أيمن خالد دراوشة الدوحة / قطر

فجأَةً سقط ظلامٌ كثيفٌ ، حادٌّ ، باغتنِي ، فتيبَّسَتْ أعضائي والأشياءُ من حولي ، عيوني فقطْ كانت تبرقُ وتدور في كلِّ اتِّجاهٍ ..وبدوْتُ أكثر من قطَّةٍ خائفةٍ .
للوهلةِ الأُولى لم أَدرِ هل قَطِع التَّيَّارُ الكربائيُّ عن بيتنا فقط ؟ أمْ عنِ الحيِّ كلِّهِ ؟ ..
واحتاجَ الأمر منِّي إلى خُطواتٍ شجاعةٍ نحوَ النَّافذةِ ، أزحْتُ السِّتارةَ الثَّقيلةَ ، خلفها كان السَّوادُ يمتدُّ برعونةٍ .
أحسسْتُ أنَّ كارثةً قد حدثتْ ، وأنَّني خائفٌ على نحوٍ ما ، كنتُ وحدي في البيتِ ، ولم يبدُ الأمرُ مُسلِّياً ..
مشيتُ نحو المطبخِ بحذرٍ ، يدايَ تتلمَّسانِ الجدران ، بينما قدمايَ تخطوانِ على الأرض برفقٍ مبالغٍ فيهِ ، لم أكنْ خائفاً منَ اصطدامي بشيءٍ فأَكسرَهُ أو يكسرَني ، وإنَّما تهيَّأَ لي أنَّ شبحاً على الأقلِّ سيخرجُ لي ،وسيداعبني كما يحلو له ، ولم أشغلْ نفسي بسُؤالٍ سمِجٍ أظنُّه افترش رُكَبِي ، لِماذا لا تخرج الأشباح إلاَّ في الظَّلام ؟!..
الخوف يدفعني لمزيدٍ منَ السُّرعة ، المطبخ يغرق في العتمة ، وليس هناك إلاَّ قرقعة الأواني كلَّما اصطدمتْ يدي بإحداها ، أين الكبريت ؟ .. اللَّعنة .. إنَّني لا أرى الأشياء فـي النُّور ، فكيف بالظَّلام ؟..
فكَّرتُ – والحمد لله أنَّ لي القدرة على ذلك – أن أُنادي جاري من شبَّاك المطبخ ، لكنِّي لم أفعلْ ، سيُدرك أنِّي خائفٌ وقد يضحك منِّي في سرِّهِ ، وربَّما يضحك عَلَنَاً حين يفترش الضَّوء كلَّ ركنٍ في البيت ، ويُذكِّرني بالَّذي كان ..
آهٍ الهاتف ! لو أصل إليه في عالمه البعيد في غرفة النَّوم ، لقلتُ لهم أن يعودوا ، سأخترع أيَّة قصَّةٍ كي يسرعوا ،ماتتِ الفكرة
قبل أن يقطعوا حبل سُرَّتها ، السَّاعة لا أظنُّني أتذكَّر رقماً واحداً ، وهل تُراني أستطيع انتظارهم وسط هذا الظَّلام ؟..
يدي ما تزال تعبث في كلِّ مكانٍ مُفتِّشةً ، أُمسك أحياناً أشياءَ
لزِجَةٍ فلا أحاول التفكير في ماهيَّتِها .. آهٍ علبة الكبريت .. ماءٌ عذْب البرودة أرمي أصابعي فيه .
أشعلتُ عوداً .. وآخر .. جعلت أبحث عن الشَّمع ، وجدته سريعاً أشعلْتُ واحدةً ، وسرت بها بحذرٍ نحو غرفة الجلوس ، وضعتها أمام شاشة التِّلفاز لأَكسبَ مزيداً من الضَّوء، جلستُ مُنهكاً ، حاولتُ أن أبتسمَ كالأطفال تخاف منَ العتمة ، حين يغمر الضوء البيت فجأةً ، ستضحك ملْءَ أعماقك، وستعترف لنفسك بأنَّك أحمقٌ .. سأعترف أنَّني أكثر من أحمق ، فقط لو ينهمر الضوء ..لو أنَّهم هنا لضحكتُ كثيراً ، ولبدا الأمر نوعاً من التغيير .. لكنِّي وحدي ، قمْتُ من مكاني واقتربتُ منَ الشَّمعة ، لعلِّي أحسست بالبرد ؟!
كادتِ الشَّمعة تقع ، ثبَّتها في مكانها في اللحظة التي نظرتُ فيها إلى الحائط ، كان ظلُّ يدي على الحائط كبيراً جدَّاً،وبدا كأنَّه صورةٌ لحيوانٍ غريبٍ .. وتذكَّرتُ طفولتنا ، كنَّا نتجمَّع حول الشموع حين ينقطع التيار ، ونصنع بأصابعنا أشكالاً كثيرةً وننظر إليها كيف تتشكَّل على الحيطان ؟
حيواناتٌ غريبةٌ ، أشباحٌ .. أشجارٌ .. وكنَّا نخرج أصواتاً عجيبةً ترافق الظلال ، فنضحك مدركين جَميعاً أنَّنا نصطنع الضحك .
بدأتُ – ولا أدري لماذا أردت ذلك ؟ - بصنع حركاتٍ في يدي أنظر لها على الحائط كيف تتشكَّل ؟
أحياناً تبدو غير مفهومةٍ ، وأحياناً أشجارٌ ، غيومٌ ، حيواناتٌ لكنَّها في الغالب صورٌ لأشباحٍ شريرةٍ،لم يرقْ لي الأمر ، أحسسْتُ بالخوف ، ربَّما كان خوفاً ساذجاً ، ليس له مايبرِّره، لكنْ كان يأكل رُكَبي ، أبعدتُ يدي وخبَّأْتُها في حضني ، لكنِّي بعد لحظاتٍ تشوَّقْتُ أن أمُدَّها ثانيةً ، حرَّكت إصبعي الإبهام نحو الأمام ، خبَّأتُ السَّبَّابة وبقيَّة أصابعي ، جعلتها شبهَ منحنيةٍ ، نظرت إلى الحائط ، وجعلت أغيِّر من حركات أصابعي ببطءٍ ، كان الظِّلُّ يرعبني ، صورة كلبٍ يمدُّ لي لسانه ، انبثقتْ من وسط الحائط ، لماذا تأخَّروا ؟ أيــن الضوء ؟ .. حلقي جافٌّ .. لم أعد قادراً على المكوثِ ، الكلب ينبح في وجهي ، وظلالٌ أخرى تضحك بلا حياءٍ ، تضحك .. خبَّأتُ يدي .. الظِّلال تتعملق على الحيطان ، تريد الخروج .. تقترب منِّي .. بسرعةٍ تمتدُّ يدي إلى الشمعة ، أنفخ عليها بقوَّةٍ فتنطفِئ ..
ظلامٌ دامسٌ ساد ، الكلب يخرس ، والظلال تختفي ، تنفَّستُ بعمقٍ ، وجلستُ هادئاً في انتظار أن يحدث شيءٌ !!
*******************************