أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
- المقدمة -
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " .
- أخي المسلم الكريم – يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت ، ويقول الله تعالى : {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران ، ويقول الله تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف . وثبت عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ». رواه مسلم . فعملاً بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية كتبت هذه الخطب المنبرية من الكتاب والسنة النبوية ، لعلي أفوز برضا الله تعالى في الدعوة إليه سبحانه ، وأسميتها (( النجوم الساطعة في الخطب الجامعة )) فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعني بها وإخواني المسلمين في الحياة والممات إنه على كل شيء قدير ، والحمد لله رب العالمين .
كتبـه : أبو سعـد المخـلافي – قرية المسالق – دبع الخارج – تعز – اليمن .

(( الخطبة (1) في فضل العلم والعلماء ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون . عباد الله .
- يقول الله تعالى في كتابه الكريم :{........ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (11) سورة المجادلة . هذا بيان من رب العالمين بين فيه سبحانه وتعالى بأنه يرفع أهل العلم والإيمان ، يرفعهم درجات عنده ، وإذا رفعك الله تعالى أخي المسلم الكريم من الذي سيستطيع أن يسقطك . فلله تعالى الحمد والمنة ، فاقبل اقبل على علم القرآن والسنة ، يكرمك الله تعالى في الدنيا والآخرة .
- ويقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (6) سورة سبأ . فانظر أخي المسلم الكريم كيف اعتبر رب العالمين رؤية أهل العلم ، ولم يعتبر رؤية غيرهم ، وما هذا إلا لعلو مرتبتهم عند ربهم سبحانه وتعالى .
ويقول الله جل وعلا : {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (18) سورة آل عمران .
فانظر أيضاً يا عبد الله كيف قرن الله سبحانه وتعالى شهادة أهل العلم مع شهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود ، ألا وهو توحيد الله جل وعلا ، وما هذا إلا لمقامهم الرفيع عنده سبحانه وتعالى . فهنيئاً لهؤلاء الناس ثم هنيئا .
- ويقول الله تعالى عن طالوت ، وكيف رفعه الله تعالى بسبب ما آتاه الله ، من البسطة في العلم والجسم : {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247) سورة البقرة . فتدبر قوله تعالى (وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ) .
- ويقول الله سبحانه وتعالى :{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (56) سورة الروم . حتى في يوم القيامة أخي الكريم يتكلم أهل العلم بالعلم والإيمان ، فيا الله ما أعظمهم ، ويا الله ما أعظمهم من أناس . وقال تعالى :{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ} (27) سورة النحل . نعم يا عباد الله هكذا يتكلم أهل العلم يوم القيامة بالعلم والإيمان .
- أيها المسلمون . عباد الله . إن صاحب العلم والإيمان هو أحق الناس بالرجوع إليه في المهمات والملمات والأمور الشرعيات لقول الله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام :{يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} (43) سورة مريم . ويقول سبحانه : {... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل . وقال تعالى : {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء .
- أيها الناس إن أهل العلم والإيمان يعرفون الفتنة وهي مقبلة ، ولا يعرفها الجهال إلا إذا لطمتهم وأدبرت . يقول الله تعالى : {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ(81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(82)} (79-82) سورة القصص . فانظر يا عبد الله كيف كان موقف أهل العلم في هذه الفتنة ، وماذا كان موقف الجهال ، وكيف كانت العاقبة ، عاقبة قارون المجرم الذي تمنى الجهال حاله ، يتبين لك فضل أهل العلم في كل زمان ومكان .
- عباد الله إن أهل العلم هم أحق الناس بخشية الله تعالى . يقول الله تعالى :{........ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر .
- إخواني في الله . اعلموا علمني الله وإياكم أنه إذا أراد الله تعالى بعبده خيراً فقهه في الدين لما جاء عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ......) متفق عليه .
- أخي المسلم الكريم إن الناس إذا فقدوا العلماء أو أعرضوا عنهم ، ولم يبالوا بهم ولا بعلمهم ضلَّوا وأضلوا فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ». متفق عليه .
- أيها الناس . عباد الله . اسمعوا إلى هذا الحديث العظيم الذي فيه العديد من الفضائل لأهل العلم - أكرمهم الله تعالى ورفع من شأنهم _ ثبت عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ أنه قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى الدَّرْدَاءِ فِى مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّى جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَدِيثٍ بَلَغَنِى أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ. {وفي رواية فقال : ما أقدمك أي أخي ؟ قال : حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أما قدمت لتجارة . قال : لا . قال : أما قدمت لحاجة . قال : لا . قال : ما قدمت إلا في طلب هذا الحديث . قال : نعم .} قَالَ : فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِى الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِى جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ». رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، وصححه الألباني .
- وقد صح عن زر بن حبيش رحمه الله تعالى قال : قال : أتيت صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه أسأله المسح على الخفين فقال ما جاء بك يا زر ؟ فقلت ابتغاء العلم فقال إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب ...... رواه الترمذي ، وحسنه الألباني .
- وثبت أيضاً عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
- أيها الناس . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس . انظروا إلى الفرق الكبير بين العالم و العابد الجاهل ، وكيف ينجوا الناس بسبب فتوى عالم فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِى صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ».
- إخواني في الله . صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا . رواه البخاري .
- وصح عنه أيضاً رضي الله عنه أنه قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فقال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم . قال فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني فقال ما تقولون في { إذا جاء نصر الله والفتح . ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا } حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندري أو لم يقل بعضهم شيئا فقال لي يا ابن عباس أكذلك قولك ؟ قلت لا قال فما تقول ؟ قلت هو أجل رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلمه الله له { إذا جاء نصر الله والفتح } فتح مكة فذاك علامة أجلك { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } . قال عمر ما أعلم منها إلا ما تعلم .
- نعم إخواني في الله إن عمر رضي الله تعالى عنه كان يقرب أهل العلم ويستشيرهم ، وذلك لعلمه رضي الله عنه بفضلهم العظيم ورأيهم السديد .
- فيا أيها الناس . العلم العلم فوالله أن في نعش العلم ثبات الدنيا والدين كما قال ذلك الإمام الزهري رحمه الله تعالى . فالله الله في الإقبال على تعلم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بذلك ( على فهم النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ) . أقول ما سمعتم والحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة .

((الخطبة (2) في العمل بالعلم ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون . عباد الله .
- إن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل ، ومن عَلِم فليعمل ، وإلا كان متشبهاً بأعداء الله تعالى الذين غضب الله تعالى عليهم ، كاليهود وغيرهم ممن لم يعمل بعلمه يقول الله تعالى عن اليهود : {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة . فانظر أخي الكريم كيف أخبر الله تعالى عن الذين لم يعملوا بكتابه العظيم ( التوراة ) التي أنزلت على نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ، وأن مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً ، أي كمثل الحمار إذا كان يحمل كتبا لا ينتفع بما فيها وإنما عليه حملها فقط .
- نعم إخواني في الله إن اليهود والنصارى يعرفون الحق تمام المعرفة ، حتى أنهم يعرفون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كما يعرفون أبنائهم ، وأنه رسول من رب العالمين ، فهل عملوا بعلمهم واتبعوا النبي – صلى الله عليه وسلم - الذي يجدونه مكتوبا عندهم أم تركوا العمل بالحق واتبعوا ما تتلوا الشياطين ، نعم . بل تركوا الحق واتبعوا ما تتلوا الشياطين . قال الله تعالى :{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102) } (101-102) سورة البقرة . فانظر ياعبدالله إلى هؤلاء الحمقى كيف اتبعوا الشياطين ، وتركوا الحق المبين مع العلم به .
- ويقول الله تعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (146) سورة البقرة .
- ويقول تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (109) سورة البقرة .
- أيها المسلمون إن اليهود بلغ بهم الإجرام في عدم العمل بعلمهم أن حاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم بنبوته كما ذكرنا آنفاً . فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود ) . فجمعوا له فقال ( إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه ) . فقالوا نعم قال لهم النبي صلى الله عليه و سلم ( من أبوكم ) . قالوا فلان فقال ( كذبتم بل أبوكم فلان ) . قالوا صدقت قال ( فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألت عنه ) . فقالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم ( من أهل النار ؟ ) . قالوا نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( اخسؤوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا ) . ثم قال ( هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ) . فقالوا نعم يا أبا القاسم قال ( هل جعلتم في هذه الشاة سما ) . قالوا نعم قال ( ما حملكم على ذلك ) . قالوا أردنا إن كنت كاذبا نستريح وإن كنت نبيا لم يضرك . رواه البخاري .
- أيها الناس إن العبد مهما بلغ في العلم ، ولم يعمل بعلمه يهلك ويسقط قال الله تعالى :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} (175-167) سورة الأعراف . فهذا عبدٌ آتاه الله تعالى آياته ، فلم يعمل بها ، فانظر إلى أين سقط واسمع إلى ما قال الله تعالى فيه : ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ) .
- إن العبد إذا أمر بالبر والخير فليكن ممن يصدق قوله فعله يقول الله تعالى : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (44) سورة البقرة .
- ويقول تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3)} (2-3) سورة الصف . والمقت هو أشد الغضب .
- وعن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ». متفق عليه . فانظر أخي المسلم الكريم إلى حال هذا الرجل الذي كان يأمر الناس بالمعروف وينهاهم عن المنكر ولم يعمل بعلمه كيف هلك . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس صح عن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ ». رواه مسلم . انتبه أخي المسلم لقوله - صلى الله عليه وسلم – (وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ ) فهذا العبد الذي هلك ، كان سبب هلاكه عدم عمله بعلمه ، فإن في علم القرآن والسنة تحريم الرياء والتحذير منه فلم ينفعه علمه عندما ترك العمل به ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من علم لا ينفع كما جاء ذلك عنه من حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». رواه مسلم .
- أيها الناس إن العمل بالعلم من أسباب حصول الخير والثبات عليه . يقول الله تعالى :
{.......... وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (66) سورة النساء . ومن أسباب حصول الحياة الطيبة كما قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال . وكما قال سبحانه : {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97) سورة النحل .
- أيها الناس إن القرآن حجة للعبد أو حجة عليه كما جاء عَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ..... وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رواه مسلم . حجة لك إذا عملت به ، وحجة عليك إذا لم تعمل به .
- وكذلك هو رفعة لمن عمل به ، وغير ذلك لمن لم يعمل به كما جاء عن نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ أنه لَقِىَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ فَقَالَ مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِى فَقَالَ ابْنَ أَبْزَى. قَالَ وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى قَالَ مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى قَالَ إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَالَ « إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ ». رواه مسلم . أقول ما سمعتم والحمد لله رب العالمين .






