أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بقايا أهل العلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ,نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
إن الكفار والمضلين الضالين قد تألبوا على العرب والمسلمين ,لإضعاف دينهم وتمزيق وحدتهم وتفريق جماعاتهم ,ولا يألون جهدا في تحقيق تلك المآرب من كل صوب وجانب .
بل أيضا قام أهل البدع والضلالات من المنتسبين للإسلام في جعل أمة الإسلام تتمزّق، ودماؤها في كل مكان تسفك، وأعراض المسلمات العفيفات تُنتهك، وعقيدة الولاء والبراء تحارب، وشريعة الله تطرح وتنبذ، وحكم الطاغوت يعلو ويُقدَّم، والقبور والأضرحة تُحمى وتحرس, وإنا لله وإنا اليه راجعون .
وقد تصدى لهم قديما وحديثا العلماء الربانيين الذين يحركهم دينهم والعلم الذي في صدورهم بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيقودون أمة الإسلام للحق والعِز والنصر بإذن الله وينصحون لها ويبينون للمسلمين الفتن والبدع وأهلها ويحذرون منهم في كل زمان .
فأهل العلم الربانيين قد خصهم الباري بخاصية عظيمه بينها سبحانه في كتابه الكريم في قوله :(شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )[آل عمران : 18]
قال ابن كثير رحمه الله : " قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم ) وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام " .تفسير ابن كثير (2/22)
وقال الشيخ السعدي رحمه الله :" وفي هذه الآية فضيلة العلم والعلماء لأن الله خصهم بالذكر من دون البشر , وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته ,وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيده ودينه وجزائه , وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة ..." تفسير السعدي (127)
عن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ). أخرجه ابن ماجه ( 8) وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة .
وقال الامام أحمد رحمه الله :" الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله - عز وجل - الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هدوه , فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مفارقة الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلين " من خطبة الامام احمد رحمه الله في كتاب الرد على الجهمية . (1/6)
ومن صفات العالم الرباني ثباته في الفتن المضلة ورسوخ قدمه في مواطن الشبهات ,فيحذر وينذر اذا هاجت الفتن لانهم أبصر الناس بها وأعلمهم بآثارها وعواقبها .
قال الحسن البصري رحمه الله :" الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم , وإذا أدبرت عرفها كل جاهل " الطبقات الكبرى لابن سعد (166/7)
ولكن وجد في الساحة كل غث وسمين من الذين يتكلمون بغير علم ويتأولون الآيات والأحاديث لتخدم وجهتهم ومنهجهم الباطل بل كادوا للعلماء الربانيين وتحزبوا ضدهم والبسوا على الناس شبههم وضلالاتهم وأثاروا الفتن وحسبنا الله ونعم الوكيل .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : " وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله " . الرسالة ( ص 41 )
بل شكى حالهم ابن القيم رحمه الله في نونيته فقال:
هـذا وإنــي بعــد ممتحــــن بأر* بعـة وكلهـــــم ذوو أضغــان
فظ، غليظ، جاهل متمعلم *ضخم العمامة واسع الأردان
متفيهق، متضلع بالجهل، ذو ضلع*، وذو جلح من العرفان
مزجى البضاعة في العلوم وإنه *زاج من الإيهام والهذيان
من جاهـــل متطبـِّب يفتـي الورى *ويحيـــل ذاك على قضـا الرحمـن
ما عنده علم سوى التكفير والتـبـ*ديع والتضليل والبهتــان . القصيدة النونية (2 / 100)
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله : " إذا تكلم المرء في غير فنه, أتى بهذه العجائب".فتح الباري لابن حجر ( 5 / 446)
وقال ابن حزم رحمه الله :"لا آفة على العلوم وأهلها, أضر من الدخلاء فيها, وهم من غير أهلها؛ فإنهم يجهلون, ويظنون أنهم يعلمون, ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون". الأخلاق والسير (ص 4).
لذا وجب أن نحذر من علماء الضلال , ويجب ان نميز بين العلماء الربانيين وعلماء الضلال , نُحكِّم فيهم كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن كان متمشياً مع الكتاب والسُّنَّة الصحيحة وسلف الأمة فهو صاحب المنهج الصحيح وهو العالم الرباني الذي نستقي منه العلم بإذن الله ، ومن كان مخالفاً لكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم يجب ان نرفضه وأن نبتعد عنه ونحذر منه .
فعلينا أن لا نتعصب لجماعة أو لحزب أو لمنهج دعوي، ونحن نرى أنه مخالف لكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم،بل يجب ان نرفضه وأن نبتعد عنه ونحذر منه حتى لا يلبسوننا الفتن فنَضِل ونُضِل والعياذ بالله .
قال ابن مسعود رضي الله عنه :"كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير ويربو فيها الصغير ويتخذها الناس سنة ,فإذا غيرت ,قالوا : غُيرت السنة , قالوا : ومتى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إذا كثرت قراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت امراؤكم وقلت امناؤكم , والتُمست بعمل الآخرة " أخرجه الدارمي (178) وصححه الشيخ الالباني رحمه الله .
ولقد حذرنا العلماء منهم لأنهم سبب فرقة الأمة الإسلامية وسبب لظهور البدع والضلالات والبعد عن الدين فيظهر التحزب والتفرق والكل منهم " حاطب ليل" لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يدعون لعقيدة صحيحة ولا يتمسكون بسنة صحيحة , بل يرمون العلماء الربانيين بعدم فقه الواقع ويطعنون فيهم ويصفونهم بالقاب هم بريئون منها .
بل هناك من يتعالى من أهل الاحزاب ويعتقد في حزبه أنه خير من الصحابة رضي الله عنهم ويحصر الخير في نفسه، فهذا الارتفاع والتعالي هو الذي أوردهم الموارد، وحملهم على سوء الظن بعموم المسلمين والحكم على مجتمعاتهم بالجاهلية،ونشر البدع والمعتقدات الخاطئة وحكمهم على الولاة بالتكفير.
قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: " فكن طالب علم على الجادة تقص الأثر، وتتبع السنن، تدعو الى الله على بصيرة، عارفاً لأهل الفضل فضلهم وسابقتهم , وان الحزبية ذات المسارات والقوالب المستحدثة التي لم يعهدها السلف من أعظم العوائق عن العلم، والتفريق عن الجماعة، فكم أوهنت حبل الاتحاد الاسلامي، وغشيت المسلمين بسببها الغواشي .
فاحذر رحمك الله أحزاباً وطوائف طاف طائفها، ونجم بالشر ناجمها، فما هي الا كالميازيب، تجمع الماء كدراً، وتفرقه هدراً، الا من رحم ربك، فصار على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ". حكم الانتماء الى الفرق والأحزاب والجماعات (ص 109).
وقال أحمد شاكر رحمه الله عن بعض الحركات :" قلبوا الدعوة الاسلامية الى دعوة اجرامية هدامة، ينفق عليها الشيوعيون واليهود كما نعلم ذلك علم اليقين " شؤون التعليم والقضاء (ص 48).
ومثل هذه المحن والفتن التي ابتليت بها الأمة الإسلامية في دار الابتلاء والاختبار لحكمة من الله سبحانه وذلك ليميز الخبيث من الطيب , فالمؤمنون الصابرون المتمسكون بالوحي المنزل المحفوظ بحفظ الله تعالى ثابتون على الحق لا تضرهم الفتن ولا تغيرهم المحن ولا يتنازلون عن دينهم ولله الحمد , وأما المعرضون عن الوحي ,المقلدون لأئمة الضلالة الداعين إلى الفتن والمحرضين لها وتصديقهم في نسبة ما يلقون من باطل وشبه إلى الشريعة ,وعدم الاعتبار بمن سبقهم وما آل اليه حالهم بسبب الخروج عن شرع الله فإنهم يتساقطون في الفتنة قال تعالى: (ألا في الفتنة سقطوا ) [التوبة :49] .
لذا وجب علينا التوبة النصوح والتمسك بالكتاب والسنة ,والتحاكم إلى شرع الله , والسير على منهاج سلف الأمة وعلمائها الراسخين في العلم وأصحاب العقيدة الصحيحة والتحذير من أهل الفتن والتحزب والأهواء وحماية أهل الإسلام من الأفكار المنحرفة التي يبثونها .
فنسأل الله سبحانه أن يهدينا جميعا إلى صراطه المستقيم ومنهجه القويم ,وأن يجعلنا من الداعين اليه على بصيرة , وأن يجنبنا وسائر المسلمين الشر والفرقة والشقاق والنفاق , وأن يعيذنا من نزغات الشيطان , ومن شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ,ثبتنا الله وإياكم على السنة وجنبنا البدع وسائر الشرور , ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح , فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين