أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

إخوتي في الله , عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من كتم علما ألجم الله فاه بلجام من نار ) , أعرض لكم بحثي المتواضع في مسألة :
الحكمة والتعليل في أفعال الله

بإشراف الدكتور : خالد القاسم .
أسأل الله جل وعلا أن ينفع به .

بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم , أما بعد :
إن مسألة الحكمة والتعليل من المسائل المهمة في العقيدة الإسلامية , وذلك لأنها تتعلق ببابين عظيمين من أبواب العقيدة :
الباب الأول :
هو باب الأسماء والصفات , فأصل الكلام هنا هو إثبات , اسمه تعالى ( الحكيم ) , وما يتضمنه من إثبات صفة الحكمة القائمة به تعالى .
قال ابن القيم الجوزية [1]رحمه الله :
( الكلام في هذا الباب نفيا وإثباتا موقوف على الخبر عن أسماء الله وصفاته وأفعاله , وخلقه وأمره , فأسعد الناس بالصواب فيه من تلقى ذلك من مشكاة الوحي المبين , ورغب بعقله وفطرته وإيمانه عن تشكيكات المشككين ) [2]
الباب الثاني :
باب القدر , فمسألة الحكمة والتعليل من مسائل القدر , والقدر من أعظم أركان الإيمان بالله , كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل :
عن عمر بن الخطاب , رضي الله عنه ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب . شديد سواد الشعر . لا يرى عليه أثر السفر . ولا يعرفه منا أحد . حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فاسند ركبتيه إلى ركبتيه . ووضع كفيه على فخذيه . وقال : يا محمد ! أخبرني عن الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وتقيم الصلاة . وتؤتي الزكاة . وتصوم رمضان . وتحج البيت ، إن استطعت إليه سبيلا " قال : صدقت . قال فعجبنا له . يسأله ويصدقه . قال : فأخبرني عن الإيمان . قال : " أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر . وتؤمن بالقدر خيره وشره " قال : صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان . قال : " أن تعبد الله كأنك تراه . فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . قال : فأخبرني عن الساعة . قال : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " قال : فأخبرني عن أمارتها . قال : " أن تلد الأمة ربتها . وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة ، يتطاولون في البنيان " . قال ثم انطلق . فلبثت مليا . ثم قال لي : " يا عمر ! أتدري من السائل ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " [3].
إذن :
هذه المسألة مسألة عظيمة من مسائل الدين , ومن المسائل التي اختلفت فيها الفرق المنتسبة للإسلام .
س : فهل يفعل الله لحكمة ولغاية ؟
س : وعلى من تعود هذه الحكمة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية [4] رحمه الله :
( هذه المسألة كبيرة من أجَلِّ المسائل الكبار التي تكلم فيها الناس وأعظمها شعوباوفروعاً، وأكثرها شبهاً ومحارات، فإن لها تعلقاً بصفات الله تعالى وبأسمائهوأفعاله، وأحكامه من الأمر والنهي والوعد والوعيد، وهي داخلة في خلقه وأمره، فكل مافي الوجود متعلق بهذه المسألة، فإن المخلوقات جميعها متعلقة بها وهي متعلقة بالخالقسبحانه وكذلك الشرائع كلها الأمر والنهي والوعد والوعيد متعلقة بها، وهي متعلقةبمسائل القدر والأمر، وبمسائل الصفات والأفعال، وهذه جوامع علوم الناس، فعلم الفقهالذي هو الأمر والنهي متعلق بها‏ ,
وقد تكلم الناس في تعليل الأحكامالشرعية والأمر والنهي، كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل والصلاة والزكاة والصياموالحج، والنهي عن الشرك والكذب والظلم والفواحش، هل أمر بذلك لحكمة ومصلحة وعلةاقتضت ذلك‏؟‏ أم ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة‏؟‏ ) [5]
وسوف أتناول بإذن الله في بحثي المتواضع , هذه المسألة ( مسألة الحكمة والتعليل ) , من خلال المباحث التالية :
المبحث الأول : المقصود بالحكمة .
المبحث الثاني : المقصود بالتعليل .
المبحث الثالث : الفرق بين الحكمة والتعليل
المبحث الرابع : موقف المعتزلة من الحكمة والتعليل .
المبحث الخامس : موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل .
المبحث السادس : موقف السلف من الحكمة والتعليل .














