏,‏ ويرد ايضا بمعني العبادة كما روي الترمذي وصححه الألباني من حديث النعمان ان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ الدعاء هو العبادة‏,‏ ثم قرأ‏:‏ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر‏:60.‏

    والعبادة من جهة المعني الشرعي تعني الخضوع التام المقترن بالإرادة وتعظيم المحبوب‏,‏ فإن كان الخضوع والطاعة بغير ارادة فلا تسمي عبادة بل اكراه والزام‏,‏ والمقصود بدعاء العبادة هو اثر اسماء الله الحسني علي اعتقاد العبد واقواله وافعاله بحيث يراعي في سلوكه توحيد العبادة لله في كل اسم علي حدة‏,‏ فهو دعاء بلسان الحال او دعاء سلوكي ومظهر اخلاقي وحال ايماني يبدو فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الأسماء الحسني‏,

    فالغني يظهر في سلوكه بمظهر الفقر توحيدا لله في اسمه الغني‏,‏ والقوي يظهر بمظهر الضعف توحيدا لله في اسمه القوي‏,‏ وهكذا يراعي في سلوكه كل اسم من اسماء الله تعظيما وخشية واجلالا‏,‏ والأصل في دعاء العبادة اثبات علو المعبود وتوحيده وتقديسه وتعظيمه‏,‏ وكلما ازداد الموحد طاعة وسجودا وتذللا وافتقارا كان اعلي توحيدا واكثر تقديسا وتعظيما‏.‏

    والله عز وجل له الكمال في اسمائه واوصافه وافعاله ولابد من ظهور آثارها في العالم‏;‏ فمن اسمائه الرحمن الرحيم وهذا يقتضي مرحوما ورحمة‏,‏ ومن اسمائه المالك الملك المليك‏,‏ وهذا يقتضي وجود ملك ومملوك‏,‏ ومن اسمائه الرازق الرزاق ولا بد من وجود الرزق ومن يرزقه‏,‏ وهو ايضا غفار حليم تواب جواد منان وهاب حفيظ لطيف وكيل رقيب قابض باسط قريب مجيب‏,‏

    وهذه الأسماء تقتضي وجود مخلوقات تتعلق بها وآثار تعرف من خلالها ولم يكن بد من وجود متعلقاتها وآثارها‏,‏ ومن ثم كانت حكمة الله في وجود الخلائق وابتلائها وظهور الإنسانية واستخلافها‏,‏ فتظهر انواع الكمالات للموحدين ومعني التوحيد للخلائق اجمعين ويفهمون حقيقة امر الله ونهيه ودينه وشرعه وقضائه وقدره‏,‏ وكيف يدبر الامر ويبرم القضاء ويتصرف في ملكه كيف شاء ويثيب ويعاقب بأنواع الجزاء‏,‏ فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‏,‏ فيوجد اثر عدله لانه الحكم‏,

    واثر فضله لانه المعطي المقيت‏,‏ واثر حمده ومجده وشكره لانه الحميد المجيد الشاكر الشكور‏,‏ واثر لطفه وعفوه وتوبته ومغفرته لانه اللطيف العفو التواب الغفور‏,‏ فيحمد علي ذلك ويشكر ويذكر بالحمد في السماء والأرض‏.‏

    ولما ادرك الموحدون هذه الحكم والغايات سعوا في تحقيق مقتضي الأسماء والصفات‏,‏ فجعلوا حياتهم لله وعقدوا قلوبهم علي ترك مخالفته ومعاصيه‏,‏ هممهم مصروفة الي القيام بما يحب ويرضي من الأقوال والأفعال‏,‏ فيقصدون من العبادة اكملها ومن الأوقات اولها‏,‏ امتلأت قلوبهم من معرفة الله عز وجل‏,‏ وغمرت بمحبته وخشيته واجلاله ومراقبته‏,‏ فسرت المحبة في اجزائهم فلم يبق فيها عرق ولا مفصل الا وقد دخله الحب‏,‏ قد أنساهم حبه ذكر غيره‏,‏

    فامتلأوا بحبه عن حب من سواه وبذكره عن ذكر من سواه‏,‏ وبخوفه ورجائه والرغبة اليه والرهبة منه والتوكل عليه والانابة اليه والسكون اليه والتذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره‏,‏ فإذا صارت للموحد اسماء ربه وصفاته مشهدا لقلبه انسته ذكر غيره وشغلته عن حب من سواه‏,‏ فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يرضي الله وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها‏,‏ فبه يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي‏,‏ فيبقي قلب العبد نورا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه‏,‏

    وناهيك بقلب هذا شأنه‏,‏ قلب موحد خالص تقي نقي‏,‏ ما ادناه من ربه وما احظاه في قربه‏,‏ فالتوحيد الحق ان يضع العبد في اعتقاده توحيد الربوبية ويظهر في سلوكه توحيد العبودية‏,‏ ويعظم الله في اسمائه وصفاته بالقلب واللسان والجوارح‏,‏ ويصرف اليه كل معاني العلو والتوحيد‏,‏ وهذا المقصود من دعاء العبادة‏,‏ قال تعالي‏:‏ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر‏60,

    ومن هنا نعلم اثر الأسماء الحسني وما تضمنته من الصفات‏,‏ وظهور اثر كمالها المقدس وارتباطه بحكمته في المخلوقات‏,‏ وظهور بواعث محبته علي الوجه الذي تشهد العقول والفطر بمقتضاه‏,‏ فتشهد حكمته الباهرة في كل فعل او حكم قضاه‏,‏ وانه سبحانه الجواد الذي يحب ان يجود‏,‏ والعفو الذي يحب ان يعفو والغفور الذي يحب ان يغفر‏,‏ انه لابد من لوازم ذلك خلقا وشرعا‏,‏ وان الله يحب ان يثني عليه‏,‏ ويمدح ويمجد‏,‏ ويسبح ويعظم الي غير ذلك من الحكم‏,‏ وقد اثني الله علي عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقالوا‏:‏ ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار آل عمران‏:191.‏

