أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرُّسل، بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصِّرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم )) .
أما بعد :
فقد دار حديث بيني وبين أحد الإخوة من طلبة الحديث حول التصدي للحكم على الحديث ، وما نشاهده من العجلة التي أوقعت الكثير في تصحيح الكثير مما لا يصحُّ ، وذلك أنَّ بعض المحققين اشترطوا على أنفسهم تخريج جميع أحاديث الكتاب المُحَقق مع الحكم عليها ، فكل حديث يمر في كتابه يحكم عليه بما يظهر له على عجالة من غير تريُّث ، وأنَّا له التريُّث وأمامه آلاف الأحاديث ، فقادته عجلته إلى الوقوع في أوهام كثيرة ، ومخالفات عديدة ، فتحقيقهم لم يعد تحقيقاً ، وحكمهم لم يعد محكماً، وهذا الأوهام ليست تتعلق بإثبات قول شاعرٍ أو فيلسوفٍ أو غيرهم من أضرابهم ، وإنما هذه الأوهام تتعلق بالسنة النبوية ، وبالأحكام الشرعية ، وفي ذلك مجازفة وأي مجازفة فالأمر دين يا أيها المحققون!! .
فلو ترك المحقق الحديث الذي يشك فيه -صحة وضعفاً- من غير حكم لكان خيراً له وأقوم وأورع ، وأخلص لنفسه من المحاسبة عند ربه، ولكن بعض المحققين يرون أنَّ ذلك عيباً ونقصاً !! وفهمهم هذا هو العيب وهو النقص والله ؛ لأنَّ المتقدمين -والمتقدمون هم المتقدمون- تركوا كثيراً من الأحاديث من غير حكم ، وفي علل الترمذي من هذا القبيل، -والسائل هو الترمذي والمجيب هو البخاري-، فنجد البخاري أحياناً لا يحكم على الحديث ويتركه من غير ترجيح، ومن تلكم الأحاديث حديث رقم(3) في علل الترمذي الكبير ((...قلت لمحمد أي الروايات عندك أصح؟ قال : لعلَّ قتادة سمع منهما جميعاً ، عن زيد بن أرقم . ولم يقض في هذا بشيء)). وغير ذلك من الأمثلة التي لا تخفى على الباحث في علم الحديث.
فأقول ناصحاً ومشفقاً لمن تصدَّى للحكم على الأحاديث : حقق ودقق ، وابحث وفتش ، فإن تبين لك الحكم على الحديث فاكتبه واسأل ربك السداد ، فإنه إن لم يعنك فوالله لن تصل إلى المراد-((والله لن يصلوا إلى شيءٍ يبتغونه إلا بالله ، فكيف يوصل إلى الله بغير الله))-، وإن لم يظهر لك الحكم فامسك القلم ولا تطلقه، ولا تخط بيمينك إلا بما يسرك يوم القيامة أن تراه، واحذر غاية الحذر أن تهمل قول المتقدمين في حكمهم على الحديث ، فأحكامهم أحق أن تتبع ، لما عرفوا من قوة الحفظ، وقوة الفهم مع الدين المتين ، وهل للمتأخر إلا سبر أقوالهم وفهمها والسير على قواعدهم ؟.
هذا ، والأعظم من الحكم على الحديث الحكم على الرواة ، فيجب على المحقق أن لا يتعجل في الترجيح في الرواة المختلف فيهم، فمن رجَّح كفة التعديل أو الترجيح على راوٍ واحدٍ فقد حكم على جميع مروياته ، لا سيما مروياته التي انفرد بها ، فالحكم على رجال الإسناد المختلف فيهم يستوجب وقفة ، بل وقفات طويلة مع كتب أهل العلم ومراجعة أهل الشأن ، فربما يقلدك من بعدك غير واحد ، فيرجِّح ما رجَّحتَ ، فقلي بربك فكيف لو قلَّدك غيرك وأنت بنيت اجتهادك على عجالة من غير تحقيق!!.
ثم لا تتعجل في تخطئة المحدثين الاوائل في حكمهم على الرواة ، فإن كلَّ واحد منهم مدرسة في حد ذاته ، له اصطلاحاته وقواعده وآرائه ، فمنهم المتشدد ومنهم المعتدل ومنهم المتساهل .