اليونان.. لا بد من الخروج --- بقلم: نورييل روبيني

بلغت مأساة اليورو في اليونان فصلها الأخير: فمن الواضح أن اليونان، إما هذا العام أو التالي، ستتخلف عن سداد ديونها وتخرج من منطقة اليورو.

الواقع أن تأجيل الخروج إلى ما بعد انتخابات حزيران (يونيو) في وجود حكومة ملتزمة بشكل بديل من نفس السياسات الفاشلة (التقشف المفضي إلى الركود والإصلاحات البنيوية) لن يؤدي إلى استعادة النمو والقدرة التنافسية. إن اليونان عالقة في حلقة مفرغة من الإعسار، وفقدان القدرة التنافسية، والعجز الخارجي، والكساد المتزايد العمق. والسبيل الوحيد لمنع هذا يتلخص في البدء في التخلف عن السداد والخروج من منطقة اليورو بشكل منظم، بالتنسيق مع/ وبتمويل من البنك المركزي الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي (الثلاثية)، على النحو الذي يقلل من الأضرار الجانبية التي قد تلحق باليونان وبقية بلدان منطقة اليورو.
كانت حزمة التمويل الأخيرة التي حصلت عليها اليونان، تحت إشراف الثلاثية، أقل كثيراً من احتياجاتها لتخفيف أعباء الدين. لكن حتى بالاستعانة بقدر أعظم كثيراً من حزم تخفيف أعباء الديون، فإن اليونان غير قادرة على العودة إلى النمو من دون أن تستعيد قدرتها التنافسية بسرعة. ومن دون العودة إلى النمو، فإن أعباء الديون ستظل أضخم من أن تتحملها. لكن كل الخيارات التي قد تستعيد القدرة التنافسية تتطلب خفضاً حقيقياً لقيمة العملة.
والخيار الأول، الانخفاض الحاد في قيمة اليورو، غير مرجح لأن ألمانيا قوية والبنك المركزي الأوروبي لا يعمل على تخفيف السياسة النقدية بشدة. ومن غير المرجح أيضاً حدوث انخفاض سريع في تكاليف وحدة العمل من خلال الإصلاحات البنيوية التي زادت من نمو الإنتاجية بما يتجاوز نمو الأجور. ولقد استغرقت ألمانيا عشرة أعوام لاستعادة قدرتها التنافسية بهذه الطريقة؛ ولا تستطيع اليونان أن تتحمل الركود لعقد كامل من الزمان. وعلى نحو مماثل فإن الانكماش السريع للأسعار والأجور، أو ما يسمى خفض القيمة الداخلية، من شأنه أن يؤدي إلى خمس سنوات من الركود المتفاقم.
وإن لم يكن أي من هذه الخيارات الثلاثة ممكنا عمليا، فإن المسار الوحيد المتبقي يتلخص في الانسحاب من منطقة اليورو. وبالعودة إلى العملة الوطنية وخفض قيمتها بشكل حاد يصبح من الممكن استعادة القدرة التنافسية والنمو بسرعة.
ويتعين على اليونان أيضاً أن تعيد هيكلة وخفض ديونها العامة مرة أخرى. ولا ينبغي خفض مطالبات الثلاثية المستحقة على اليونان لها من حيث القيمة الاسمية، لكن لا بد من إطالة فترة استحقاقها لعشرة أعوام أخرى، وخفض الفوائد عليها. وسيتطلب الأمر أيضاً المزيد من تقليم أصل الديون الخاصة المستحقة على اليونان، بداية بتأجيل دفع أقساط الفائدة.
إن العودة إلى الدراخما تهدد بخفض سعر الصرف بما يتجاوز القدر الضروري لاستعادة القدرة التنافسية، وهذا سيكون تضخمياً وسيفرض قدراً أعظم من الخسائر على الديون الخارجية المحولة إلى الدراخما. ولتقليص هذا الخطر فإن احتياطيات الثلاثية المكرسة حالياً لعملية إنقاذ اليونان لا بد أن تستخدم للحد من ارتفاع أسعار الصرف إلى مستويات مبالغ فيها؛ وستساعد ضوابط رأس المال على هذا أيضا.
أما هؤلاء الذين يزعمون أن العدوى الناجمة عن خروج اليونان ستجر غيرها إلى الأزمة فهم أيضاً يعيشون حالة من الإنكار. ذلك أن دولاً أخرى واقعة على أطراف منطقة اليورو تعاني مشاكل أشبه بتلك التي تواجهها اليونان فيما يتصل باستدامة الديون وتآكل القدرة التنافسية. فالبرتغال على سبيل المثال قد تضطر في نهاية المطاف إلى إعادة هيكلة ديونها والخروج من اليورو.
وعندئذ يصبح في الإمكان استخدام الموارد الرسمية الجديدة الكبيرة التي يوفرها صندوق النقد الدولي وآلية الاستقرار الأوروبي ــ والسيولة من قِبَل البنك المركزي الأوروبي ــ وإقامة حاجز حول هذه البلدان، والبنوك في بلدان أخرى متعثرة على أطراف منطقة اليورو. وبصرف النظر عن تصرف اليونان، فإن بنوك منطقة اليورو تحتاج الآن إلى إعادة تمويل بسرعة، وهو ما يتطلب برنامجاً جديداً لضخ رأس المال بشكل مباشر إلى الاتحاد الأوروبي بالكامل.
إن الأمر أشبه بزواج أبدي، فمن الأفضل أن تكون لدينا قواعد حاكمة للطلاق الحتمي تجعل الانفصال أقل تكلفة بالنسبة للجانبين. ولا ينبغي لنا أن نغفل حقيقة مفادها أن خروج اليونان المنظم من اليورو يعني ضمناً قدراً كبيراً من الآلام الاقتصادية. لكن مراقبة الانهيار الفوضوي البطيء لاقتصاد اليونان ومجتمعها ستكون أشد إيلاما.


خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012