    ومن دعاء العبادة التسمية بالتعبد لأسماء الله الحسني‏,‏ فحقيقة التسمية بين البشر تعريف الشخص باسم مخصوص يتميز به عن غيره بحيث يتصور الذهن وجوده عند ذكره‏,‏ ولما جاء الإسلام ادب المسلمين في اسمائهم واسماء ابنائهم فشرع لهم آدابا واحكاما ينبغي مراعاتها‏;‏ فالتسمية حق مشروع للأب دون الأم‏,‏ قال ابن القيم‏:‏ التسمية حق للأب لا للأم وهذا مما لا نزاع فيه بين الناس‏,‏ وان الأبوين اذا تنازعا في تسمية الولد فهي للأب‏,‏

    كما انه يدعي لأبيه لا لأمه فيقال‏:‏ فلان ابن فلان‏,‏ قال تعالي‏:‏ ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله الأحزاب‏:5‏ ولما كان الإنسان يوم ولادته لا حول له ولا قوة في تسميته أمر النبي صلي الله عليه وسلم الآباء بالإحسان إلي أولادهم وأن يتخيروا أحب الأسماء لهم‏,‏ روي مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ إن أحب أسمائكم إلي الله عبدالله وعبدالرحمن‏),‏ ويلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبدالملك وعبدالصمد وسائر الأسماء الحسني‏.‏

    أما المكروه من الأسماء والمحرم فقد ذكر ابن حزم اتفاق العلماء علي تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزي وعبدهبل وعبدعمرو وعبدالكعبة‏,‏ وما أشبه ذلك فلا تحل التسمية بعبد علي ولا عبدالحسين ولا عبدالكعبة‏,‏ وروي مسلم من حديث سمرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله صلي الله قال‏:(‏ ولا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح‏,‏ فإنك تقول‏:‏ أثم هو؟ أثم هو؟ فلا يكون فيقول‏:‏ لا إنما هن أربع فلا تزيدن علي‏),‏ وإذا لم يحسن الأب تسمية ولده فعلي الولد بعد بلوغه الرشد أن يغير اسمه‏,

    لان الاسم كما يدعي به الشخص في الدنيا فإنه يدعي به يوم القيامة‏,‏ فإن كان الاسم يؤذي النفس في الدنيا فهو في الآخرة من باب أولي‏,‏ والصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره‏,‏ أن المرء يدعي لأبيه في الدنيا والآخرة‏,‏ وليس كما يظن البعض انه يدعي بأمه يوم القيامة‏,‏

    روي مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فقيل‏:‏ هذه غدرة فلان بن فلان‏,‏ ولا حرج في تغيير الاسم لان النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك أمر به‏,‏ روي مسلم من حديث ابن عمر‏:‏ ان ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلي الله عليه وسلم جميلة‏,‏ وروي أيضا من حديث زينب بنت أم سلمة أنها قالت‏:‏ كان اسمي برة فسماني رسول الله صلي الله عليه وسلم زينب‏,‏
    قال ابن القيم‏:(‏ ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالي‏,‏ فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق‏,‏ وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالي‏,‏ ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر كما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر والأول والآخر والباطن وعلام الغيوب‏,‏ وقال أيضا‏:‏ وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلي غيره كالسميع والبصير والرءوف والرحيم فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق

    ولا يجوز ان يتسمي بها علي الإطلاق بحيث يطلق عليه كما يطلق علي الرب تعالي‏,‏ ومن ثم لا يجوز تسمية الإنسان باسم من أسماء الله الحسني الثابتة في الكتاب والسنة‏,‏ ولا يتعبد بالتسمي لاسم لم يسم الله نفسه به‏,‏ ولا يتعبد لاسم ذكره الله مقيدا فيطلقه هو في تعبده لان الله حذرنا من تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة نبيه صلي الله عليه وسلم قال تعالي‏:‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعلمون‏(‏ الأعراف‏:180).‏

    وينبغي التنبه إلي أن التعبد لله بالإضافة لأسمائه الحسني من آداب دعاء العبادة وتوحيد العبودية لله‏,‏ ونظرا لأهمية هذا الأمر فقد استقصينا أسماء من تسمي بالتعبد لله في تاريخ المسلمين القدامي والمعاصرين لنتعرف علي الأسماء الحسني التي لم يتعبد لها أحد من قبل‏,‏ فيسارعون بتسمية اولادهم وأنفسهم بها‏,‏ وقد ساعدت تقنية الحاسوب في فرز أكثر من ثلاثين موسوعة علمية الكترونية تحتوي عشرات الآلاف من الكتب المرجعية لرواة الحديث والعلماء والأدباء والشعراء وكتب الطبقات علي اختلاف تنوعها‏,‏

    وان لم نجد مرادنا فيها بحثنا في جميع محركات البحث علي الإنترنت ودليل الهاتف للدول العربية لمن بدأ اسمه بالعبودية والتعبد لله بأسمائه الحسني‏,‏ وأسفر البحث عن النتائج الأتية‏:‏ أولا‏:‏ ستة وثلاثون من علماء السلف ورواة الحديث بدأت أسماؤهم الأولي بإضافة العبودية لأسماء الله التالية‏:‏ الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المهيمن العزيز الجبار الخالق البارئ الخبير الكبير المتعال الواحد الحي القيوم العلي العظيم الحكيم الكريم الأحد الصمد الغفور الرزاق القاهر المالك الحميد المجيد الغفار الوهاب الوارث الأعلي الحكم الأكرم الجواد الرب‏,‏ واثنان أضيفا أيضا لاسميه المؤمن والشكور لكن الأول منهما لأب والثاني لجد ثانيا سبعة وعشرون من علماء الخلف والمتأخرين ابتداء من القرن الخامس الهجري بدأت أسماؤهم الأولي

    بإضافة العبودية لأسماء الله الحسني التالية‏:‏ الأول السميع البصير المولي النصير اللطيف القهار الحق القوي الواسع العليم الغني المجيب الودود الولي الحفيظ الفتاح المقتدر الباسط القادر الخلاق الرازق المحسن المعطي السيد الطيب البر‏,‏ وثلاثة أيضا أضيفوا بوصف العبودية كاسم ثان لأسمائه الظاهر العفو الحليم ثالثا‏:‏ الأسماء الحسني التي لم يتعبد لها أحد من السلف والخلف والمتأخرين ووجدناها لأناس معاصرين في محركات البحث ودليل الهاتف علي الإنترنت عددها سبعة عشر اسما وهي‏:‏ المصور الآخر القدير المبين المتين التواب الرقيب الوكيل الشهيد المليك الديان الشاكر المنان الحسيب الشافي الرءوف الإله‏,