المبحث الأول : المقصود بالحكمة :
لغة :
الحكمة بالكسر , العدل والعلم , والحلم [6] , يقال : رجل حكيم , أي : عدل حليم [7] , وتأتي الحكمة بمعنى المنع , ومنه قيل للحاكم حاكم : لأنه يمنع من الظلم , وكل شئ منعته من الفساد فقد حكمته .
يقول الشاعر :
أبني حنيفة أحكموا سفهائكم إني أخاف عليكم أن أغضبا .
أي : ردوهم وامنعوهم وخذوا على أيديهم . [8]
في الاصطلاح :
كثرت تعاريف الحكمة , بسبب اختلاف المعرفين في عقائدهم , إذ يتأثر تعريفهم للحكمة بما يعتقدونه , فعلى سبيل المثال :
في تعريف المعتزلة و الأشاعرة للحكمة لا نجد إشارة إلى أن الحكمة صفة قائمة به تعالى , وذلك بسبب معتقدهم في الصفات الإلهية , فالمعتزلة من نفاة الصفات , والأشاعرة , من نفاة الصفاة نفيا جزئيا , حيث أنهم يثبتون لله تعالى سبع صفات وهي : ( القدرة , والحياة , والعلم , والإرادة , والسمع , والبصر , والكلام ) .
لذا سأقتصر على ذكر قول أهل الإثبات ( أهل السنة والجماعة ) في الحكمة , فحكمة الله تعالى عندهم هي :
صفته القائمة به تعالى , وما تضمنته من الغايات المحمودة , المطلوبة له سبحانه في خلقه وأمره , التي فعل تعالى لأجلها بعلمه وعدله التامين . [9]
قال ابن القيم رحمه الله :
( هي الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره , التي أمر لأجلها وقدر وخلق , وهي صفته القائمة به كسائر صفاته من سمعه وبصره ,وقدرته وإرادته , وعلمه وحياته , وكلامه ) [10]











المبحث الثاني : المقصود بالتعليل :
لغة :
العلة : بالكسر , المرض , عل يعل , واعتل علة , فهو معتل وعليل , يقال : لا أعلك الله , أي : لا أصابك الله بعلة .[11]
فالعلة : هي ما يتأثر المحل بوجوده , ومنه سمي المرض علة , لأنه بحلوله يتغير الحال من القوة إلى الضعف .
وكذلك العلة : السبب , يقال : هذا علة لهذا , أي : سبب . [12]
في الاصطلاح :
كما اختلفت الفرق في تعريف الحكمة بحسب معتقدها , اختلفت كذلك في العلة ,
والمقصود بالعلة هنا ( العلة الغائية ) , فهي الغاية والمقصد الذي من أجله يفعل الفاعل الفعل.[13]





المبحث الثالث : الفرق بين الحكمة والتعليل :
بينهما فوارق وهي ما يلي :
1- الحكمة تدل على الصفة القائمة بالله تعالى , والتي تتضمن آثاراً ترجع الى الخلق وهي الحكم والمصالح العائدة إليهم , ويطلق على هذه الآثار أيضاً حكمة من باب إطلاق اسم الصفة على الأثر .
أما العلة فليست كذلك , فإنها لا تدل على الصفة القائمة به تعالى وإنما تطلق على الغايات والمقاصد التي هي من آثار صفة الحكمة .


2- الحكمة أخص من العلة من ناحية الدلالة على جهة التعليل , فإنها تتضمن الدلالة على التعليل الغائي فقط , أما العلة من ناحية الدلالة على جهة التعليل , فإنها تتضمن التعليل بالفاعلية والتعليل بالغائية .
فالعلة تطلق على السبب وتطلق على الغاية , فيقال مثلاً : النار علة الإحراق , أي سببه , ويقال : النار لغلة الإحراق , أي: لغاية الإحراق , فهو العلة الغائية للنار , فمصطلح العلة إذا أعم من مصطلح الحكمة من هذه الجهة .

