أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم


وبعد

فهذه ملاحظات وتعليقات مختصرة كنت قد كتبتها قبل بضعة أشهر على بحث عنوانه(الآثار المروية عن السلف الصالح في العمرة الرجبية) لكاتبه عبد القادر الجنيد-وفقه الله- ، في خانة التعليقات في نفس الموقع الذي نشر فيه البحث ، ولكن لم ينشرها المشرفون على خانة التعليقات ، فارتأيت نشرها هنا على صورتها التي كانت معدة للمساحة الضيقة في خانة التعليقات.





(قرأت مقال الكاتب الفاضل في هذا الموقع عرضا ، وبدت لي بعض الملاحظات والتنبيهات على عجل:-




1/ لم يحرر الكاتب-وفقه الله- الفرق بين مجرد الاعتمار في رجب ، و القول باستحباب الاعتمار في رجب.


2/ قول ابن عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمر في رجب ، قد ردته عائشة رضي الله عنها ، وجزمت بأنه(ما اعتمر في رجب قط). [وهو في الصحيحين وغيرهما عن مجاهد وعروة عنها/ وجاء في طريق عروة عند مسلم أن ابن عمر سكت بعد أن سمع استدراك عائشة عليه] ، ثم هو مجرد فعل في وقت من أوقات السنة ؛ فمن أين أخذتم أنه كان قصدا لذلك الوقت بعينه ، ولم يكن اتفاقا-كما هو الأصل- ؟!



3/ أثر عمر بن الخطاب لم يوقف له على سند. [وانظر: طبقات ابن سعد3/284]


4/ أثر عائشة ليس فيه إلا مجرد الفعل ، وليس فيه تقصد تخصيص ذلك الشهر بالاعتمار.

-وقد أشار الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف إلى هذا التفريق إشارة لطيفة عند سرده أسماء بعض الصحابة، عند كلامه على العمرة في رجب، فتأمله.
[ونصه: (و"استحب" الاعتمار في رجب عمر بن الخطاب[وقد سبق أنه غير ثابت عنه]وغيره ، وكانت عائشة "تفعله"...). انتهى كلامه رحمه الله. فتأمل فصله النقل عن عائشة عما صدر به كلامه من القول الاستحباب. والله أعلم.]


- ويقال مثل ذلك أيضا في بعض ما جاء عن عمر وعثمان وابن عمر وغيرهم من الاعتمار في رجب.





5/ أثر ابن عمر الذي رواه أبومحمد الخلال تفرد به كهمس بن الحسن عن سالم ،وهو وإن كان ثقة إلا أنه لم يشتهر بالرواية عن سالم.
-ولا تكاد تعرف له رواية عنه في عامة كتب السنة ، حتى المزي لم يذكر سالما في شيوخه ولا كهمسا في تلاميذه عند ترجمة كل منهما في[مع جلالتهما،وشدة تحري المزي وحرصه-في الجملة- على استيعاب الشيوخ والتلاميذ إن لم يكثروا جدا].
-ولا يعرف له رواية يصرح فيها بلقاء سالم. [ويقوي استبعاد لقائهما أيضا = أن كهمسا بصري وسالما مدني].

-ثم مع هذا كله كيف يتفرد عن أصحاب سالم المعروفين بملازمته المكثرين عنه بحكم من الأحكام ؟![وانظر:لمسلم ص172]

-أضف إلى ذلك تفرد راو مثل عبد الرحمن بن حماد الشعيثي بمثل هذا الأصل[وقد قال أبوزرعة-كمافي سؤالات البرذعي-: (شيخ ليس بذاك)،وقال أبوحاتم: (ليس بالقوي)،وفي التقريب: (صدوق،ربما أخطأ)] ، ثم تفرد مؤلف متأخر ككتاب أبي محمد الخلال بمثل هذا عن عامة المصنفات. والله أعلم

- وأما ما رواه ابن سعد في الطبقات عن ابن عمر أنه كان(لا يدع عمرة رجب). فسنده لايصح[فيه راويان ضعيفان]




6/ أثر ابن سيرين-فيما حكاه عن السلف- ، لم يوقف على سنده.