    أما الأسماء التي لم يتعبد لها أحد حتي الآن ولا نحسب أحدا من المسلمين تسمي بها من قبل فيما نعلم‏,‏ فعددها أربعة عشر اسما وهي‏:‏ المتكبر الباطن الوتر الجميل الحيي الستير القريب المقدم المؤخر المسعر القابض الرفيق المقيت السبوح‏,‏ وهنيئا لمن تسمي باسم من هذه الأسماء أو سمي ولده به فسيكون له السبق علي مستوي أمة محمد صلي الله عليه وسلم والله أعلم .‏[/align]
    [align=center][/align]

  13. #13

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]أثبات اليدين لله سبحانه وتعالى

    وقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ في هذه الآية إثبات اليدين, واليدان هما صفة ذات وردت بالتثنية في هذه الآية بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وفي قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خلقت بيدي صريح في إثبات اليدين وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ هنا ذكر اليد مفردة وقوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
    ووردت أيضا بالجمع مضافة إلى ضمير الجمع في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فذكرها هنا بلفظ الجمع, وذلك لأنه أضافها إلى ضمير الجمع فناسب أن يكون ضمير الجمع فيه جمع الأيدي والجمع للتعظيم، الله تعالى يعظم نفسه فيذكر نفسه بلفظ الجمع كقوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ إِنَّا فَتَحْنَا نَحْنُ قَسَمْنَا هذه الآيات ذكر الله نفسه بلفظ الجمع وهو واحد.
    وكذلك يذكر نفسه بلفظ الجمع بلفظ الفعل كقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فالضمير هاهنا بلفظ الجمع لأجل التعظيم يعظم الله نفسه بلفظ الجمع فقوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا الأيدي هنا ضمير الجمع يدل على التعظيم؛ فلما أفرد الضمير أفرد اليد تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ لم يقل بيدنا؛ أفرده وأفرد اليد, وكذلك قوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ لم يقل: بأيديك ذكره بلفظ المفرد؛ لأن الضمير مفرد بِيَدِكَ ولم يقل بيدكم, فإذا جاءت مفردة؛ فهي للجنس, وإذا جاءت مجموعة؛ فهي للتعظيم, وإذا جاءت مثناة فهي للتثنية.
    فهذه صفة ذات وجاءت أيضا في الأحاديث الكثيرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القبض أو القسط يخفض ويرفع فأثبت لله تعالى في هذا الحديث صفة اليدين وكان دائما يقسم بقوله: والذي نفسي بيده يعني أنه أثبت لله تعالى اليد, وأخبر بأن نفوس العباد بيده تعالى.
    وذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى في سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ذكر أحاديث كثيرة فيها مثل قوله: يقبض الله السماوات بيده والأرض بيده الأخرى ثم يهزهن فيقول أنا الملك أين ملوك الأرض وكذلك الحديث الذي فيه: أن الله يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك وأحاديث كثيرة فيها قبض الله تعالى المخلوقات بيديه, وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقبضها بيديه وأنه يهزهن ويقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون .
    وفي لفظ يقول: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار والأحاديث كثيرة في إثبات صفة اليد لله تعالى واليدين.
    وقد أنكر ذلك المعتزلة والأشعرية ونحوهم, وادعوا أن اليد هنا بمعنى النعمة لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي: بنعمتي, أو بقدرتي, وهذا تأويل صرف للفظ عن ظاهره, ولو كان كذلك لقال إبليس وأنا خلقتني بقدرتك وسائر المخلوقات خلقتها بقدرتك فما مزية آدم الذي قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .
    لا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه وإبطال لدلالة النصوص الذين قالوا لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي: بقدرتي أو بنعمتي، ثم إن في الآية التثنية بيدي فهل يقال: بقدرتين, أو بنعمتين؛ نعم الله كثيرة وتفرد ويراد بها الجنس وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ فلذلك هذا التأويل بعيد, وقد تكلف المؤولون حتى ذكر بعضهم كابن حجر في فتح الباري: أن لليد ثلاثين معنى أو عشرين معنى تطلق عليها اليد، ولكن إنما تلك اصطلاحات إذا قالوا مثلا إن في حديث عروة بن مسعود قوله لأبي بكر لولا يد لك عندي لم أكافئك عليها لأجبتك يريد باليد: المنة أو العطية وما أشبهها, فإنه أراد بذلك أنك أعطيتني بيدك وذلك لأنه أعانه في شيء تحمله أعانه بمال دفعه بيده.
    فالحاصل أن عند أهل السنة أن اليد صفة من صفات الله تعالى أثبتها الله تعالى لنفسه وإذا أثبتنا اليد أو أثبتنا الوجه فإننا ننزهها عن مشابهة الخلق؛ عن مشابهة صفات المخلوقين؛ عن وجه المخلوقين وعن يد المخلوقين لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فليس لله تعالى مثل في صفاته ولا في أفعاله. [/align]
    [align=center][/align]

  14. #14

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]قال الإمام الصابوني -رحمه الله تعالى-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص -سبحانه- عليه - بيديه "وفي نسخه بيده- " فيقولون: إنه خلق آدم بيديه كما نص سبحانه عليه في قوله -عز من قائل-: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .

    ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية -أهلكهم الله-، ولا يكيفونهما بكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوق تشبيه المشبهة -خذلهم الله-، وقد أعاذ الله -تعالى- أهل السنة من التحريف والتشبيه والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، حتى سلكوا سبيل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله -عز وجل-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وكما ورد القرآن بذكر اليدين بقوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ .

    ووردت الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد: كخبر محاجة موسى وآدم وقوله له: خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته. ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: لا أجعل صالح ذرية من خلقته بيدي، كمن قلت له كن فكان وقوله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الله الفردوس بيده .


    --------------------------------------------------------------------------------

    وأيضا من معتقدهم أنهم يعرفون الله، بصفاته وأسمائه وأفعاله، وهذه الصفات والأسماء والأفعال إنما تؤخذ من الوحيين: من الكتاب ومن السنة. وليس للناس أن يخترعوا لله أسماء وصفات من عند أنفسهم، وهذا هو معنى قول أهل العلم: "الأسماء والصفات توقيفية". معنى الأسماء والصفات توقيفية، يعني: يوقف فيها عند النصوص.