3- كذلك الحكمة أخص من العلة من جهة دلالتها على العاقبة المحمودة خصوصاً دون غيرها , فلا تكون الحكمة إلا غاية محمودة ,أما العلة الغائية , فإنها قد تكون محمودة وقد تكون مذمومة بحسب إرادة المريد .

4- الحكمة لفظ شرعي دون العلة , فالنصوص إنما وردت بلفظ – الحكمة – ﭧ ﭨ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ [14] وﭧ ﭨ ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ [15]وأما لفظ العلة فهي مما عبر بها المتكلمون عن الحكمة , كلفظ الغرض والباعث والغاية ونحوها , وإلا فلم ترد في نص شرعي [16].













المبحث الرابع : موقف المعتزلة [17]من الحكمة والتعليل :
من أشهر الأقوال في مسألة ( الحكمة والتعليل ) قول المعتزلة , فهم يثبتون التعليل في أفعال الله , لكنهم يبالغون فيه , حتى يتدخلون في تفاصيل العلل والغايات والكلام فيها بمحض العقول .[18]
حيث يرى المعتزلة أنه لا يجوز أن يخلو فعل من أفعاله تعالى من حكمة وغرض، وقالوا: "قد قام الدليل على أنه تعالى حكيم، والحكيم من تكون أفعاله على إحكام وإتقان، ولا يصح أن يفعل فعلا جزافاً لا لفائدة وغاية، بل لابد أن يريد غرضا ويقصد صلاحا"[19]
كما قالوا: أن من يفعل لا لغرض يعد عابثاً، والله تعالى منزه عن العبث.[20]
قال القاضي عبدالجبار المعتزلي:"إن الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلة، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق، فيبطل على هذا الوجه قول من قال: إنه تعالى خلق الخلق لا لعلة، لما فيه من إيهام أنه خلقهم عبثا، لا لوجه تقتضيه الحكمة. وذلك – أي نقص من يفعل لا لغرض – ظاهر في الشاهد لأن الواحد إذا أراد النيل من غيره قال عنه: إنه يفعل الأفعال لا لعلة ولا لمعنى. فيقوم هذا القول مقام أن يقال: إنه يعبث في أفعاله، وإذا به في المدح يقول: إن فلانا يفعل أفعاله لعلة صحيحة ولمعنى حسن"[21]
إذن :
عند المعتزلة الله لا يفعل إلا لحكمة ولغرض , بل إنهم متفقون على وجوب ذلك , لكنهم يقولون بوجوب أن يفعل الله الصلاح , ووجوب اللطف عليه تعالى [22].
يقول الشهرستاني :
( وقالت المعتزلة : الحكيم لا يفعل إلا لحكمة وغرض , والفعل من غير غرض سفه وعبث , والحكيم يفعل لأحد أمرين , إما أن ينتفع أو أن ينفع غيره , ولما تقدس الرب تعالى عن الانتفاع تعين أن يفعل لينتفع غيره , فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح ) [23]
وعلى الرغم من أن المعتزلة وافقوا السلف في إثبات الحكمة والتعليل إلا أنهم وقعوا في الأخطاء التالية :
1- أن إثباتهم الحكمة لله لا على أنها صفة من صفاته القائمة به تعالى , فهي عندهم ليست قائمة به تعالى , وإنما مخلوقة في غيره .
2- أن الحكمة عندهم تعود على الخلق فقط ولا تعود إليه , فهو يفعل لغيره , ولا يعود إليه منه شئ , سواء محبة أو فرح أو رضا وغير ذلك .
3- أن المعتزلة يوردون هذه المسألة بلفظ الغرض , وهو لفظ غير شرعي , بل إنهم يقصدون بذلك الغرض أشياء معينة , وأمورا محدده أوجبوها على الله تعالى , كاللطف والثواب والعوض , والتعريض للثواب [24].















