أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال ومذاهب من أشهرها:
1 - المذهب الأول: أن المس ينقض الوضوء إذا كان بغير حائل مطلاقاً في اللامس والملموس بشهوة أو بغير شهوة وهذا هو الصحيح في المذهب واستدل بقوله تعالى في سورة النساء: {يا أيُّها الذين آمنوا لا تَقْرَبوا الصَّلاةَ وأَنتُمْ سُكَارى حتى تَعْلَمُوا ما تقولون ولا جُنُباً إلا عابِرِي سبيلٍ حتى تغتسلوا وإنْ كُنتم مَرضَى أَو على سَفَرٍ أو جاء أَحَدٌ منكُمْ مِن الغائِطِ أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فلم تَجِدُوا ماءً فتيمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فامْسَحُوا بوُجُوهِكُم وأَيْدِيْكُمْ إنَّ الله كان عَفُوَّاً غَفُوراً}.
وقوله في سورة المائدة ({يا أيُّها الذين آمنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيدِيَكُم إلى المرافِقِ وامْسَحُوا برُؤُوسِكُمْ وأَرجُلَكُم إلى الكَعْبَينِ وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَّروا وإنْ كُنتم مَرضَى أَو على سَفَرٍ أَو جاء أَحَدٌ مِنْكُم مِن الغَائِطِ أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فلم تَجِدُوا ماءً فتيمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فامْسَحُوا بوُجُوهِكُمْ وأَيْدِيكُم منه ما يرِيدُ اللهُ ليجْعَلَ عليكُمْ مِن حَرَجٍ ولكنْ يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم ولِيُتِمَّ نِعمتَهُ عليكُم لعلَّكُمْ تَشْكُرُون}.
فهذه الآية دليل على أن اللمس يوجب الوضوء وهذا في قوله (أو لامَسْتُمُ النِّساءَ) وقُريء {أو لَمَسْتُم} والأصل في الكتاب والسنة أن يحمل على ظاهرهما وحقيقتهما واللمس في اللغة إنما يكون باليد ونظيره في القرآن قوله تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لماعز رضى الله عنه (لعلك قبلت أو لمست) ومن البيوع المنهية بيع الملامسة في قوله نهى -صلى الله عليه وسلم- عن الملامسة
فاللمس في اللغة هو الجس باليد ومن حمل الآية على الجماع دون غيره ترك معنى أظهر وأبين مما حمله والقاعدة: أن كل لفظ احتمل معنيين يجب حمل اللفظ عليهما ما لم يكن هناك قرينة وشواهد تعين أحد المعنيين وهنا لفظ اللمس يصدق في معناه المجازي والحقيقي وليس هنا ما يخرج عن معناه المجازي فضلاً عن الحقيقي لا في الكتاب ولا في السنة وجميع ما احتجوه من الأدلة لا ينهض للإستدلال لوجود الاحتمالات التى يسقط معها الاستدلال كالحائل. والله اعلم.
وبعد هذا فمن لم يرأ النقض في اللامس والملموس مخالف لظاهر هذا الآية ومن فرق بين الشهوة وغيرها فعليه الدليل وأنى له! لأن عموم الآية يخالفه ولأن الشهوة ليست علة منضبطة حتى يعلق عليها الحكم وهي كقصر الصلاة والإفطار للمشقة في السفر فلما كانت العلة غير منضبطة علق الحكم على المظنة وهي: السفر فكذلك الشهوة غير منضبطة فيعلق الحكم على المظنة وهي: اللمس. والله أعلم.
2 - المذهب الثاني: أنه ينقض إذا كان بشهوة أما غيره فلا، واستدلوا بما استدل به المذهب الأول من قوله تعالى (أو لامَسْتُمُ النِّساءَ) وأجابوا بقول من قال: ومن فرق بين الشهوة وغيرها فعليه الدليل بأن هذا التفريق يظهر جليا من أن اللمس ليس ناقضا بنفسه وإنما مظنة النقض كالنوم لذا فرقتم بين من نام متمكنا وغيره مع ورود النصوص العامة بأن النوم ينقض الوضوء ومما هو جدير بالذكر أنكم نقضتم هذه القاعدة- عدم التخصيص دون مخصص- قبل غيركم حيث خصصتم اللمس بالأجنبية مع عموم"النساء" في قوله تعالى: (أو لامَسْتُمُ النِّساءَ) فعندكم أن من مسّ واحدة من محارمه لشهوة وتلذذ أنه لا ينقض وضوءه وكذلك نقضتم القاعدة حيث ادعيتم بأن من مسّ ظفر أجنبية أو شعرها أنه لا نقض وضوءه مع عموم اللمس في قوله تعالى: {أو لَمَسْتُم}.والعجب أنكم نقضتم الوضوء بمس أذن الميتة ولم تنقضوا بمس أظفار أنامل الحية وشعرها!! وذهبتم إلى نجاسة شعر الميتة تبعا لها كما في " المجموع" وغيره دون نقض الوضواء من شعر المرأة تبعا لها!! وقيدتم اللمس (بدون الحائل) فعندكم أن اللمس والملامسة إذا كانت بحائل لم ينقض الوضوء وإن فعل بجسدها ماشاء!!.
3 - أنه لا ينقض مطلقاً في اللامس والملموس بشهوة وبغيرها واستدلوا بأحاديث منها:
حديث عائشة قالت فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدى على بطن قدميه وهو فى المسجد وهما منصوبتان. أخرجه مسلم.
وأخرجاه عن عائشة، قالت: كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه.
وعن عائشة قالت كنت أنام بين يدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاى فى قبلته فإذا سجد غمزنى فقبضت رجلى وإذا قام بسطتهما - قالت - والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. أخرجاه.
وأخرج البخاري عن عائشة أنها كانت ترجل - تعني - رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه وهي في حجرتها فترجله وهي حائض.

وأحابوا عن الاحتمال المذكور بأن كل احتمال تَطرَّقَ في الدليل لا يسقط الاستدلال به لأن الاحتمال يكون على ثلاثة ُ أَنوَاعٍ: اِحْتِمَالٌ وَهْمِيٌّ مَرْجُوْحٌ، ولا عبرة به وَاحْتِمَالٌ رَاجِحٌ، ويجب المصير إليه وَاحْتِمَالٌ مُسَاوٍ وهو الذي يسقط معه الاستدلال قال في الفروق: إنَّ الاحْتِمَالَ المرْجُوْحَ، لا يَقدَحُ في دَلالةِ اللفظِ، وَإلا َّ لسَقطتْ دَلالة ُ العُمُوْمَاتِ كلهَا، لِتطرُّق ِ احْتِمَال ِ التَّخْصِيْص ِ إليْهَا. بَلْ تَسْقط ُ دَلالة ُ جَمِيْعِ الأَدِلةِ السَّمْعِيَّةِ، لِتَطرُّق ِ المجَازِ وَالاشْتِرَاكِ إلىَ جَمِيْعِ الأَلفاظ. لكِنَّ ذلِك َ باطِلٌ، فتعَينَ حِيْنَئِذٍ: أَنَّ الاحْتِمَالَ الذِي يُوْجِبُ الإجْمَالَ، إنّمَا هُوَ الاحْتِمَالُ المسَاوِي، أَوِ المقارِبُ، أَمّا المرْجُوْحُ: فلا .. اهـ

وأما الآية الكريمة فإن من تدبرها يظهر له أن المقصود من الملامسة هو الجماع وذلك أن الآية في أولها ذكرت حكم المحدث الذي يجد الماء بأنه إن كان محدثاً حدثاً أصغر يتوضأ على الصفة التى ذكرتها الآية وإن كان جنباً أن يتطهر أي يغتسل وذلك في قوله. {يا أيُّها الذين آمنُوا إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيدِيَكُم إلى المرافِقِ وامْسَحُوا برُؤُوسِكُمْ وأَرجُلَكُم إلى الكَعْبَينِ وإنْ كُنْتُم جُنُباً فاطَّهَّروا).
ثم ذكر سبحانه عن المحدث ولم يجد الماء وأنه يتيمم ثم ذكر مثالين في الحدث الذي يوجب التيمم عند فقد الماء مثالاً للحدث الأصغر ومثالاً للأكبر فقال في الأولى: (وإنْ كُنتم مَرضَى أَو على سَفَرٍ أَو جاء أَحَدٌ مِنْكُم مِن الغَائِطِ .... فلم تَجِدُوا ماءً .. ) والثاني بقوله: (أو لامَسْتُمُ النِّساءَ فلم تَجِدُوا ماءً ... ) فكان حكم كلٍ ((فتيمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً).

فمن جعل الملامسة الجس باليد فإن عنده أن الآية إنما ذكرت التيمم من الحدث الأصغر دون الحدث الأكبر وهذا ليس بصحيح لمناسبة الآية بعضها لبعض ففي الشطر الأول ذكرت طهارة الحدثين الأصغر والأكبر عند من يجد الماء واللائق في الشطر الثاني من الآية أن تذكر طهارة المحدث الحدث الأصغر والأكبر عند فقد الماء أو إذا تعذر استعماله. والله أعلم.

نقلاً من شرحي لـــ " السفينة النجا" في الفقه الشافعي .