((الخطبة (3) في التوحيد وخطر الشرك))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون . عباد الله .
- يقول الله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (56) سورة الذاريات .هذه هي الغاية من خلق الجن والإنس عبادة الله وحده لا شريك له ، وهي الغاية العظيمة التي أنزلت من أجلها الكتب وأرسلت من أجلها الرسل . قال الله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل . وقال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء . (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ )) أي لا معبود يستحق العبادة إلا أنا فاعبدون .
- أيها الناس - ما من نبي إلا وكان يدعو قومه إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له . قال الله تعالى عن نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (59) سورة الأعراف . ويقول الله تعالى عن نبي الله هود عليه الصلاة والسلام : {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } (65) سورة الأعراف . ((مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) أي مالكم من معبود غيره يستحق العبادة . ويقول الله تعالى عن نبي الله صالح عليه الصلاة والسلام : {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ......} (73) سورة الأعراف . ويقول الله تعالى عن نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام : {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ........} (85) سورة الأعراف .
- نعم أيها المسلمون – عباد الله – هذه هي دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم عليهم الصلاة والسلام ، عبادة الله تعالى وحده لا شريك له . يقول سبحانه : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل .
- إخواني في الله يقول الله تعالى : {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} (51) سورة النحل . هذا نهي من رب العلمين من أن نتخذ آلهة أخرى مع الله تعالى ، بل هو معبود واحد الذي يستحق العبادة وهو رب العالمين سبحانه .
- أيها الناس – يقول الله تعالى : {....... إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (72) سورة المائدة . فالذي يعبد غير الله تعالى حرام عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ، إذاً فالشرك بالله تعالى من أخطر الذنوب على العبد والعياذ بالله تعالى منه .
-والشرك أيضاً هو من أظلم الظلم كما قال الله تعالى عن العبد الصالح لقمان عليه الصلاة والسلام وهو يعظ ابنه : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (13) سورة لقمان .
- الشرك بالله تعالى من أسباب سقوط العمل وعدم قبوله . قال الله تعالى : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66)} (65-66) سورة الزمر . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». رواه مسلم . أقول ما سمعتم والحمد لله .
(( الخطبة الثانية ))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس – إن الله تعالى يغفر جميع الذنوب لمن أراد سبحانه أن يغفر له إلا الشرك بالله تعالى فلا يغفره الله سبحانه وتعالى –. قال تعالى : {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء . ومن تاب تاب الله تعالى عليه .قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (70) سورة الفرقان .
- فاحذر يا عبد الله أن تصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى من دعاء أو نذر أو ذبح أو غير ذلك من أنواع العبادات .
- يقول الله تعالى : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر . وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ (قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ». رواه الإمام أحمد في المسند ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، وصححه الألباني . فالدعاء عبادة لا يجوز أن تصرف إلا لله تعالى وحده .
- وقال تعالى : {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) سورة الكوثر . فكما تصلي لله تعالى وحده إنحر لله تعالى وحده . يقول الله تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (136)} (162-163) سورة الأنعام ((وَنُسُكِي )) أي ذبيحتي . وفي صحيح مسلم عن عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ رضي الله عنه قال : َّحدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأربع كلمات « لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ ».
- أيها الناس – اعلموا علمني الله وإياكم أن من لقي الله تعالى موحداً له ، لا يشرك به شيئاً أن مآله الجنة كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ ( من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ) . رواه البخاري .
- واعلموا أيضاً – يا عباد الله – أنه من لقي الله تعالى يشرك به شيئاً دخل النار كما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من مات يشرك بالله شيئا دخل النار ) .
- فالله الله إخواني في الله في الإقبال على تعلم دين الله تعالى والعمل به ، فإن في ذلك الفوز العظيم في الدنيا والآخرة . أقول ما سمعتم والحمد لله رب العالمين وأقم الصلاة .
(( الخطبة (4) في الإخلاص وخطر الرياء ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
أ****- أيها المسلمون . عباد الله .
- يقول الله تعالى :{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة . قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى : ما أمروا في سائر الشرائع إلا أن يعبدوا { اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي: قاصدين بجميع عباداتهم الظاهرة والباطنة وجه الله، وطلب الزلفى لديه، { حُنَفَاءَ } أي: معرضين [مائلين] عن سائر الأديان المخالفة لدين التوحيد. وخص الصلاة والزكاة [بالذكر] مع أنهما داخلان في قوله { لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ } لفضلهما وشرفهما، وكونهما العبادتين اللتين من قام بهما قام بجميع شرائع الدين.
{ وَذَلِكَ } أي التوحيد والإخلاص في الدين، هو { دِينُ الْقَيِّمَةِ } أي: الدين المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، وما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم .
أيها الناس إن الله تعالى يقول في كتابه الكريم :{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (14) سورة غافر . ويقول سبحانه :{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ..........} (3) سورة الزمر . فالدين عند الله تعالى ما كان خالصاً لله تعالى ، صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عباد الله – إن الرياء وعدم الإخلاص سبب عظيم من أسباب عدم قبول العمل ورده كما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِى غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ».
وسبب عظيم من أسباب الخزي في الدنيا والآخرة كما جاء عن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ ».
وهو سبب عظيم أيضاً من أسباب دخول النار وغضب الجبار جل وعلا والعياذ بالله تعالى كما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ ». رواه مسلم . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس – إن الرياء وعدم الصدق وعدم الإخلاص صفة كبيرة من صفات المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار . قال الله تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142) سورة النساء . وقال تعالى : {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } .
- عباد الله – إن المنافقين في قلوبهم أمراض الشك والريبة والرياء والنفاق كما قال الله تعالى عنهم : {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)} (8-10) سورة البقرة .
- إخواني في الله – إن الصدق مع الله تعالى فيه الخير العظيم في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} (21) سورة محمد .
- وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نكون مع الصادقين فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة .
- أيها الناس إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذو الوجهين كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ... وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجه ) . متفق عليه . أصحاب رياء ونفاق ، أصحاب عدة وجوه كما قال الله تعالى عنهم : {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} (14) سورة البقرة . قال الله تعالى : {اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ(16)} (15-16) سورة البقرة .
- فالله الله عباد الله في الصدق مع الله والإخلاص له سبحانه فإن في ذلك عز الدنيا والآخرة أقول ما سمعتم . وأقم الصلاة
(( الخطبة (5) في الدعوة إلى الله تعالى ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون - عباد الله – إن الدعوة إلى الله تعالى من أفضل القربات عند الله جل وعلا . يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (33) سورة فصلت . ثبت عن الحسن البصري ( كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير عند تفسير هذه الآية ) : أنه تلا هذه الآية: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خِيَرَة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.
- أيها المؤمنون لقد حظ الله تعالى عباده المؤمنين بأن يجعلوا منهم أمة تحتسب في هذا الأمر العظيم ، أعني أمر الدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قال الله تعالى :{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104) سورة آل عمران . وفي هذه الآية الكريمة بيان من الله تعالى بأن من أسباب الفلاح - والفلاح هو : الفوز بخيري الدنيا والآخرة - الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- أيها الناس إن الدعوة إلى الله تعالى وظيفة الرسل ومن تبعهم بإحسان يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}(46) سورة الأحزاب . (( وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا )) . ويقول سبحانه :{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف . وقال سبحانه وتعالى عن مؤمن آل فرعون ودعوته قومه إلى الله تعالى وبيانه لهم أنه في دعوته لهم إلى الله تعالى يدعوهم إلى النجاة من الهلاك في الدنيا والآخرة :{وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ(42)} (41-42) سورة غافر .
وقال تعالى :{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ(21)} (20-21) سورة يــس .
إخواني في الله - إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى علم وبصيرة كما قال الله تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (108) سورة يوسف . والداعي إلى الله تعالى يجب عليه أن يصدق قوله فعله وإلا كان كمن قال الله تعالى فيهم : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (44) سورة البقرة . وقد أخبر الله تعالى أن من أسباب غضب الله تعالى القول بغير فعل . قال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ(3) } (2-3) سورة الصف . وقد جاء عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ ». متفق عليه .
- أيها الناس - يقول الله تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة . ففي هذه الآية الكريمة بيان من رب العالمين في أسباب رحمة الله تعالى لعباده وأن منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
- إخواني في الله - إن الدعوة إلى الله تعالى هي دعوة الله جل وعلا من استجاب لها نفعه الله تعالى وأحيا قلبه ، ومن أعرض عنها أهلك نفسه قال الله تعالى : {وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ} (44) سورة إبراهيم . وقال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال .
- نعم إخواني في الله – إن الله تعالى من رحمته ولطفه دعانا إلى الجنة ، وحذرنا من غضبه وناره . قال الله تعالى : {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (221) سورة البقرة . وقال تعالى : {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (25) سورة يونس . وقال تعالى : {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} (14) سورة الليل . وقال تعالى : {...... وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ} (30) سورة آل عمران .
- أيها الناس - يجب على الداعي إلى الله تعالى أن يهتم في دعوته بتوحيد الله تعالى والنهي عن الشرك ثم الأهم فالأهم كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما بعث النبي صلى الله عليه و سلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال له : ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس ) متفق عليه .
- إخواني في الله إن التعاون مع الدعاة إلى الله تعالى بأنواع التعاون المشروع من الأعمال العظيمة التي أمر الله تعالى بها بقوله سبحانه : {.... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2) سورة المائدة . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .


(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وآله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس- إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى صبر وتحمل كما قال الله تعالى عن لقمان عليه الصلاة والسلام وهو يعظ ابنه : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان . وقد صبر أنبياء الله تعالى في دعوتهم صبراً عظيماً كما قال سبحانه : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (34) سورة الأنعام .
ومما جاء عن صبر النبي صلى الله عليه وسلم وتحمله في سبيل الله تعالى ما صح عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ فَقَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِى فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِى فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِى مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَىَّ. ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِى رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِى بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ ». فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ». وكذلك ما صح عن عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ « يَا صَبَاحَاهْ ». فَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِى يَهْتِفُ قَالُوا مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ « يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ » فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ ». قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ « فَإِنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ». قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ. كَذَا قَرَأَ الأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. متفق عليه . وكذلك ثبت عن عن ربيعة بن عباد الديلي وكان جاهليا أسلم فقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بصر عيني بسوق ذي المجاز يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ويدخل في فجاجها والناس متقصفون عليه فما رأيت أحدا يقول شيئا وهو لا يسكت يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا إلا أن وراءه رجلا أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول أنه صابئ كاذب فقلت من هذا قالوا محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة قلت من هذا الذي يكذبه قالوا عمه أبو لهب . رواه الإمام أحمد . أقول ما سمعتم والحمد لله رب العالمين .
(( الخطبة (6) في التقوى ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم - { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس - يقول الله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)} ( 70-71) سورة الأحزاب . هذا نداء من رب العالمين خاصُّ لعباده المؤمنين يأمرهم بتقواه سبحانه ، ويأمرهم بالقول السديد ، ويبين لهم سبحانه وتعالى أنهم إن فعلوا ذلك صلحت أعمالهم ، وغفرت ذنوبهم . والتقوى هي : أن تجعل بينك وبين غضب الله تعالى وقاية بفعل أوامره وترك نواهيه .
- وقال الله تعالى آمراً عباده بتقواه :{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر . والأوامر الربانية للعباد بتقوى الله تعالى كثيرة جداً . فقد قال الله تعالى :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} (1-2) سورة الحـج . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} (33) سورة لقمان . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة . وقال تعالى : {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} (281) سورة البقرة . سورة البقرة . وقال تعالى : {..... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (196) سورة البقرة . وقال تعالى : {...... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (203) سورة البقرة . وقال تعالى : {.... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } (223) سورة البقرة . وقال تعالى : {...... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (233) سورة البقرة . وقال تعالى : {....... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } (4) سورة المائدة . وقال تعالى : {..... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة . وقال تعالى : {....... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (7) سورة المائدة . وقال تعالى : {...... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (11) سورة المائدة . وقال تعالى : {..... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (57) سورة المائدة . وقال تعالى : {.... وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ} (88) سورة المائدة . وقال تعالى : {...... وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (69) سورة الأنفال . وقال تعالى : {..... وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (108) سورة المائدة . وقال تعالى : {.... وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) سورة الحجرات . وقال تعالى : {........ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (100) سورة المائدة .
- عباد الله – إن تقوى الله تعالى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين . قال تعالى : {....... وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (131) سورة النساء . وهذه الوصية هي وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم لأمته فعن الْعِرْبَاضِ رضي الله عنه قال : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ».
- إخواني في الله إن تقوى الله تعالى سبب عظيم من أسباب تكفير الخطايا والذنوب ، وتعظيم الأجر من رب العالمين . كما قال الله تعالى :{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (65) سورة المائدة . وقال تعالى : {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (5) سورة الطلاق . وقال تعالى :{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } (103) سورة البقرة .
- أيها الناس – إن تقوى الله تعالى سبب عظيم من أسباب حصول الرزق الحسن للعبد من حيث لا يشعر ، ومن أسباب حصول البركات من السماء والأرض . قال الله تعالى : {.... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)} (2-3) سورة الطلاق . وقال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (96) سورة الأعراف .
- وتقوى الله تعالى من أسباب تيسير الأمور على العبد في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : {..... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (4) سورة الطلاق .
- أيها الناس – إن تقوى الله تعالى سبب عظيم من أسباب محبة الله تعالى لعبده كما قال تعالى : {.... إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } (7) سورة التوبة . وسبب لمحبة العباد له أيضاً كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97)} (96-97) سورة مريم . ومعنى ( الود ) أي المحبة في قلوب العباد . وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض ) . متفق عليه . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وآله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس – إن الله تعالى مع عباده المتقين . ينصرهم . ويعينهم . ويوفقهم . ويكرمهم . إلى غير ذلك . كما قال الله تعالى : {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} (128) سورة النحل . وقال تعالى : {.... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (194) سورة البقرة
- إخواني في الله – اعلموا علمني الله وإياكم أن تقوى الله تعالى سبب عظيم من أسباب رحمة الله تعالى لعبده وتعليمه له . كما قال الله تعالى : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (155) سورة الأنعام . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (28) سورة الحديد . وقال تعالى :{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (29) سورة الأنفال . وقال تعالى :{.... وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (282) سورة البقرة .
- إخواني في الله – إن الجنة أعدها الله تعالى لعباده المتقين ، فهي ميراث لهم ، وهي وعد من الله تعالى لهم . قال الله تعالى : {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (133) سورة آل عمران . وقال تعالى : {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15) سورة آل عمران . وقال تعالى : {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (35) سورة الرعد . وقال تعالى :{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد وقال تعالى : {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم . وقال تعالى :{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} (198) سورة آل عمران . وقال تعالى :{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} (20) سورة الزمر . نعم إخواني في الله هي لهم يساقون إليها ويدخلونها . قال تعالى : {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73) سورة الزمر . وعن أبي أُمَامَةَ صُدَيّ بنِ عجلانَ الباهِلِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ في حجةِ الوداعِ ، فَقَالَ : (( اتَّقُوا الله وَصلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَأَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ ، وَأَطِيعُوا أُمَرَاءكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
- أيها الناس إن المتقين لهم النجاة من كل شر في الدنيا والآخرة . فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . قال تعالى : {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (61) سورة الزمر . وقال تعالى :{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63)} (62-63) سورة يونس . وقال تعالى :{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا(72)} (71-72) سورة مريم .
- أيها الناس – إن أكرم الناس عند الله تعالى هو المتقي لله سبحانه . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات . وجاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ « أَتْقَاهُمْ ». قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ « فَيُوسُفُ نَبِىُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِىِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِىِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ ». قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ « فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِى خِيَارُهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِى الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا ». متفق عليه . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى ويسأله التقى فقد جاء عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَسألُكَ الهُدَى ، وَالتُّقَى ، وَالعَفَافَ ، وَالغِنَى )) رواه مسلم . أقول ما سمعتم ، والحمد لله رب العالمين , وأقم الصلاة .






(( الخطبة (7) في الصبر ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } .
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس – يقول الله تعالى :{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (46) سورة البقرة . ويقول تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة . أمرنا الله تعالى بالإستعانة على جميع أمورنا بالصبر والصلاة ، وأخبر سبحانه أن هذا الأمر كبير على كثير من الناس إلا على عباد الله الصالحين الذين يوقنون بلقاء الله تعالى والوقوف بين يديه سبحانه .
- إخواني في الله –إن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بالصبر على طاعته فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (200) سورة آل عمران . وقال تعالى مبينا الأجر العظيم الذي يحصِّله العبد الصابر على طاعة الله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (80) سورة القصص . وقال تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر . وقال تعالى : {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (11) سورة هود . وقال تعالى عن أهل الجنة : {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } (24) سورة الرعد . وقال تعالى : {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} (111) سورة المؤمنون . وقال تعالى : {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا} (75) سورة الفرقان . {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا } (12) سورة الإنسان . وقال تعالى : {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} (22) سورة الرعد . وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في أجر الصابرين الكثير من الأحاديث سنذكر إنشاء الله تعالى شيئاً منها فعن عطَاء بن أبي رَباحٍ ، قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما : ألاَ أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ : هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ : إنّي أُصْرَعُ ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ ، فادْعُ الله تَعَالَى لي . قَالَ : (( إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ )) فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ )) رواه البخاري .
- وعن عائشةَ رضيَ الله عنها: أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ . رواه البخاري .
وقال سبحانه عن الصالحين من أهل الكتاب : {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (54) سورة القصص .
- -إخواني في الله – إن الله تعالى أمر نبينا – صلى الله عليه وسلم - بالصبر على طاعته سبحانه وتعالى وتحمل المتاعب والمصاعب من أجل ذلك . قال الله تعالى : {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} (130) سورة طـه . وقال الله تعالى : {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (39) سورة ق . وقال الله تعالى : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (10) سورة المزمل . وقال الله تعالى : {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (17) سورة ص . وقال الله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60) سورة الروم . وقال الله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (55) سورة غافر . وقال الله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (77) سورة غافر .
- وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (34) سورة الأنعام . وقال تعالى : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (35) سورة الأحقاف . وقال تعالى عن الرسل صلاة الله وسلامه عليهم : {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (12) سورة إبراهيم وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يذكر صبر إخوانه من الأنبياء إذا أوذي في الله تعالى فيتأسى بهم . كما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قسم النبي صلى الله عليه و سلم قسما فقال رجل إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله فأخبرت النبي صلى الله عليه و سلم فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه وقال ( يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) .
- أيها الناس – إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صبر صبراً عظيماً على طاعة الله تعالى وتبليغ دينه الحق ، وكم أوذي عليه الصلاة والسلام في سبيل الله تعالى فصبر . فقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال . ( أي : مقدار ما يحمل بلال ويواريه تحت إبطه ) .
- إخواني في الله - - ثبت عن صهيب بن سنانٍ - رضي الله عنه - ، أنه قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ )) رواه مسلم . فالصبر على طاعة الله تعالى ، وعن معصيته ، وعن أقداره المؤلمة يعتبر من الخير العظيم للمؤمن فقط لا لغيره . وعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ : ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ . إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ . إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ . وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا ». ( فواها ) أي : فواعجباً له . أقول ما سمعتم والحمد لله رب العالمين .

(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس – إن الدنيا دار ابتلاء ، فمن صبر على طاعة الله تعالى فيها وعلى أقدار المؤلمة - لله تعالى - فاز بخيري الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (214) سورة البقرة . وقال تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (142) سورة آل عمران . وقال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(157)} (155-156)سورة البقرة . وقال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (31) سورة محمد .
- وقد جعل الله تعالى بعض الناس لبعضهم فتنة ! ابتلاء وامتحاناً . قال تعالى :
{..... وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (20) سورة الفرقان .
- أيها المسلمون – إن النصر مع الصبر قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ(66)} (65-66) سورة الأنفال . وقال تعالى :{وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (250) سورة البقرة . وقال تعالى :{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } (126) سورة الأعراف .
- إخواني في الله - إن من عزم الأمور الإستعانة بالله تعالى على العدو مع الصبر وانتظار الفرج . قال تعالى :{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (186) سورة آل عمران . وقال تعالى :{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (128) سورة الأعراف . والصبر مع التقوى سبب عظيم من أسباب مدد الله تعالى لعباده بجنود من عنده ورد كيد العدو ودحره . قال تعالى : {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } (125) سورة آل عمران . وقال تعالى :{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (120) سورة آل عمران . وقال تعالى : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} (137) سورة الأعراف .
- أيها الناس – إن الله تعالى يحب الصابرين كما قال سبحانه : {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146) سورة آل عمران . وهو مع الصابرين . ينصرهم . ويؤيدهم . ويعينهم . إلى غير ذلك . قال تعالى : {...... وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال .
- وقال الله تعالى عن نبيه يوسف عليه الصلاة والسلام ومبيناً عاقبة التقوى والصبر :
{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (90) سورة يوسف . فالصبر الصبر – عباد الله - على طاعة الله تعالى تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة . أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .








(( الخطبة (8) في الصلاة ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس - يقول الله تعالى مبيناً صفات المؤمنين المتقين : {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (3) سورة البقرة . أخبر الله تعالى أن من صفاتهم الجميلة الحسنة إقامة الصلاة ، ثم أخبر سبحانه أنهم على هدىً من ربهم ، وأنهم مفلحون ( أي : فائزون بخيري الدنيا والآخرة ) . قال تعالى : {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) سورة البقرة .
إخواني في الله – إن الله تعالى فرض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة . قال الله تعالى :{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43) سورة البقرة . وقال تعالى : {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} (31) سورة إبراهيم . وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال ( ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوه لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوه لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )) . وعن طلحة بن عبيد الله قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( خمس صلوات في اليوم والليلة ) . فقال هل علي غيرها ؟ قال ( لا إلا أن تطوع ) . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( وصيام رمضان ) . قال هل علي غيره ؟ قال ( لا إلا أن تطوع ) . قال وذكر له رسول الله صلى الله عليه و سلم الزكاة قال هل علي غيرها ؟ قال ( لا إلا أن تطوع ) . فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( أفلح إن صدق ) .
- أيها الناس – إن الله تعالى أمرنا بالإستعانة على جميع أمورنا بالصبر والصلاة فقال سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153) سورة البقرة .
- عباد الله - إن المحافظة على الصلوات المكتوبات سبب عظيم من أسباب معية الله تعالى لعبده ، معيةً خاصة ، تقتضي النصر والتأييد والمعونة وغير ذلك كما قال الله تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} (12) سورة المائدة .
- أيها الناس – إن الله تعالى أمرنا بالمحافظة على الصلوات المكتوبات وتوعد سبحانه وتعالى من ضيعها . قال الله تعالى :{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة . وقال تعالى متوعداً من أضاعها : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم . وقال سبحانه وتعالى متوعداً من تركها بالكلية : {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (45) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50)} (45-50) سورة المرسلات . وأخبر سبحانه وتعالى بأن من صفات المجرمين الذين دخلوا النار أنهم كانوا لا يصلون . قال تعالى : {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42) } سورة المدثر (38-42) ( أي : ما سبب دخولكم النار ، وسقر إسم من أسمائها ) فكانت أول إجابة أجابوا بها وهم في النار {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44)} (43-44) سورة المدثر . الآيات ...
- أيها الناس – إن ترك الصلاة كُفْر وشرك ، فقد روى الإمام مُسلِم في صحيحه عن جابرٍ - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكفر ، تَرْكَ الصَّلاَةِ )) . وجاء عن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )) رواه الإمام أحمد والتِّرمِذِيُّ ، وابن ماجة ، والنسائي ، وصححه الألباني . وجاء عن عبدِ الله بن شقِيق التَّابِعيِّ المتفق عَلَى جَلاَلَتِهِ رَحِمهُ اللهُ ، قَالَ : كَانَ أصْحَابُ محَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَرَوْنَ شَيْئاً مِنَ الأعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ ، وصححه الألباني .
- أيها الناس إن تارك الصلاة في خطر عظيم لا يعلم به إلا جبار السماوات والأرض ، فقد جاء عند الإمام احمد رحمه الله تعالى بسند حسن ( يحسنه بعض أهل العلم ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف .
– إخواني في الله – إن أول ما يحاسب عليه العبد في يوم القيامة الصلاة ، فهي برهان ودليل على إيمان العبد من حافظ عليها كان له عهد عند الله تعالى أن يغفر له فقد جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإنْ صَلَحَتْ ، فَقَدْ أفْلَحَ وأَنْجَحَ ، وَإنْ فَسَدَتْ ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُ - عز وجل - : انْظُرُوا هَلْ لِعَبدي من تطوّعٍ ، فَيُكَمَّلُ مِنْهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ تَكُونُ سَائِرُ أعْمَالِهِ عَلَى هَذَا )) رواه التِّرمِذِيُّ ، وصححه الألباني . وعَنْ أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ». رواه مسلم . وعن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنِّى فَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِى عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ جَاءَ يُحَافِظُ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلاَ عَهْدَ لَهُ عِنْدِى ». رواه أبو داود ، وابن ماجة ، وصححه الألباني .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- عباد الله – إن الله تعالى أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يقاتل الناس على شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ، وعلى إقامِ الصلاة وإيتاءِ الزكاة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إلاَّ بِحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ )) متفقٌ عَلَيهِ .
- إخواني في الله – إن من صفات المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار أنهم يتلاعبون بالصلاة ، وإذا قاموا إليها قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا كما قال الله تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ(6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7)} (4-7) سورة الماعون . وقال تعالى : {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142) سورة النساء . وقال تعالى : {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} (54) سورة التوبة .
- أيها الناس إن من أعظم أسباب رحمة الله تعالى لعباده هو ما ذكره الله تعالى في هذه الآية الكريمة إذ قال سبحانه : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة .
- أيها الناس - احذروا الشيطان فإنه يريد أن يصرفكم عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ؛ بل يبكي إذا رأى أحدكم يسجد لله تعالى . قال الله جل وعلا : {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (91) سورة المائدة . وقد صح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِى يَقُولُ يَا وَيْلَهُ - وَفِى رِوَايَةِ يَا وَيْلِى - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِىَ النَّارُ ». رواه مسلم .
- أيها الناس حافظوا على الصلاة ، وأمروا أهاليكم بالحفاظ على الصلاة فقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه : {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} (55) سورة مريم . وقد أخبر سبحانه وتعالى عن العبد الصالح لقمان عليه الصلاة والسلام وهو يأمر ابنه بإقامة الصلاة . قال سبحانه وتعالى : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان . وقد أمر الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يأمر أهله بالصلاة وأن يصطبر عليه . فقال سبحانه : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طـه . وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ ». رواه أبو داود ، وصححه الألباني . أقول ما سمعتم ، والحمد لله ، وأقم الصلاة .
(( الخطبة (9) في الأخلاق ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس – ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : إنما بعثت لأتمم صالحي الأخلاق . رواه البخاري في الأدب المفرد ، وصححه الألباني . ففي هذا الحديث بيان من النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه بعث يعلم الناس الأخلاق الصالحة الطيبة وينهاهم عن الأعمال الجاهلية المخالفة للأخلاق الحسنة ، وقدجاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي سفيان بن الحارث في إجابته لهرقل عندما قال له ( وهو يسأله عن النبي – صلى الله عليه وسلم -) : ماذا يأمركم ؟ قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيء واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة . وفي هذا الحديث أيضاً بيان واضح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدعوا إلى مكارم الأخلاق .
- إخواني في الله – إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم كما زكَّاه ربهُ بذلك فقد قال سبحانه :{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم . وقد كان خلقه – صلى الله عليه وسلم - القرآن كما ثبت ذلك عن عائشة رضي الله عنها قالت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِىِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ الْقُرْآنَ. رواه مسلم .
- عباد الله – كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً – كما جاء عن أنس - رضي الله عنه - ، قال : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاس خُلُقاً . متفقٌ عَلَيْهِ . وثبت عنه أيضاً أنه قال : مَا مَسِسْتُ دِيبَاجاً وَلاَ حَرِيراً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلاَ شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَقَدْ خدمتُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سنين ، فما قَالَ لي قَطُّ : أُفٍّ، وَلاَ قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَه ؟ وَلاَ لشَيءٍ لَمْ أفعله : ألاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عَلَيْهِ . وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قَالَ : لَمْ يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً ، وكان يَقُولُ : (( إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاَقاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
- أيها الناس – لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقاً رحيماً ، ويأمر بالرفق والرحمة ، واسمع أخي الكريم إلى تعامله – صلى الله عليه وسلم - مع كثير من الناس ؛ بل وحتى مع البهائم يتضح لك ذلك ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن أعرابيا بال في المسجد فثار إليه الناس ليقعوا به . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ) – متفق عليه . فانظر يا عبد الله كيف تعامل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع هذا الأعرابي الجاهل وكان تأثر الأعرابي بهذا الخلق الكريم منه – صلى الله عليه وسلم - حتى جعل يدعوا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي رفق به وعلمه فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم في صلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا . فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي ( لقد حجرت واسعا ) . يريد رحمة الله . رواه البخاري . قال بعض شراح الحديث : هذا الرجل هو الأعرابي الذي بال في المسجد . وجاء أيضاً من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة . قال أنس : فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه و سلم وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء . فانظر أخي الكريم إلى هذا الخلق العظيم مع هذا الأعرابي الجاهل من النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه عنه ؛ بل وضحكه له ؛ بل وأمره له بعطاء .
- إخواني في الله - لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقاً حتى بالعدو كما جاء عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنه قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم قالت عائشة رضي الله عنها ففهمتها فقلت وعليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) . فقلت يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( قد قلت وعليكم ) .
- وكذلك في الحيوان والحشرات قد كان النبي صلى الله عليه وسلم رفيقاً رحيماً . فقد جاء عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِى سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ « مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ». قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِى أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ ». رواه أبو داود ، وصححه الألباني .
- وجاء عن عبِد اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : أَرْدَفَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَسَرَّ إِلَىَّ حَدِيثًا لاَ أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ. قَالَ : فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ : « مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ ». فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ : « أَفَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ فِى هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِى مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ».
- وكان مما يقوله صلى الله عليه وسلم في الرفق ما جاء عن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) رواه مسلم .
وجاء عنها أيضاً - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ )) رواه مسلم . وجاء عن جَرِيرٍ بن عبد الله رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ : « مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ ».
- ومن حسن خلقه عليه الصلاة والسلام أنه كان يراعي مشاعر الآخرين بالحق ، فقد جاء عن الصعب بن جَثَّامَةَ - رضي الله عنه – أنه قَالَ : أهديتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيّاً ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رأى مَا في وجهي ، قَالَ : (( إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ لأنّا حُرُمٌ )) متفقٌ عَلَيْهِ . أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد
- عباد الله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في مكارم الأخلاق ويحذر من مساوئها أيُّما تحذير فقد جاء عن النَّوَاس بنِ سمعان - رضي الله عنه - أنه قَالَ : سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِرِّ وَالإثم ، فَقَالَ : (( البِرُّ : حُسنُ الخُلقِ ، والإثمُ : مَا حاك في صدرِك ، وكَرِهْتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم .
- وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ )) رواه الترمذي . وصححه الألباني . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى . (( البَذِيُّ )) : هُوَ الَّذِي يتكلَّمُ بِالفُحْشِ ورديء الكلامِ .
- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : (( تَقْوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ )) ، وَسُئِلَ عَنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ : (( الفَمُ وَالفَرْجُ )) رواه الترمذي، وحسنه الألباني .
- وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أكْمَلُ المُؤمنينَ إيمَاناً أحسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ )) رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه الألباني .
- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ )) رواه أَبُو داود ، وصححه الألباني .
- وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَض الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ ، وَإنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وَإنْ كَانَ مَازِحاً ، وَبِبَيْتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ )) . رواه أَبُو داود وحسنه الألباني .
(( الزَّعِيمُ )) : الضَّامِنُ .
- وعن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً ، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهقُونَ )) قالوا : يَا رسول الله ، قَدْ عَلِمْنَا (( الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ )) ، فمَا المُتَفَيْهقُونَ ؟ قَالَ : (( المُتَكَبِّرُونَ )) رواه الترمذي . وصححه الألباني .
((و الثَّرْثَارُ )) : هُوَ كَثِيرُ الكَلاَمِ تَكَلُّفاً . وَ(( المُتَشَدِّقُ )) : هو المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلاَمِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ ، وَ(( المُتَفَيْهِقُ )) : أصلُهُ مِنَ الفَهْقِ وَهُوَ الامْتِلاَءُ ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلاَمِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ ، ويُغْرِبُ بِهِ تَكَبُّراً وَارْتِفَاعاً ، وَإظْهَاراً للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ .
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ : (( إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ )) رواه مسلم .
- أيها الناس - ثبت عند الإمام الترمذي عن عبد الله بن المباركِ رحِمه الله تعالى في تفسير حُسْنِ الخُلُقِ أنه قال : ((حسن الخلق : هُوَ طَلاَقَةُ الوَجه ، وَبَذْلُ المَعروف ، وَكَفُّ الأذَى )) .
- فلنكن إخواني في الله ذوو أخلاق حسنة متأسون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في ذلك كما أراد الله تعالى بقوله :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب .
- إخواني في الله - أقول قولي هذا ، والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة .
(( الخطبة (10) في بر الوالدين وتحريم العقوق ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
أيها الناس – قال الله تعالى في كتابه الكريم : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان . وقال تعالى :{ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (15) سورة الأحقاف . فهذا بيان من رب العالمين سبحانه وتعالى لعباده فيه الوصية لهم بالإحسان إلى الوالدين . والشكر لهما بعد شكر الله تعالى ثم ذكر سبحانه وتعالى الجهد الكبير الذي تحملته الأم في حمل الولد وتربيته. لِيُعرفُ لها جميلها فهي تستحق كل إحسان ورعاية ، وهي أحق الناس بحسن الصحبة كما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِى قَالَ « أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أُمُّكَ ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ « ثُمَّ أَبُوكَ ». متفق عليه .
- إخواني في الله - لقد أخذ الله تعالى على بني إسرائيل الميثاق على عدة أمور فمن هذه الأمور الإحسان إلى الوالدين . قال الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ} (83) سورة البقرة .
- إخواني في الله – إن من أكبر الكبائر عقوق الوالدين . قال الله سبحانه وتعالى :{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (151) سورة الأنعام ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم ( أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وشهادة الزور - ثلاثا - أو قول الزور ) . فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت .
- أيها الناس - إن التسبب في شتم الوالدين من الكبائر كما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ) . قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه ؟ قال ( يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) . رواه البخاري . هذا أخي الكريم في التسبب في شتمهما وسبهما . أما لعنهما من فهذا شيء آخر . فقد ثبت في صحيح الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : حدثني رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات « لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ ».
- إخواني في الله – إن بكاء الوالدين من الابن عقوق من الكبائر كما جاء عند الإمام البخاري في الأدب المفرد ، والحديث يصححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى عن طيسلة بن مياس قال : كنت مع النجدات فاصبت ذنوباً لا أراها الا من الكبائر فذكرت ذلك لابن عمر قال ما هي قلت كذا وكذا قال ليست هذه من الكبائر هن تسع الإشراك بالله وقتل نسمة والفرار من الزحف وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والحاد في المسجد والذي يستسخر وبكاء الوالدين من العقوق قال لي بن عمر أتفرق من النار وتحب أن تدخل الجنة قلت إى والله قال أحى والداك قلت عندي أمى قال فوالله لو ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الكبائر .
- أيها الناس - إنه يجب على العبد أن يحسن إلى والديه وخاصة عند الكبر . فقد قال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء . وقال تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء . وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى كما في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ ». وجاء عند الإمام البخاري في الأدب المفرد ، وصححه الألباني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه و سلم رقى المنبر فلما رقى الدرجة الأولى قال آمين ثم رقى الثانية فقال آمين ثم رقى الثالثة فقال آمين فقالوا يا رسول الله سمعناك تقول آمين ثلاث مرات قال لما رقيت الدرجة الأولى جاءني جبريل صلى الله عليه و سلم فقال شقي عبد أدرك رمضان فانسلخ منه ولم يغفر له فقلت آمين ثم قال شقي عبد أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت آمين ثم قال شقي عبد ذكرت عنده ولم يصل عليك فقلت آمين . ( فكان الذي دعا جبريل عليه الصلاة والسلام والذي أمَّن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ظنك أخي المسلم الكريم بهذا الدعاء ) .
عباد الله – إنه لِعِظَمِ حق الوالدين فإنه لا يجزي ولدٌ والداً إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه كما جاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْزِى وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ». رواه مسلم . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- إخواني في الله – إعلموا علمني الله تعالى وإياكم أن من بر الوالدين الدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما . قال الله تعالى : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء . ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم عن عدد من أنبياءه وهم يدعون لآبائهم ، فقد قال الله تعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال :{رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (41) سورة إبراهيم . وعندما تبين لإبراهيم عليه الصلاة والسلام أن أباه عدو لله تعالى تبرأ منه كما قال سبحانه : {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } (114) سورة التوبة . وقال الله تعالى عن نبيه نوح أنه قال عليه الصلاة والسلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (28) سورة نوح .
- إخواني في الله لنحذر كلنا كل الحذر من عقوق الوالدين ومن دعواتهما علينا . فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده . رواه البخاري في الأدب المفرد ، والترمذي وصححه الألباني . واسمع أخي الكريم إلى قصة جريج العابد ودعوة أمه عليه مع أنه كان يصلي . فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَمْ يَتَكَلَّمْ فِى الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّى فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ.
فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّى فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ أَىْ رَبِّ أُمِّى وَصَلاَتِى. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ.
فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِىٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ - قَالَ - فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِى إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِىِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ أَيْنَ الصَّبِىُّ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ دَعُونِى حَتَّى أُصَلِّىَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِىَّ فَطَعَنَ فِى بَطْنِهِ وَقَالَ يَا غُلاَمُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ فُلاَنٌ الرَّاعِى - قَالَ - فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُوا نَبْنِى لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ لاَ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا. رواه مسلم ، وفي بعض روايات مسلم (( وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ )) .
- أيها الناس – (( إنما الطاعة في المعروف )) هكذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح . فطاعة الوالدين لابد من أن تكون في المعروف فإذا أمرا بمعصية الله تعالى فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مع مصاحبتهمافي الدنيا معروفا. قال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (8) سورة العنكبوت . وقال تعالى : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان . وجاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ - قَالَ - حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لاَ تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلاَ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ. قَالَتْ زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ مَكَثَتْ ثَلاَثًا حَتَّى غُشِىَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى الْقُرْآنِ هَذِهِ الآيَةَ (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِى) وَفِيهَا (وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) . رواه مسلم .
- فالله الله إخواني في الله – في الصدق مع الله تعالى والتوبة إليه والإستجابة إلى ما يدعونا إليه سبحانه فإن في ذلك الفلاح والفوز بخيري الدنيا والآخرة . أقول ما سمعتم والحمد لله وأقم الصلاة .

(( الخطبة (11) في صلة الرحم ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (25) سورة الرعد . وقال تعالى :{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} (22-23) سورة محمد . في هذه الآيات الكريمات بيان من رب العالمين بأن قطع الرحم فساد في الأرض ، وسبب لحصول اللعنة على القاطع ، وسبب من أسباب صرف العبد عن سماع الهدى والخير ورؤيته .
- ويقول الله تعالى : {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (27) سورة البقرة . وفي هذه الآية الكريمة – إخواني في الله – بيان من رب العالمين بأن من صفات الخاسرين في الدنيا والآخرة قطعهم لما أمر الله تعالى به أن يوصل ، وإفسادهم في الأرض بأنواع المعاصي والذنوب ورأسها الشرك بالله تعالى .
- ويقول تعالى : {.. وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) سورة النساء . فقوله سبحانه وتعالى : ((وَاتَّقُواْ اللّهَ)) أي اجعلوا بينكم وبين غضب الله تعالى وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه . وقوله تعالى : ((وَالأَرْحَامَ)) أي واتقوا الله تعالى في الأرحام بصلتها وعدم قطعها .
- وقال تعالى :{ .... وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (75) سورة الأنفال . وفي هذه الآية الكريمة بيان بأن الأرحام أولى ببعض في الإرث من غيرهم وفي هذا دليل على عظم الرحم عند الله تعالى .
- إخواني في الله – ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيه . وثبت عنه أيضاً أنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ ، فَقَالَتْ : هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 22 - 23 ] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبخاري : فَقَالَ الله تَعَالَى : (( مَنْ وَصَلَكِ ، وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ ، قَطَعْتُهُ )) .
- أيها الناس – ليس الواصل بالمكافئ – وإنما الواصل الذي إذا قَطَعَتْ رحمه وصلها ، فإذا فعل ذلك كان معه عونٌ من الله تعالى فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رجلاً قَالَ : يَا رَسُول الله ، إنّ لِي قَرابةً أصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلَمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ :
(( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ )) رواه مسلم . قال بعض شراح الحديث : (( َتُسِفُّهُمْ َالمَل )) وَهُوَ الرَّمادُ الحَارُّ : أيْ كَأنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ ، وَهُوَ تَشبِيهٌ لِمَا يَلْحَقَهُمْ من الإثم بما يلحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلمِ ، وَلاَ شَيءَ عَلَى هَذَا المُحْسِنِ إلَيهمْ ، لكِنْ يَنَالُهُمْ إثمٌ عَظيمٌ بتَقْصيرِهم في حَقِّهِ ، وَإدْخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيهِ .
- وجاء عن أبي هريرة أيضاً – رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِىء ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا )) رواه البخاري .
- إخواني في الله – إن صلة الرحم سبب عظيم من أسباب حصول البركة في الرزق والعمر . فقد جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( من أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . ومعنى (( ينسأ لَهُ في أثرِهِ )) ، أي : يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ . وصلة الرحم أيضاً من أسباب صلة الله تعالى للواصل بأنواع الخير ، كما أن قطعها سبب لهلاك العبد ، والعياذ بالله تعالى من عقابه وأليم عذابه . فقد جاء عن عائشة – رضي الله عنها - قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي ، وَصَلَهُ اللهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي ، قَطَعَهُ اللهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- أيها الناس – إن إكرام القربى والإحسان إليهم مما أمر الله تعالى به ورسوله – صلى الله عليه وسلم - ، قال الله تعالى : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى .....الآية} (36) سورة النساء . وثبت عن أنس رضي الله عنه أنه قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدينَةِ مَالاً مِنْ نَخل ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَاله إِلَيْهِ بَيْرَحاء ، وَكَانَتْ مسْتَقْبَلَةَ المَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا ، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّب ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، إنَّ الله تبارك وتَعَالَى ، يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ ، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ تَعَالَى ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله تَعَالَى ، فَضَعْهَا يَا رَسُول الله ، حَيْثُ أرَاكَ الله . فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( بَخ ! ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ! وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبينَ )) ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أفْعَلُ يَا رَسُول الله ، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أقول قولي هذا وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- أيها الناس - ثبت عن أم المؤمنين ميمونة بنتِ الحارث رضي الله عنها : أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَستَأذِنِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ ، قَالَتْ : أشَعَرْتَ يَا رَسُول الله ، أنِّي أعتَقْتُ وَليدَتِي ؟ قَالَ : (( أَوَ فَعَلْتِ ؟ )) قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : (( أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأجْرِكِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- وثبت عن أسماءَ بنتِ أَبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشركةٌ في عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاسْتَفْتَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أفَأصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. قال بعض الشراح : َقَولُهَا : (( رَاغِبَةٌ )) أيْ : طَامِعَةٌ عِنْدِي تَسْألُني شَيْئاً .
- وثبت عن زينب الثقفيةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عَنْهُ وعنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ )) ،
قَالَتْ : فَرَجَعْتُ إِلَى عبد الله بنِ مسعود ، فقلتُ لَهُ : إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ ، وَإنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ ، فَاسألهُ ، فإنْ كَانَ ذلِكَ يْجُزِىءُ عَنِّي وَإلاَّ صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ . فَقَالَ عبدُ اللهِ : بَلِ ائْتِيهِ أنتِ ، فانْطَلَقتُ ، فَإذا امْرأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتي حَاجَتُها ، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ المَهَابَةُ ، فَخَرجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأخْبرْهُ أنَّ امْرَأتَيْنِ بالبَابِ تَسألانِكَ : أُتُجْزِىءُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أزْواجِهمَا وَعَلَى أيْتَامٍ في حُجُورِهِما ؟ ، وَلاَ تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ، فَدَخلَ بِلاَلٌ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ هُمَا ؟ )) قَالَ : امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَزَيْنَبُ . فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أيُّ الزَّيَانِبِ هِيَ ؟ )) ، قَالَ : امْرَأةُ عبدِ الله ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَهُمَا أجْرَانِ : أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- وثبت عن أَبي سفيان صخر بنِ حرب - رضي الله عنه - في حديثِهِ الطويل في قِصَّةِ هِرَقْلَ : أنَّ هرقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَانَ : فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ بِهِ ؟ يَعْنِي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : قُلْتُ : يقول : (( اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً ، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاةِ ، وَالصّدْقِ ، والعَفَافِ ، والصِّلَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- فكما أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بصلة الرحم والإحسان إليها فكذلك كان يوصي بها . كما جاء عن أَبي ذرّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ )) . وفي رواية : (( سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَهِيَ أرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْراً ؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً )) وفي رواية : (( فإذا افتتحتموها ، فأحسنوا إلى أهلها ؛ فإن لهم ذمة ورحماً )) ، أَوْ قَالَ : (( ذِمَّةً وصِهْراً )) رواه مسلم . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : قَالَ العلماء : (( الرَّحِمُ )) : الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ ، (( وَالصِّهْرُ )) : كَوْن مَارية أمِّ إبْراهيمَ ابن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ .
- أيها الناس - لابد من العناية بالأرحام في جميع الأمور على وجه العموم وفي الدعوة إلى الله تعالى وتعليمهم الخير على وجه الخصوص ، فإن أعرضوا فلا تُقْطَع الأرحام وإنما توصل بالمعروف . فقد جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : لما نزلت هذِهِ الآية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214] دَعَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشاً ، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ ، وَقالَ : (( يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ ، أنقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يَا بني عبد المطلب ، انقذوا أنفسكم من النار ، يَا فَاطِمَةُ ، أنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ . فَإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئاً ، غَيْرَ أنَّ لَكُمْ رَحِماً سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا )) رواه مسلم . قال بعض الشُّراح :(( َالبِلاَلُ )) : الماءُ . وقوله – صلى الله عليه وسلم (( سأبلها )) سَأصِلُهَا ، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ .
- وعن أَبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : سمعت
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ ، يَقُولُ : (( إنَّ آل بَني فُلاَن لَيْسُوا بِأولِيَائِي ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبلاَلِهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، واللفظ للبخاري .
- أيها الناس – إن صلة الرحم سبب عظيم من أسباب دخول الجنة كما أن قطعها سبب عظيم من أسباب دخول النار كما جاء عن أَبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه - : أنَّ رجلاً قَالَ :يَا رَسُول الله ، أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ . فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :(( تَعْبُدُ الله ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ ، وتَصِلُ الرَّحمَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وجاء عن أَبي محمد جبيرِ بن مطعم - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ )) أي : قَاطِع رَحِم . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .











(( الخطبة (12) في القرآن ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار . أما بعد
- يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (57) سورة يونس . - أيها الناس - هذا نداء عظيم من رب العالمين فيه بيان للناس . أنه من نعمة الله تعالى عليهم أن قد جاءهم موعظة من ربهم وهذه الموعظة هي (( القرآن الكريم )) وشفاء لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات ، وهدى ورحمة للمؤمنين وذلك بسبب إيمانهم به وعملهم بما فيه .
- أيها الناس – إن من نعمة الله تعالى علينا أن أرسل إلينا رسلاً يبلغوننا دين الله تعالى وأنزل معهم الكتاب . كما قال تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (25) سورة الحديد .
- إخواني في الله – إن كتاب الله تعالى فيه الهدى والرحمة ، من أخذ به اهتدى إلى سعادة الدارين ومن أعرض عنه ضل ، كما قال الله تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء وقال تعالى :{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (2) سورة البقرة . وقال سبحانه : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (52) سورة الأعراف . وقال تعالى : {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } (30) سورة الأحقاف . وقال تعالى : {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (64) سورة النحل . وقال سبحانه : {.... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (89) سورة النحل . وقال تعالى : {هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} (138) سورة آل عمران . فهو بيان للناس ، فيه بيان الحق من الباطل ، والخير من الشر ، وهدى وموعظة للمتقين . وقال تعالى : {.... قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} (44) سورة فصلت . وقال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ...} (185) سورة البقرة .
- إخواني في الله - إن هذا الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما أنزله الله تعالى لنشقى ؛ بل أنزله سبحانه وتعالى لنسعد في الدنيا والآخرة ، وأنزله سبحانه وتعالى ليخرجنا به من الظلمات إلى النور . قال الله تعالى : {طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى(2) } (1-2) سورة طـه . وقال تعالى : {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} (123) سورة طـه . وقال تعالى : {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1) سورة إبراهيم . وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (9) سورة الحديد . وقال تعالى : {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} (11) سورة الطلاق .
- عباد الله – إن هذا القرآن كتاب مبارك من أخذ به بارك الله له فيه ومن أعرض عنه هلك . قال تعالى : {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (155) سورة الأنعام
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص . وقال تعالى : {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) } (99-101) سورة طـه . وقال تعالى : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)} (124-126) سورة طـه. أقول ما سمعتم والحمد لله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
- إخواني في الله – إن هذا القرآن نور من رب العالمين ، وروح من أمره سبحانه وتعالى به تتحقق الحياة الطيبة كما قال الله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى . وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} (174) سورة النساء . وقال تعالى :{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة
وقال تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد .
- أيها المسلمون – إن هذا القرآن كتاب عظيم لو أنزل على الجبال لتصدعت وتشققت من خشية الله تعالى كما قال سبحانه : {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر .
- إخواني في الله – يقول الله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (16) سورة الحديد ويقول سبحانه :{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (51) سورة العنكبوت . فلتخشع قلوبنا ، ولتخشع قلوبنا ، ولنكتفي بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إن أردنا الخير في الدنيا والآخرة .
- أيها المسلمون – فلنقبل على تلاوة هذا الكتاب العظيم مع تدبره وتعلمه وتعليمه والعمل به فإن في ذلك عز الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} (29) سورة فاطر
وقال تعالى :{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد
وقال تعالى :{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء . وقد جاء عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) رواه البخاري . وصح عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِى الصُّفَّةِ فَقَالَ « أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِىَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ فِى غَيْرِ إِثْمٍ وَلاَ قَطْعِ رَحِمٍ ». فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُحِبُّ ذَلِكَ. قَالَ « أَفَلاَ يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمَ أَوْ يَقْرَأَ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ وَثَلاَثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ ». رواه مسلم . وجاء عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاَثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ ». قُلْنَا نَعَمْ. قَالَ « فَثَلاَثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أَحَدُكُمْ فِى صَلاَتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاَثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ ». رواه مسلم . وصح عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ (( أحد الرواة )) بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. رواه مسلم . وجاء عن النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىَّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ ». وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ قَالَ « كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ». رواه مسلم . وثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ». متفق عليه . وصح عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ». أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .

(( الخطبة (13) في السنة ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعــــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
أيها المسلمون – يقول الله تعالى في كتابه الكريم :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (21) سورة الأحزاب . ويقول تعالى :{... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر . فهذا بيان من رب العالمين فيه الأمر بالأخذ بما جاءنا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واجتناب ما نهانا عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ومن كان يريد محبة الله تعالى والفوز بخيري الدنيا والآخرة فليتأسى به – صلى الله عليه وسلم - . ويقول الله تعالى مخبراً بأنه لم يكن لمؤمن ولا لمؤمنة أن يختارا ما يحبا إذا قضى الله تعالى ورسوله أمراً : قال تعالى :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب . وقال تعالى : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (31) سورة آل عمران .
- وقد نفى سبحانه وتعالى الإيمان عمَّن لم يرض بحكم النبي – صلى الله عليه وسلم - ؛ بل نفاه بمجرد وجود الحرج في الصدر وعدم التسليم (( وهذا النفي قد يكون نفياً تاماً ، وقد يكون نفي للكمال بحسب ما يقوم في الشخص )) .كما قال الله تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء .
- إخواني في الله - إن الله تعالى أمرنا بطاعته وطاعة نبيه – صلى الله عليه وسلم – وبين لنا أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله تعالى ، وأن من عصى الرسول فقد عصى الله تعالى ، وحذرنا من مخالفة أمر النبي – صلى الله عليه وسلم - . فقال سبحانه تعالى : {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (32) سورة آل عمران . وقال تعالى :{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} (64) سورة النساء . وقال تعالى : {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (80) سورة النساء .وقال تعالى : {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (54) سورة النــور .
وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} (20) سورة الأنفال . وقال تعالى :{.... فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور . وقال تعالى : {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (63) سورة التوبة . وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله....) متفق عليه .
- إخواني في الله - إن الإستجابة لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – سبب عظيم لرحمة الله تعالى والفوز بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) سورة الأنفال . وقال تعالى :{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (132) سورة آل عمران . وقال تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } (52) سورة النــور . وقال تعالى : {... وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71) سورة الأحزاب . وقال تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة . ويقول الله تعالى مبيناً أن من أطاع الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – بأنه مع الذين أنعم الله عليهم . وهذا فوز عظيم وربَّ الكعبة . قال تعالى : {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69) سورة النساء . أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله .


(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعــــــد
- أيها الناس – إن طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – واتباع سنته سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ، كما أن الإعراض عن سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – سبب لدخول النار والحرمان من دخول الجنة . فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ) . قالوا يا رسول الله ومن يأبى ؟ قال ( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) . رواه البخاري . وقال سبحانه وتعالى : {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) سورة النساء . وقال تعالى :{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء . وقال تعالى مبيناً أن من أعرض عن سنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بأنه يعض على يديه من الندم ، ويتمنى أن لوا أطاع الرسول . قال تعالى : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (27) سورة الفرقان . وقال تعالى :{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (66) سورة الأحزاب .
- أيها الناس – إن في التمسك بالسنة والثبات عليها نجاة من الفتن فقد جاء عن الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ رضي الله عنه قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ». رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، وصححه الألباني .
فالتمسك بالسنة نجاة ، كما أن الإعراض عنها ضلال وهلاك . ثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِى بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ . رواه مسلم . وثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعمل به إلا عملت به فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ . متفق عليه .
- فالسنة السنة – عباد الله – وإياكم والبدع المخالفة لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فإنها مردودة على أصحابها ، فمحاربتها ومحاربة أهلها بالحق يعتبر جهاداً في سبيل الله تعالى : كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». رواه مسلم .
وثبت عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ». متفق عليه ، وفي لفظ عند مسلم مسنداً وعند البخاري تعليقاً عن عَائِشَة أيضاًُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ ». أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله تعالى ، وأقم الصلاة .





(( الخطبة (14) في الصدق والكذب ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعـــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس - يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة . فهذا نداء من ربِّ العالمين خاصٌّ لعباده المؤمنين ، يأمرهم بتقوى الله تعالى وأن يكونوا مع عباد الله الصادقين . الصادقين في أقوالهم وفي أفعالهم ، والصادقين مع ربهم سبحانه وتعالى ومع خلقه جل وعلا .
- وقال تعالى مبيناً أن الصدق خير للعبد في الدنيا والآخرة ، يجد نفعه وثمرته في الدارين : قال تعالى :{قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (119) سورة المائدة . وقال تعالى : {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (24) سورة الأحزاب . وقال تعالى : {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب . وقال الله سبحانه وتعالى : {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ} (21) سورة محمد .
- عباد الله – إن الله تعالى جعل هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان ليعلم الصادق من الكاذب ، والمحسن من غيره . قال الله تعالى : {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3) } (1-3) سورة العنكبوت . وقال تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)} ( 1-2 ) سورة الملك . وقال الله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } (7) سورة الكهف .
- أيها الناس – إن الصدق مع الله تعالى ومع عباده . من صفات رجال الله المتقين . قال الله تعالى : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (23) سورة الأحزاب . والكذب والرياء وعدم الصدق والصراحة ، والتلون بالوجوه الكثيرة من صفات المنافقين . قال الله تعالى عن المنافقين : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) } ( 8-16) سورة البقرة . وقال تعالى {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} (1) سورة المنافقون . وقد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه . وصح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) متفق عليه . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
( الخطبة الثانية )
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعـــــد
- عباد الله – صح عن عبد الله مسعود - رضي الله عنه – أنه قال :قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وثبت عن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ، قَالَ : حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث صحيح )) . وصححه الألباني . وثبت عن أبي سفيانَ صَخرِ بنِ حربٍ - رضي الله عنه - في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ ، قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني : النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - - قَالَ أبو سفيانَ : قُلْتُ : يقولُ : (( اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ ، وَالصِّدْقِ ، والعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وجاء عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال : (( لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعاً ، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعاً )) رواه عبد الله بن وهب في الجامع ، وصححه الألباني .
وصح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم . رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني .
وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة و صدق حديث و حسن خليقة و عفة طعمه )) رواه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الشعب . وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة . وجاء عن أبي قراد السلمي رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا بطهور فغمس يده فيه ثم توضأ فتتبعناه فحسوناه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما حملكم على ما صنعتم قلنا حب الله ورسوله قال فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله فأدوا إذا ائتمنتم وأصدقوا إذا حدثتم وأحسنوا جوار من جاوركم . رواه الطبراني في المعجم الأوسط ، وحسنه الألباني . وجاء عن أَبِى أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». وجاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه قال : خطبنا عمر بن الخطاب بالجابية فقال إن رسول الله قام فينا مثل مقامي فيكم فقال
: ( احفظوني في أصحابي . ثم الذين يلونهم . ثم الذين يلونهم . ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد . ويحلف وما يستحلف ) . رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني . أقول ما سمعتم وأستغفر الله وأقم الصلاة .





(( الخطبة (15) في الحب في الله تعالى ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم - { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعـــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون – عباد الله - يقول الله تعالى في كتابه الكريم مبيناً بأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، وبأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (54) سورة المائدة . ويقول الله تعالى : {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (29) سورة الفتح . ويقول سبحانه وتعالى :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة .
- إخواني في الله – إن المؤمنين كالجسد الواحد في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، إلى غير ذلك مما أوجبه الله تعالى لبعضهم على بعض . ثبت عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ».
- أيها الناس – إن التحاب في الله تعالى في أوساط المسلمين سبب عظيم لمحبة الله تعالى لهم ودخولهم الجنة . فقد جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه – عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى ، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً ، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ قَالَ : لا ، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى ، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ )) رواه مسلم . وجاء عنه أيضاً رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم )) رواه مسلم . وجاء عن أي إدريس الخولاني رحمه الله ، قَالَ :دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإذَا فَتَىً بَرَّاق الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقيلَ : هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل - رضي الله عنه - . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ ، هَجَّرْتُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي ، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ قُلْتُ : وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لِله ، فَقَالَ : آلله ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَقَالَ : آللهِ ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَأخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي ، فجبذني إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أبْشِرْ ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ )) رواه الإمام مالك في الموطأ ، وصححه الألباني .
- عباد الله – إن من أحب قوماً حُشِر معهم – فلتكن يا عبد الله ممن يحب الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - وعباد الله الصالحين . صح عن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : الرَّجُلُ يُحبُّ القَومَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) . وجاء عن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ أعرابياً قَالَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا أعْدَدْتَ لَهَا ؟ )) قَالَ : حُبَّ الله ورسولهِ ، قَالَ : (( أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وهذا لفظ مسلم . وفي رواية لهما : مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثيرِ صَوْمٍ ، وَلاَ صَلاَةٍ ، وَلاَ صَدَقَةٍ ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ . وجاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يا رَسُول الله ، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
- إخواني في الله – إن الحب في الله تعالى من أسباب حلاوة الإيمان والثبات عليه كما جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا ، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : أي عرى الأيمان أظنه قال أوثق ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله . رواه الطبراني في المعجم الكبير ، وحسنه الألباني بمجموع طرقه . أقول ما سمعتم والحمد لله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أما بعــــد
- عباد الله – إن الحب في الله تعالى – سببٌ لرحمة الله تعالى يوم القيامة ، والتظلل بظله يوم لا ظل إلا ظله كما جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌّ نَشَأ في عِبَادَةِ الله - عز وجل - ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إنِّي أخَافُ الله ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وجاء عنه أيضاً رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنّ الله تَعَالَى يقول يَوْمَ القِيَامَةِ : أيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي )) رواه مسلم .
- المتحابون في الله تعالى على منابر من نور يوم القيامة كما جاء عن معاذ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله - عز وجل - : المُتَحَابُّونَ في جَلالِي ، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ )) . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
- إخواني في الله – إن من أحب عبداً مؤمناً فليخبره بأنه يحبه لله تعالى فإن ذلك أدعى للألفة والمحبة بين الطرفين . فقد جاء عن أَبي كَرِيمَةَ المقداد بن معد يكرب - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أخَاهُ ، فَليُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وصححه الألباني . وجاء عن معاذ - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدهِ ، وَقالَ : (( يَا مُعَاذُ ، وَاللهِ ، إنِّي لأُحِبُّكَ ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) . رواه أبو داود والنسائي . وصححه الألباني . وجاء عن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ ، - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أأعْلَمْتَهُ ؟ )) قَالَ : لا . قَالَ : (( أعْلِمْهُ )) فَلَحِقَهُ ، فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّكَ في الله ، فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ . رواه أَبُو داود . وحسنه الألباني .
- أيها الناس – إنه كما ذكرنا آنفاً أن من من أسباب محبة الله تعالى لعبده الحب في الله تعالى ، وإذا أحبك الله تعالى – أخي المسلم الكريم - فقد فزت بخيري الدنيا والآخرة . فقد جاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) . وجاء عنه أيضاً رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا أَحَبَّ اللهُ تَعَالَى العَبْدَ ، نَادَى جِبْريلَ : إنَّ الله تَعَالَى يُحِبُّ فُلاناً ، فَأَحْبِبْهُ ، فَيُحِبُّهُ جِبريلُ ، فَيُنَادِي في أَهْلِ السَّمَاءِ : إنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً ، فَأحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ )) متفق عليه . وفي رواية لمسلم : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريلَ ، فقال : إنّي أُحِبُّ فلاناً فأحببهُ ، فيحبُّهُ جبريلُ ، ثمَّ ينادي في السماءِ ، فيقول : إنَّ اللهَ يحبُّ فلاناً فأحبوهُ ، فيحبُّهُ أهلُ السماءِ ، ثمَّ يوضعُ لهُ القبولُ في الأرضِ ، وَإِذَا أبْغَضَ عَبْداً دَعَا جِبْريلَ ، فَيَقُولُ : إنّي أُبْغِضُ فُلاناً فَأبْغِضْهُ . فَيُبغِضُهُ جِبريلُ ثُمَّ يُنَادِي في أَهْلِ السَّماءِ : إنَّ الله يُبْغِضُ فُلاناً فَأبْغِضُوهُ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضَاءُ في الأَرْضِ )) . أقول ما سمعتم ، وأقم الصلاة .













(( الخطبة (16) في ذم الدنيا ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس – يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {..... وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} (26) سورة الرعد . وقال الله تعالى : {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون (8)} (7-8) سورة يونس . إن الرضا بالحياة الدنيا والاطمئنان إليها وتقديمها على الآخرة صفة من صفات أعداء الله تعالى . قال الله تعالى : {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } (212) سورة البقرة . وقال الله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} (86) سورة البقرة . وقال الله تعالى : {إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} (27) سورة الإنسان .
- إخواني في الله إن هذه الحياة الدنيا متاعٌ قليلٌ زائل والآخرة خير وأبقى . قال الله تعالى :{وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (60) سورة القصص . وقال تعالى :{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)} (16-17) سورة الأعلى . وجاء عن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ! )) رواه مسلم . وجاء عن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ . وجاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : نَامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَصيرٍ ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ : (( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني .
- أيها الناس – إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، يتمتع الكافر فيها قليلاً ثم إلى النار ، وأما المؤمن فإن مآلهُ إلى الجنة . قال الله تعالى : {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} (24) سورة لقمان . وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ )) رواه مسلم .
- أيها الناس قد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة ، وقد كان يحذر أمته من فتنة الدنيا ؛ بل ويخاف عليهم من فتنتها ، وأصحابه عليهم من الله تعالى الرضوان كانوا كذلك مقبلون على الآخرة ، زاهدون في الدنيا يتأسون في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم . فقد ثبت عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عبيدة بنَ الجَرَّاح - رضي الله عنه - إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأتِي بِجِزْيَتِهَا ، فَقَدِمَ بمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِ أَبي عُبيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا صَلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، انْصَرفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِيْنَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قَالَ: (( أظُنُّكُمْ سَمعتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ؟ )) فقالوا : أجل ، يَا رسول الله، فقال : (( أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ . وفي لفظ عند البخاري (( فّتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ )) . فكم من إنسان ألهته تجارته عن طاعة الله جل وعلا ، وكم من إنسان ألهته مزرعته عن ذكر الله تعالى ، وكم من إنسان ألهاه ماله وولده عن ذكر الله تعالى ، والله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (9) سورة المنافقون . وجاء عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : جلس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، فقال : (( إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: (( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )) رواه مسلم. وثبت عن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم ؟ )) فقالوا : مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثُمَّ قَالَ : (( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ )) قَالُوا : وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً ، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ ! فقال : (( فوَاللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ )) رواه مسلم . وثبت عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أنه قَالَ : (( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
- عباد الله – أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله أما بعـــــد
- أيها المسلمون عباد الله - ثبت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ ، وَالخَمِيصَةِ ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) رواه البخاري . وثبت عنه أيضاً - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ سَبعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ، مَا منهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ : إمَّا إزارٌ ، وَإمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ رَبَطُوا في أعنَاقِهِمْ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري . وجاء عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ )) . وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري . قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – قالوا في شرح هذا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ . وجاء عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ )) رواه ابن ماجه وصححه الألباني . وثبت عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - ، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ . رواه مسلم . والدَّقَلُ هو : رديءُ التمرِ . وثبت عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عَلَيْهِ . وثبت عن عمرو بن الحارث أخي جُوَيْرِيّة بنتِ الحارِث أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنهما ، قَالَ : مَا تَرَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري . وجاء عن خَبابِ بن الأَرَتِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : هَاجَرْنَا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى ، فَوَقَعَ أجْرُنَا عَلَى اللهِ ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأكُل منْ أجْرِهِ شَيْئاً ، مِنْهُمْ : مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ - رضي الله عنه - ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُد ، وَتَرَكَ نَمِرَةً ، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ ، بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأسُهُ ، فَأمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنْ نُغَطِّي رَأسَهُ ، وَنَجْعَل عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الإذْخِرِ ، وَمِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا . متفقٌ عَلَيْهِ .
وجاء عن سهلِ بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني . وجاء عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى ، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً )) رواه الترمذي ، وحسنه الألباني . وجاء عن كعب بن عياض - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني . وجاء عن عبدِ الله بن الشِّخِّيرِ - رضي الله عنه - ، أنه قَالَ : أتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ يَقْرَأُ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قَالَ : (( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مالي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! )) رواه مسلم . وجاء عن كعب بن مالك - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينهِ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني . أي أن الحرص على المال والشرف من أفسد ما يكون لدين العبد .
- فالله الله عباد الله - في الإقبال على الآخرة والزهد في هذه الدنيا الفانية ، فإن في ذلك الفوز بخيري الدنيا والآخرة . أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .


(( الخطبة (17) في الآخرة ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعــــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس - إن الله تعالى من حكمته سبحانه جعل للناس أجلاً لا ريب فيه ، ليجزى المحسن بإحسانه ويتفضل على من شاء من عباده ، ويجزي المسيء بإساءته ويعفو عمَّن شاء من عباده كما قال الله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا} (99) سورة الإسراء . وقال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)} (3-5) سورة سبأ .
- عباد الله – إن الله تعالى بين لنا في كتابه الكريم عن يوم القيامة . عن ذلك اليوم العظيم الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين ، وعن أسماءه وعمَّا يقع فيه من الأمور العظيمة . قال الله تعالى :{فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} (34) سورة النازعات . وقال تعالى :{فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} (33) سورة عبس . وقال تعالى :{قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (15) سورة الأنعام . يوم تسير فيه الجبال وتنسف فيه نسفاً . قال الله تعالى : {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (47) سورة الكهف . وقال تعالى : {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} (3) سورة التكوير . وقال تعالى : {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} (20) سورة النبأ . وقال الله تعالى :{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} (105) سورة طـه . تنسف الجبال حتى تصير كالصوف المنتفش المتطاير في الهواء . قال تعالى : {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} (5) سورة القارعة . قال الإمام السعدي – رحمه الله تعالى - : { كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ } أي: كالصوف المنفوش، الذي بقي ضعيفًا جدًا، تطير به أدنى ريح، قال تعالى: { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } ثم بعد ذلك، تكون هباء منثورًا، فتضمحل ولا يبقى منها شيء يشاهد . فحينئذ تنصب الموازين .
- ويوم تتشقق فيه السماء وتتفطر . قال الله تعالى :{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} (25) سورة الفرقان . وقال تعالى :{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (37) سورة الرحمن . وقال تعالى : {وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } (16) سورة الحاقة . وقال تعالى :{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} (1) سورة الإنشقاق . وقال تعالى :{إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} (1) سورة الإنفطار . وقال تعالى : {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبً (17) السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)} (17-18) سورة المزمل .
- ويوم تتفجر فيه البحار وتشتعل ناراً . قال الله تعالى : {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (3) سورة الإنفطار . وقال تعالى :{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (6) سورة التكوير . وفي ذلك اليوم العظيم تتكور الشمس ويذهب ضوءها . قال الله تعالى : {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (1) سورة التكوير . وتنطمس النجوم وتتناثر . قال الله تعالى :{وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} (2) سورة التكوير . وقال تعالى :{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} (8) سورة المرسلات . وقال تعالى :{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} (2) سورة الإنفطار .
- أيها الناس – يقول الله تعالى :{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ } (68) سورة الزمر . وقال تعالى : {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} (18) سورة النبأ .
وقال تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} (20) سورة ق . وقال تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (51)} (51-52) سورة يــس . وقال تعالى : {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (42) سورة ق . أي يوم الخروج من القبور . وجاء عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كَيْفَ أنْعَمُ ! وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ )) فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلَى أصْحَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُمْ : (( قُولُوا : حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( القَرْنُ )) : هُوَ الصُّورُ الَّذِي يُنفَخُ فِيهِ . قَالَ الله تَعَالَى : { وَنُفِخَ في الصُّورِ } كذا فسَّره رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
- إخواني في الله – إن في ذلك اليوم العظيم ينقسم الناس فيه إلى قسمين (( شقي وسعيد )) و (( فريق في الجنة وفريق في السعير )) . كما قال الله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7) سورة الشورى . وقال الله تعالى :{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} (102-108) سورة هود .
- أيها الناس – يقول الله تعالى مبيناً عن بعض أحوال الفريقين في يوم القيامة :{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} (60) سورة الزمر . وقال الله تعالى :{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (106) سورة آل عمران . وقال الله تعالى :{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (107) سورة آل عمران . وقال الله تعالى :{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} (102) سورة طـه . وقال الله تعالى :{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} (48) سورة القمر . وقال تعالى :{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (34) سورة الفرقان . وقال الله تعالى :{...... وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (97) سورة الإسراء . وقال تعالى :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)ٌ} (22-25) سورة القيامة . وقال الله تعالى : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} (38– 42)سورة عبس . وقال تعالى :{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا} (48) سورة الكهف . وقال تعالى :{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } (30) سورة الأنعام . وقال تعالى :{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } (12) سورة السجدة . وقال تعالى : {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ } (71) سورة الزمر . وقال تعالى :{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} (86) سورة مريم . قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى : يساقون إلى جهنم وردا، أي: عطاشاً . وقال الله تعالى : {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} (41) سورة الرحمن . وقال تعالى : {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ} (47) سورة الدخان . وقال الله تعالى : {(12) فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)} (12-34) الحاقة . وقال تعالى :{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} (13) سورة الطور . أي يدفعون إلى جهنم دفعاً . وقال الله تعالى : {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73) سورة الزمر . وقال تعالى :{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} (85) سورة مريم .
- عباد الله – أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعــــــد
- أيها الناس فلنعد العدة لذلك اليوم الذي يجيء فيه رب العالمين بنفسه سبحانه وتعالى للفصل بين عباده . قال الله تعالى : {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)} (22-23) سورة الفجر . ففي ذلك اليوم يتذكر الإنسان أعماله في الدنيا فيعض الظالم على يديه من الندم ويتمنى أن لو قدم لحياته الأبدية . قال الله تعالى : {... يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)} (23-24) سورة الفجر . وقال الله تعالى :{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى} (35) سورة النازعات .
- أيها الناس – عباد الله – ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا )) رواه مسلم . وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَقُومُ النَّاس لِرَبِّ العَالَمينَ حَتَّى يَغِيبَ أحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلَى أنْصَافِ أُذُنَيهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ(( الرَّشْحُ )) : العَرَقُ .
(( الخَنِينُ )) : هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّة وانتِشَاقِ الصَّوْتِ مِنَ الأنْفِ . وثبت عن المقداد - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ )) قَالَ سُلَيْم بنُ عامِر الراوي عن المقداد : فَوَاللهِ مَا أدْرِي مَا يعني بالمِيلِ ، أمَسَافَةَ الأرضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ ؟ قَالَ : (( فَيكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، ومنهم من يكون إِلَى ركبتيه ، ومنهم مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَاماً )) . قَالَ : وَأَشَارَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدهِ إِلَى فِيهِ . رواه مسلم . وثبت عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرضِ سَبْعِينَ ذِراعاً ، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعنى (( يَذْهَبُ في الأرضِ )) : ينزل ويغوص . وصح عن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وصح عن أَبي برزة - براء ثُمَّ زاي - نَضْلَة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )) رواه الترمذي ، وصححه الألباني . وصح عن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً )) قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، الرِّجَالُ وَالنِّساءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعْض ؟! قَالَ : (( يَا عائِشَةُ ، الأمرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ )) .
وفي رواية : (( الأَمْرُ أهمُّ مِنْ أنْ يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلَى بَعض )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . (( غُرلاً )) أيْ : غَيرَ مَختُونينَ . أقول ما سمعتم أقم الصلاة .


(( الخطبة (18) في الجنة ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس – يقول الله تعالى في كتابه الكريم عن الجنة وأهلها :{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (82) سورة البقرة . وقال تعالى :{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (43) سورة الأعراف . وقال تعالى :{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (26) سورة يونس . وقال الله تعالى :{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (35) سورة الرعد . وقال تعالى : {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أََمْعَاءهُمْ} (15) سورة محمد . وقال تعالى :{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (63) سورة مريم . وقال الله تعالى :{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (24) سورة الفرقان . وقال الله تعالى :{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (58) سورة العنكبوت . وقال الله تعالى :{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} (55) سورة يــس . وقال تعالى :{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73) سورة الزمر . وقال الله تعالى :{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (74) سورة الزمر . وقال تعالى :{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} (70) سورة الزخرف . وقال الله تعالى :{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (72) سورة الزخرف . وقال الله تعالى :{وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (25) سورة البقرة . وقال الله تعالى :{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (15) سورة آل عمران . وقال الله تعالى :{وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (72) سورة التوبة .(( ومساكن طيبة )) قصور من ذهب خالص ، وقصور من ذهب وفضة ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، وخيام من لآليء ، وغرف يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، وغير ذلك مما يعلمه الله تعالى . فقد صح عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا ؟ فقالوا لرجل من قريش فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك ) . قال وعليك أغار يا رسول الله ؟ . رواه البخاري . وجاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه - قال : قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك الاذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ..... رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، وصححه الألباني . وصح عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه - عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». متفق عليه .
وجاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وعن غيره رضي الله عنهم أجمعين عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَلَانَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ . رواه الإمام أحمد ، والطبراني ، وصححه الألباني . وقال الله تعالى : {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ} (31) سورة النحل . وقال الله تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (23) سورة الحـج . وقال الله تعالى :{أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (31) سورة الكهف . وقال الله تعالى :{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (33) سورة فاطر . وقال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} (107) سورة الكهف . وقال الله تعالى :{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (15) سورة الذاريات . وقال الله تعالى :{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} (54) سورة القمر . وقال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} (11) سورة البروج .
- عباد الله أقول ما سمعتم وأستغفر الله .

(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعــــــد
- أيها المسلمون - ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِى مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَفَفْتَ. فَقَالَ « إِنِّى رَأَيْتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا ..... متفق عليه . وثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعني سوطه - خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) . وثبت عن أَبُي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : « إِنَّ أَدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَمَنَّ. فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَمَنَّيْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ. فَيَقُولُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَا تَمَنَّيْتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ». رواه مسلم . وثبت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِى مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ تَبَارَكَ الَّذِى نَجَّانِى مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِىَ اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِى غَيْرَهَا. فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَعَلِّى إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِى غَيْرَهَا . فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا. ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا قَالَ بَلَى يَا رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قَالَ يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ». فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَلاَ تَسْأَلُونِّى مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ قَالَ هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ». رواه مسلم . وثبت عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ – رضي الله عنه – قَالَ : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : « سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً قَالَ هُوَ رَجُلٌ يَجِىءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ فَيُقَالُ لَهُ أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِى الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ . فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِى وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ». قَالَ : وَمِصْدَاقُهُ فِى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) الآيَةَ. وصح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ ». وجاء عن أنس – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ............ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِى الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِى الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ ». أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .















(( الخطبة (19) في النار ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعـــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها الناس يقول الله تعالى في كتابه الكريم :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم . هذا نداء عظيم من رب العالمين خاصٌّ لعباده المؤمنين يحذرهم من النار (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) أي اجعلوا يبنكم وبين عذاب الله تعالى وقاية بطاعته واجتناب معصيته . ويقول الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (56) سورة النساء . كلما نضجت جلودهم أبدلهم الله تعالى جنوداً غيرها ليذوقوا العذاب . وقال الله تعالى عن أهل النار الذين هم أهلها :{يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} (37) سورة المائدة . وقال الله تعالى :{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (27) سورة الأنعام . وقال الله تعالى :{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (53) سورة الكهف . وقال الله تعالى : {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} (50) سورة الأعراف . وقال الله تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} (106) سورة هود . وقال تعالى : {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} (23) سورة الفجر . وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ». رواه مسلم . وثبت عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قَالَ : « مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ فِى النَّارِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ » . متفق عليه . وصح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أيضاً - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاَثٍ ».رواه مسلم . وثبت عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِى النَّارِ صَبْغَةً ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ فَيَقُولُ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وثبت عن مجاهد – رحمه الله تعالى - قال : قال بن عباس : أتدري ما سعة جهنم قلت لا قال أجل والله ما تدري إن بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفا تجري فيها أودية القيح والدم قلت أنهارا قال لا بل أودية ثم قال أتدرون ما سعة جهنم قلت لا قال أجل والله ما تدري حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } فأين الناس يومئذ يا رسول الله قال هم على جسر جهنم ، رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني .
- أيها الناس – يقول الله تعالى : {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} (88) سورة النحل . وقال الله تعالى : {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَْت صَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)} (21-30) سورة النبأ .
- ثبت عن عبد الله بن مسعود في قوله : { زدناهم عذابا فوق العذاب } قال : زيدوا عقاربا أنيابها كالنخل الطوال . رواه الطبراني ، وصححه الألباني . وجاء عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي النَّارِ حَيَّاتٍ كَأَمْثَالِ أَعْنَاقِ الْبُخْتِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَإِنَّ فِي النَّارِ عَقَارِبَ كَأَمْثَالِ الْبِغَالِ الْمُوكَفَةِ تَلْسَعُ إِحْدَاهُنَّ اللَّسْعَةَ فَيَجِدُ حَمْوَتَهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً . رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعـــــد
- إخواني في الله – إن أهل النار يبكون ويصرخون في النار حتى أنهم ليبكون الدم مكان الدمع كما قال الله تعالى عنهم : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ (37)} (36-37) سورة فاطر . وقال الله تعالى : {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (82) سورة التوبة . وثبت عن عبد الله بن قيس : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت و أنهم ليبكون الدم . رواه الحاكم ، وصححه الألباني .
- وقال الله تعالى : {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)} (43-50) سورة الدخان . وقال الله تعالى : {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} (29) سورة الكهف . وقال الله تعالى : {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} (19-22) سورة الحج . وقال الله تعالى : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)}(75-78) سورة الزخرف . وقال الله تعالى :{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111) قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} (103-116) سورة المؤمنون .
- إخواني في الله – لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينذر أقاربه والناس أجمعين من نار الجحيم . صح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما - قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ . خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ « يَا صَبَاحَاهْ ». فَقَالُوا مَنْ هَذَا الَّذِى يَهْتِفُ قَالُوا مُحَمَّدٌ. فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ « يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى فُلاَنٍ يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ » فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ ». قَالُوا مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ « فَإِنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ». قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَمَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ. كَذَا قَرَأَ الأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةُ . متفق عليه .
- فيا عباد الله اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة . ثبت عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَالَ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ». متفق عليه . أقول ما سمعتم وأقم الصلاة .


(( الخطبة (20) في ذكر بعض أسماء الله تعالى وصفاته ))
- إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما }
أما بعــــد . فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدr وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . أعاذني الله وإياكم من البدع والضلالات والنار .
- أيها المسلمون - عباد الله – يقول الله تعالى :{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف . وقال الله تعالى :{اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} (255) سورة البقرة . ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ )) لا معبود بحق إلا هو سبحانه وغيره إن عبد فقد عبد بباطل . قال الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (30) سورة لقمان . وقال الله تعالى : {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} (51) سورة النحل . ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ )) . (( الحي )) حياة تليق بجلاله سبحانه (( ليس كمثله شي وهو السميع البصير )) ، حياة لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء ، وحياة المخلوق سبقها عدم ويلحقها فناء كما قال الله تعالى :{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} (1) سورة الإنسان . وقال تعالى : {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)} (66-67) سورة مريم . وقال تعالى : {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} (26-27) سورة الرحمن . وقال تعالى : {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} (58) سورة الفرقان . وثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِى أَنْتَ الْحَىُّ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ ». متفق عليه . ((الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) سبحانه وتعالى . ((لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ )) أي لا يأخذه مقدمات النوم وهو النعاس ، ولا نوم . ثبت عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري – رضي الله عنه – قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ النَّارُ - لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ لَوْ كَشَفَهُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ » . رواه مسلم . ((لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ)) لله ما في السماوات وما في الأرض من جن وإنس وحجر وشجر ومدر وغير ذلك . ((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) الشفاعة لله تعالى سبحانه لا يمكن أن يشفع أحد إلا بإذن الله تعالى ، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى . قال الله تعالى : {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (44) سورة الزمر . وقال الله تعالى : {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (109) سورة طـه . وقال الله تعالى : {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (28) سورة الأنبياء . ((يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )) فالله سبحانه وتعالى يعلم بجميع أحوال عباده سبحانه وتعالى . قال الله تعالى : {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} (7) سورة طـه . وقال تعالى : {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} (6) سورة الفرقان . {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} (5) سورة آل عمران . وقال تعالى : {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} (38) سورة إبراهيم . وقال الله تعالى : {......إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (7) سورة الأعلى . وقال تعالى :{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (61) سورة يونس . وقال تعالى : {إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (54) سورة الأحزاب . وقال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (38) سورة فاطر . أقول ما سمعتم وأستغفر الله .
(( الخطبة الثانية ))
- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعـــــد
- إخواني في الله - يقول الله تعالى : ((وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاء)) الله تعالى هو الذي يُعَلَّم عباده سبحانه . قال الله تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (31) سورة البقرة . وقال الله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (22) سورة يوسف . وقال الله تعالى عن نبيه موسى – عليه الصلاة والسلام - {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (14) سورة القصص . وقال الله تعالى عن الخضر عليه الصلاة والسلام : {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (65) سورة الكهف . وثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه –عن النبي – صلى الله عليه وسلم - في قصة موسى والخضر : (( ..... قَالَ أَنَا مُوسَى. قَالَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ. قَالَ إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ. ..... )) متفق عليه . وقال الله تعالى لنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم - : {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (113) سورة النساء . وقال الله تعالى :{..... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طـه . وقال الله تعالى : {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (5) سورة العلق . وثبت عن مُعَاوِيَةَ – رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ ». متفق عليه . ((وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا)) ثبت عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم : (( ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة )) . رواه ابن حبان ، وصححه الألباني بمجموع طرقه . (( ولا يؤوده حفظهما )) لا يثقل ولا يشق عليه حفظ الساوات والأرض بل ذلك كله يسير عليه سبحانه وتعالى . ((وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)) . الله تعالى عالٍ على خلقه مستوٍ على عرشه سبحانه (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) . قال الله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه . وقال تعالى : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } (10) سورة فاطر . وقال الله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (1) سورة الأعلى . وثبت عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ قَالَ : كَانَتْ لِى جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِى قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِى آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّى صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَىَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُعْتِقُهَا قَالَ « ائْتِنِى بِهَا ». فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا « أَيْنَ اللَّهُ ». قَالَتْ فِى السَّمَاءِ. قَالَ « مَنْ أَنَا ». قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ « أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ». رواه مسلم . (( العظيم)) وهو العظيم سبحانه وتعالى القائل عن نفسه سبحانه وتعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (67) سورة الزمر . والقائل سبحانه : {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (9) سورة الرعد . وقال تعالى : {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } (104) سورة الأنبياء .أقول ما سمعتم ، والحمد لله رب العالمين ، وأقم الصلاة .