المبحث الخامس : موقف الأشاعرة [25]من الحكمة والتعليل :
يرى الأشاعرة أن أفعال الله تعالى لا تعلل بالأغراض والغايات. وإنما يفعل تعالى بمحض المشيئة والإرادة دون أن يتوقف فعله على الحكمة ؛ فلا يبعثه باعث على الفعل.
ويترتب على فعله حكم ولكنها غير مقصودة، بل هي مترتبة على الفعل وحاصلة عقبه
.
قال الإيجي :

"المقصد الثامن في أن أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض، إليه ذهبت الأشاعرة، وقالوا: لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية، ووافقهم على ذلك جهابذة الحكماء وطوائف الإلهيين" [26]
وقال الشهرستاني :
( القاعدة الثامنة عشر: في إبطال الغرض والعلة في أفعاله تعالى: مذهب أهل الحق أن الله تعالى خلق العالم بما فيه من الجواهر والأعراض وأصناف الخلق والأنواع، لا لعلة حاملة له على الفعل سواء قدرت تلك العلة، نافعة له أو غير نافعة، إذ ليس يقبل النفع والضر، أو قدرت تلك العلة نافعة للخلق، إذ ليس يبعثه على الفعل باعث فلا غرض له في أفعاله ولا حامل بل علة كل شيء صنعه ولا علة لصنعه ) [27].
وقال الآمدي في غاية المرام:

( مذهب أهل الحق أن الباري تعالى خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها، بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وضر، لم يكن لغرض قاده إليه، ولا لمقصود أوجب الفعل عليهوأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها، بل كل ما أبدعه من خير وشر ونفع وضر،لم يكن لغرض قاده إليه، ولا لمقصود أوجب الفعل عليه) [28]
إذن :
الأشاعرة من أشهر من نفى التعليل في أفعاله تعالى , فلا يفعل عندهم لحكمة ولا لعلة وغاية , وهو لا يقصد بأفعاله شيئا , وإنما تترتب الفوائد على الأفعال تلقائيا .
وأصل الخلاف بين الأشاعرة والمعتزلة في هذه المسألة هو:
هل هناك أغراض وغايات باعثة له تعالى على الفعل، فلا يفعل إلا لعلة؟

فالمعتزلة يرون ذلك، وتلك الأغراض عندهم هي مصالح العباد، أما الأشاعرة فإنهم يمنعون ذلك.
وقد رد الأشاعرة على ما احتج به المعتزلة على إثبات الغرض، وهو قولهم، بأن الفعل الخالي عن الغرض عبث، وأنه قبيح يجب تنزيه الله تعالى عنه، فلابد إذن في فعله من غرض؛ نفيا للعبث ولابد أن يكون الغرض عائدا على غيره إذ لا ينتفع بالغرض، ولا يتضرر بتركه.

رد عليه الأشاعرة فقالوا :
بأن العبث ما كان خاليا عن الفوائد والمنافع، وأفعاله تعالى محكمة متقنة مشتملة على حكم ومصالح راجعة إلى مخلوقاته، لكنها ليست أسبابا باعثة لفعله، وعللا غائية لفاعليته حتى يلزم استكماله بها، بل تكون غايات ومنافع لأفعاله وآثاراً مترتبة عليها، فلا يلزم أن يكون شيء من أفعاله عبثا.
ثم إن العبث إنما يتصور في حق من تلحقه الفوائد، والله تعالى لا ينتفع بشيء، ولا يتضرر بشيء. فحقيقة العبث لا تتصور في حقه تعالى
[29].
ولما احتج القائلون بالتعليل بورود التعليل في القرآن الكريم مدلولاً عليه بلام التعليل وذلك في مثل قوله تعالى : ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ [30]ًا وَحَزَنًا [القصص: 8]" الشهرستاني، ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص: 402). .
وقال السنوسي في شرح الق.