    ما ورد في كتاب الله، أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء أو الصفات أو الأفعال يوقفها لله، وكذلك ما ورد في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لله من الأسماء والصفات والأفعال يثبتها لله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة... وما ورد نفيه في الكتاب أو في السنة ننفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه.

    فإذن ما ورد إثباته لله من الأسماء والصفات في الكتاب العزيز، أو في السنة المطهرة نثبته لله، ما ورد في الكتاب العزيز أو في السنة المطهرة نفيه عن الله ننفيه عن الله، كما نفى عن نفسه السِّنة والنوم والعجز والظلم: وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .

    وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباته ولا نفيه، نتوقف فيه: لا نثبته ولا ننفيه، مثل: الجسم والحيز والعرض، والحد والجهة، والأعراض والأبعاض، فهذه الأمور التي أثبتها أهل البدع نتوقف فيها: لا نثبتها ولا ننفيها؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة إثباتها ولا نفيها، وهي مشتملة على حق وباطل، ونستفصل ممن أطلقها، من قال: إن الله جسم. أو قال: ليس بجسم. لا تطلق، لا نفيا ولا إثباتا.

    فلا نقول: إن الله جسم، أو نقول: ليس بجسم، ولا نقول: إنه حيز ولا غير متحيز؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة لا إثباتها ولا نفيها. ومن أطلقها نفيا أو إثباتا، فإننا نستفصل منه، نقول: ما مرادك؟ لو قال شخص: إن الله جسم. نقول: ما مرادك بأن الله جسم؟ قال: أنا مرادي أن الله متصف بالصفات. نقول: هذا المعنى صحيح، لكن هذا اللفظ باطل، هذا اللفظ مشتمل على حق وباطل.

    فإذن المعنى الصحيح نقبله، لكن اللفظ نرده، نقول: عبر بالتعبيرات التي جاءت في النصوص؛ لأنها بريئة من الخطأ، وسالمة من الخطأ، أما هذا اللفظ الذي جئت به لا نقبله، والمعنى صحيح.

    فإذا قال: أنا مقصودي: إن الله جسم. يعني: يشبه المخلوقات. نقول: هذا باطل. المعنى باطل، واللفظ باطل، نرد المعنى واللفظ جميعا، لكن الأول قال: إن الله جسم. يعني: متصف بالصفات. نقول: إن المعنى صحيح، لكن اللفظ باطل، لكن اللفظ لا تطلقه هذا اللفظ. يقول ماذا أقول؟ قل ما قال الله وقال الرسول: إن الله متصف بالسمع، إن الله هو السميع، هو البصير، هو العليم، هو الحكيم.

    نصوص، النصوص، ألفاظ النصوص بريئة وسالمة من احتمال الخطأ، أما هذا اللفظ الذي أتيت به لا نقبله، والمعنى سليم. فإن قال: أنا مرادي: إن الله جسم يشبه المخلوقات. نقول: اللفظ باطل والمعنى باطل، لا نقبل اللفظ ولا المعنى.

    إذن القاعدة عند أهل السنة والجماعة في إثبات الأسماء والصفات والأفعال ما ورد في الكتاب العزيز، أو في السنة المطهرة إثباته لله -السنة الصحيحة-، وجب إثباته لله، ما ورد في الكتاب أو في السنة نفيه عن الله، وجب نفيه عنه، وما لم يرد في الكتاب ولا في السنة نفيه ولا إثباته، لا ننفيه ولا نثبته، ومن أطلق نفيا أو إثباتا نستفصل: فإن أراد المعنى الحق قبلنا المعنى ورددنا اللفظ، وإن أراد المعنى الباطل رددنا اللفظ والمعنى جميعا.

    وهذا هو ما قرره الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في قوله: "ويعرفون ربهم -عز وجل- بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، أو شهد له بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، على ما وردت في الأخبار الصحاح به".

    يعني: إما أن تكون الصفات وردت في الكتاب العزيز، أو ترد في السنة المطهرة، لكن لا بد أن يكون الحديث صحيحا. وسبق الكلام في الحديث الصحيح.

    ثم قال المؤلف -رحمه الله-: "ويثبتون له جل جلاله منها ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم". ثم قال: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه".

    أهل السنة والجماعة يثبتون الأسماء والصفات، لكن ينفون التمثيل والتشبيه، ويقولون: إن الله -تعالى- له سمع وله بصر، وله علم وله قدرة، لكن لا يماثل أحدا من مخلوقاته.

    فالمعنى معلوم، معنى العلم ضد الجهل، معنى السمع ضد الصمم، معنى البصر ضد العمى، لكن كيفية اتصاف الرب بالسمع بالبصر بالعلم لا نعلم، هذا لا يعلمه إلا هو -سبحانه تعالى-، لا يعلم كيفية الصفات إلا هو، كما لا يعلم كيفية الذات إلا هو-سبحانه وتعالى-، لكن المعنى معلوم، معاني الصفات معلومة، خلافا للمفوضة والمفوضة: طائفة يفوضون المعنى، يقولون: ما نفهم المعنى، لا ندري ما معنى السمع، ولا نعلم معنى السمع، ولا نعلم معنى البصر. كأنه بمثابة الحروف الأعجمية، كأنها كلمات أعجمية، وهذا باطل، هذا من أبطل الباطل.

    وبعضهم ينسب هذا إلى مذهب السلف مذهب السلف لا يفوضون، بل يعرفون المعنى، المعنى معلوم، لكن الذي يُفَوَّضُ علم الكيفية، كما قال الإمام مالك -رحمه الله، لما سئل عن الاستواء- فقال: الاستواء معلوم. يعني: معلوم معناه في اللغة العربية. الاستواء معناه: العلو والصعود والاستقرار والارتفاع. كما قال السلف استوى استقر وعلا وصعد وارتفع، هذا المعنى اللغوي، لكن الكيفية، كيفية استواء الرب، لا نعلم.

    ولهذا قال الإمام مالك "الاستواء معلوم -يعني: معلوم معناه في اللغة العربية يفسر- والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة". وهذا يقال في جميع الصفات، كل الصفات هكذا، معنى الصفات: السمع والبصر والعلم والقدرة، يقول: المعنى معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفة خلقه". لا يشبهون، لا نقول: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين، ولا نكيف: لا نقول كيفيتها كذا، ولا نحرف ولا نعطل.