7/ أما أثر أبي إسحاق السبيعي عن أصحاب ابن مسعود ، فأبو إسحاق لم يسمع إلا من بعض أصحاب ابن مسعود[ومن أكابر أصحاب ابن مسعود الذين لم يسمع منهم=علقمة-كمافي تاريخ الدوري-] ؛ فهي مجرد حكاية فعل أصحاب أحد الصحابة فحسب ! ومثل هذا لا يكفي للجزم بأنه قول شيخهم ابن مسعود ، بله أن يحتج بمثله على سنية عبادة مخصوصة. ثم هو مع هذا كله ليس صريحا في مسألتنا. والله أعلم



8/ جاء في تفسير ابن كثير استدلال دقيق لهذه المسألة عند قوله تعالى:}إن عدة الشهور...{. ولكن التفصيل الذي ذكره يحتاج إلى دليل ، ثم إن تعليله[على تسليم عدم نسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم] يقدح فيه بنحو ما يسميه الأصوليون والجدليون(الممانعة) ؛ وذلك أننا نمنع كون ما ذكره سبب تحريم القتال ؛ لأنه لو كان ذلك هو السبب = لما حرم القتال إلا في الطرق المتجهة إلى مكة[مع أنها الأقل]، ولم يحرم فيما كان من الطرق متجها إلى غير مكة[مع أنها الأكثر]، بله تحريم القتال في البلدان البعيدة عن مكة، وهذا التقييد لا يقول به أحد. والله أعلم



9/ الأصل في العبادات المنع ، ولا ينتقل عن هذا الأصل ، ولايحكم بشرعية عبادة ما إلا بدليل ظاهر ، وقد ظهر مما سبق أنه ليس فيما ذكره الكاتب الفاضل ما ينهض لإثبات عبادة. والله أعلم


10/ إضافة إلى هذا الأصل العام ، لدينا أصل خاص في مسألة تقصد تخصيص شهر رجب بعبادة ما ؛ وذلك من وجهين:

أ****- شدة إنكار بعض السلف لجنس تقصد التعبد في هذا الشهر ، ومثاله الصوم ,وعلى رأس من اشتد في إنكاره على قاصدي تخصيص شهر رجب بالصوم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وقد كان يضرب على ذلك.[رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهما من طرق عن خرشة به،وقد أثبته الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق1/285]


ب****- الأصل عند عامة العلماء عدم استحباب تخصيص رجب بشيء من عامة العبادات الأخرى ؛ ولأجل هذا الأصل الاستقرائي = يقال: الأصل إلحاق حكم العمرة[أي:العمرة التي يقصد التعبد بفعلها في هذا الشهر المعين-رجب-] بحكم أخواتها.




11/ ومما يستأنس به للتشديد في منع إثبات سنية العمرة الرجبية = أنها أصبحت شعارا لبعض أهل البدع. والله أعلم




12/ في الثقات لابن حبان(2/247) عن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- الإشارة إلى عدم مشروعية تقصد تخصيص رجب بعمرة. [ولكنه لم يذكر له سندا ، وما وجدت له إسنادا ، وهو يحتاج إلى مزيد تقصي. والله أعلم]



13/ قال الكاتب وفقه الله: (فلم يمر بي نقل عن أحد من السلف الصالح أو أئمة أهل السنة والحديث المشهورين يقول بالبدعية).

- قلت: قولك(أئمة السنة) هو إطلاق يدخل فيه حتى بعض المتأخرين[بل المعاصرين] ، ولا أظنه يخفى عليك كلام طائفة منهم ، فهل تريد أئمة السلف فحسب أو طبقات متقدمة من الأئمة أو من غير المتأخرين أم ماذا ؟

- وكذا قولك: (لم يمر بي). هو إطلاق يدخل فيه حتى ما لم يثبت.[ وقد نقلت لك مثالا من ثقات ابن حبان عن علي بن أبي طالب، والسالبة الكلية تنقض بالموجبة الجزئية]

- وقولك: (بالبدعية). هل هو حصر في هذه العبارة، أو يشمل النهي والإنكار والتنصيص على أنه لا أصل له أو على أنه محدث ؟ [ولا أظنه يخفى عليك أقوال بعض العلماء في ذلك]








-والموضوع يحتاج إلى مزيد بحث وتحرير وتتبع ،فلعل الله ييسر ذلك في وقت لاحق إن شاء الله. والله أعلم