أجاب الأشاعرة عن ذلك :
بأن هذه اللام ليست لام التعليل بل هي لام العاقبة والصيرورة , فليس المراد أن العبادة باعثة لله تعالى على خلق الجن والإنس، إذ لو كانت كذلك لاقتضى الأمر أن يكون تعالى مستكملا بعبادة الخلق له، ولذلك احتاج إليها فخلق الخلق من أجلها.
وإنما المراد عاقبة الأمر وصيرورة الحال؛ أي لما وجد الخلق كلفوا بالعبادة فترتب التكليف بالعبادة على وجود الخلق.
[31]
وقد اعتمد الأشاعرة في نفيهم للتعليل , على أدلة وشبهات عقلية ,
لا تستند إلى نص من كتاب أو سنة، بل عولوا فيها على عقولهم، والعقل البشري ليس في إمكانه معرفة الصواب في كل شيء.
والواجب أن يخضع العقل في معرفة ذلك لما جاء في النصوص المعصومة عن الله ورسوله.
أما الأدلة التي يعول فيها على العقل وحده فقد تتضارب وتتناقض، ويتنازع أصحابها، ولا أدل على ذلك من اختلاف المعتمدين على العقل في أكثر المسائل, ولا أدل على ذلك من هذه المسألة ( الحكمة والتعليل ) حيث نجد أن المعتمدين فيها على الأدلة العقلية اختلفوا فيما بينهم
:
ف
الأشاعرة ينفون أن تكون أفعاله تعالى لغاية وغرض؛ لئلا يلزم أن يكون ناقصا قبل ذلك ومستكملا بذلك الغرض.
والمعتزلة يوجبون تعليل أفعاله بالأغراض؛ لأن من يفعل لا لغرض يكون عابثا، والبعث قبح يتنزه الله عنه .

والمذهب الحق في هذه المسألة هو مذهب أهل السنة والجماعة , الذين يخضعون عقولهم لما ورد في الكتاب والسنة , والذي سأختم بهم حديثي يإذن الله عن هذه المسألة .









المبحث السادس : موقف السلف من الحكمة والتعليل :
هم يثبتون صفة الحكمة لله تعالى , وأنها من صفاته القائمة به , قديمة النوع حادثة الآحاد , فهم متفقون على أن الله تعالى حكيم , ولا يخلو فعل من أفعاله تعالى من الحكمة البالغة ,وأن هذه الحكم التي يفعل تعالى لها منها ما يعود إليه ومنها ما يعود إلى الخلق .
قال ابن القيم :
( الله سبحانه حكيم , لا يفعل شيئا عبثا ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة , فأفعاله سبحانه صادرة عن حكمه بالغة لأجلها فعل , وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا في مواضع لا تكاد تحصى ) [32]
وقال في موضع آخر :
( ومن أعجب العجب أن تسمح نفس بإنكار الحكم والعلل الغائية والمصالح التي تضمنتها هذه الشريعة الكاملة , التي هي من أدل الدلائل على صدق من جاء بها , ولو لم يأت بمعجزة سواها لكانت كافية شافية , فإن ما تضمنته من الحكم والمصالح , شاهد بأن الذي شرعها وأنزلها أحكم الحاكمين , وأرحم الراحمين ) [33]
إذن :
ذهب السلف إلى :
1- أن أفعاله تعالى لا تكون إلا لحكمة وغاية , لا كما ذهب نفاة التعليل من الأشاعرة إلى أن أفعاله فقط من منطلق محض الإرادة والمشيئة لا لحكمة وغاية .
2- وأن الحكمة صفة قائمة به تعالى وأنه يعود عليه منها حبه لها ورضاه بها , لا كما قالت المعتزلة من أن الحكمة مخلوقة منفصلة عنه تعالى , وأنه لا يعود منها إليه شئ فنفعها يعود إلى العباد فقط .[34]
وقد استدل السلف على ما ذهبوا إليه من إثبات الحكمة والتعليل في أفعاله تعالى بعدة أدلة منها :
1- ما يشهد به العقل , من أن الفاعل المتقن لأفعاله لا تكون أفعاله عبثا بلا غاية , بل لا بد أن تكون لغاية باهرة وحكمة ظاهرة لا تنكرها العقول السقيمة .
2- ما ورد في القرآن الكريم من نصوص تدل على ثبوت الحكمة والتعليل في أفعاله تعالى , ومن ذلك :
1) التصريح بلفظ الحكمة .
ﭧ ﭨ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ [35]
ولا شك أن معطي الحكمة غيره يجب أن يكون حكيما .
2) التعليل بلام التعليل .
ﭧ ﭨ ﴿ رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ
الرُّسُلِ﴾[36]
فاللام هنا لام التعليل , وليست لام العاقبة كما يدعي نفاة التعليل , لأن لام
العاقبة لا تكون إلا في حق من هو جاهل بالعاقبة , كما في قوله تعالى : ﴿
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُواًّوَحَزَناً [37]
وأما من هو بكل شئ عليم و وعلى كل شئ قدير فيستحيل في حقه دخول
هذه اللام [38].
3) التعليل بأداة كي الصريحة في التعليل .
ﭧ ﭨ ﴿ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ ﴾ [39]
4) التعليل ب ( لعل ) .
ﭧ ﭨ ﴿ ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[40]
وجاءت لعل هنا للتعليل , لأن لعل تكون في كلام الله سبحانه للتعليل مجردة
عن معنى الترجي , لأنه لا يصح الترجي في حق الله تعالى . [41]