    فالناس أقسام:

    1 - من الناس من أثبت الصفات، لكن شبه، شبهه بصفات المخلوقين، قال: لله سمع كسمعنا، وبصر كبصرنا، وعلم كعلمنا، ويد كأيدينا. هذا مذهب المشبهة وهم غلاة "غلاة الشيعة "، ومنهم " البيانية " الذين ينتسبون إلى بيان بن سمعان التميمي و" السالمية " الذين ينسبون إلى هشام بن سالم الجواليقي

    وكان بعضهم يقول: إن الله على صورة الإنسان، وإن الله ينزل عشية عرفة على جمل، ويحاضر ويسامر ويصافح. ومنهم من قال: إنه يندم ويحزن ويبكي. قبحهم الله، وتعالى الله عما يقولون، كما قالت اليهود هؤلاء المشبهة وهم كفرة، وأكثرهم من غلاة الشيعة

    غلاة الشيعة بيانية وهاشمية يقولون: صفات الخالق مثل صفات المخلوق سواء بسواء. مشبهة، هؤلاء مشبهة، وهم كفرة، ومن شبه الله بخلقه، وشبه صفته بصفاته خلقه، فهو في الحقيقة ما عبد الله، وإنما عبد وثنًا صوره له خياله ونحته له فكره، فهو من عبَّاد الأوثان لا من عبَّاد الرحمن، كما قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في "الكافية الشافية":

    لسنا نشبه وصفه بصفاتنا

    إن المشبه عابد الأوثان


    المشبه مشابه للنصارى الذين زعموا أن عيسى ابن الله، وشبهوا عيسى بالله. ولهذا يقول العلامة ابن القيم

    مـن شبه الله العظيم بخلقه

    فهو النسيب لمشرك النصراني


    فهؤلاء المشبهة شبهوا الله بخلقه.

    2 - والطائفة الثانية: المعطلة وهم الذي نفوا الصفات من الله، نفوا السمع والبصر والعلم والقدرة، قالوا... أنكروا الصفات، قالوا: إن الله لا يسمع ولا يبصر، ولم يستو على العرش. ونفوا العلم وسائر الصفات، وهذا مذهب المعتزلة والجهمية يزعمون أنهم لو أثبتوا الصفات، للزم من ذلك التشبيه بصفات المخلوقين، قالوا: لو قلنا: إن لله سمعا، لشبهنا الله بالخلق. ولو قلنا: إن الله له بصر، لشبهنا الخالق بالمخلوق. لو قلنا: إن لله بصرًا، لشبهناه بالمخلوق، لو قلنا: إن له استواء، لشبهناه بالمخلوق، فإذن ننفيه، ننفي الصفات كلها.

    فهؤلاء على طرفي نقيض: المشبهة أثبتوا وزادوا في الإثبات حتى غلوا، وشبهوا الله بصفات المخلوقين، شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، والمعطلة يعني: الجهمية المعتزلة وكذلك الأشاعرة يثبتون لله سبع صفات، وبقية الصفات ينفونها.

    هؤلاء نفوا الصفات وقالوا: إن الله لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر. هؤلاء غلوا في النفي بزعمهم، غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات، وأولئك المشبهة غلوا في الإثبات حتى شبهوا الله بالمخلوقات، وهدى الله أهل السنة والجماعة فتوسطوا، فقالوا: نحن نثبت الصفات، لكن ما نغلو في الإثبات حتى نصل للتشبيه كما قالت المشبهة ونزهوا الله عن صفات المخلوقين، قالوا: إن الله لا يشبه صفات المخلوقين. لكن لم يغلوا في هذا التنزيه حتى يصلوا إلى التعطيل؛ فصار مذهب أهل السنة وسطًا، وسط وحق بين باطلين، وهدى بين ضلالين، فهم أخذوا الحق الذي مع المعطلة

    المعطلة معهم حق هو التنزيه، لكن معهم باطل، وهو الزيادة في هذا التنزيه حتى نفوا الصفات، والمشبهة معهم حق وهو أصل الإثبات، لكن معهم باطل وهو الزيادة في هذا الإثبات، حتى شبهوا الله بالمخلوقين. أهل السنة والجماعة أخذوا الحق الذي مع المعطلة وأخذوا الحق الذي مع المشبهة، ونفوا الباطل الذي مع المشبهة ونفوا الباطل الذي مع المعطلة

    أخذوا الحق الذي مع المشبهة وهو الإثبات "إثبات الصفات"، ونفوا الباطل وهو التشبيه، وأخذوا الحق الذي مع المعطلة وهو التنزيه، ونفوا الباطل الذي هو نفي الصفة، فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. من بين دم التشبيه وفرث التعطيل.

    هذا معنى قول المؤلف -رحمه الله-: "ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه". فيقولون -أي أهل السنة والجماعة -: إنه خلق آدم بيده أو بيديه، كما نص -سبحانه- عليه في قوله -عز وجل:- قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .

    هذه الآية فيها إثبات اليدين لله. نقول: إن لله -سبحانه وتعالى- يدين، لا يشابه فيها أيدي المخلوقين, ولا يحرفون الكلم عن مواضعه.

    يقول المؤلف: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله". "أهلكهم الله"، هذا دعاء من المؤلف عليهم، دعا عليهم بالهلاك, المعتزلة والجهمية لما وردت عليهم النصوص التي فيها إثبات الصفات، ماذا كان موقفهم؟

    موقفهم النفي، فلما وردت عليهم النصوص قيل لهم: ماذا تقولون في قوله -سبحانه وتعالى-: يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وكذلك الآية الأخرى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ فيه إثبات اليدين لله -عز وجل-، وكذلك في الأحاديث التي ذكرها المؤلف: خبر محاجة آدم موسى قال: خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته وحديث: خلق الفردوس بيده تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ والذي نفسي بيده كل هذه فيها إثبات اليد لله، والمراد بيده: المراد الجنس. والآية: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وهذا فيه إثبات جنس اليد، والمراد: يدا الله، إثبات اليدان لله، كلمتان.

    لما أورد عليهم النصوص قالوا: نحن نفسر اليدين بالنعمتين، اليد بالنعمة، معناها النعمة، خلق الله آدم بيده يعني: بنعمته أو بالقدرة. لهم تفسيران:

    التفسير الأول: فسروا اليد بالنعمة.
    والتفسير الثاني: التفسير بالقدرة.


