أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم  - قرأن كريم
الصحوة الإسلامية ووسطية الإسلامج1
 ان   الصحوة  الإسلامية  العالمية  المعاصرة حركت العالم المتمدن وغير المتمدن  ، وهزت البشرية هزا عميقا ،  فاستبشر بها خيرا من يحمل بين جوانحه نزوعا  روحيا الى الاعلى ومن في قلبه  ذرة من ايمان باله الارض والسماء ، وازداد  بها حقنا وسوءا من ألف التمرد  على الله وعلى العفة والخلق والقيم  الايمانية ، فهي غصة في حلوقهم ، أما أن  تودي بحياتهم فيبوأوا بالخسران  المبين ، واما ان يؤوبوا الى رشدهم فيفوزوا  اليوم وغدا .
انها   صحوة ايمانية أعادت للرجل صورته الحقيقية ، رجلا ذا عزة وغيرة ، وعلو همة ،   وباعثة فيه من جديد الصورة الحية للرجل المسلم بعد أن مسختها الحضارة   المادية اللا ايمانية ، كما بعثت في المرأة صورة المسلمة العفيفة المحصنة   بالايمان ، فأحيت فيها أنوثتها ، وأعادت لها اعتبارها ، امرأة مسلمة ذات   عفة وكرامة وعزة نفس ، تغار على أنوثتها أن تمسخ وعلى شرفها أن يسلب منها   وعلى دينها أن يكون غرضا يرمى بكل نقيصة ، فاستعلت بايمانها على كل مظهر   مشين ، ورفضت باصرار كل شعار يرفع باسمها بدعوى الدفاع عنها ، فوقفت صامدة   تجسد نموذج المرأة المسلمة ، معيدة الى الاذهان صورتها الحية ، قائلة   للمخدوعين والمخدوعات ببريق الحضارة المادية ها أنذي عدت كما كنت ، وهي   بصورتها الجديدة تتحدى أقزام الفكر  الملوث الذين يريدون أن يجعلوا منها   سلعة رخيصة تباع وتشترى ...
انها   صحوة ايمانية أيقظت همما متقاعسة ، وأحيت أفئدة غافلة ، وفتحت قلوبا غلفا ،   وآذانا صما ، وحركت مشاعر خاملة وهذبت عواطف متخنثة متفسخة تبدو أثرا   سلبيا للحضارة المادية الجوفاء المفرغة من كل أثر روحي يربط الارض بالسماء ،   فنهض كل من كان يتوق الى ضوء النهار ، أو الى نور يبدد الظلام ، بما فيه   من استعداد لتلقي صوت الحق الذي يجوب اقطار الدنيا عبر أثير الايمان ...  لا  ترده أسداد متنت ، ولا تصده صيحات الانكار مهما تعالت ، ولا تعوقه  عوائق  وان تنوعت ، يحركه الايمان ، الايمان الذي يحول الانسان من جثة  هامدة الى  رجل صالح بناء ، يجتهد في عمل الخير وخير العمل ...
هذه   الصحوة جعلت العاقل يعرف ذاته ، والغاية من وجوده يدرك أنه انسان وأجده   الله في الارض لعمارتها بالخير والاصلاح ، لذا كان ممنونا عليه من خالقه   الذي هداه للايمان ، مفروضا عليه أن يالهه وحده ، فيوحده ويذعن اليه ظاهرا   وباطنا ، ويطيعه أمرا ونهيا ، سرا وعلنا ، ويخاف بطشه ومكره ، فيحذر أن   يراه حيث نهاه ، أو يفتقده حيث أمره .
ولقد   كان من سمات الحضارة العصرية المعاشة قيامها على مذاهب وفلسفات وضعية   النزعات والمشارب ، تتسم بطابع المثالية المفرطة أحيانا ، والمادية العمياء   أحيانا أخري ومن هنا يظهر الفكر الإنساني العفن ، ذو الخلفيات الرجعية   التي تعود به الى ما قبل التاريخ ، وكأن تطور سنن الحياة لم يطور فيه   احساسه ، وينم فيه شعوره ، ليرقى به الى مستوى الانسانية الرفيع ، الذي   يفرض عليه أن يمازج بين المادة والروح باعتبارهما العنصرين الاصليين اللذين   شاءت القدرة الالهية أن تنشئ منهما انسانا سويا عاقلا مفكرا مدركا يعي   نفسه ومن حوله .
وجاءت   الصحوة الإسلامية مؤكدة وسطية الإسلام في كل شئ ، في العقيدة والفكر   والتصور ، وفي الشريعة والعبادة والسياسة ، وفي كل الممارسات :  (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )  .
لقد  كان  الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا عمليا في تطبيق وسطية الإسلام ، فهو  في  ذلك خير مثال ، وكان حريصا على أن يربي عليها الجيل الذي تشرف بصحبته ،   وما كان يغفل أبدا عن نماذج شاذة أو مغالية تخرج عن القاعدة العامة   المتبعة في التربية والبناء ، اذ هو الامين على أمته ووحي ربه ، فما من   اعوجاج لاح في أفق الصحابة ـ وهم معه في مدرسة تلقي الإسلام نظريا وعمليا ـ   ألا وأسرع لعلاجه ـ حتى لا يكتسي صبغة المشروعية عن طريق الاقرار ، أن في   السلوك والمعاملة أو في الاعتقاد و التصور ، أو في القول أو في العبادة  ...
لهذا فالواجب على شباب الصحوة الإسلامية ادراك وسطية الاسلام هذه ، والتزامها في أمورهم كلها ، مراعين الشرع وموازينه ، ومن ذلك :
.      الرفق في السير الى الله ، فلا تحمل نفسك ما لا تطيق ، فانه " لا يشاد هذا الدين أحد الا غلبه ، فلا مغالاة ولكن قصد وسنة .
.الرفق   في تربية من تعولهم من أهل بيتك ، لا تشدد عليهم ، ولا تطلق لهم الحبل  على  الغارب ، بل هي تربية في شفقة ورفق وتجاوز عن الاخطاء ، دون أن تلزمهم  ما  لم يلزمهم به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأعطهم القدوة في  ايثار  رضي الله والسعي نحو المعالي في الامور كلها .
.الرفق في أسلوب الدعوة ، لا تجنح الى الشدة والعنف ولا الى التراخي واللامبالاة .
.الاعتدال في النظرة الى الاخرين وعدم الاسراع الى سوء الظن والاتهامات المجانية بل هو احسان الظن والرحمة بالناس .
.الموضوعية في تقدير الامور والحكم عليها ـ والتزام الصدق فتقوله ولو على نفسك .
 بقلم الشيخ : القاضي برهون
الفرقان / العدد الثاني -1984م ، ص  23,24
 
 حمل المقال بصيغة pdf