هذا والحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم , أرجو أن أكون قد وفقت في إيضاح ولو جزء
بسيط من هذه المسألة عظيمة الشأن , فما كان
منها صوابا فمن الله , وما كان منها
خطئا فمن نفسي , وأستغفر الله .




المراجع :
1) القرآن الكريم .
2) صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر من السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - المحقق : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه - الطبعة: الأولى - سنة الطبع: 1374هـ ) .
3) جامع البيان لابن جرير الطبري , ( ط : الأولى , دار الكتب العلمية , 1412 ) .
4) القاموس المحيط للفيروز أبادي , ( ط : الثالثة , مؤسسة الرسالة , دار الريان , 1407 ) .
5) لسان العرب لابن منظور , ( ط : الثالثة , دار إحياء التراث , 1413 ) .
6) معجم مقاييس اللغة لابن فارس , ( ط : بدون , دار الفكر , 1399 ) .
7 ) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني ( ط : بدون , معلومات النشر : بدون ) .
8 ) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون جمعه ووضع فهارسه محمد عزيز شمس وعلي بن محمد العمران تقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ( دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1420هـ ) .
9) الملل والنحل للشهرستاني , تحقيق عبد الأمير مهنا وعلي فاعور , طبعة دار المعرفة ( لا يوجد رقم الطبعة وتاريخها ) .
10 ) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل , ابن القيم الجوزية , ( ط : بدون , المكتبة العصرية , 2011 م , 1432 ) .
11) مجموع فتاوى ابن تيمية , المجلد الرابع , كتاب الإيمان والقدر , ( ط : بدون , دار الحديث , 1427 , 2006 م ) .
12 ) مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , لابن القيم الجوزية , ( ط : بدون , دار الحديث ) .
13 ) نهاية الإقدام للشهرستاني , ( ط : بدون , معلومات النشر : بدون ) .
14 ) المغني في أبواب العدل والتوحيد , للقاضي عبد الجبار , ( ط : بدون , الدار المصرية للنشر ) .
15 ) المواقف , للإيجي ,( مطبعة السعادة , 1352 ) .
16 ) غاية المرام في علم الكلام , للآمدي , تحقيق : حسن محمود عبد اللطيف , ( مطابع الأهرام , 1391 ) .
17 ) الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى , محمد ربيع المدخلي , ( ط : الأولى , مكتبة لينة للنشر والتوزيع , 1409 ﮬ ) .
18 ) الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 .