    الرد أن نقول: هذا باطل بسببين:

    أولا: لأنه تحريف للكلم عن مواضعه. الله -تعالى-عاجز عن أن يقول لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي؟ لو كان مراده-سبحانه وتعالى- النعمة والقدرة لقال، لقال: لما خلقت بنعمتي أو بقدرتي. هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومعارضة للنصوص وإبطال لها.
    الرد الثاني: أن تفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد به المعنى، يفسد المعنى؛ لأن الله -تعالى- أخبر أن له يدين: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ لو لم يأت إلا إثبات يد واحدة، يمكن أن يكون لتأويلهم -يعني- تلبيس، اليد يقول: معناها النعمة والقدرة. لكن لما جاءت في النصوص إثبات اليدين: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ إذا فسرت اليد بالنعمة، ماذا تكون معناها؟ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ بنعمتي، معناه حصر النعمة، هل ما فيه إلا النعمتان؟ والله له نعم كثيرة، فإذا فسرتها بالقوة "بقوتي"، إذن الله له قوتان فقط؟! فيفسد المعنى.

    فتفسير اليد بالنعمة أو القوة يفسد المعنى.

    أولا: هو إبطال للنصوص، وتحريف لكلام الله عن مواضعه.
    وثانيا: أنه يفسد المعنى بتفسير اليد بالقدرة أو القوة، لأن اليد... لأنه جاء إثبات اليدين لله -عز وجل-، فليست يدًا واحدة، وإنما هو يدان؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله-: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية أهلكهم الله".

    يقول المؤلف: ولا يكيفوهما بكيف: ما يقولون: إن يد الله كيفيتها كذا، أو تكون على كيفية كذا، وإنما يقولون: الله أعلم بالكيفية "كيفية اليد"، له يدان-سبحانه وتعالى-، كريمتان تليقان بجلالته وعظمته، لا تماثل أيدي المخلوقين. ولا نكيف: فلا نقول: كيفيتها كذا ولا كذا. لا يكيفونهما بكيف أو يشبهونهما بيدي المخلوقين.

    كذلك لا يقولون: إن يديه -سبحانه- تشبه أيدي المخلوقين. هذا قول المشبهة الذين يكيفون ويمثلون ويشبهون، هذا مذهب المشبهة ؛ ولهذا قال المؤلف: "لا يكيفونهما بكيف، أو يشبهونهما بأيدي المخلوقين تشبيه المشبهة خذلهم الله".

    وقد أعاذ الله -تعالى - أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه، أعاذهم الله فلم يشبهوا: لم يقولوا: إن صفات الخالق تشبه صفات المخلوقين. ولم يكيفونها: يقولون: إن كيفيتها على كذا وكذا. ولم يشبهونها بصفات المخلوقين، فأعاذهم الله -سبحانه وتعالى-، أعاذ الله أهل السنة من التحريف والتكييف والتشبيه الذي وقع فيه أهل البدع ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم، يعني: عرفهم وفهمهم الحق، فعلموا الحق وسلكوا مسلك الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم من الصحابة والتابعين والأئمة.

    "منَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه": وحدوا الله ونزهوه عن مشابهة المخلوقين، فهم أثبتوا الصفات، ونزهوا الله عن مشابهة المخلوقات.

    "وتركوا القول بالتعليل والتشبيه": ما عللوا ولا شبهوا ولا قالوا: إننا ننفي اليد لئلا يلزم منه التشبيه، أو العلة كذا أو العلة كذا، فتركوا التعليل، وتركوا القول بالتعليل أو التشبيه، واتبعوا قول الله -عز وجل-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

    فهذه الآية فيها رد على الطائفتين: رد على المشبهة والممثلة ورد على المعطلة قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ حيث أثبت لنفسه السمع والبصر، والمعطلة ينفون السمع والبصر.

    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على المشبهة الذين يقولون: إن صفات الخالق تماثل صفات المخلوقين. رد عليهم بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فهذه الآية الكريمة فيها رد على الطائفتين: على المشبهة الممثلة وعلى المعطلة

    يقول المؤلف -رحمه الله-: وكما ورد القرآن بذكر اليدين، في قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ فيه إثبات اليدين، وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وردت الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد. يعني يقول: كما ورد القرآن بذكر اليدين، وردت السنة بذكر اليدين. فالمؤلف يقول: إن إثبات اليدين جاء في الكتاب العزيز وفي السنة المطهرة، فكما ورد القرآن بذكر اليدين، وردت السنة المطهرة بذكر اليدين.

    "ورد في الأخبار الصحاح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذكر اليد: كخبر محاجة آدم وقوله له: خلقك الله بيده". في الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: احتج آدم وموسى فقال موسى -عليه الصلاة والسلام- لآدم أنت آدم الذي خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فلماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، فكم وجدت مكتوبا عليَّ قبل أن أُخْلق؟ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى فقال: بكذا وكذا. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: فحاج آدمُ موسى .

    فحاجه يعني: غلبه بالحجة، وذلك أن آدم احتج عليهم بأن هذه المصيبة، وهي إخراجه من الجنة، هذه مصيبة مكتوبة عليه، احتج بالقدر؛ ولهذا حج آدمُ موسى والاحتجاج بالقدر على المصائب لا بأس به، لكن الممنوع أن يحتج بالقدر على المعاصي: يعصي الله ويحتج بالقدر، هذا طريقة المشركين لكن الاحتجاج بالقدر على المصائب فلا بأس به.

    إذا أصاب الإنسان مصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، قدر الله وما شاء فعل. آدم وموسى لما في خبر المحاجة، قال موسى لآدم خلقك الله بيده. أثبت اليد لله. ومثل قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل: وهو أن الملائكة قالت: يا ربنا، أعطيت بني آدم الدنيا يأكلون ويشربون، فأعطنا الآخرة. فقال الله -عز وجل-: لا أجعلُ صالحَ من خلقتُ بيدِي، كمن قلت له كن فكان .

    هذا احتج به العلماء على تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة وأنهم أفضل، وهذا في النهاية، عند دخولهم الجنة، حين يكملهم الله -عز وجل- ويطهرهم.

    فهذه المسألة، وهي مسألة تفضيل الأنبياء وصالح البشر على الملائكة أو تفضيل الملائكة على الأنبياء وصالح البشر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: أن الأنبياء وصالح البشر أفضل.

