أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

حديثُ قيس بن عاصم التميمي أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية, قال: «فأعتق عن كل واحدة رقبة» , قال: إني صاحب إبل, قال: «فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة».

المحفوظُ أنَّه مرْسلٌ –والله أعلمُ-.

أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (3/ 397)، والطَّبري (24/ 147) من طريق ابن ثور – هو محمد الصَّنعانيُّ-، كلاهما –عبدالرزاق وابنُ ثور- عن معمر، عن قتادة , في قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} قال: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية, قال: «فأعتق عن كل واحدة رقبة» , قال: إني صاحب إبل, قال: «فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة».
هذا لفظُ عبد الرزاق، وروايةُ الطَّبري مختصرةً.
ومعْمرٌ ليس بالثبت عن قتادة، لكنه تُوبع، تابعه: شيبان – هو ابن عبد الرحمن النَّحوي-، أخرجه ابن شبَّه في «تاريخ المدينة» (2/ 532).

وأخرجه البزَّار (1/ 355)، والطَّبراني في «الكبير» (18/ 337) من طريق الحسين بن مهدي الأُبُلِّي([1])، قال: ثنا عبد الرزاق، أنا إسرائيل، ثنا سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير، يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول -وسئل عن قوله {وإذا الموءودة سئلت}- قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.
قال أبو بكر البزَّار: «وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولم يسنده أحد عن عمر إلا عبد الرزاق عن إسرائيل، على أنَّا لم نسمعه من أحدٍ عن عبدِ الرزاق إلا مِن الحسين بن مهدي، وقد خولف عبد الرزاق في إسناده عن إسرائيل». انتهى.

وقد تابعه عن عبد الرزَّاق: أبو عبد الله محمد بن حماد الطِّهراني([2]) – أخرجه ابنُ أبي حاتم – كما في تفسير ابن كثير (8/ 335). وأبو عبد الله ابن مندهْ – كما في الإصابة لابن حجر (5/ 368).
ويحيى بن موسى – أظنُّه البلخي أبو زكريا، المعروف بـ«خَتّ»-، أخرجه الثعلبي في تفسيره (10/ 139)-.
ومحمدُ بن مهدي – أخو الحسين-([3])، أخرجه البيهقيّ في «الكبرى» (8/ 202)، والثعلبيّ في تفسيره (10/ 139)-([4]).

وهؤلاء في محل الصدق والثقة –إن شاء الله-([5])، ومنهم مَن هو مِن رواة «كتاب التَّفسير» لعبد الرزاق، كـ«الطهراني»([6])، ولم أتفرغ لتحقيق زمن سماعهم من عبد الرزاق، وقد تقدم لك أنَّ الحديث مشهور بالحسين – كما هو ظاهر كلام البزَّار-([7]).

وفيه مِن العلل:
- الأولى: تفرُّد عبد الرزاق به عن إسرائيل، وليس من كبار أصحابه، ومخالفته لغيره في وصْله. قال البزَّار: «لم يسنده أحد عن عمر إلا عبد الرزاق عن إسرائيل ... وقد خولف في إسناده عن إسرائيل». ويريد –والله أعلم- أنَّه يُروى عن إسرائيل عن سماك، مرسلًا –ولم أقف على هذا الوجه بعد طول تتبُّعٍ.

- الثانية: سماع إسرائيل عن سماكٍ؛ كان بعْد الاختلاط.


وللحديث طريقٌ آخر: أخرجه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (3/ 27)، والطبراني في «الكبير» (18/ 338)، وأبو نعيم في «معرفة الصَّحابة» (4/ 2303) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني.
وابن أبي حاتم –كما تفسير ابن كثير (8/ 335) من طريق عبد الله بن رجاء.
والبيهقي في «الكبرى» (8/ 202) من طريق أبي نعيم – هو الفضل بن دُكين-.
وابن قانع في «معجم الصَّحابة» (2/ 348) من طريق عَبَّاد([8]) بن زياد - هو الأسَديُّ، الكُوفيُّ-.
أربعتهم: عن قيس بن الرَّبيع، عن الأغر بن الصبَّاح، عن خليفة بن حُصين؛ أنَّ قيس بن عاصم، قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني وأدت في الجاهلية اثنتي عشرة بنتا، أو ثلاثة عشر بنتًا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعتق عن كل واحدة منهن نسمة».
هذا أحد ألفاظه، وله ألفاظٌ متقاربةٌ.
قيس بن الرَّبيع: فيه لينٌ.
وخليفة: قد جعله ابن حجر في «تقريبه» من الطَّبقة الثالثة – وهي الطبقة الوسطى من التَّابعين-، فيشبهُ ألَّا يكون سمع من جده – قيس بن عاصم-([9]).

وقد روى غيرُ واحدٍ –منهم بعض مَن تقدَّم- عن قيس بهذا السَّند –أيضًا- حديثًا آخر: أخرجه الطبرانيُّ في معجميه «الكبير» (18/ 338) و«الأوسط» (7/ 122)، والبيهقيُّ في «دلائل النبوة» (5/ 317) من طُرقٍ عن قيْسِ بنِ الرَّبيع -بهذا السَّند-: حديثَ إسلام قيس بن عاصم –رضي الله عنه-، وأمْر النَّبي له بالاغتسال بماءٍ وسدرٍ.
وهو حديثٌ محفوظٌ عن الأغر بن الصبَّاح؛ رواه عنه الثوري([10])، واشْتهر عنه.
وقيسٌ – على ما هو عليه- قد وصف بسعة الرواية، فربما احْتُمل منه حَمْلُه المتنين بهذا السند، وربما كان هذا من اضْطرابه، وكان المحفوظ بهذا السَّند الحديثُ الأخير – الذي رواه الثَّوريُّ عن الأغرِّ-.
والله تعالى أعلم.

_______________
([1]) بضم الهمزة والباء المعجمة بواحدة، وتشديد اللام. انظر: الإكمال لابن ماكولا (1/ 130).
([2]) وقع في تفسير ابن كثير: «الظهراني» بالمعجمة، وهو تصحيف.
([3]) ترجمتُه في الثقات لابن حبان (9/ 99).
([4]) وذكر السيوطي -الدر المنثور (8/ 431)- أنَّ الحاكم –أبا أحمد- رواه في «الكنى» من مسند عمر. ولم أقف عليه في المطبوع منه –والله أعلم-.
([5]) وقد وصف الطهراني بالتدليس. انظر: طبقات المدلسين لابن حجر (ص: 36)، والمحلى لابن حزْمٍ (1/ 206)، وميزان الاعتدال (3/ 527).
([6]) المنتخب من معجم شيوخ السمعاني (ص: 1217)، التحبير في المعجم الكبير (1/ 556)، فهرسة ابن خير الإشبيلي (ص: 49)، المعجم المفهرس لابن حجر (ص: 108). والمطبوع من «تفسير عبد الرزاق» إنما هو من رواية سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق – والله أعلم-، وقد جاء في مواضع من أوائل مطبوعة مكتبة الرشد: «الحسن بن يحيى عن عبد الرزاق» فليحرَّر..
([7]) كنت ذكرت هنا قبلُ: (والتحقُّق من ثبوت هذا الوجه عن عبد الرزاق مفتقرٌ إلى طول نظر، فإنَّ الحديث عنده كما تقدَّم في تفسيره: عن معمر عن قتادة، به، مرسلًا.
وهذا السَّندُ –أعني إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب-؛ إنما أخرج به عبد الرزاق الحديث الذي يسبق هذا الحديث في «تفسيره».
فإنه –رحمه الله- قال في «تفسيره»: «عن إسرائيل, عن سماك بن حرب, قال: سمعت النعمان بن بشير, يقول: سمعت عمر بن الخطاب, يقول في قوله تعالى: {وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7] قال: «الصالح مع الصالح , والفاجر مع الفاجر» ثم قال عبد الرزاق: «عن معمر , عن قتادة, في قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت} قال: جاء قيس بن عاصم التميمي» وذكره.
وهذا السند –إسرائيل، عن سماك، به- قليل الوجود في كتب الحديث والتفسير، ومشهورٌ به: تفسير عمرَ –رضي الله عنه- لـ{وإذا النفوس زوجت}، فربما انتقل نظر بعض الرواة عن عبد الرزَّاق أو مَن دونهم، فروى بالسند الأول متن السند الثَّاني، ولهذا نظائر، غير أني لا أجرؤ على الجزم بشيء في هذا، مع توافر هؤلاء على هذا الوجه عن عبد الرزاق –والله المستعان). ثم حذفته لما عرضته على بعض المشايخ العارفين بالفن، وبيّن لي بعد هذا الاحتمال. ومع ذلك لم يزل في نفسي منه شيء، ولعل هذا لأن الإنسان إذا سبق إلى معنًى ووقع في نفسه حسْنُه عسر عليه أن ينفك عنه ولو بانت له الحجة. وقد أشار إلى شيء من ذلك المعلمي قال في (تنكيله: 2/197-198): (وبالجملة؛ فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جربت نفسي أنني أنظر في القضية زاعما أنه لا هوى لي، يلوح لي فيها معنى، فأقرره تقريرا يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذاك المعنى، فأجدني أتبرم بذلك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه وغضِّ النظر عن مناقشة ذاك الجواب، وإنما هذا لأني لمَّا قررت ذاك المعنى أولا تقريرا أعجبني صِرْت أهوى صحته. هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحدٌ من الناس، فكيفَ إذا كنتُ قد أذعْتُه فِي النَّاس، ثم لاح لي الخدش؟! فكيف لو لم يلح لي الخدشُ، لكنَّ رجلا آخر اعترض علي به؟! فكيف لو كان المعترض ممِّن أكرهه ؟!).

([8]) والمشهور في اسمه: «عَبَادة» بفتح أوله.
([9]) وقد جزم بهذا أبو الحسن بنُ القطان الفاسي، إذ قال فيه: «حديثه عن جده –وهو قيس بن عاصم- مرسلٌ، وإنما يروي عن أبيه عن جده» انتهى. وتعقبه ابن حجر بقوله: «وليس كما قال؛ فقد جزم ابن أبي حاتم بأنَّ زيادة من رواه عن أبيه وهم». انتهى كلامه. وفي كلام الحافظ – رحمه الله - نظرٌ من وجهين:
الأولى: أنَّ الذي جزم إنما هو أبو حاتم، لا: ابنه.
الثانية: أنَّ غاية ما في كلام أبي حاتم –رحمه الله- تصويبُ رواية مَن أسقط أباه، وأنَّه المحفوظ عن الثوري، وذلك لا يقتضي كونها متصلةً –واللهُ أعلم-.
([10]) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.