أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيها الأحبة مقالة جديدة لشيخنا أبي عبد الله حمزة النايلي (وفقه الله)، نسأل الله أن ينفعنا بها جميعا.

هل لسانك وراء قلبك؟ أم قلبك في طرف لسانك ؟!

الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لقد خلق الباري سبحانه وتعالى العبد في أحسن صورة وأعدل قامة فجعله أحسن المخلوقات هيئة ،قال تعالى:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)[التين:4]
قال ابن العربي –رحمه الله-:"ليس لله تعالى خلقٌ هو أحسن من الإنسان فإن الله خلقه حيّاً عالماً،قادراً مريداً متكلماً،سميعاً بصيراً، مدبراً حكيماً ".أحكام القرآن لابن العربي(4/415)
فتفضل جل وعلا على عبده بعد أن خلقه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومن ذلك نعمة الجوارح كالسمع و البصر و النطق وغير ذلك من الأعضاء والجوارح التي أنعم بها الباري سبحانه على الإنسان.
ومن أجل هذه الأعضاء وأكثرها تأثيرا على حياة العبد ،جارحة إذا استقامت تبعتها باقي الجوارح فاعتدلت وكان لصاحبها بذلك الخير و السعادة، وإذا مالت وفسدت انحرفت بسببها باقي الجوارح فكان لصاحبها بذلك الشر والشقاوة، فهي مع صغر حجمها سلاح ذو حدين قد تسخر في فعل الطاعات والزيادة من الخيرات فيكون صاحبها من أولياء الرحمن،فيفوز بعون المنان بالجنان، وقد تضيع في المعاصي و المنكرات فيكون صاحبها من أولياء الشيطان فيبوء بالخسران و الحرمان ألا وهي جارحة اللسان.
يقول صلى الله عليه وسلم:"من يَضْمَنْ لي ما بين لَحْيَيْهِ وما بين رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ له الْجَنَّةَ ".رواه البخاري (6109) من حديث سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- .
قال ابن بطال –رحمه الله- :"دل بهذا الحديث أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفرج،فمن وقى شرهما فقد وقى أعظم الشر".شرح صحيح البخاري لابن بطال(10/186)
أيها الأحبة الكرام إن مما يجب على كل مسلم أن يستعمل لسانه في زيادة الإيمان وذلك بطاعة الرحمن وذكر الباري سبحانه في كل الأحيان،وقراءة القرآن، وعليه أن يحفظه من العصيان ولا يطلق له العنان في الغيبة و النميمة والكذب و البهتان فيجعله من جند الشيطان فيؤدي به إلى المهالك ويجره إلى النيران فيحصد عندئذ ما نطق به اللسان،قال صلى الله عليه وسلم:"وَهَلْ يَكُبُّ الناس في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ،أو على مَنَاخِرِهِمْ،إلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ".رواه الترمذي(2616) من حديث معاذ –رضي الله عنه-،وصححه الشيخ الألباني–رحمه الله-.
قال الإمام ابن رجب –رحمه الله- :"والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرا من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد غدا الندامة،وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم،فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب عند الله عز وجل،ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ويدخل فيها شهادة الزور التي عدلت الإشراك بالله عز وجل،ويدخل فيها السحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر،كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها".جامع العلوم والحكم (ص 274)
قال الإمام أبو حاتم بن حبان-رحمه الله-:"لسان العاقل يكون وراء قلبه،فإذا أراد القول رجع إلى القلب،فإن كان له قال وإلا فلا،والجاهل قلبه في طرف لسانه،ما أتى على لسانه تكلم به،وما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".روضة العقلاء(ص49)
أيها الأفاضل إن المؤمن هو الذي لا يترك المجال للسانه بالتحدث قبل أن يفكر في الشيء الذي سيقوله، هل فيه نفع وخير له ولغيره؟ أم فيه ضر وشر !، لأنه يعلم ما يصدر منه ولو كان يسيرا سيكتب عليه وسيسأل عنه يوم القيامة ، ويعلم أن الكلمة اليسيرة قد تنفعه يوم القيامة إذا كانت في مرضاة الله تعالى فترفعه درجات ، وقد تضره إذا كانت في سخطه سبحانه فتهوي به دركات، فعن عن أبي هريرة –رضي الله عنه-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ من رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لها بَالًا يرفع الله بها دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ من سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لها بَالًا يهوى بها في جَهَنَّمَ ".رواه البخاري (6113)
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- :" إن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله، ويعني كلمة ترضي الله، قرآن، تسبيح، تكبير، تهليل، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، تعليم علم، إصلاح ذات البين، وما أشبه ذلك، يتكلم بالكلمة ترضي الله عز وجل ولا يلقي لها بالاً، يعني أنه لا يظن أنها تبلغ به ما بلغ، وإلا فهو قد درسها وعرفها وألقى لها البال، لكن لا يظن أن تبلغ ما بلغت يرفع الله له بها درجات في الجنة، وعلى ذلك رجل يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي بها بالاً يهوي بها في النار، لأنه تكلم بها ولا ظن أن تبلغ ما بلغت".شرح رياض الصالحين (6/120)
قال الإمام النووي –رحمه الله- :"اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما تظهر المصلحة فيه ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه بل هذا كثير أو غالب في العادة والسلامة لا يعدلها شيء ". الأذكار (ص 262)
فعلينا أيها الأحبة الكرام أن نؤدي شكر هذه الجارحة ونستعملها فيما ينفع ويزيد في الإيمان ،ونتعاهدها بالنصح والتوجيه لتكون لنا سببا في الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة والله هو المستعان، وأن نحذر من جعلها سببا في العصيان والطغيان وعونا للشيطان فنبوء بالخذلان وغضب الرحمن،نسأل العفو والعافية من المنان.
فالله أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يشغلنا بذكره وطاعته ويطهر ألسنتنا من الكذب والنميمة و الغيبة ومن كل ما يغضبه ويسخطه فهو سبحانه قدير وبالإجابة جدير.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبد الله حمزة النايلي