كان المسلمون في بداية الدعوة النبوية قلة...لم يتعدوا ثمانية وثلاثين رجلا...الح ابو بكر رضي الله عنه يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور أمام الناس بالدعوة والجهر بالإسلام...فقال صلى الله عليه وسلم:يا أبا بكر...إنا قليل...كان أبو بكر رضي الله عنه متحمسا..فلم يزل يلح على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجتمعوا فخرجوا...يتقدمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم...توجهوا إلى المسجد الحرام...تفرقوا في نواحي المسجد...كل رجل في عشيرته...وقام أبو بكر في الناس خطيبا...يدعو إلى الإسلام..ويذم آلهتهم..ثار المشركون على المسلمين...فضربوهم في نواحي المسجد ضربا شديدا..كان المشركون كثير..فتفرق المسلمون..أقبل جمع من المشركين إلى أبي بكر..وضربوه ضربا شديدا..فوقع على الأرض في شدة الرمضاء...فدنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة...فجعل يضربه بنعلين مخصوفين..ويفركهما على وجهه..ثم قام على بطن أبي بكر..حتى سالت الدماء من وجه أبي بكر وتمزق لحم وجهه..حتى مايعرف فمه من أنفه...وجاء بنو تيم قبيلة أبي بكر..يتعادون..وأبعدوا الناس عن أبي بكر..وحملوه في ثوب حتى أدخلوه منزله..وهم لا يشكون انه ميت..ثم رجع قومه بنو تيم..فدخلوا المسجد..وجعلوا يصرخون في المشركين..يقولون:والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة..ثم رجعوا إلى أبي بكر..وهو مغمى عليه..لايدرون حي او ميت..ظل أبو قحافة والد أبي بكر مع قومه واقفين عند أبي بكر..يكلمونه فلا يجيبهم..وأمه تبكي عند راسه..فلما كان آخر النهار..فتح عينيه..فكان اول كلمة قالها:مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رضي الله عن ابي بكر..كان يهيم برسول الله صلى الله عليه وسلم حبا..يخاف عليه اكثر مما يخاف على نفسه..كان كل من حوله..ابوه..امه..قومه..مشركين فغضبوا وجعلوا يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم..ثم قاموا وقالوا لأم أبي بكر:أطعميه شيئا او أسقيه...فجعلت امه تلح عليه..وهو يردد قائلا:مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت:والله مالي علم بصاحبك...فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فسليها عنه...وكانت أم جميل مسلمة تكتم إسلامها...خرجت أمه حتى جاءت أم جميل..فقالت:أن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبدالله؟ فقالت:ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبدالله ولكن أتحبين أن أمضي معك إلى ابنك؟ فقالت:نعم..فمضت معها حتى دخلت على أبي بكر..فوجدته صريعا دنفا ممزق الوجه مرهق الجسد..فلما رأته أم جميل صاحت...وقالت:والله إن قوما نالوا هذا منك لأهل فسق وكفر..وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم..التفت اليها أبو بكر بعينين مرهقتين وجسد مصاب ووجه ممزق وقلب مليء بمحبة الدين..وقال:فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكانت أم أبي بكر بجانبها..فخافت أم جميل أن يفضح أمر إسلامها..فيؤذوها..فقالت:يا أبا بكر هذه أمك تسمع..قال:فلا شيء عليك منها..قالت:أبشر فرسول الله صلى الله عليه وسلم سالم صالح..قال:فأين هو؟ قالت:في دار أبي الأرقم..فقالت أمه:قد علمت خبر صاحبك فقم فكل طعاما أو اشرب...قال:فإن لله علي ان لا أذوق طعاما أو شرابا حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني...فانتظرتا حتى إذا هدأ الناس..خرجتا به يجر خطاه على الأرض من شدة الاعياء..فذهبتا به إلى بيت أبي الأرقم حتى ادخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم..فلما دخل فإذا وجه جريح ودماء تسيل وثياب ممزقة..فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم..فأكب عليه النبي صلى الله عليه وسلم يقبله..وأكب عليه المسلمون يقبلونه...ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة..حتى ظهر التاثر على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم...فأراد أبو بكر أن يخفف عليه..فقال:بأبي وأمي يارسول الله..ليس من بأس..إلا مانال الفاسق من وجهي...ثم قال أبو بكر..وهو البطل الذي يحمل هم الدعوة ويحسن استثمار المواقف مهما كان حاله...كان جريحا جائعا عطشان..ومع ذلك قال:يارسول الله..هذه امي برة بوالديها..وأنت مبارك..فادعها إلى الله عز وجل..وادع الله لها..عسى الله ان يستنقذها بك من النار...فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعاها إلى الله عز وجل..فأسلمت فورا في مكانها