    ومن الأدلة هذا الحديث: أنه طلبت الملائكة من الله -عز وجل- أن يجعلهم أفضل من بني آدم، قالوا: ربنا، جعلت لهم الدنيا يأكلون ويشربون - والملائكة لا يأكلون ولا يشربون-، فاجعل لنا الآخرة. فقال الله -عز وجل-: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي... -من هو الذي خلقه بيده؟ آدم كمن قلت له كن فكان .

    فآدم خلقه الله بيده، والملائكة خلقوا بكلمة "كن"، قال الله لهم: كن فكانوا، فهذا من الأدلة التي احتج بها، وهذا حديث لا بأس به، احتج به العلماء أو المحققون من أهل العلم، على أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة في النهاية، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عندما يكملهم الله عند دخولهم الجنة.

    وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: خلق الله الفردوس بيده وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم في صحته، كما ذكر المحشي -رحمه الله- أنه أعل بالإرسال، ورواه متصلا الديلمي في مسند الفردوس، وفيه كلام لأهل العلم، وسواء صح الحديث أو لم يصح، فاليد ثابتة لله -عز وجل- في القرآن العزيز، وفي السنة المطهرة. [/align]
    [align=center][/align]

  15. #15

    مشـرف سابق


    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,141
    [align=justify]إثبات الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى وشرعه
    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي

    قال المصنف رحمه الله:

    [وقوله: [فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين].

    اعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم، وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع؛ ولهذا لم يحك الله سبحانه وتعالى عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه، وبلَّغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك كما في الإنجيل: (يا بني إسرائيل! لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا؟).

    ولهذا كان سلف هذه الأمة -التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارف وعلوماً- لا تسأل نبيها: لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم.

    فأول مراتب تعظيم الأمر: التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً به؛ بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته، فإن ظهرت له فعله وإلا عطله؛ فإن هذا ينافي الانقياد ويقدح في الامتثال ] اهـ.

    نفي المبتدعة ورود لام التعليل في القرآن
    يقول نفاة الحكمة والتعليل كل لام تعليل في القرآن فهي لام عاقبة. فلم يثبتوا لام التعليل في القرآن.

    وهذا الكلام لا يختص بالمتقدمين منهم فقط؛ بل حتى المعاصرون منهم قالوا ذلك أيضاً.

    وقد وردت لام العاقبة في القرآن -لكن في مواضع قليلة- كما في قوله تبارك وتعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8] وإذا ما نظرنا إلى الفرق بينهما فهمنا هذه الآية، وفهمنا قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]؛ والفرق واضح؛ فالله تعالى خلقنا بالذات حقاً وفعلاً لكي نعبده، أما آل فرعون فلم يلتقطوه حقاً وفعلاً ليكون عدواً، إنما التقطوه ليكون لهم قرة عين، لكن الذي حصل أن العاقبة كانت بخلاف ذلك، هذا هو الفرق بين لام العاقبة وبين لام التعليل.

    أما هم فيقولون في قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]: معنى (ليعبدون): لتكون العاقبة أن يعبدوني؛ أي: لم يرد الله ذلك، ولم يكن له غرض في ذلك ولا حكمة.

    فنقول:

    أولاً: هذا ينافي الشرع، وينافي أصل الدين؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين ذلك، وقال الرسل أنهم ما بعثوا مبشرين ومنذرين إلا ليعبد الله وحده، وفهمت أممهم ذلك منهم، قال تعالى: قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [الأعراف:70]، فالرسل قالوا ذلك، وأممهم فهمت ذلك منهم.

    ثانياً: هذا مخالف للعقل، فإن الذي يتأمل المعنى على اعتبار أن اللام للعاقبة -كما يقولون- يجد أن مقتضاه أن الجن والإنس كلهم يعبدون الله، والواقع خلاف ذلك، فمنهم من يعبده، ومنهم من يشرك به ويستكبر عن عبادته، فلو أنها لام عاقبة، أي: لتكون العاقبة هي العبادة؛ لكانت العبادة هي العاقبة، لكنها لم تكن كذلك، وهذا بخلافها في قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص:8]؛ فقد كان عدواً وحزناً فعلاً، فليس الأمر إذاً كما يقول نفاة التعليل؛ لا من جهة الأدلة ولا من جهة العقل أيضاً.



    علاقة نفاة التعليل بالجبرية
    ومسألة التعليل مرتبطة بمسألة القدر، وقد وردت في آخر مبحث القدر فهي مرتبطة به؛ لأن الذين ينفون الحكمة عن أفعال الله سبحانه وتعالى -كـالجهمية والأشعرية - مذهبهم في القدر هو الجبر، على تفاوت بينهم، فهم يقولون: إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يفعل والعباد ليس لهم شأن، ويظنون أنهم يثبتون فعل الله، لكنهم في الحقيقة ينفون إرادة الإنسان ومسئوليته، وكذلك ينفون الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى. ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى، يفعل بمحض الإرادة والمشيئة لا لحكمة ولا لعلة.

    مثال ذلك:

    قالوا: لو أن الله سبحانه وتعالى شاء -ويمكن أن يشاء- أن يدخل أعظم الناس إيماناً النار، وأن يدخل إبليس -ومن مثله في الكفر- الجنة، لجاز ذلك؛ لأن مشيئته نافذة.

    فنقول لهم: لا يمكن هذا، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء أسباباً وحكماً، وحكمة الله تنافي ذلك، فيجيبون بقولهم: نحن لا نعلل؛ فإن المسألة مجرد مشيئة!

    فبهذا المثال يعرف الفرق الكبير بين مذهب أهل السنة وبين مذهب هؤلاء الجهمية والأشعرية ؛ فـالجهمية والأشعرية يرون أن الله يفعل لمجرد المشيئة فحسب، فلو شاء لعذب المؤمنين ونعَّم الكافرين، ولو شاء لفعل العكس، لكن المؤمنين -الذين هم على مذهب أهل السنة والجماعة ، ويعلمون صفات الله سبحانه وتعالى كما أمر- يقولون: لا يمكن ذلك، ولا يفعل الله ذلك؛ لأنه أخبرنا بخلافه، وحكمته سبحانه وتعالى ظاهرة فيما دون ذلك من الأمور والأفعال والأحكام، فلو قال قائل: يجوز أن يعذب الله المؤمنين وينعم الكافرين، لقلنا له: لا يجوز ذلك، ومن قال ذلك فقد افترى على الله سبحانه وتعالى، فإن قال: إنه يقول: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] قلنا: حقاً، إنه تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولكن أيضاً له حكمة، وقد قال: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الزخرف:84].. وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام:18].. وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [إبراهيم:4].. أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ [هود:45]، وآيات كثيرة جداً فيها إثبات أنه سبحانه وتعالى حكيم، والحكيم هو الذي يضع الشيء في موضعه، فهو يتصرف بما لا يخالف مقتضى حكمته، ويفعل مقتضى الحق والصواب في ذلك، فلو أن أحد البشر أساء إلى محسن وأحسن إلى مسيء -ولو كان الإحسان إلى المسيء باباً آخر- لكانت الإساءة إلى المحسن لا تليق، فإذا كان ذلك لا يليق بحكمة البشر، فكيف بحكمة أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى؟!

