جازان: عبدالله البارقي
ربما لا يتخيل البعض أن هناك مدارس في السعودية لا تزال مبنية بالحجر الذي مضى عليه سنوات، وربما لا يصدق أيضا أن المعلمين في هذه المدارس مازالوا يستخدمون طرقا بدائية في التدريس، وأنهم محرومون من التقنيات الحديثة، بل إن الثعابين والحشرات ترافقهم في فصولهم الدراسية وفقا لتأكيدات الأهالي، بالإضافة إلى أن أسقف تلك المدارس من الخشب المتآكل الذي نخره النمل الأبيض.
أما الأعجب من ذلك فهو عدم تعيين المعلمات المتزوجات أو الحوامل بهذه المدارس، وإذا ما تبين أن بينهن معلمة حاملا يتم نقلها من المدرسة على الفور. والأكثر عجبا أن المعلمات يحرصن على حمل سلاحهن معهن خلال توجهن إلى المدرسة أو العودة منها.
تلك هي الصورة التي رصدتها "الوطن" في مدارس السادة ووادي أتران في محافظة الريث التابعة لإدارة التربية والتعليم في صبيا في منطقة جازان.
طريق وعرة ومدارس متهالكة
كان وصول "الوطن" إلى قرية السادة بعد 5 ساعات من السير من مدينة جازان في سيارة ذات دفع رباعي، حيث دخلنا تلك الأودية ولم نجد من نسأله عن مدرسة وادي أتران، وأثناء مسيرنا فوجئنا بمدرسة على ضفة وادي بعد ووجدنا شابا وصف لنا تلك المدرسة التي لم توضع عليها أي لوحة أو علامة تشير إلى أنها مدرسة إلا العلم الذي لف بطريقة ملتوية على سيخ حديدي. وقد توقفنا بجوار المدرسة ولم نجد غير تيس يقف أمام بوابتها فدخلنا إلى المدرسة بعد فتح الأبواب، لنجد لوحة المدرسة ملقاة على الأرض "ابتدائية السادة للبنات". وكانت جميع الفصول مفتوحة عدا غرفة الإدارة، وكان مكتوبا بجوار لوحة الإدارة عبارة: "المتبرجة أنموذج فاسد في المجتمع".
وبدا الصدأ واضحا على باب الإدارة الذي كان مغلقا بقفل كبير. أما الفصول الأخرى فكانت مفتوحة قبل أن يباشر فيها أحد العمل مع بدء العام الدراسي الجديد. كان الوضع مخيفا في تلك المدارس، فهي على ضفة واد ولا توجد بها كهرباء وتأتيها المياه عن طريق المياه الجارية في الأودية المجاورة. ولا يمكن أن يعيش سكان هذه القرية ذات الطرق الوعرة بدون سيارات الدفع الرباعي لتلبي لهم احتياجاتهم.
وفي داخل الفصول لاحظت "الوطن" أن السبورات كانت مسندة على طاولات لأن المعلمات لم يستطعن فيما بدا تعليقها على الجدران، فقررن وضعها على الطاولات. وعند مخرج المدرسة، توجد شجرة تحتها كراسي، حيث تقضي الطالبات وقت الفسحة وبجوارهن خزان مياه الشرب الذي كان مفتوحا وممتلئا بورق شجرة وأتربة. وعلى مدى الجولة لم نر حارسا ولم نشاهد أحدا. وقد اشتهرت تلك المناطق بأنها لم تعرف المباني المدرسية الحكومية رغم قدم تأسيس المدارس بها.
5 معلمات و70 طالبة
وكشفت جولة "الوطن" في وادي السادة أن هناك 5 معلمات يقمن بالتدريس لنحو 70 طالبة أو أكثر في مدرسة السادة للبنات. وتتكبد هؤلاء المعلمات مشقة وعورة الطريق، حيث يقطعن مسافات طويلة من الصباح الباكر للوصول إلى المدرسة، ثم يعدن في أوقات الظهيرة لتزداد معاناتهن اليومية. وتبين أن المدرسة بدون كهرباء ونوافذها مفتوحة على مدار اليوم لتلطيف الأجواء داخل الفصول. وعلمت "الوطن" أن طالبات أتران والسادة يتوقف تعليمهن عند المرحلة الابتدائية، عدا الطالبات اللاتي تسمح ظروف أسرهن المادية باستكمال تعليمهن في المرحلة المتوسطة فقط.
