أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ما هو حكم التسمية في الوضوء ؟

قلت والله تعالى أعلم :

جاء في شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد حفظه الله تعالى :

قوله: (( وتجب التسمية في الوضوء مع الذكر )):
أي: يجب على من أراد أن يتوضأ وكذلك من أراد الغسل أو التيمم يجب عليه أن يقول: (بسم الله) ولكن ذلك ـ أي الوجوب ـ مع الذكر ، أما إن نسي فلا حرج عليه.
ـ أما الدليل على وجوب التسمية: فهو ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) .
وهذا الحديث في إسناده ضعف ، لكن له شواهد كثيرة يرتقي إلى درجة الحسن.

وقد قال العيني: (روى هذا الحديث من طريق أحد عشر صحابياً) وقال ابن أبي شيبة: (ثبت لنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قاله) أي من كثرة طرقه.
وقد حسنه العراقي وابن الصلاح وابن كثير وابن حجر والمنذري ، ومن المحدثين المعاصرين الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ فالحديث حسن.
ـ أما سقوط التسمية بالنسيان: فاستدلوا بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .

هذا هو مذهب الحنابلة في المشهور عندهم: أن التسمية واجبة عند الوضوء ونحوه من الغسل والتيمم مع الذكر ، فلو ترك التسمية عمداً بطل وضوؤه.

وذهب جمهور الفقهاء وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختارها بعض أصحابه أن التسمية سنة.
وأجابوا: عن الحديث بأنه ضعيف لا يثبت ، قال الإمام أحمد: (لا أعلم فيها إسناداً جيداً) أي التسمية.
وكلامه ـ رحمه الله ـ إنما هو في الأسانيد بمفردها ، أي في كل إسناد بمفرده ، أما الأسانيد بمجموعها فإنها ترتقي إلى درجة الحسن.

قالوا: وإن ثبت الحديث فإن قوله: (لا وضوء) يؤول بأن (لا وضوء كامل) ، فليس وضوءاً باطلاً ، بل هو صحيح لكنه ليس بكامل بل هو ناقص لتركه السنة.
وهذا القول ضعيف ؛ لأن الأصل حمل الكلام على حقيقته ، فيقال: (لا وضوء موجود) ثم (لا وضوء صحيح) وهي المرتبة الثانية ثم (لا وضوء كامل) وهي المرتبة الثالثة.
و(لا وضوء موجود): هذا لا يمكن أن يقال به ؛ لأن الوضوء قد وجد دون التسمية ، فننتقل إلى المرتبة الثانية (لا وضوء صحيح) ثم (لا وضوء كامل) ولا يجوز أن ننصرف عن مرتبة إلا إذا امتنعت المرتبة التي قبلها فنقول ـ حينئذ ـ (لا وضوء صحيح) كما هو ظاهر اللفظة أي لا وضوء صحيح شرعي.

وذهب الإمام أحمد في رواية عنه واختارها أبو الخطاب من الحنابلة والمجد بن تيمية وابن عبد القوي إلى أن التسمية فرض عند الذكر والنسيان.
فلو تركها ناسياً فإن وضوءه باطل ـ وهذا هو أصح الأقوال ـ وذلك لصحة الحديث الوارد في ذلك ، وظاهره أنه لا وضوء صحيح مطلقاً سواء كان ذاكراً أو ناسياً.

ـ أما حديث: (إن الله تجاوز لي عن أمتي 0000) الحديث ، فإن ذلك لا يكون في ترك الواجبات ، فإن من ترك واجباً فإنه لايزال مطالباً بفعله ، فإذا فعله برأت ذمته.
ويكون ـ حينئذ ـ مغفوراً له غير آثم بسبب نسيانه ، أما كونه لا يجب عليه أن يفعل فلا.
فلوا أن رجلاً صلى بلا وضوء ناسياً ، فإنه لا يأثم لكنه يجب عليه أن يعيد الصلاة ، وهو معذور لنسيانه ، فلا تبرأ ذمته حتى يفعله.

وهذا القول هو أرجح الأقوال ، وأن من ترك التسمية ذاكراً أو ناسياً فوضوءه باطل.
فإن كان فعل ذلك في مرات سابقة فإنه لا يجب عليه الإعادة للمشقة.
لكن إذا كان الوقت مازال حاضراً فإنه يعيد الوضوء والصلاة وكذلك التيمم والغسل ـ وهذا هو مذهب الظاهرية

،( ثم رجح الشيخ وفقه الله قول الجمهور بالاستحباب).

