باكيتا .. داهية وطبيب نفسي ومدرسة في مناورة الخصوم
أصاب البرازيلي ماركوس باكيتا مدرب المنتخب السعودي، النقاد والرياضيين والمحللين وبعض الذين تحولوا إلى كبار المستشارين الفنيين على طاولات القنوات الفضائية، بحرج شديد حينما تحولوا من شعراء هجائين قبل بدء المونديال إلى شعراء مادحين يكتبون المعلقات والقصائد المدائحية التي وصفته بالعبقري والداهية والمدرب الفلتة.
كان باكيتا طوال ثلاثة أشهر صامتا لا يقارع أحدا منهم يركز على منتخبه ويخطو به نحو التألق، هاجموه وقالوا لم يثبت على تشكيلة انتقدوه وقالوا يلعب بخطة 4/5/1 وهي عقيمة، غضبوا عليه وطالبوا باللعب كما تشتهي أنفسهم وكما تهوى أفئدتهم.
لم يلق لهم بالا، أعرض عن كل الآراء واستمع للاعبيه ومستشاريه العشرة، واتفقوا على خطة واستراتيجية ظهر جزء من ملامحها أمس الأول أمام تونس والباقي أدهى وأمر للخصوم.
منح باكيتا اللاعبين الثقة وأطلق أحاديث إعلامية أعطت نجوم الأخضر مفعول السحر، حينما وعد الجماهير السعودية بالتأهل للدور الثاني وناور خصومه بأنه يخطط لمفاجأة سترى النور في مباراة تونس.
كل ذلك يعطي قوة خارقة وطاقة هائلة تتفجر إبداعا في نفوس اللاعبين، ويدل على اطلاع وقدرة على تهيئة النجوم نفسيا وهذا هو الأهم، وكان باكيتا يجلجل في التدريب الأخير بالضحكات مع اللاعبين قبل النزال بيوم، ما يوحي بأنه واثق الخطوة ولا يعنيه أحد.
وكان الأشقاء التوانسة وإعلامهم ونقادهم ومدربوهم قد أصموا مسامع الدنيا باكتظاظ صفوف فريقهم بالمحترفين الأوروبيين الخبراء الذين يتفوقون على المنتخب السعودي بالفكر الاحترافي والعقلية الناضجة كرويا.
طبعا، نعلم أن التفوق على الورق ليس انتصارا إنما الفوز بتطويع الكرة حتى تلامس الشباك، أما المفاخرة بالاحتراف في أوروبا لا يسمن ولا يغني من جوع، ورأينا كيف اختفى حاتم الطرابلسي ظهير أجاكس الهولندي الذي تتهافت عليه الأندية الإنجليزية والأوروبية، تحت مظلة الماهر حسين عبد الغني (صناعة سعودية خالصة خالية من الشوائب).
وكيف اقتنص ياسر القحطاني النجم الذي بات عالميا، الكرة من بين أقدام المحترفين رياض الجعايدة وكريم حقي، وحولهم إلى مدافعين أقزاما أمام حارسهم العجوز علي أبو منيجل (أكبر لاعب عمرا في المونديال).
وكيف تلاعب المبدع محمد نور والرائع نواف التمياط بالكهل المحوري رياض بوعزيز.
وكيف فتح الشابان اليافعان المفاجأتان محمد أمين ومالك معاذ الطرق والممرات والشوارع في دقائق معدودة لعباها أمام محترفي قرطاج في أوروبا.
إذاً، الكرة عطاء وروح وبذل واحترام الخصم وتجانس وتناغم وسرعة والتحام وإصرار .. والثمرة تكون دوما الانتصار.
أخطأ أولئك المتكلمون خاصة بعد نزال الأخضر أمام تركيا وخاصة أحدهم وهو الدكتور مدني رحيمي حينما قال إن باكيتا يكتب نهايته قبل كأس العالم وهو في الحقيقة كتب نهاية جهل تام غشي عقل الرحيمي الذي أثر على المشاهدين بآراء متسرعة تضر ولا تنفع، ولا سيما نحن نعيش الكرة الحديثة ليس كرة الأحياء وكرة الحجارة.
ليس مدني وحده بل غيره كثر، نظروا وقالوا وفندوا واتهموا وجعلوا أحد كبار المدربين وهو باكيتا مفلسا فنيا، والآن بعد الأداء الكبير أمام تونس نريد أن نسألهم (من المفلس؟).
بودي قبل أن أختم أن أشير إلى رواية نسجها بطل صمد أمام كل الانتقادات وجلس على أريكة الاحتياط نجما كبيرا مفيدا داخل الملعب وخارجه وسجل هدفا تاريخيا له ولبلده كختام برائحة المسك لنجم طالما ظلم .. إنه سامي الجابر.