إشارة الخطيب بالإصبع عند الدعاء ما لم يستسق فيرفع يديه .
عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمارة ابن رؤيبة قال : رأى ـ أي عمارة ـ بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه ، فقال : قبح الله هاتين اليدين . لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة .
وفي رواية قال : ( يوم الجمعة ) . رواه مسلم والترمذي وأحمد
وفيه لفظ : ( لعن الله )
قال النووي : [ هذا فيه أن السنة ألا يرفع اليد في الخطبة ، وهو قول مالكـ وأصحابنا وغيرهم ، وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته ، لأن النبي رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون بأن هذا الرفع كان لعارض ]
وقال العلامة ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام : [ رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة ليس بمشروعِ أيضاً ، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة . لكن يستثنى من ذلكـ الدعاء بالاستسقاء فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه يدعو الله تعالى بالغيث ، وهو في خطبة الجمعة ورفع الناس أيديهم معه . وما عدا ذلكـ فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة الجمعة ]
* * * *
استقبال الناس الخطيب بوجوههم يوم الجمعة .
قال العلامة الألباني رحمه الله : [ استقبال الخطيب من السنن المتروكة ]
وقال الإمام الترمذي : [ ما جاء من استقبال الإمام إذا خطب . والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب ، وهو قول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ]
وقال : [ ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ] .
وقد بوب البخاري كما في الفتح : [ باب يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب ، واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام ]
عن أبي سعيد الخدري قال : ( إن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يومٍ على المنبر وجلسنا حوله )
قال الحافظ : [ وقد استنبط المصنف من حديث أبي سعيد .. مقصود الترجمة .. ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالباً ، ولا يعكر على ذلكـ ما تقدم من القيام في الخطبة ، لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث ، وهو جالس على مكانٍ عالٍ ، وهم جلوس أسفل منه ، وإذا كان ذلكـ في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى ، لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها والله أعلم ] .
والملاحظ أن بعض الناس يستقبل جهة غير الإمام وقت الخطبة يميناً أو شمالاً ، وهذا يلهيهم عن متابعة الخطيب ، وتأمل الخطبة والاستفادة والاتعاظ بما يقال ، فكان في استقبالهم الخطيب عوناً لهم على تدبر ما يلقى عليهم .. والله أعلم .
* * * *
استحباب تحول الناعس يوم الجمعة من موضعه
أخرج أبو داوود والترمذي وابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلكـ ) .
والحكمة من هذا ظاهرة ، وهو حتى يطرد النعاس ، فيعي ما يقول الخطيب ، لأنه قدم لسماع ذكر الله
كما قال تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع " [ الجمعة : 9 ]
فلا يتحقق استماع الذكر وفهم ما يقول الخطيب مع نعاسه ، كما أنه قد يحدث له عند النعاس ما تنتقض به طهارته ، ثم قد يحس بذلكـ فيحتاج إلى الخروج للوضوء ، فربما ذهبت عليه الصلاة ، وقد لا يدركـ فيصلي على غير طهارة ، فلله الحمد على هذا الشرع الرحيم الشريف الزكي ، فهذا مما أبيح لصالح العبادة .
* * * *
السنن للجمعة بعد الصلاة .
يسن لمن حضر الجمعة أن يصلي بعدها إما ركعتين يركعهما في البيت ، وإما أربعاً في المسجد .
1 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً ) .
وفي لفظ : ( من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً ) أخرجه مسلم .
2 ـ عن ابن عمر أنه وصف تطوع صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلي ركعتين في بيته ) أخرجه البخاري ومسلم .
3 ـ وقد روى أبو داوود عن عطاء قال : ( كان ابن عمر إذا كان بمكة ، فصلى الجمعة ، تقدم فصلى ركعتين ، ثم تقدم فصلى أربعاً ، وإذا كان بالمدينة صلى ، ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصلِّ في المسجد ، فقيل له فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلكـ )
قال العلامة ابن القيم : [ وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله ، فصلى ركعتين سنتها ، وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعاً . قال شيخنا أبو العباس ابن تيميه : إن صلى في المسجد صلى أربعاً ، وإن صلى في بيته صلى ركعتين . قلت : وعلى هذا تدل الأحاديث ] .
* * * *
الفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها .
قال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة . حدثنا غندر عن ابن جريج قال : أخبرنا عمر بن عطاء بن أبي الخوار . أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر ، يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة . فقال : نعم . صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم الإمام قمت من مقامي فصليت . فلما دخل أرسل إليّ فقال : لا تعد لما فعلت ، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلكـ . أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ) رواه مسلم وأبو داوود .
قال الإمام الصنعاني : [ فيه مشروعية فصل النافلة عن الفريضة ، وأن لا توصل بهما ، وظاهر النهي التحريم ، وليس خاصاً بصلاة الجمعة ، لأنه استدل الراوي على تخصيصه بذكر صلاة الجمعة بحديث يعمها وغيرها ] .
قال ابن تيميه : [ والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل في الجمعة وغيرها ، كما ثبت في الصحيح عنه أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام ، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتي السنة ، فإن هذا ركوب لنهي النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا من الحكمة :
التمييز بين الفرض وغير الفرض ، كما يميز بين العبادة وغير العبادة
ولهذا استحب تعجيل الفطور وتأخير السحور ، والأكل يوم الفطر قبل الصلاة ، ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين ، فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به ، والفصل بين العبادة وغيرها ، وهكذا تتميز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها ، وأيضاً فإن كثيراً من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة ، بل ينوون الظهر ، ويظهرون أنهم سلموا ، وما سلموا ، فيصلون ظهراً ، ويظن الظآن أنهم يصلون السنة ، فإذا حصل التمييز بين الفرض والنفل كان في هذا منع لهذه البدعة ، وهذا له نظائر كثيرة والله سبحانه أعلم ] .
وقال الشيخ البسام رحمه الله في توضيح الأحكام من بلوغ المرام : [ ما يؤخذ من الحديث : كراهة وصل صلاة النافلة ـ ولو راتبة ـ بصلاة الفرض حتى يخرج فيصليها في البيت كما هو الأفضل ، أو يفصل ذلكـ بأذكار الصلاة المكتوبة ، فإن للشارع الحكيم نظراً للتمييز بين الفرض والنفل ، وبين العبادات بعضها عن بعض ] .
وليس بمشترطٍ تغيير المكان ، وإنما بما يحصل به الفصل ، فإنه لم يرد حديث صحيح في تغيير المكان كما نص عليه الإمام ابن باز في فتاويه .
* * * *
من كتاب الوصية ببعض السنن شبه المنسية
جمع وإعداد / هيفاء بنت عبد الله الرشيد .
دعـــــــواتـــــــكـــــ ـــم