من جد لم يجد ... ومن زرع لم يحصد
مصيبة المصائب أن يحصل أبناؤنا وبناتنا على تقدير امتياز في الثانوية العامة ومع ذلك لا تقبلهم مؤسسات التعليم العالي لدينا سواء تلك التابعة لوزارة التعليم العالي أو تلك التابعة لوزارة التربية والتعليم أو حتى تلك التابعة لمؤسساتنا الأمنية والعسكرية وغيرها من المؤسسات.
حرقة وألم ... حسرة وامتعاض ... إكتئاب وقلق ... توتر وإحباط ... رأيتها على وجوه شباب وشابات سهروا الليالي واجتهدوا كما ينبغي وأكثر فكانت النتيجة أن قيل لهم إذهبوا فالشوارع أولى بكم. وحتى من حالفهم الحظ بالقبول من أصحاب الامتيازات قيل لهم إذهبوا لتخصصات نحن نحددها لكم وليس كما ترغبون أنتم وإلا امسكوا الباب غير مأسوف عليكم.
أبكاني أحدهم والدموع تنهمر من عينيه حين قال: باعت أمي ما لديها من ذهب ومجوهرات قليلة وعتيقة ومنحني والدي راتبه التقاعدي البسيط كي أسدد قيمة الدروس الخصوصية التي لولاها – بعد الله - لما حصلت على تقدير امتياز لأتفاجأ بعد ذلك بتحطم آمالي وآمال أسرتي عند أبواب إحدى الكليات في مدينتي التي لم يكفها تعبي وجدي وزرعي وسهري ومعدلي الممتاز بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في وضع العراقيل أمام خريجي الثانوية العامة عبر الامتحانات التحريرية والشفوية وكأنها لا تثق بمخرجات الوزارة التي يا للغرابة تتبع لها أصلا ... ناهيك عن الكليات الأخرى التي قبلت من هم أدنى مني تقديرا للأسف.
ومع شهقات وزفرات هذا الشاب المحطم أخذ يتمتم قائلا: ألم ترددوا على مسامعنا منذ نعومة أظفارنا أمثالكم وما أكثر أمثالكم " من جد وجد ومن زرع حصد " و " من طلب العلا سهر الليالي "؟ هانحن جدينا فلم نجد قبولا ... وهانحن زرعنا فلم نحصد سوى المر والعلقم ... وهانحن سهرنا الليالي فلم نجد لا علا ولا هم يحزنون، بل وجدنا أنفسنا على قارعة الطريق.
ويسترسل هذا الشاب في تساؤلاته قائلا: ماذا تريدون أكثر من الامتياز يا ناس؟ وماذا أعمل أمام دموع والدي ووالدتي الحيارى؟ أليس من حقي أن أختار الكلية التي أطمح أن أكون أحد طلابها وكذلك التخصص الذي أتمناه وقد حققت الإمتياز المطلوب؟.
إفتعلت الغباء أمام هذا الشاب الثائر فقلت: إذهب يا أخي للكليات الأهلية وادفع رسومها البسيطة ( طبعا أمزح هنا فرسومها كما تعلمون نار الله الموقدة ولا يقوى على تحملها سوى أبناء الهوامير وبناتهم الذين للأسف يزاحمون أبناء الفقراء وبناتهم على مقاعد الجامعات والكليات المجانية من باب الجشع والطمع والبخل والواسطات والشفاعات ) وستجد القبول لديها بإذن الله.
انحنى الشاب باتجاه قدمه بعد أن سمع كلامي هذا وكاد أن يخلع حذائه – أجلكم الله – ليضربني بها لولا أن منعه الحياء فقال: أقول لك باعت أمي ذهبها ومجوهراتها وأعطاني والدي راتبه التقاعدي الزهيد لأدفعه لمعلمي الدروس الخصوصية وتقول إذهب للكليات الأهلية؟ خلاص أسرتي الآن على الحديدة فلا تجد ما يسد رمقها من المأكل والمشرب وأخشى ما أخشاه أن نتحول بفعل هذه الظروف القاسية إلى أسرة متسولة ثم تقبض علينا كوادر مكاتب مكافحة التسول وعساها ما تجرمنا من دون وجه حق وتزج بنا في السجون ... تلك هي قصة بعض من حصلوا على تقدير ممتاز ... فمن لهؤلاء ... وللجميع أطيب تحياتي؟
مقالي لهذا اليوم بجريدة عكاظ