المدينة المنورةفي شعر محمد العيد الخطراوي
كتب محمد عباس عرابي عضو اتحاد الكتاب -عضو الرابطة مجلة الأدب الإسلامي
يعد محمد العيد الخطراوي من الشعراء السعوديين المؤسسين لأسرة الوادي المبارك(نسبة لوادي العقيق بالمدينة المنورة)، وهي من تلك الأسر الأدبية والمجالس الثقافية الجادة في الاضطلاع بحركة التنوير، ونشر الثقافة والتواصل مع العديد من العلماء والمفكرين، والمثقفين والأدباء في المملكة والعالم الإسلامي، الذين كانوا يزورون المدينة المنورة، ويلقون محاضرات فيها، وتوجت جهود تلك الأسرة الأدبية بتأسيس النادي الأدبي الثقافي بالمدينة المنورة عطفا على ما أقامته من نشاطات وفعاليات كانت جزءا من الحياة الأدبية والثقافية في طيبة الطيبة.
ولقد أسهم الخطراوي إسهامًا فاعلا في إثراء هذه النشاطات والفعاليات، من خلال إصداراته في الشعر والنثر، إضافة إلى حضوره في مجال الإذاعة والصحافة.
ولقد أخذت المدينة المنورة موقعها الأثير في أدب الخطراوي، لتحلق أرواحنا معه بجمال طبيعتها، ومتانة أصالتها، وعميق طهرها من خلال ديوانيه (ثرثرة على ضفاف العقيق)، و(على أعتاب المحبوبة).
فلقد تضوعت المدينة بالريحان، وعزف الشعراء أجمل ألحانهم في حبها، فهي مدينة العفاف والجمال، وللخطراوي في حبها عشق، ترجمه نغمة شاعرية في قصائده، أضاءت كلماته؛ ومولده بها كان سببا آخر في تعلقه بحبها، حيث اتصل روح الشاعر بها.([1])
وفي هذا المقال أحاول إلقاء الضوء على العلاقة بين المدينة المنورة ومحمد العيد الخطراوي في شعره من خلال العناصر التالية: افتخار الخطراوي بالمدينة المنورة، التغني لطيبة الطيبة، معالم المدينة المنورة في شعر الخطراوي.
افتخار الخطراوي بالمدينة المنورة:
ولد الخطراوي في هذه المدينة المباركة، حيث مسجد المصطفى –صلى الله عليه وسلم - لا يغيب عن ناظريه، ينعم بعبقه الروحي وفضله الخالد، إضافة إلى ما في كل موضع من المدينة وما جاورها من ذكرى عظيمة، وتاريخ إسلامي عظيم، حيث سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهجرته ودعوته، وآثار صحابته الأعلام، وأئمة الإسلام الذين ساروا خلفهم من التابعين وأتباعهم على مدار الأزمان. فها هو ذا شاعرنا الخطراوي فخورٌ بحبيبته طيبة الطيبة، رافعًا هامته إلى الأعلى لا يبالي بأحد، اعتزازًا بمجاورة خير الأنام، حيث يقول في قصيدته أنا في طيبة:
أنا في طيبة أتيه على الدهـ ـر وأمشي على رؤوس الليالي
حاملا مشعل الفخار أغني بشموخ في موكب الآمال
شامتي في العلا تباهي الثريا ويدي تستبيح دنيا المحال
في يميني الشموس تمضي نشاوى والبدور الوضاء حذو شمالي([2])
وطيبة الطيبة لا يملّ ولا يكلُّ من يتغنى بها، فالجمال الذي يتمثل في محياها بديعٌ جميل، فالخطراوي يطلب من المتلقي عدم لومهِ في التعبير عما في خافقه من تدفق شعري ملِيء بالروح الدينية العبقة، فيقول:
لا تلوموه إن تباهى وغنى في حمى طيبةٍ لحون الجمال
إنما الشعر يستطاب إذا ما جاء مستلهما دروب الكمال([3])
التغني لطيبة الطيبة:
وفي قصيدته (على ضفاف البيان)، نراه يحلّق بالأفق في التغني بطيبة الطيبة، ويرسل أجمل وأرقى الألحان لِحبيبتهِ وعشيقته التي يظل يذكرها، ويعطر أنفاسه باسمها، وهو يعيد ماضيها وأحوال الأنصار بها، ذاكرًا ثناءه على الأوس والخزرج، وهو يعتبر نفسه منهم، إذ يقول:
هذه ليلة يتيه بها الشعر ويزهو على ضفاف البيان
تتحدى الآفاق شرقا وغربا بمذاخير من عقود الجمان([4])
إلى قوله:
واسقِياني رحِيق يثرِب صدقًا وانفحاني من عطرها الريان
فلعلي أعيد للشوط ذكرى تنعش الأوس في حمى بطحان
ولدى الخزرج الكلام أوافي مجمع الفخر في يدي حسان([5])
معالم المدينة المنورة:
تجد تجليات المكان بارزة في جلّ نتاج الخطراوي أديب المدينة المنورة، إذ يتمثل بإشراقاته النورانية، وآثاره التاريخية الخالدة، وهو من أهم دوافع الكتابة عند الخطراوي والملهم الرئيس له، وهذه الأمكنة بعظمتها وهيبتها تضفي بظلالها الروحية على أشعاره بعدًا رمزيًا ودلاليًا.
المسجد النبوي:
يرسم الخطراوي للمسجد النبوي أجمل الأشكال، ويغرد له أسمى الألحان، وكيف لا وهو محط ركاب الرسول –صلى الله عليه وسلم، ومبرك ناقته القصواء، ذاكرا جميل الملك فهد بن عبد العزيز –رحمه الله - حيث كانت له يد الطولى في توسعة المسجد النبوي الشريف، الذي أصبح يسع مليون مصل تقريبًا، حيث يقول في قصيدة بعنوان (في ظلال البيعة):
وعلى طيبة من مسجِده بسمات الحب تهدي التائهين مسح الفهد على أكنافها وبناها خدمة للمؤمنين
يا ثناء عاطرا أُبنا به شاع في الحجاج والمعتمرين([6])
الروضة الشريفة:
يصف الخطراوي الروضة في مطلع قصيدته والمصلون فيها خاشعون بين قائم وراكع وساجد، في روحانية وخشوع، حتى أصبحت للشاعر أمنية أن يصلي بها، ويتعبد بأفيائها، فيقول في مطلع قصيدته التي عنونها (الروضة الشريفة):
ورحاب كأنها الجنة الخلـ ـد بأفيائها يطيب وجودي
تتندى بها الأماني وتهمي فوق رأسي بها سحائب جود
والمرايا في كل صوب صلاة وخشوع ومحفل للخلود([7])
جبل أحد:
امتزج الجماد بالإنسان، والجانب المادي بالجانب الروحي عند الخطراوي، وجبل أحد معلم من معالم التاريخ والأمجاد الإسلامية، التي طالما فخر بها المسلمون على مدار التاريخ، فهو الباعث للمجد والعز والقوة التي تدفع بالأمة إلى الرقي والسؤدد والتمكين في الأرض، فنجد شاعرنا يصور لنا كيف كان شموخ جبل أحد أثناء الحرب، فيقول في قصيدته (أحدٌ الجبل.. أحد الفكرة):
(أُحدٌ)، والمساء والغيمة الخضرا ء والمجد والهوى الممطول
والميادين والسفوح صلاة والأماني توقع وذهول
والخيول العتاق يلوي بها الشو ق ويغري زمامها المجهول([8])
وادي العقيق:
أفرد الخطراوي ديوانًا خاصًا بالعقيق، أسماه (ثرثرة على ضفاف العقيق)، وبسبب معرفة الخطراوي بتاريخ المدينة المنورة، وتتبعه وتأمله لهذا التاريخ نراه يبين لنا ما دار في ليالي وادي العقيق الخوالي، فيقول:
فكأني بعود عزة جاست عبر أوتاره أكف اللسان
فتوالت أنغامه ماتعات مائجات بأعذب الألحان
وكأني بمعبد وغريض سرق النوم من عيون الغوالي
بغناء موقَّعٍ عبقري في عراص العقيق دون عنان([9])
البقيع:
يدعو الخطراوي لنفسه إذا نزل المكتوب، وادلهمت الخطوب، بأن يكون ضريحه في البقيع المبارك حيث دفنت ثلة مباركة من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام رضي الله عنهم، وخيرة من التابعين والصالحين على مر العصور، وما زال إلى يومنا هذا يوصي بعض الصالحين والعلماء أن يكون دفنهم في تلك البقعة المباركة، فيقول الخطراوي:
وإذا قدر الإله مماتي واطمأنت رواحلي للرواح
فادع لي صاح أن يكون ضريحي في جنان البقيع في خير ساح ذاك حلمي ومنيتي وطريقي لرضا خالقي وفخر المتاح([10])
رحم الله الشاعر محمد الخطراوي، وحقق له دعاءه في المغفرة، وآواه في الجنان في الآخرة؛ كما حقق له مراده في أن يدفن في تربة البقيع في جوار الصالحين من هذه الأمة في الدنيا.



(1) الحربي، عبد الرحمن، النزعة الدينية في شعر محمد العيد الخطراوي، ص 1. رسالة ماجستير(2010م)، جامعة مؤتة، الأردن.
(2) الخطراوي، تفاصيل في خارطة الطقس، ص7. نشر نادي المدينة المنورة،1411هـ،
(3) الخطراوي، تفاصيل في خارطة الطقس، ص8.
(4) المرجع نفسه ص20.
(5) المرجع نفسه ، ص21.
(6) الخطراوي، على أعتاب المحبوبة، ص 130-131، نشر نادي المدينة المنورة 1425 هـ.
(7) المرجع السابق، ص106.
(8) الخطراوي، على أعتاب المحبوبة، ص 63.
(9) الخطراوي ، تفاصيل في خارطة الطقس، ص22-23.
(10) الخطراوي، على أعتاب المحبوبة، ص 116-117.