أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


العلامة الجليل القدوة محمد الجرافي (رحمه الله)
[1339- 1332هـ]
بقلم: عبد النور بن الحسين القحفة

توفى مساء الجمعة 16ذو القعدة من سنة (1432هـ)، ووري جسده صباح يوم الاحد من الجامع الكبير في مدينة صنعاء اليمن العلامة المحقق المدقق المعمر عز الدين محمد بن أحمد بن أحمد الجرافي مفتي الديار اليمانية، بعد عمر مديد قضاه مشتغلاً بطلب العلم والإفادة والتدريس والقضاء والافتاء، فرحمه الله تعالى.
نسبه: هو عز الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن حسين الجرافي اليماني الصنعاني المولد والنشأة والوفاة.
وآل الجرافي من البيوتات العريقة التي برزت بصنعاء خلال قرنين من الزمان ولمع واشتهر من هذه الأسرة خلال هذه الفترة جمع من الرجال شغلوا مناصب علمية وقضائية وآخرين في الدولة، وبرز منهم أربعة هم: الجد والابن والحفيد على التوالي العلامة محمد بن العلامة أحمد (1307 - 1405)، بن العلامة الجهبذ محمد (1280- 1316هـ)، الجرافي.
ورابعهم وهو ابن عم لهم هو العلامة المؤرخ الشهير فخر الدين عبد الله بن عبد الكريم الجرافي (1319- 1397هـ).
نشأته: نشأ رحمه الله تعالى في حجر والده العلامة الكبير أحمد الجرافي ونهل من علومه دون كلل أو ملل، وحفظ القران على شيخ القراء في عصره السيد العلامة يحيى بن أحمد الكبسي برواية حفص، ودرس في الجامع الكبير ومسجد الفليحي، ودار العلوم على يد ثلة من كبار علماء صنعاء.
طلبه للعلم ومشيخته: شرع العلامة الجرافي في طلب العلم منذ صباه فجال في العلوم الإسلامية من عربية وفقه وحديث وتفسير واصول بهمة عالية لم يشبها أي شائبة.
فيعد أن حفظ القران العظيم، حفظ متن الأزهار، في الفقه ومتن ابن الحاجب في النحو، ومتن التلخيص في البلاغة، وأكثر متن الغاية في أصول الفقه.
ثم لازم والده فأخذ عنه الأمهات الست والموطأ، وضوء النهار، وبغية الآمل مع شرحه وزاد المعاد جميعها كاملة دون فوت وكلها قراءة تحقيق وتدقيق. وأخذ عن السيد العلامة أحمد بن عبد الله الكبسي بهجة المحافل وسبل السلام وبغية الآمل وبعضا من تفسير ابن كثير وفتح القدير. وأخذ عن العلامة الجهبذ لطف الزبيري جميع سبل السلام وزاد المعاد، وأكثر الاتقان للسيوطي وبعض من نيل الأوطار. وأخذ عن العلامة أحمد الكحلاني شرح الأزهار والكشاف، والروض النضير، وجزء من الغاية. وأخذ عن شيخ العربية علي سنهوب مغني اللبيب، والمناهل الصافية شرح الشافية قراءة تامة. وأخذ عن العلامة علي الدَّبَبْ أكثر شرح الغاية في الأصول، إلى آخرين من مشاهير علماء صنعاء الذين لازمهم شيخنا الجليل، وإلا فانه لم يفارق مجالس والده - الرفيعة الغاصة بكبار العلماء في صنعاء والروضة - طيلة حياته التي كانت مليئة بالدروس الكثيرة. وقد أجازه اكثر مشايخه.
صفاته: كان شيخنا رفيع المنزلة، رحب الصدر، محب لطلبة العلم باذلا لهم كل ما في وسعه من مقدورات، وكان ذا نصح للخاصة والعامة، يبتدئ يومه بالتدريس في الكتب العلمية من تفسير وحديث وفقه ونحو وصرف وغير ذلك، وكان رحمه الله تعالى مواكب للأحداث اليومية من القضايا السياسية والفكرية والأدبية مطالعاً لكل جديد في عالم المعرفة، ومما أمتاز به حُسن الخط فقد نسخ بخطه الجميل العديد من الكتب والرسائل العلمية النافعة خاصة كتب ورسائل مجتهدي اليمن المشاهير.
وكان رحمه الله تعالى عفيف اللسان لا يتكلم في أحد ولا يحب الكلام في الأخرين.
فمما عرفته عنه أنه كان لا يحب الخوض في مسائل الصحابة أو التوغل في كتب الكلام، ويرى أن ذلك كله مضيعة للوقت مفسدة للقلب، وأن هذه نصيحة تلقها عن آبائه حتى تبلغ إلى الإمام الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى.
الأعمال التي تولاها: تقلب شيخنا في عدة وظائف إدارية ومناصب قضائية وسياسية، فهو من كبار القضاة والحكام ومشايخ العلم المشار اليهم بغزارة العلم والحلم والانصاف مع التواضع الجم، وأهم تلك الأعمال والمناصب: أنه كان عضواً في مجلس القضاء الأعلى، ورئيسا لهيئة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وعضوا في مجلس الشعب التأسيسي, وأخيراً تولى رئاسة الافتاء بالديار اليمانية خلفاً لشيخه العلامة أحمد زباره رحمهما الله، وذلك في عام (1421هـ).
عُرف شيخنا في مسيرة حياته العملية وخاصة في مجال القضاء بالسيرة الحميدة الحسنة فكان يعمل بصمت خفي طلة عقود عديدة، وهذا كان بشهادة الجميع ممن عمل أو عرفه عن قرب.
ولقد عُرف عنه في مجال الافتاء الفطنة واليقظة لكثير من الفتاوى والاجوبة التي كان يجيب عليها، وكانت أجوبته قصيرة موجزة.
آثاره: لم يهتم شيخنا العلامة الجرافي بالتأليف ولا تصنيف فهو كان يرى أن ما خلفه علماء الإسلام من الكتب كافية وليس هنا حاجة ماسة إلى التأليف إلا فيما ندر ومع ذلك فان شيخنا له مشاركة منها: أنه اختصر كتاب مغني اللبيب لابن هشام، وجمع كشكولا في ما كان يعجبه من القصائد والأشعار التي كان يحفظها، ومنها أيضا أنه سعى في جمع رسائل العلامة الكبير الحسن الجلال وشاركه فيه الدكتور حسين بن عبد الله العَمْري.
ولم تأت عنايته بتراث العلامة الحسن الجلال إلا لأن شخيصته كانت مصبوغة فيه فهو كان معجبا به غاية الاعجاب حتى أنه كان يدعى بالجلال الصغير، فلم يكن أحد يفك عبارته المعقدة في كتابه (ضوء النهار) سوى شيخنا الجرافي.
ومن اعظم اثاره والذي خلفه من بعده هو طلبته الذين انتفعوا به وخاصة في الثلاثة العقود الأخيرة فانه قد أفرغَ جُزءاً من وقته للإفادة والتدريس ولازمه الكثير من الطلبة، وتخرجوا على يديه.
ثناء العلماء عليه: قال عنه شيخنا علامة العصر القاضي محمد بن اسماعيل العمراني: "القاضي العلامة الكبير محمد بن أحمد بن أحمد الجرافي مفتي عام الجمهورية اليمنية، علامة بن علامة بن علامة، ورث العلم عن أبيه عن جده حفظ القرآن عن ظهر قلب، ثم قرأ جميع علوم الاجتهاد بجد واجتهاد ومثابرة إلى أن بلغ الدرجة العليا في العلوم الشرعية والدينية والعربية، تفرد بمعرفة مؤلفات المحققين من العلماء، وعلى رأسهم الزمخشري والجلال والأمير وغيرهم، فهو الفريد في عصره بمعرفة هذه المؤلفات الزاخرة بالعلوم الشرعية والدينية والعربية، ولا يساويه أحد من علماء اليمن، تولى عدة مناصب هو أعلى منها وهي دون قَدره، فكل وظيفة عمل فيها هي دون علمه وذكائه وفضله ونشاطه وتحقيقه واتساع دائرة معارفه، لا فرق بين وظيفة ووظيفة، ولا فرق بين كونها قضائية أو إدارية، تشرفت به الوظائف ولم يتشرف بها، فهو شريف نفسه، مع تواضع وورع وتقوى وإنكار للذات وحب للناس ولمنفعة الناس منذ شبابه إلى كهولته إلى شيخوخته".
وأنشد فيه العلامة المحقق المسند محمد بن علي الشرفي رحمه الله تعالى:
هذا الجرافي جرا *** في مضمار آل الجرافي
علماً ونبلاً وفضلاً *** معينها العذب صافي
آباؤه الغر كانوا *** أهل العلا والتصافي
محمد أنت منهم *** على الحقيقة وافي
يكفيك مجداً وسعداً *** ما نلت يا خير كافي
معادن العلم تبقى *** حديثها غير خافي
أجزتك اليوم فيما *** حواه ثبتِي الموافي
انتهى.


...... منقول .....