هل يجوز أن نقول (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ...) أم أنه مختص بالمنافقين ؟

تنتشر رسالة في التحذير مِن قول : (حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله .. إنا إلى الله راغبون)
وسبب التحذير أنه ذُكِر في سياق قول المنافقين وما قِيل لهم .
فما رأيكم ؟



الجواب :
الأمر ليس كما قِيل ؛ لاعتبارات ثلاثة :
الأول : أن العبرة بِعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في " القواعد الحسان في تفسير القرآن " :
القاعدة الثانية: العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب
وهذه القاعدة نافعة جدًا ، بِمُراعاتها يحصل للعبد خير كثير وعلم غزير، وبإهمالها وعدم ملاحظتها يَفوته علم كثير، ويقع الغلط والارتباك الخطير .
وهذا الأصل اتفق عليه المحققون مِن أهل الأصول وغيرهم، فمتى رَاعَيْتَ القاعدة حق الرعاية وعَرَفْتَ أن ما قاله المفسرون من أسباب النُّزُول إنما هو على سبيل المثال لتوضيح الألفاظ، وليست معاني الألفاظ والآيات مقصورةً عليها . فقولهم: نَزلت في كذا وكذا، معناه: أن هذا مما يَدخل فيها، وَمِن جُمْلة ما يُراد بها، فإن القرآن -كما تقدم - إنما نزل لهداية أول الأمة وآخرها، حيث تكون وأنى تكون .
والله تعالى قد أمَرَنا بالتفكر والتدبر لِكِتابه، فإذا تدبّرنا الألفاظ العامة، وفهمنا أن معناها يتناول أشياء كثيرة، فلأي شيء نُخْرِج بعض هذه المعاني، مع دخول ما هو مثلها ونظيرها فيها ..
إلى أن قال الشيخ :
وإذا أمَرَ بشيء نَظَرْتَ إلى معناه، وما يدخل فيه وما لا يَدخل، وعَلِمْتَ أن ذلك الأمر مُوَجّه إلى جميع الأمة، وكذلك في النهي .
ولهذا كانت معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله أصلَ كل الخير والفلاح، والجهل بذلك أصل كل الشر والخسران .
فمراعاة هذه القاعدة أكبر عون على معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله والقيام بها. والقرآن قد جمع أجل المعاني وأنفعها وأصدقها بأوضح الألفاظ وأحسنها . اهـ .

الثاني : أن هذا القول مما يصلح أن يَقوله المؤمن ؛ لأن معنى " الْحَسْب " الكافي ، فكأن القائل يقول : الله كافِينا سيؤتينا الله مِن فضله مع الرغبة إليه تعالى .

الثالث : أنه مُتضمّن للتوكّل والرَّغبة إلى الله ، والاستغناء عمّا في أيدي الناس .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
قَالَ تَعَالَى مُنَبِّها لَهُمْ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ لَهُمْ ، فَقَالَ : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ) ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَدَبًا عَظِيمًا وَسِرًّا شَرِيفًا، حَيْثُ جَعَلَ الرِّضَا بِمَا آتَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالتَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَقَالُوا حَسْبُنَا) وَكَذَلِكَ الرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ فِي التَّوْفِيقِ لِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ، وَتَصْدِيقِ أَخْبَارِهِ، وَالاقْتِفَاءِ بآثاره . اهـ .

وبالله التوفيق .

المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد