أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم

تحقيق المسألة في بيان حكم تسمية العشاء بصلاة العتمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد..
روى أبو داود في سننه، بَابٌ فِي صَلَاةِ الْعَتَمَةِ،رقم[4984] والنسائي في سننه،رقم[541،542] وابن ماجة ، بَابُ
النَّهْيِ أَنْ يُقَالُ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ،رقم[704،705]،
قال:


حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ، فَإِنَّهَا الْعِشَاءُ، وَإِنَّهُمْ لَيُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ»

جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْعُظَمَاءَ إِذَا سَمَّوْا شَيْئًا بِاسْمٍ فَلَا يَلِيقُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَنْقِيصٌ لَهُمْ وَرَغْبَةٌ عَنْ صَنِيعِهِمْ
وَتَرْجِيحٌ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ سَمَّاهَا فِي كِتَابِهِ الْعِشَاءُ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَيُقَبَّحُ بَعْدَ
تَسْمِيَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ
.[ عون المعبود مع حاشية ابن القيم 13/224]

فمن هذا الباب كره كثير من العلماء تسمية صلاة العشاء بصلاة العتمة.
قال ابن قدامة :( وَتُسَمَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ الْعِشَاءَ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ:
الْعَتَمَةُ. صَاحَ وَغَضِبَ، وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ الْعِشَاءُ
) [المغني 1/279]

وقال في البيان والتحصيل- للمالكية-:(قال مالك: الصواب من ذلك ما قال الله تعالى:
{وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]
، فسماها الله تعالى العشاء، فأحب للرجل أن يعلمها أهله وولده ومن
يكلمه بذلك
، فإن اضطر أن يكلم بها أحدا ممن يظن أنه لا يفهم عنه فإني أرجو أن يكون من ذلك في سعة.


قال محمد بن رشد: وجه كراهية مالك أن تسمى العشاء الآخرة العتمة إلا عند الضرورة ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
من قوله: «لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم إنما هي العشاء ولكنهم يعتمون على إبلهم» . وقد قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون
ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا» ، فسمى العشاء في هذا الحديث العتمة
) [1/324]

قال النووي:( يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى
عَتَمَةً وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ
يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى عَتَمَةً
) [المجموع شرح المهذب 3/41]

فإن قيل قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: («لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا»)
فكيف الجمع بين هذا وذاك..؟
قال الطحاوي:( أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَسْمِيَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا الْعَتَمَةَ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ أَمْرُهُ إِيَّاهُمْ بِالْعِتَامِ
بِهَا، أَيْ: بِالتَّأَخُّرِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا هُوَ الْعِشَاءَ لَا الْعَتَمَةَ كَمَا تَقُولُ: أَمْسَيْتُ بِصَلَاةِ الْعَصْرِ، لَا لِأَنَّ الْمَسَاءَ اسْمٌ لَهَا وَلَكِنْ إِخْبَارٌ
مِنْكَ أَنَّكَ أَمْسَيْتَ بِهَا، وَاسْمُهَا غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنَ الْمَسَاءِ بِهَا
) [شرح مشكل الأثار 3/27]

وقال بعضهم:(فالوجه في الجمع بين الحديثين أن الذي كانت العرب تعرفه في اسم هذه الصلاة العتمة للمعنى المذكور في الحديث
الأول، فكان الأمر على ذلك إلى أن أنزل الله عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58]
إلى قوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]
، فنهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن تسميتها العتمة. وفي كتاب ابن مزين أن
من قال في صلاة العشاء العتمة كتبت عليه سيئة، وبالله التوفيق.
) [البيان والتحصيل 1/324]


قال النووي:( فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِتَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا
وَلَوْ حَبْوًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ
لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ مَنْ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ بِالْمَغْرِبِ فَلَوْ قِيلَ الْعِشَاءُ لَتَوَهَّمَ إرَادَةَ الْمَغْرِبِ لانها كانت
مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ بِالْعِشَاءِ وَأَمَّا الْعَتَمَةُ فَصَرِيحَةٌ فِي العشاء الآخرة فاحتمل اطلاق العتمة هنا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ
) [المجموع 3/41-42]


وقِيلَ هَذَا نَاسِخٌ لِلْمَنْعِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَالصَّوَابُ خِلَافُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالتَّارِيخِ مُتَعَذَّرٌ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْهَ
عَنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْعَتَمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يُهْجَرَ اسْمُ الْعِشَاءِ، وَهُوَ الِاسْمُ الَّذِي سَمَّاهَا اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَيَغْلِبَ عَلَيْهَا اسْمُ
الْعَتَمَةِ، فَإِذَا سُمِّيَتِ الْعِشَاءَ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا أَحْيَانًا الْعَتَمَةُ، فَلَا بَأْسَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَهَذَا مُحَافَظَةً مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَاتِ، فَلَا تُهْجَرُ وَيُؤَثِّرُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا، كَمَا فَعَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ
فِي هِجْرَانِ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ، وَإِيثَارِ الْمُصْطَلَحَاتِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهَا، وَنَشَأَ بِسَبَبِ هَذَا مِنَ الْجَهْلِ وَالْفَسَادِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ.
[ زاد المعاد 2/230]


وخلاصة الأمر أنه قد جاء النهي في الشريعة عن تسمية العشاء بالعتمة، من باب المحافظة على الآداب في الألفاظ، وإلا فقد جاءت
أحاديث فيها تسمية العشاء بالعتمة كما سبق، ولكن الالتزام بلفظ القرآن هو الأولى، وإن حصل عكس ذلك فلا يكون هو الأغلب السائد.


هذا والله اعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أخوكم الصغير/
أبو بكر