أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم
الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنَّ من أبرز خصائص ديننا الإسلامي أنَّه دين وسط؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143]، فإن في الإسلام العدل في جميع الأمور، وهو معنى ﴿ أُمَّةً وَسَطًا ﴾، وذلك في العبادات والمعاملات، فلا يكون غلوٌّ وتشديدٌ، ولا انحراف وتقصير، كما فعل أصحابُ الكتب السماوِيَّة السابقة، كما غَلَتِ النصارى في عيسى وجعلوه ابنًا لله - سبحانه وتعالى عمَّا يقولون - والرهبانية التي ابتدعوها ولم يقوموا بها، وكما فعل اليهود في حق الله - تعالى - بأنْ وَصفوه بأبشعِ الأوصاف؛ بأنه - سبحانه - فقير وبخيل، لعنهم الله، وغضب عليهم، واشتراك الديانتين في تحريف كتبهم المنَزَّلَة: التوراة والإنجيل، على ما تهوى أنفسهم.
وقد ظهر في هذه الأزمان فئات من الناس حَرَّفوا معنى وسطية الإسلام وتطبيقاتِها على أرضِ الواقع، وغالبهم من عامَّةِ الناس، وهو أن يعملَ الإنسانُ ما يرغبه من الأعمال، وإن كان عمله هذا فيه معصية لله، فلا بأسَ بأن يسمع أحيانًا الأغاني، ويشاهد المنكرات في التِّلفاز أحيانًا أخرى، إضافة إلى الغِيبة والنميمة، ولا يقضي جميعَ وقته في الطاعة والعبادة والالتزام، بل إنَّ هناك فئات من الناس تنتقد الالتزام والاستقامة، ففي الأثر قال سهل بن عبدالله التستري: عليكم بالأثر والسنة، فإنِّي أخاف أنَّه سيأتي عن قليلٍ زمانٌ إذا ذكر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والاقتداء به في جميع أحواله، ذَمُّوه، ونفروا عنه، وتبرؤوا منه، وأذلوه، وأهانوه.
وهذا هو الحاصل واللهِ، في زماننا هذا، وذلك من مكايد الشيطان ووساوسه، فيجب علينا ألاَّ ننخدع في هذه المجازفات والانغماس في المعاصي، والحذر من الشيطان قَدْرَ المستطاع، فإنَّه يلبس علينا ذلك، كما ذكر ذلك ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس": فصل في تلبيس إبليس على العوام: أن يعتمد أحدهم على خلَّة خير، ولا يُبالي بما فعل بعدها، فمنهم من يقول: أنا من أهل السنة، وأهل السنة على خير، وكشف هذا التلبيس أن يقال له: إن الاعتقاد فرض، والكف عن المعاصي فرض آخر، فلا يكفي أحدهما عن صاحبه، ويقاس على ذلك حال الناس اليومَ، فمنهم من يقول: أنا أحافظ على الصلوات، وأصوم، وأزكي، ولا بأس إن سَمعت الأغاني، وشاهدت القنوات الفضائية، وينسى غاية ما خُلِقَ من أجله، وهو عبادة الله، والانقياد له والخضوع، والبُعد عما يغصبه ويوجب عقابه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ومن هذا الباب أنصح إخواني المسلمين بأنْ يتَّقوا اللهَ، وأن يتثبتوا في تصرُّفاتِهم، ولا يتأولوا أمورَ الدين بأهوائهم ورغباتِهم، والحذر غاية الحذر من الوقوع في ذلك.