وقد اشتري الأهالي سيارة لنقل بناتهم إلى المدرسة بسبب حرمانهن من النقل المدرسي.
وفي هذا الصدد، قال إبراهيم علي الريثي إن الأهالي قاموا بشراء سيارة لنقل بناتهم إلى مدارس الريث المتوسطة، مؤكدا أن التعليم يتوقف عند المرحلة المتوسطة فقط.
طلقات رشاش متتالية تنذر بقدوم سيل
ويطلق أهالي وادي السادة وأتران أعيرة نارية من أسلحتهم الرشاشة للتحذير من قدوم سيل أو عند حلول أي خطر، حيث يتواصل إطلاق الأعيرة النارية، ثم تختتم بطلقات متفرقة توحي بانتهاء الخطر. وتعتبر تلك صافرة إنذار وعلى الجميع حينئذ إخلاء المدارس والطرق والابتعاد عن مجرى السيل، وذلك لغياب الاتصالات عن تلك المناطق.
أوضح ذلك المواطنان جابر زقاف وعلي حسن اللذان التقت بهما "الوطن" في الوادي. وأضافا أن تلك المدارس تعاني من نقص الخدمات.
مدرسة وادي أتران آيلة للسقوط
وقطعت "الوطن" المسافة من جازان إلى مدرسة وادي أتران التي تقدر بنحو 250 كيلومترا في 8 ساعات، حيث وجدنا المدرسة التي تأسست عام 1412هـ في مبنى مشيد من الحجر، وأسقفه من الخشب الذي بدا متهالكا، بعد أن نخر فيه النمل الأبيض، الأمر الذي يثير المخاوف من سقوطها، فطلابها كتب عليهم هم ومعلموهم أن يبقوا في تلك المدارس المتهالكة بين نار الخوف من خطر سقوط الأسقف والخوف من تسلل الثعابين إلى المدرسة، بالإضافة إلى عدم وجود مكيفات داخل الفصول على عكس طلاب المدارس الحكومية الأخرى.
وعندما توقفنا عند باب المدرسة بصحبة المرافق جابر المنجدي وجدنا ورقة على باب المدرسة مكتوبا عليها رقم مدير المدرسة للاتصال أو الاستفسار عند الطوارئ. وقد دخلنا المدرسة لنشاهد جانبا من مأساة طلاب ذلك الوادي، حيث وجدنا الحكم المدرسية معلقة في أسقف هنجر حديدي على جنباته غرف الفصول الدراسية المبنية بالحجر، والتي بدا أنها تنهار من جهة الوادي مما ينذر باحتمال تعرض المدرسة للانهيار. ولاحظنا عدم وجود ملعب داخل المدرسة وافتقار المبنى لمواصفات المدارس الحديثة.
إغلاق الطريق عند الأمطار
ويصرف مدير مدرسة وادي أتران ومعلمو المدرسة قرابة 1800 ريال شهريا لنقل 6 معلمين في سيارة ذات دفع رباعي، تنقلهم من قبل صلاة الفجر إلى المدرسة، وفي حالة هطول أمطار، فإن هناك من يتطوع بإخطارهم بأن الطريق مقفل، وعليهم الرجوع. وبعد خروجنا من مدرسة البنين في وادي أتران، تحركنا قرابة كيلو ونصف لندخل إلى مدرسة البنات التي كانت أحسن حالا من مدرسة البنين من حيث المبنى، ولكن كانت عبارة "مخرج طوارئ" مكررة على أحواش المدرسة التي تأسست حديثاً، فيما وجدنا سبورات المدرسة مسندة على شباك الغرفة، تحملها طاولتان بالإضافة إلى أن كيابل الكهرباء كانت ممددة في وسط فناء المدرسة مما يشكل خطرا على الطالبات اللاتي يزيد عددهن على 50 طالبة، بالإضافة إلى أن مولد الكهرباء مجرد مجسم وضع أمام المدرسة ليكون صورة جمالية أو دافعا معنويا في أن تعمل الكهرباء في مدارس وادي أتران.
المصدر/ جريدة الوطن
---------------------------------------
ولي في ذلك مختصر مليح :
[align=right]يخسى الشعب لترقص نانسي عجرم [/align]
[align=left]سقراط[/align]