وجاء في شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية :


مسألة (ثم يقول بسم الله)

لما روى عن يعقوب بن سلمة الليثي عن ابيه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه رواه احمد وابو داود وابن ماجة وعن سعيد بن زيد وابي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله رواهما احمد وابن ماجة ولان ذكر اسم الله مشروع في اول الافعال العادية كالاكل والشرب والنوم ودخول المنزل والخلاء فلان يشرع
في اول العبادات اولى والمسنون التسمية هذا احدى الروايتين عن الامام احمد قال الخلال الذي استقرت عليه الروايات انه لا بأس به يعني اذا ترك التسمية وهي اختيار الخرقي وغيره لان الاحاديث فيها ليست قوية وقال احمد ليس يثبت فيها حديث ولا اعلم فيها حديثا له اسناد جيد وقال الحسن بن محمد ضعف ابو عبدالله الحديث في التسمية وقال اقوى شيء فيه حديث كثير عن ربيح يعني حديث ابي سعيد ثم ذكر رباحا اي من هو ومن ابو ثفال يعني الذي يروي حديث سعيد بن زيد

وقال البخاري في حديث ابي هريرة لا يعرف لسلمة سماع من ابي هريرة ولا ليعقوب سماع من ابيه ولو صحت حملت على الذكر بالقلب وهو النية وكذلك قال ربيعة لما ذكرنا من الاحاديث

والرواية الاخرى انها واجبة اختارها ابو بكر والقاضي واصحابه وكثير من اصحابنا بل اكثرهم لما ذكرنا من الاحاديث قال ابو اسحاق الجوزجاني قال ابن ابي شيبة ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال لا وضوء لمن لم يسم وتضعيف احمد لها محمول على احد الوجهين

1) اما انها لا تثبت عنده اولا لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب ولهذا اشار الى انه لا يعرف رباحا ولا ابا ثفال وهكذا تجئ عنه كثيرا الاشارة الى انه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها فان النفي سابق على الاثبات

2) واما انه اشار الى انه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين فان الاحاديث تنقسم الى صحيح وحسن وضعيف واشار الى انه ليس بثابت اي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله وذلك لا ينفي ان يكون حسنا وهو حجة ومن تأمل الحافظ الامام علم انه لم يوهن الحديث وانما بين مرتبته في الجملة انه دون الاحاديث الصحيحة الثابتة وكذلك قال في موضع آخر احسنها حديث ابي سعيد ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها احسنها وهذا معنى احتجاج احمد بالحديث الضعيف

وقوله ربما اخذنا بالحديث الضعيف وغير ذلك من كلامه يعني به الحسن فاما ما رواه متهم او مغفل فليس بحجة اصلا ويبين ذلك وجوه

احدها ان البخاري اشار في حديث ابي هريرة الى انه لا يعرف السماع في رجاله وهذا غير واجب في العمل بل العنعنة مع امكان اللقاء ما لم يعلم ان الراوي مدلس

وثانيها
انه قد تعددت طرقه وكثرت مخارجه وهذا مما يشد بعضه بعضا ويغلب علىالظن ان له اصلا وروي ايضا مرسلا رواه سعيد عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال اذا تطهر الرجل وذكر اسم الله طهر جسده كله واذا لم يذكر اسم الله لم يطهر منه الا مكان الوضوء وهذا وان احتج به على ان التسمية ليست واجبة فإنه دليل على وجوبها لان الطهارة الشرعية التي تطهر الجسد كله حتى تصح الصلاة ومس المصحف بجميع البدن فاذا لم تحصل الشرعية جعلت الطهارة الحسية وهي مقتصرة على محلها كما لو لم ينو وروى الدراوردي ثنا محمد بن ابي حميد عن عمر بن يزيد ان رجلا توضأ ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم اعرض عنه وقال له تطهر فرجع فتوضأ ثم اجتهد فجاء فسلم فأعرض عنه وقال ارجع فتطهر فلقي الرجل عليا فاخبره بذلك فقال له علي هل سميت الله حين وضعت يدك في وضوئك فقال لا والله فقال ارجع فسمي الله في وضوئك فرجع فسمى الله على وضوئه ثم رجع الى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فرد عليه واقبل عليه بوجهه ثم قال اذا وضع احدكم طهوره فليسم الله رواه الجوزجاني عن نعيم بن حماد عنه

وثالثها ان تضعيفه اما من جهة ارسال او جهل راو وهذا غير قادح على احدى الروايتين وعلى الاخرى وهي قول من لا يحتج بالمرسل نقول اذا عمل به جماهير اهل العلم وارسله من اخذ العلم عن غير رجال المرسل الاول او روي مثله عن الصحابة او وافقة ظاهر القرآن فهو حجة

وهذا الحديث قد اعتضد باكثر ذلك فإن عامة اهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك اصل وانما اختلفوا في صفة شرعها هل هو ايجاب او ندب وروي من وجوه متباينة مسندا ومرسلا ولعلك تجد في كثير من المسائل ليس معهم احاديث مثل هذه

ورابعها ان الامام احمد قال احسنها يعني احاديث هذا الباب حديث ابي سعيد وكذلك قال اسحاق بن راهويه وقد سئل اي حديث اصح في التسمية فذكر حديث ابي سعيد وقال البخاري احسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد وهذه العبارة وان كانوا انما يقصدون بها بيان ان الاثر اقوى شيء في هذا الباب فلولا ان اسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك

وحملها على الذكر بالقلب او على تأكيد الاستحباب خلاف مدلول الكلام وظاهره وانما يصار اليه لموجب ولا موجب هنا واذا قلنا بوجوبها فانها تسقط بالسهو على احدى الروايتين كالذبيحة واولى فان قلنا تسقط سمى متى ذكرها وان قلنا لا تسقط لغا ما فعله قبلها وهذا على المشهور وهو انها تجب في اول الوضوء قبل غسل الوجه وقال الشيخ ابو الفرج متى سمى اجزاءه اهـ

قلت والله تعالى أعلم :
فالراجح أن هذا الحديث يرتقي بمجوع طرقه إلى درجة الحسن وهو كما قال ابن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله

إذا تبين هذا فأقول ما يلي :
أولا : نص الحديث لا يسعف من قال بالإستحباب وذلك لأن ظاهر النص نفي صحة الوضوء هذا هو الأصل ثم إخراجهم الأصل الذي هو المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح ليس عليه دليل يساوي قوة الأصل وإنما هو فهم تتجاذبه المحامل ومنها محمل الأصل

ثانيا دلالة الإقتران فإن في أول الحديث قال( لا صلاة لمن لا وضوء له ) وهذا بالإجماع أن النفي فيه نفي للصحة فدلالة الإقتران هنا معتبرة لمن تدبر كيفية صياغة الحديث ووضعه

ثالثا: الذي يدل على أن التسمية شرط في الوضوء ما يلي :

قال عليه الصلاة والسلام ( الطهور شطر الإيمان )
ونحن نعلم أن الإيمان ثلاثة أركان :

1) اعتقاد الجنان
2) وقول اللسان
3) وعمل الجوارح والأركان
فيجب في القلب وفي اللسان وفي الجوارح تحقيق (لا إله إلا الله )

ونحن نعلم أن لا إله إلا الله متكونة من ركنين :
1) (لا إله ) نفي
2) (إلا الله ) إثبات

والنفي يسميه العلماء (التخلية ) والإثبات يسميه العلماء (التحلية )
فالتخلية هي معنى الطهارة وهي معنى قوله عليه الصلاة والسلام (الطهور شطر الإيمان) أي على الإنسان أن يطهر قلبه ولسانه وعمله من الشرك ثم يحلي قلبه ولسانه وعمله بالتوحيد

إذا تبين هذا فلنأتي إلى الوضوء فنقول
ما الذي يحقق مطلق الإيمان العملي بحيث أن من لم لم يأت به لم يأت بالإيمان الحق ؟

الجواب : الذي يحقق مطلق الإيمان العملي هو الصلاة وهذا دل عليه النص من الكتاب والسنة والإجماع
قال الله تعالى ( فإن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ) فدل على ان من لم يقم الصلاة فليس أخا لنا في الدين

وقال عليه الصلاة والسلام (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) وفي آخر ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة ) وفي آخر (بين الكفر و الإيمان ترك الصلاة .)

وأما الإجماع فقد قال عبد الله بن شقيق ما كان اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة

إذا تبين أن الصلاة هي المحققة لركن الإيمان العملي كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام (أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ) وقال عليه الصلاة والسلام ( ألا وإن في الجسد مضغة غذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
فتأمل في الحديثين تجد أن القلب والصلاة عملهما واحد فالصلاة مرآة ما في القلب فإذا كان صلاح الأعمال وفسادها متوقف على صلاح الصلاة وفسادها دل على أن فساد الصلاة يقوم مقام الشرك قال تعالى ( فقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وقال تعالى ( لئن أشركت ليحبطن عملك )

إذاً الصلاة لها تخليه ولها تحلية لأنها تمثل الركن العملي للإيمان
فتخلية الصلاة تكون بالطهارة بالوضوء
وتحليتها تكون بالركوع والسجود

فقد جاء في صحيح الترغيب والترهيب
حديث حسن صحيح
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الصلاة ثلاثة أثلاث الطهور ثلث والركوع ثلث والسجود ثلث
فمن أداها بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله ومن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله
رواه البزار وقال
لا نعلمه مرفوعا إلا من حديث المغيرة بن مسلم
قال الحافظ
وإسناده حسن


قلت : فإذا كان الوضوء ركن التخلية في الصلاة التي هي الركن العملي في الإيمان
وعلمنا أن الإيمان لا يكون إلا باعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح
فكذلك الوضوء لابد فيه من اعتقاد القلب وقول اللسان وعمل الجوارح

1) فاعتقاد القلب يتحقق بالنية
2) وقول اللسان يتحقق بالبسملة التي وردت في الحديث
3) وعمل الجوارح يتحقق بالإتيان بأركان الوضوء من غسل الوجه واليدين ومسح الرأس مع الأذنين وغسل القدمين

ومن هنا يتبين لنا أنه لا وضوء صحيح من غير بسملة

والله تعالى أعلم