أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


اُكْتُبْ


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

أما بعد؛ فيقول المسكين الفقير إلى الله تعالى عادل فتحي رياض:
إنني كثيرا ما تفكرت في حال علمائنا وأئمتنا ـ رحمهم الله ـ مع الكتابة والتأليف، فإن الممالك تأتي إثر الممالك ولا يتوقفون عن التصنيف والتأليف والتدريس، وفي ثنايا ذلك الفتن والبلايا والمحن، ونجدهم يكتبون! يعانون القهر والظلم، ويكتبون! تقوم الثورات والانقلابات ويكتبون، يأتيهم العدو الصليبي فتزداد التصانيف، ويهجم علي الأمة طوفان التتار فتكثر المؤلفات ولا يتوقفون عن الكتابة!
ثم انظر في العصور التالية، فستجد النوابغ في كل علم، والمصنفات الباهرة في كل فن، متون وشروح وحواش وتقارير. إن هذا لأمر عجاب، و ظاهرة تحتاج إلى دراسة متدبرة مستبصرة، يمكن أن تنطلق من قول الإمام أحمدـ رضي الله عنه ـ عن العلم: "ولولا كتابته أي شيء كنا نحن؟!"
فالقلم راعي العلم، كما قال إمامنا الشافعي ـ رضي الله عنه ـ: "اجعلوا الكتب له حماة والأقلام عليه رعاة".
ولولا الطمع في فضل الله ومعونته ورحمته لمت حسرة على حالي وحال المنتسبين إلى العلم والفهم، وذلك لأنه أمام ناظري كتاب ألفه رجل واحد، كتاب ولد كاملا. كتاب صنفه سيبويه ـ رضي الله عنه ـ لولاه ما عرفنا من العربية إلا ألفاظا مفردة وتراكيب مبهمة، ولا شممنا للنحو رائحة. وليتنا نقرؤه، وهيهات أن نفهمه. فأشكو إلى الله ضعف ملكتنا، وتشوه فكرتنا.
إنهم علموا خطورة مهمتهم، فهم جند من جنود الله، يتكلمون فيما يحسنون، ويرشدون الخلق إلى مولاهم سبحانه وتعالى، أيقنوا أن الله سيسألهم عما استرعاهم، ولم يشغلوا أنفسهم إلا بما سيسألهم الله عنه.
أقول: نحن أمة (اكتب) أيضًا.
إنهذه دعوة إلى الكتابة فيما ينفع ويصلح، هذا دعوة للتصنيف والتأليف، ولا تحقرن من المعروف شيئا. إلى أي إنسان يحسن أن يمسك بأنامله قلما ويصلح بكلماته قلبا:
ـ اكتب؛ فإن الله تعالى قال في كتابه الكريم: (فليكتب)، وقال للقلم بعدما خلقه: (اكتب).
ـ اكتب؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اكتب). وقال عليه الصلاة والسلام: (اكتبوا). وبعث عليه أفضل الصلاة والسلام مع سفرائه الرسائل المكتوبة ليبلغ دين الله ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.
ـ اكتب ما له ثمرةٌ وظلٌّ ظليل.
ـ اكتب ما يكون علامات على الطريق، (وبالنجم هم يهتدون).
ـ اكتب؛ فالكلمة النافعة لا تموت، وتصنيفُ العالم ولدُه المخلّد.
ـ اكتب؛ فلعل الناس يقولون: مر من هنا إنسان وهذا أثره.
ـ اكتب؛ فالقلم أحد اللسانين، وكم عجز اللسان عن بيان! وكم أبان القلم عن معان!
ـ اكتب فالكتاب سيد المنطوق، مع تبعية الأول للثاني.
ـ ولا تكتب ما يهدم، ولا تكتب ما يَظْلِم ويُظْلِم.
ـ ولا تكتب ما لا تعتقد. ولا تكتب ليقال: كاتب. و لا تكتب في ما لا تحسن.
ـ كلماتك مرآة أفكارك. فلا تجعل الوهم والشك من قواطع الأدلة عندك.
ـ كم هي خطيرة تلك الكلمة المكتوبة! تصح عقود البيوع بها، وكذا الأنكحة، ويقع الطلاق، وتنفذ الوصايا، وتجري الأوقاف.. والكتابة كناية.
ـ قال حاجي خليفة: واعلم أن نتائج الأفكار لا تقف عند حد، وتصرفات الأنظار لا تنتهي إلى غاية، بل لكل عالم ومتعلم منها حظ يحرزه في وقته المقدر له، وليس لأحد أن يزاحمه فيه؛ لأن العالم المعنوي واسع كالبحر الزاخر والفيض الإلهي ليس له انقطاع ولا آخر، والعلوم منح إلهية ومواهب صمدانية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما لم يدخر لكثير من المتقدمين".

كن للعلوم مصنفا أو جامعا يبقى لك الذكر الجميل مخلدا


كم من أديب ذكره بين الورى غض وقد أودى به صرف الردى

وليتق الله امرؤ سائله ربه عن كلماته.

والحمد لله رب العالمين