    ومن ذلك نعرف أن أفعال الله سبحانه وتعالى معللة، وأحكامه الشرعية أيضاً معللة، ولعل في هذا القدر كفاية، يتبين بها الفرق بين المذهبين.



    إنكار الجهمية والأشعرية للحكمة والتعليل في أفعال الله وشرعه
    الشرح:

    هذه المسألة مما ينبغي أن يتطرق إليها هنا، وإن كان لها موضع في آخر الكتاب، ولا نحب أن ندعها ونتجاوزها؛ لأن هذا مقام يليق بها؛ ولأنها مما ينبغي معرفته لتعلقها بصفات الله سبحانه وتعالى، فإن كثيراً من أهل البدع كـالجهمية والأشعرية -وإلى يومنا هذا- يقولون ويؤلفون ويكتبون زاعمين ومدعين أنه لا حكمة ولا تعليل في أفعال الله تبارك وتعالى، ولا في شرعه ودينه؛ يقولون: لأننا عندما نقول: إن الله فعل كذا، من أجل كذا أو شرع كذا من أجل كذا، نكون بذلك قد جعلنا الله تبارك وتعالى يفعل الشيء من أجل حصول شيء آخر. وهذا لا يليق به -بزعمهم- لذلك فنحن ننزه الله من أن يفعل فعلاً أو يشرع شرعاً أو أمراً أو نهياً لغرض معين يريده سبحانه وتعالى.

    هذا هو مجمل شبهتهم، وإذا ما جئنا إلى الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وجدناها تتنافى مع ذلك تمام المنافاة.



    رد شيخ الإسلام على نفي الجهمية والأشعرية لحكمة الله
    ٌ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه: (قد نقبت وبحثت في أقوال السلف قديماً منذ عصر الصحابة والتابعين، فلم أجد لهؤلاء الجهمية ومن اتبعهم شبهة، ولم أجد من سبقهم إلى ما يسمونه تنزيهاً، وهو نفي الحكمة ونفي التعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى وفي شرعه ودينه).

    فهو قول لم يسبقوا إليه وإن زعموا أنه تنزيه لله سبحانه وتعالى، وبالأمثلة من الكتاب والسنة -وخاصة الكتاب- يتضح ذلك جلياً.



    أدوات التعليل في القرآن
    يكون التعليل بأدوات أوضحها: (لام التعليل)، فلام التعليل حرف مختص بالتعليل.

    وكذلك يكون التعليل بالجملة؛ سواء كانت اسمية أو فعلية.

    ولو نظرنا إلى القرآن لوجدنا أن التعليل فيه كثير جداً، يصعب حصره؛ بل جاء التعليل في القرآن بألفاظ هي من أصرح الألفاظ الدالة عليه، فقد ذكر الله تبارك وتعالى قصة ابني آدم إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، ثم ذكر في آخر هذه القصة حكم القتل معللاً، فقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى العلة في الحكم بأداة التعليل (من أجل ذلك)، لكيلا يقع القتل، ولكيلا تتكرر هذه الجريمة، وليعلم الناس بشاعة هذه الفعلة القبيحة، وهكذا يشرع الله الأحكام معللة.

    وقال تعالى : وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، فعلل الله سبحانه وتعالى تحريم الزنا بأنه فاحشة، وبين لماذا قال: ولا تقربوا الزنا؛ لأنه فاحشة، ولأنه بئس السبيل لقضاء الوطر.

    وقال تعالى: : وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، فقد علل الله سبحانه وتعالى تحريمه أن يتزوج الإنسان زوجة أبيه كما كانت العرب تفعله في الجاهلية.

    وقال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، فالعلة هنا الطهارة؛ فمن أجل طهارة القلب؛ اسألوهن من وراء حجاب.

    فيأتي التعليل -كما رأينا- بالجمل الاسمية، وهو كثير جداً. ويأتي التعليل أيضاً بالجمل الفعلية؛ كقوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )[البقرة:185]، وقوله: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:27-28]، فعلل الله سبحانه وتعالى ما ذكره من أحكام بأنه يريد بنا اليسر ويريد أن يتوب علينا، وأن يخفف عنا.

    وهكذا جاءت كثير من الأحكام في القرآن معللة.

    إذاً: التعليل في الشرع وارد بالجملة الاسمية وبالجملة الفعلية وباللام كما ذكرنا.

    ومن أساليب التعليل أيضاً: التعليل بأسلوب القصر، ومثاله قول الله تبارك وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فهذا تعليل بأسلوب القصر، وهو نفي أعقبه استثناء، وهذا من أقوى الأدلة على التعليل؛ فأكد الله سبحانه وتعالى أن هناك علة من خلقهم، فالحكمة التي من أجلها خلق الثقلان هي العبادة، فالعبادة إذاً علة مرادة يريدها الله سبحانه وتعالى.[/align]
    [align=center][/align]

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. أسماء الله الحسنى مع شرحها ...
    بواسطة إشراقـ أمل ـة في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-12-2007, 02:27 PM
  2. أسماء الله الحسنى In English
    بواسطة 乂 ..هتون.. 乂 في المنتدى ملتقى الإنجليزي , اختبارات وبوربوينت ومطويات
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 24-08-2007, 02:57 AM
  3. بعض أسماء الله الحسنى ومعانيها
    بواسطة الذوق الرفيع في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 04-01-2007, 01:57 AM
  4. أسماء الله الحسنى .....شاركونا
    بواسطة اللـــــيث في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 24-09-2006, 02:07 PM
  5. أسماء الله الحسنى
    بواسطة مازن في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 02-03-2005, 08:03 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •