( خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
التي اختص بها عن أمته )
فضيلة الشيخ زيد بن مسفر البحري

أما بعد : فيا عباد الله /
ذكرنا في الجمعة الماضية خصائص هذه الأمة ، وأن هذه الأمة المحمدية اختصت بخصائص تميزها عن غيرها من الأمم ، وذلك يُعد خصيصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا اليوم نبسط القول فيما اختص به رسولنا صلى الله عليه وسلم عن أفراد هذه الأمة .
فمما اختص به عليه الصلاة والسلام عن هذه الأمة : -

أن الصدقة لا تحل له ، سواء كانت فرضا أم نفلا ، لما جاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام ( إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس ) فالصدقة هي أوساخ الناس ، يتطهرون بها من الذنوب ، ولا تليق بمقام ومنصب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن خصائصه التي امتاز بها عن هذه الأمة :-
أنه يُحرم عليه أن يمسك إحدى زوجاته التي لا ترغب فيه ، بخلاف غيره من آحاد الآمة ، فلو أن الزوجة لم ترغب في زوجها ، لم يجب عليه أن يفارقها ، بينما رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا لم ترغب إحدى النساء الآتي تحته عليه الصلاة والسلام لم يجز له أن يبقيها ، وقد جاء في صحيح البخاري ( أنه دخل على ابنة الجون ، فلما دنا منها ، قالت أعوذ بالله منك ، فقال عليه الصلاة والسلام : لقد عذت بعظيم ، الحقي بأهلك ) .
ومن الخصائص :
أنه إذا لبس لباس الحرب ، لا يحق له أن يضع هذا اللباس حتى يقاتل العدو ، ولذا جاء في غزوة أحد في المسند وأصل القصة في صحيح البخاري ، قوله عليه الصلاة والسلام ( إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لَأْمته ) يعني درعه ( أن يضعها حتى يقاتل ) .
ومن الخصائص :
أنه لا يجوز في حقه أن تكون له خائنة عين ، يمكن أن يشير إنسان بعينه إلى شخص آخر على خلاف المعتاد في أمر مباح ، يمكن أن يشير بعينه ، من غير أن يكون هناك غمز أو لمز أو تنقص – كلا – وإنما هي إشارة يفهم بها الآخر ما لم يفهمه غيره ، فهذا يجوز في آحاد الأمة إذا لم يكن مترتبا عليه أمر محرم ، أما في حق النبي صلى الله عليه وسلم فلا ، جاء في سنن أبي داود ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح أهدر دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح ) كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمه ( فاختبأ عند أخيه من الرضاعة الذي هو عثمان بن عفان ، فلما هدأت الأمور ، أتى به عثمان وقال يا رسول الله : بايع عبد الله ، فجعل النبي صلى عليه وسلم ينظر إليه ولم يبايعه ، وجعل عثمان يكرر ذلك ثلاث مرات ، فلما كان بعد الثالثة بايعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل عليه الصلاة والسلام إلى أصحابه فقال : أليس منكم رجل رشيد لما رأى أني كففت عن مبايعته فيقوم فيقتله ؟ فقالوا يا رسول الله : نحن لا نعلم ما في نفسك ، هلا أومأت إلينا بعينك ، فقال عليه الصلاة والسلام : إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين ) .
ومن الخصائص :
أنه لم يتعلم الكتابة ، قال تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} لو كان كذلك { إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48 ، فلو كان يعلم الكتابة لقالت الكفار إنه تعلم الكتب السابقة من خلال تعلمه الكتابة ، فجمع هذا القرآن واختلقه من عند نفسه .
ومن الخصائص :
أن الشعر محرم وممنوع عليه عليه الصلاة والسلام{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ }يس69 ، من أجل ماذا ؟ من أجل ألا يقول قائل من هؤلاء الكفار إنه أتى بهذا القرآن لقوة تضلعه في الشعر ، ولذلك لما ارتابوا في أمره عليه الصلاة والسلام ، وقالوا إنه شاعر، قال بعضهم : نحن نعرف الشعر وأوزانه وقوافيه وبحوره ، فليس هذا بشعر ، وأما ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواقف التي يرى أنه شعر ، وهي في الحقيقة ليست بشعر ، مثل :
أنا النــبي لا كــذب أنــا ابن عبد المطلب

فهذا لقوة فصاحته عليه الصلاة والسلام ، فجرى هذا الكلام على لسانه دون أن يكون هناك قصد له ، وإنما هذا لقوة فصاحته وبلاغته عليه الصلاة والسلام ، فجرى به لسانه كما يجري لسانه بأي كلام يتكلمه .
ومن الخصائص :
أن الله عز وجل أباح له أن يوصل الصيام اليوم الأول بالثاني بالثالث ، حتى إن الصحابة رضي الله عنه كما في حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين ( أرادوا أن يتأسوا به في هذا الأمر ، فقال عليه الصلاة والسلام: إني ليست كهيئتكم ، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) فنهاهم عن الوصال .
ومن الخصائص :
أنه يباح له أن يتزوج امرأة من غير ولي و من غير شهود ، بينما آحاد الأمة لو تزوج من غير ولي أو من غير شهود ، فعلى القول الراجح أن نكاحه فاسد لا يصح ، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه الله زينب بنت جحش دون ولي ودون شهود .
لماذا يشتر ط الولي في النكاح ؟ لكي يختار الولي الكفء ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو فوق الأكفاء .
ولماذا يشترط الشهود في النكاح ؟ حتى لا يجحد الزوج أنه تزوج بهذه المرأة ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست بجحود ، وحاشاه أن يكون كذلك .

ومن الخصائص :
أنه يحق له أن يجمع أكثر من أربع نسوة ، فقد ثبت أنه توفي عليه الصلاة والسلام عن تسع نسوة ، وهذا لا يليق إلا بمقامه صلوات ربي وسلامه عليه ، بينما آحاد الناس لا يحق له أن يجمع بين أربع من النساء ، لم تزوج بهذا العدد ؟ أهو رجل شهواني كما قاله بعض القائلين – نسأل الله أن يخرس لسانه – لأن هذا كلام لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم – سبحانه الله – رجل عمره خمسة وعشرون سنة و أول نسائه خديجة التي تجاوزت الأربعين سنة ، كيف يقدم على هذه المرأة ، مع أنه في قوة الشباب ، ومع أن هذه المرأة قد تزوجت باثنين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!
إذاً لماذا أبيح له أن يجمع بين أكثر من أربع ؟
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح لأمور ، وذكر غيره أمورا أخرى ، لكن من بينها :-
1- أن يكثر من يشاهده في أحواله الباطنة حتى يشاع بين الناس أنه ليس بساحر – كما زعموا – لأنه إذا كثرت أعداد النساء عنده أفصحن عما يكون في بيته ، فينتفي عنه وصف السحر .
2- أن تتشرف قبائل العرب بمصاهرته عليه الصلاة والسلام .
3- أن زواجه بنساء القبائل المتفرقة ، ليؤلف قلوبهم للدخول في الإسلام .
4- أن تكثر عشيرته من جهة نسائه فيزداد أعوانه .
5- أن نساءه رضي الله عنهن ينقلن ما خفي على الأمة مما لا يطلع عليه الرجال وإنما يطلع عليه النساء ( في الصوت مما لا يطلع عليه إلا الرجال وإنما يطلع عليه النساء الدقيقة 10 ) .
6- أن يشاع وأن يذاع حسن خلقه عليه الصلاة والسلام الباطن ، كيف ؟ كانت تحته أم حبيبة ، وكان أبوها إذ ذاك يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت صفية تحته وقد قتل أباها وعمها وزوجها ، ومع ذلك لو كانت أخلاقه أخلاق سوء لنفرن منه ، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم مقامه عند إحداهن أفضل من مقام جميع أهلهن .
7- أن يصونهن وأن يقوم بحقوقهن ، ولكي يمسح الحزن عن بعض هؤلاء النساء اللواتي حصل لهن من الأشياء ما قد تعجز المرأة عن تحمله ، مثل من مات زوجها في الجهاد ، ومثل من تنصَّر زوجها وتركها ، إلى غير ذلك من هذه الأسباب ، فأتى عليه الصلاة والسلام بيد الحنان والعطف والرحمة لكي يمسح أحزانهن.
ومن الخصائص :
أن الله عز وجل أباح له القتال في مكة ساعة من نهار ، ولم تبح لأحد قبله ولن تباح ، ومن ثمَّ فإن أي قتال يجري في مكة في الحرم يخالف مخالفة شرعية لما سنه الله سبحانه وتعالى من أن هذه البلد لا يجوز أن يسفك فيها دم .
ومن الخصائص :
أن الله عز وجل قد عصم أقواله وأفعاله ، بل لو أخطأ في مقام الوحي لنبه على ذلك ، مثل قوله تعالى { عَبَسَ وَتَوَلَّى{1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى{2} عتاب لطيف رقيق من الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }التوبة43 ، ولذلك عصم عليه الصلاة والسلام في أقواله وفي أفعاله فيما يتعلق بالوحي { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ } صلوات ربي وسلامه عليه .
ومن الخصائص :
أن منْ استهان به أو سبه أو انتقص من قدره – كفر – قال تعالى { قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .
ومن الخصائص :
أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره ، كما جاء عند البخاري ، الكذب حرام حتى على آحاد الناس ، لكن كونه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال شيئا ولم يقله أو أنه فعل شيئا ولم يفعله ، فإن هذا من أعظم أنواع وأقسام الكذب .
ومن الخصائص :
أنه يسمع ما لا تسمعه الأمة ، ويرى ما لا تراه الأمة ، جاء عند الترمذي قوله عليه الصلاة والسلام ( إني أسمع ما لا تسمعون وأرى ما لا ترون ) ولذا في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم : هذا جبرائيل يقرئك السلام يا عائشة ، فقالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، إنك ترى يا رسول الله ما لا نرى ) وجاء في صحيح مسلم قوله عليه الصلاة والسلام ( إني لأبصر مَنْ ورائي كما أبصر مَنْ أمامي ) ولهذا قال بعض العلماء هذه خصيصة للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فإنه كما في بعض الروايات ( أنه يرى المصلين خلفه كأنه يراهم أمامه ) وهذه خصيصة لرسولنا صلى الله عليه وسلم .
ومن الخصائص :
أنه لو تطوع ، أي لو صلى صلاة نفل من غير عذر وهو قاعد ، كان أجره كاملا ، بينما أفراد الأمة لو صلى أحدنا صلاة نفل وهو قاعد من غير أن يكون هناك عذر ، فإن كان هناك عذر فأجره كامل ، لكن إن لم يكن لديه عذر وصلى صلاة نافلة وهو قاعد ، فله نصف أجر صلاة القاعد ، بينما الرسول صلى الله عليه وسلم – لا – له الأجر كامل ، حتى ولو من غير عذر، جاء في صحيح مسلم ( دخل عليه عبد الله بن عمرو بن العاص ، فرآه يصلي وهو قاعد ، فوضع عبد الله رضي الله عنه يده على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال يا رسول الله :ألم تقل إن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم ؟ ) يعني لماذا تصلي أنت هكذا ، أنت حريص على الخير أكثر منا ؟!( فقال عليه الصلاة والسلام : إني لست كأحد منكم ) .
ومن الخصائص :
جاء في الصحيحين أنه لا يورث ، فإن الأنبياء لا يورثون ، لماذا لا يورث رسولنا صلى الله عليه وسلم من قِبل ورثته ؟
قال العلماء : حتى لا يتمنى أحد من الورثة موته لكي ينال التركة ، كما قد يحصل لبعض الورثة ، فلو تمنى ذلك لهلك هذا المتمني .
وحتى لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجمع هذه الأموال حبا في هذا الدنيا من أجل ورثته ، لكي يسد هذا الباب .
وأمر آخر : لأن النبي صلى الله عليه وسلم في مقام الأمة بمقام الأب ، فإذاً يكون هذا المال الذي خلَّفه لجميع الأمة لأنه في مقام أبيهم ، ولذلك وهي الخصيصة التي تليها :
أن زوجاته رضي الله عنهن أمهات المؤمنين من حيث الاحترام والتقدير لا من حيث المحرمية ولا من حيث الإرث – كلا – فإنهن أجنبيات عن الأمة ، لكنهن في مقام الأمهات ، من باب تقديرهن وتعظيمهن ، ولذلك لا تجوز الخلوة بهن ، كما أن الله حرَّم على الأمة أن تنكح زوجاته عليه الصلاة والسلام بعد موته ، لم ؟ لأنهن زوجاته رضي الله عنهن في الدنيا وفي الآخرة { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً }الأحزاب53 ، وذلك – كما قال بعض المفسرين – لما قال بعض الصحابة ( لو مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لتزوجت بعده عائشة ) فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية .
ومن الخصائص :
أنه إذا رؤي في المنام فقد رؤي ، إذا ذكر هذا الرائي أوصافه المذكورة في كتب السير ، ولذلك في الصحيحين ( مَنْ رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ) .
ومن الخصائص :
أنه ربما يجري على لسانه قول لا يرغبه أحد السامعين له ، قد يقول لبعض الصحابة ( ثكلتك أمك ) أو ( تربت يمينك ) مثل ما قال لعائشة ، مثل هذه الألفاظ كما قال النووي رحمه الله تجري على اللسان من غير أن يقصد معناها ، كما هو معروف عند أهل اللغة وفي ذلك العصر ، معروف أن هذه الكلمات لا يقصد منها أن تتحقق معناها ، فهي تجري على اللسان من غير قصد من باب التأنيب ، ومع ذلك لو جرى هذا اللفظ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد الصحابة فإن هذا القول يكون قربة وأجرا لهذا الشخص الذي تلفظ النبي عليه الصلاة والسلام عليه بهذا اللفظ ، كما جاء في صحيح مسلم .
الخطبة الثانية
أما بعد : فيا عباد الله /
تنوقل في هذين اليومين ما ذكرته مصادر الأجواء من أن هناك أمطارا ستهطل في يومي الخميس والجمعة ، وزاد بعضهم ربما يستمر المطر إلى الأسبوع القادم ، وقد حصل ما أخبروا به ، وأخشى أن تكون هناك دسيسة من الشيطان تدخل على عقيدة المسلم ، فمعلوم أن إنزال المطر ووقت نزوله علمه عند الله سبحانه وتعالى ، ولذلك في الصحيحين ، قال عليه الصلاة والسلام ( خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله ، ثم تلا قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }لقمان34 ) مثل هذه الأخبار يجب عند الإخبار عنها أن تقيد بمشيئة الله سبحانه وتعالى ، هذا فيما يتعلق بجانب المخبرين عن هذا الأمر ، أن يربطوا ذلك بمشيئة الله ، لأنها عبارة عن حسابات معينة يخبرون بها ، وأنت تعلمون في ثنايا هذه السنة وفي السنوات الماضية أخبرونا بأنه في بعض الأسابيع ربما يكون هناك برد شديد ويأتي حر شديد ، ربما تكون هناك أمطار وتأتي أتربة وغبار ، فليتنبه لهذا الأمر ، هذه أشياء توقعية ، مثلما يرى الشخص البدائي في العلم البدائي يرى مثلا أن السحب قد تلبدت في السماء ، فيقول يتوقع أن يحصل مطر بإذن الله تعالى ، هذا أمر طبيعي .
إذاً / مثل هذه الأرصدة إنما هي توقعات نتيجة ما يرونه من جريان السحب والرياح فيخبرون عن ذلك ، فواجب على المسلم أن يتنبه لهذا الأمر ، وليعلم أن نزول الغيث لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى ، فمن شك في ذلك فقد عرَّض عقيدته للشرك بالله سبحانه وتعالى ، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان حذرا في مثل هذا المقام ، كانوا فيما سبق إذا نزل المطر يقولون ( مُطرنا بنوء كذا ) يعني بسبب أن هذا النجم قد دخل جاءنا المطر ، ولم ينسبوا ذلك إلى الله سبحانه وتعالى ، فلما صلى ( في صلح الحديبية على إثر سماء ) يعني على إثر مطر ( في صلاة الفجر وانصرف من الصلاة ، أخبر أن هناك من هو كافر بالله مؤمن بالكواكب ، فمن قال مطرنا بنوء كذا ، فهذا كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا كافر بالكواكب مؤمن بالله )
إذاً / مما يُندب إليه المسلم حال نزول المطر أن يفعل ما يلي : -
أولا : أن يقول ( مطرنا بفضل الله ورحمته ) كما جاء في الصحيحين ، حتى يعلق قلبه بالله سبحانه وتعالى .
ثانيا : أن يقول ( اللهم صيبا نافعا ) صيباً: يعني اجعله كثيرا متدفقا ، نافعا : يعني ينبت الله سبحانه وتعالى به الزرع ويدر به الضرع ، فقد تهطل أمطار كثيرة ولكن لا يجعل الله عز وجل فيها نفعا للناس .
ثالثا : أن يقول ( رحمة ) كما جاء في صحيح مسلم ( إذا نزل المطر كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : رحمة ) يعني هذا رحمة ، لأن الله عز وجل سماه رحمة ، { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ } الرحمة هنا : هي المطر { فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}الروم50 .
رابعا : أن يدعو الله سبحانه وتعالى بما يحب من خير الدنيا والآخرة ، لأن وقت نزول المطر وقت مستجاب بإذن الله تعالى ، كما جاء في الحديث الحسن .
خامسا : ثبت في صحيح مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا هطل المطر يحسر عن ثوبه ) بمعنى أنه يكشف ثوبه لكي يصيبه شيء منه هذا المطر ( فسئل عليه الصلاة والسلام ؟ فقال : إنه حديث عهد بربه ) فهذا من السنة عند نزول المطر أن يكشف الإنسان عن شيء من بدنه ليصيبه المطر ، يبقى قليلا ثم يستتر عن مياه الأمطار .
سادسا : ومن السنة الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم فيما صح عنهم (أنهم إذا سمعوا الرعد قالوا : سبحان مَنْ سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) ويؤكد ذلك ويقرره قوله تعالى في سورة الرعد { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ }الرعد13، وقد نبه بعض العلماء وإن كانت فيها آثاراً وإن كانت آثار ضعيفة أن الإنسان لا يُتبع بصره البرق ، فربما يُخطف شيء من بصره .
سابعا : إن شاء أن يذهب بعد هطول الأمطار إلى الصحراء لينظر نعمة الله وليتذكر فضل الله سبحانه وتعالى عليه ، فينظر إلى هذه الأمطار وإلى هذه السيول ، فهذا شيء حسن ، فقد ثبت في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبدو إلى هذه التلاع) ما هي هذه التلاع ؟ هي مصاب الأودية بعد هطول الأمطار ، لا بأس أن يذهب الإنسان وأن ينظر إلى نعمة الله سبحانه وتعالى وأن يدخل السرور على نفسه بنزول هذا المطر { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ{49} فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{50} لا بأس أن يذهب الإنسان ، ولكن يتقيد وينضبط بالضوابط الشرعية ، فلا يجعل هذه النعمة كفرا بالله سبحانه وتعالى وكفرا بنعمته عز وجل .
فحري بالمسلم أن يعلم هذه السنن وأن يطبقها حتى يحصل على الأجر من الله سبحانه وتعالى والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحابته رضي الله عنهم ، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا الغيث غيثا مباركا ، ونسأله سبحانه كما أغاث أرضنا أن يغيث قلوبنا بالإيمان واليقين .