[1] مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بن سعد بن حريز الزرعي الدِّمَشْقِي شمس الدّين ابْن قيم الجوزية الْحَنْبَلِيّ ولد سنة 691 وَسمع على التقي سُلَيْمَان وَأبي بكر بن عبد الدَّائِم والمطعم وَابْن الشيرازى وَإِسْمَاعِيل بن مَكْتُوم والطبقة وَقَرَأَ الْعَرَبيَّة على ابْن أبي الْفَتْح وَالْمجد التّونسِيّ وَقَرَأَ الْفِقْه على الْمجد الْحَرَّانِي وَابْن تَيْمِية ودرس بالصدرية وَأم بالجوزية وَكَانَ لِأَبِيهِ فِي الْفَرَائِض يَد فَأَخذهَا عَنهُ وَقَرَأَ فِي الْأُصُول على الصفي الْهِنْدِيّ وَابْن تَيْمِية وَكَانَ جرئ الْجنان وَاسع الْعلم عَارِفًا بِالْخِلَافِ ومذاهب السّلف وَغلب عَلَيْهِ حب ابْن تَيْمِية حَتَّى كَانَ لَا يخرج عَن شئ من أَقْوَاله بل ينتصر لَهُ فِي جَمِيع ذَلِك وَهُوَ الَّذِي هذب كتبه وَنشر علمه وَكَانَ لَهُ حَظّ عِنْد الْأُمَرَاء المصريين واعتقل مَعَ ابْن تَيْمِية بالقلعة بعد أَن أهين وطيف بِهِ على جمل مَضْرُوبا بِالدرةِ فَلَمَّا مَاتَ افرج عَنهُ وامتحن مرّة أُخْرَى بِسَبَب فتاوي ابْن تَيْمِية وَكَانَ ينَال من عُلَمَاء عصره وينالون مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمُخْتَص حبس مرّة لإنكاره شدّ الرحل لزيارة قبر الْخَلِيل ثمَّ تصدر للأشغال وَنشر الْعلم وَلكنه معجب بِرَأْيهِ جرئ على الْأُمُور وَكَانَت مُدَّة ملازمته لِابْنِ تَيْمِية مُنْذُ عَاد من مصر سنة 712 إِلَى أَن مَاتَ وَقَالَ ابْن كثير كَانَ ملازما للاشتغال لَيْلًا وَنَهَارًا كثير الصَّلَاة والتلاوة حسن الْخلق كثير التودد لَا يحْسد وَلَا يحقد ثمَّ قَالَ لَا أعرف فِي زَمَاننَا من أهل العلم أَكثر عبَادَة مِنْهُ وَكَانَ يُطِيل الصَّلَاة جدا ويمد ركوعها وسجودها , انظر كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني ( ط : بدون , معلومات النشر : بدون ) , ج 4 , ص 140 .

[2] شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل , ابن القيم الجوزية , ( ط : بدون , المكتبة العصرية , 2011 م , 1432 ) , ص 10 .

[3] صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصرمن السنن بنقل العدل عن العدل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - المحقق : محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه - الطبعة: الأولى - سنة الطبع: 1374هـ ) , كتاب الإيمان , باب الإيمان والإسلام , حديث رقم 3088 .

[4] هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، ابن تيمية الحراني، الإمام، الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد، شيخ الإسلام، علم الأعلام، أفتى ودرّس وهو دون العشرين، وله مئات التصانيف، توفي سنة 728هـ , انظر كتاب الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون جمعه ووضع فهارسه محمد عزيز شمس وعلي بن محمد العمران تقديم فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1420هـ .

[5] مجموع فتاوى ابن تيمية , المجلد الرابع , كتاب الإيمان والقدر , ( ط : بدون , دار الحديث , 1427 , 2006 م ) , ص 81 .


[6] القاموس المحيط للفيروز أبادي , ( ط : الثالثة , مؤسسة الرسالة , دار الريان , 1407 ) , ص 1415 .

[7] لسان العرب لابن منظور , ( ط : الثالثة , دار إحياء التراث , 1413 ) , ج 3 , ص : 271 .

[8] جامع البيان لابن جرير الطبري , ( ط : الأولى , دار الكتب العلمية , 1412 ) , ج 1 , ص : 608 .

[9] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 23 .

[10] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين , لابن القيم الجوزية , ( ط : بدون , دار الحديث ) , ج 2 , ص 501 -502 .

[11] معجم مقاييس اللغة لابن فارس , ( ط : بدون , دار الفكر , 1399 ) , ج 4 , ص 14 , ولسان العرب , لابن منظور , ج 9 , ص 367 .

[12] لسان العرب لابن منظور , ج 9 , ص 367 , والقاموس المحيط ,للفيروز أبادي , ص 1338 .

[13] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 35 .

[14] القمر: ٥

[15] آل عمران: ٦٢ .

[16] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 35 – 36 .

[17] المعتزلة فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية, عرفوا بالمعتزلة بعد أن اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري وشكل حلقة خاصة به لقوله بالمنزلة بين المنزلتين فقال الحسن: "اعتزلنا واصل". الملل والنحل للشهرستاني , تحقيق عبد الأمير مهنا وعلي فاعور , ص 81 , طبعة دار المعرفة ( لا يوجد رقم الطبعة وتاريخها ) .

[18] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 43 .

[19] نهاية الإقدام للشهرستاني , ( ط : بدون , معلومات النشر : بدون ) , ص 400 .

