أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


عروة .. (أمّة في رجل)

عروة الليبي واسمه عبد المنعم مختار المدهوني المكنى بأبي مالك
ولد سنة 1971 م في مدينة صبراتة , نشأ نشأة إيمانية في بيت إيمان وتقوى , شبّ على حب القرآن وتعلق قلبه بمساجد الرحمن , ولما بلغ شهيدنا سنّ الرّشد كان قد عاين الظلم الذي يمارسه مسيلمة العصر على أهل ليبيا ورأى بطش مسيلمة وزبانيته بشباب الإسلام لا لشئ إلا لأنهم قالوا ربنا الله ؛ فقرر شهيدنا الهجرة والفرار بدينه , فحزم حوائجه في عام 1990 م ونفر إلى ميادين الجهاد ملبيا الداعي , متلذذا بترتيل براءة والأنفال ..
فيمّم حيث مضارب البيض وصهيل الجياد وبريق الأسنة إلى مصنع الرجال أفغانستان كانت وجهته ..

أخو همة أعلى من النجم منزلا ** فإن يرم في أمر مع النجم يسبق

هذي العزائم لا ما تدعي القضب ** هذي المكارم لا ما قالت الكتب
وهذه الهمم اللّاتي متى خطبت** تعثّرت خلفها الأشعار والخطب

لحق شهيدنا بركب فرسان الإيمان في أفغانستان وكان أحد أعضاء مجلس الشورى في الجماعة الليبية المقاتلة ؛ مكث في أفغانستان فترة من الزمن ثم رجع إلى بلده ليبيا وهدفه اغتيال القذافي وتخليص الناس من شره ومكره , وفي شجاعة وإقدام دخل البطل ومعه بعض إخوانه إلى ليبيا وكان شعارهم - لا نجوت ان نجا - وكلنا يعلم مصير من يقول لمسيلمة الكذاب - لا - ناهيك عمن يريد اغتياله دخل شهيدنا مدينة سبها وحاله :

أنا الحسام بريق الشمس في طرف** مني وشفرة سيف الهند في طرف
فلا أبالي بأشواك ولا محن ** على طريقي ولي عزمي ولي شغفي
ماض فلو كنت وحدي والدنا صرخت ** بي قف لسرت فلم أبطئ ولم أقف

فالله أسعدني بظل عقيدتي ** أفيستطيع الخلق أن يشقوني


في براك الشاطئ كان الشيخ هو المنسّق لعملية القنبلة اليدوية ( الرمّانة ) قام خلالها هو وكوكبة من إخوانه بإلقاء القنبلة على القذافي وزمرة المجرمين , إلا ان الله لم يقدر لها أن تنفجر فانسحب الإخوة من المكان والحمد لله رب العلمين ؛

ومرة أخرى وعملية متتقنة محكمة ألا وهي عملية الصورة المفخخة وهي عبارة عن صورة لهذا الطاغوت تحمل 5 كجم من المتفجرات ولم يقدر الله لها أن تنفجر أيضا وانسحب الإخوة من مكان العملية وجنود القذافي يهتفون باسمه ويسبحون بحمده وما دروا أن أسود التوحيد كانو بين أظهرهم !

سئل الشيخ مؤخرا عن الحكمة في عدم نجاح تلك المحاولات فأجاب لعلّ الحكمة هي أن لا ينسب شرف قتل هذا الطاغوت لفرد بعينه أو جماعة بعينها وإنما ليشارك جميع الليبيين في هذا الإنجاز .

بعد عدة محاولات رجع شهيدنا إلى أفغانستان

عرف الطريق فخاضها مستيقنا ** لم يلتفت أبدا لمن يتذبذب
وسعى لجنات النعيم مشمّرا ** يا نعم من لنعيمها يتأهّب
حبّ الشهادة قد تملّك قلبه** فسعى لها في كل قطر يطلب


صفاته وأخلاقه : عرف شهيدنا بالشجاعة والإقدام ورباطة الجأش , عرف بسلامة صدره ونقاء سريرته ومحبته لإخوانه كان صاحب نجدة ومروءة وهمة تفوق الثريا !

متواضع في رفعة ذو همّة ** تسمو إلى كسب العلا وتهيم

حسن الأخلاق طيب المعشر , يخبرنا أحد رفقائه على درب الجهاد أنه في أيام الغزو الصليبي على أفغانستان كان الإخوة المجاهدون في احدى القرى ثم اشتد عليهم قصف الطائرات فقرر المجاهدون الانسحاب من المكان وإخلاءه , انسحب الإخوة من المكان ولكن ما لفت نظر عروة هو أن هناك بعض العائلات كانت قد حوصرت ولم تستطع الخروج , وفي عزم وثبات قرّر هو وأحد قادة الجهاد البقاء حتى يخرجا جميع العائلات ؛ وأثناء قيامهما بهذا الموقف الذي يدلّ على طيب معدنهما إذ بقذيفة تسقط بجانبهما فسقطا على الأرض وردمهما التراب بالكامل حتى جاء الناس وأخرجاهما من تحت التراب وقدّر الله لهما النجاة ( وكان حقا علينا ننج المؤمنين ) فللّه درّه وعلى الله أجره ..

فما حاد عن درب الهداة وإنّما ** على العهد أمضى عمره لم يغيّر
أتته المنايا شاخصات فما انثنى ** وقال لها أنت المنى فتـشمّري

بعد ذلك وقع البطل في الأسر على الحدود الإيرانية , فكان ثابتا على دينه متمسكا بعقيدته وهكذا هم الرجال , وبعد سبع سنوات من الأسر تخرّج شهيدنا من مدرسة يوسف عليه السلام ولم تثنه الشدائد على متابعة مسيره في طريق العزة والجهاد .

ومن تكن العلياء همّة نفسه ** فكلّ الذي يلقاه فيا محبّب

بعد خروجه من السجن بشهرين تقريبا كان ذلك الحدث العظيم في تاريخ ليبيا , ألا وهو هذه الثورة المباركة التي قامت ضد حكم الطاغوت وزبانيته , فهبّ البطل معتجل الخطا يحدوه الشوق لنصرة إخوانه ولترتفع راية التوحيد خفاقة عالية حاله:

ولست بخالع درعي وسيفي ** إلى أن يخلع الليل النهار

دخل الشيخ إلى ليبيا وبدأ في تأسيس كتيبة عمر المختار(سرية مالك تحديدا)
التي رابطت في مدينة اجدابيا طيلة الأحداث ولم تخرج منها إلا لفتح المدن التي بعدها , وكان لها الدور الفعّال في دحر قوات القذافي من المدينة في معركة اجدابيا الثانية في يوم 9-4-2011 ، وبعدها بأسبوع تقريبا وفي يوم الجمعة 15 – 4 -2011 قرر الشيخ عروة التقدم إلى منطقة البريقة وقال لإخوانه ( اليوم نغزوهم ولا يغزونا ) تقدم نحو البريقة من ثلاثة محاور وكان معهم بعض الكتائب المدنيّة , كان الشيخ هو الذي وضع خطة التقدم إلا إنه كان على موعد مع الشهادة عند منطقة الأربعين ليزفّ إلى الحوراء مبتسما عشية ذلك اليوم إثر رصاصة غادرة اخترقت جسده الطاهر رحمه الله ..

قد كنت أسمع أن الشهب ثاقبة ** حتى رأيت شهابا وهو مثقوب

وتجندل الفارس المغوار مضرّجا بدمائه , وترجّل عن فرسه الذي لطالما غبر قدميه في سبيل الله

نال الشهادة وهي كل مراده ** فتحققت في نيلها الأحلام

ونحسبه ممن عاهد الله فوفى وصدق فيه قول الله ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) دفن شهيدنا في مقبرة الهواري ببنغازي وتشرفت بنغازي بهذا الجبل الأشم الذي استقر على ترابها وتشرفت بضمه

أيعلم بطن الأرض ما فيه من ندى ** وجود ومن في رمسه بات مودعا
فيا جدثا في طيّه فاح طيبه ** فليس الثّريا من ثراه بأرفعا

وهنا نعت الآساد أخاها, وطارت روح الشهيد إلى مبتغاها, وحق لأهل ليبيا أ ن يبكوا سيدهم الراحل ..

جرح أصاب القلب بعد رحيله ** فالنفس في نار الأسى تتقلب
جل المصاب بفقده وذهابه ** فدع العيون بدمعها تتصبب
يمضي الخيار وتنقضي آجالهم ** لكن شمس صنيعهم لا تغرب


رحمك الله يا شيخنا وتقبلك الله في الشهداء ..

وكتبه : أبو حمزة يوسف الفاخري
قبل عام تصرّمَ وانقضى..