[20] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى , محمد ربيع المدخلي , ( ط : الأولى , مكتبة لينة للنشر والتوزيع , 1409 ) , ص 50

[21] المغني في أبواب العدل والتوحيد , للقاضي عبد الجبار , ( ط : بدون , الدار المصرية للنشر ) , ج 11 , ص 92 – 93 .

[22] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 44

[23] نهاية الإقدام للشهرستاني , ص 397 .

[24] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى عند أهل السنة والجماعة , رسالة علمية لنيل درجة الماجستير لعبد الله الشهري , بإشراف : د : عبد الله الدميجي , جامعة أم القرى , كلية الدعوة وأصول الدين , قسم العقيدة , المجلد الأول , 1422 , ص 46 .

[25] الأشاعرة: فرقة كلامية إسلامية، تنسبلأبي الحسن الأشعري الذي خرج على المعتزلة. وقد اتخذت الأشاعرة البراهين والدلائل العقلية والكلامية وسيلة في محاجة خصومها من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم، لإثبات حقائق الدين ,والعقيدة الإسلامية على طريقة ابن كلاب ,من أبرز شخصياتها : أبو الحسن الأشعري: هو أبو الحسن علي بن إسماعيل، من ذرية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولد بالبصرة سنة 270هـ ومرت حياته الفكرية بثلاث مراحل: المرحلة الأولى: عاش فيها في كنف أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في عصره وتلقى علومه حتى صار نائبه وموضع ثقته . ولم يزل أبو الحسن يتزعم المعتزلة أربعين سنة .
المرحلةالثانية: ثار فيه على مذهب الاعتزال الذي كان ينافح عنه، بعد أن اعتكف في بيته خمسة عشر يوماً، يفكر ويدرس ويستخير الله تعالى حتى اطمأنت نفسه، وأعلن البراءة من الاعتزال وخط لنفسه منهجاً جديداً يلجأ فيه إلى تأويل النصوص بما ظن أنه يتفق مع أحكام العقل وفيها اتبع طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب في إثبات الصفات السبع عن طريق العقل: الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام، أما الصفات الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق فتأولها على ما ظن أنها تتفق مع أحكام العقل وهذه هي المرحلة التي ما زال الأشاعرة عليها .
المرحلة الثالثة: إثبات الصفات جميعهالله تعالى من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف ولا تبديل ولا تمثيل، وفي هذه المرحلة كتب كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي عبّر فيه عن تفضيله لعقيدة السلف ومنهجهم ، الذي كان حامل لوائه الإمام أحمد بن حنبل. ولم يقتصر على ذلك بل خلّف مكتبة كبيرة في الدفاع عن السنة وشرح العقيدة تقدّر بثمانية وستين مؤلفاً، توفي سنة 324هـ ودفن ببغداد ونودي على جنازته: "اليوم مات ناصر السنة". الملل والنحل للشهرستاني , تحقيق عبد الأمير مهنا وعلي فاعور , ص 66 , طبعة دار المعرفة ( لا يوجد رقم الطبعة وتاريخها )

[26] المواقف , للإيجي ,( مطبعة السعادة , 1352 ) , ص 202 .

[27] نهاية الإقدام للشهرستاني , ص 397 .

[28] غاية المرام في علم الكلام , للآمدي , تحقيق : حسن محمود عبد اللطيف , ( مطابع الأهرام , 1391 ) , ص 224 .

[29] الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى , محمد ربيع المدخلي , ( ط : الأولى , مكتبة لينة للنشر والتوزيع , 1409 ) , ص 64 .

[30] الذاريات: ٥٦

[31] المرجع السابق , ص 66 .

[32] شفاء العليل , لابن القيم , ص 400 .

[33] المرجع السابق , ص 430 .

[34] بتصرف الحكمة والتعليل, للشهري , ص 42 -43 , والحكمة والتعليل , للمدخلي , ص 38 .

[35] البقرة: ٢٦٩

[36] النساء 165 .

[37] القصص , 8

[38] شفاء العليل , لابن القيم , ص 400 .

[39] سورة الحشر , 7

[40] البقرة , 183 .

[41] شفاء العليل , لابن القيم , ص 412 .