سنواتٌ عجاف بلُغة ( الحنين والغربة ) ؛ لكنها مثمرة بلغة ( الإنتاج والإخلاص ) في أداء العمل والرسالة السامية في خدمة الوطن. على الرغم من كل المعوقات والصعوبات. البعض تجاوز الست والثمان والتسع والعشر إلخ من السنوات بعيدًا عن مسقط رأسه وجوار ووالديه وأقاربه. في ظل ظروف صحية وعائلية قاهرة جدًا. نعم كم نحن فخورون بخدمة الوطن في أي مكان كان. وبنفس الحجم نقولها : كم هو مؤلم أن تعيش بجسدك هنا وقلبك هناك. مع كل عام تُعلن فيه حركة النقل نجرُّ أذيالَ الخيبة والألم؛ لأننا ( منسيون ) نحن معلمي اللغة العربية ( الجامعيين ) أخص بالذكر طالبي النقل للمنطقة الغربية. طوال السنوات الماضية أعتدنا على القيام بدور ( استقبلَ وودَّع ),ووصل بنا الحال أننا نعرف أدق تفاصيل المناطق التي نعمل بها وهذه إضافة لرصيدنا الثقافي دون شك,بينما بدأت ذاكرتنا تذبل بالمنطقة التي شهدت ولادتنا ونشأتنا. سنة تلي أخرى ونحن كل عام نبارك لهذا وذاك. ونستقبل هذا ونودّع الشخص ذاته ونحن ( مكانك سِر ). ليس لنا سوى الله. نردد كل عام : خير إن شاء الله , الخيرة فيما اختاره الله. بعضنا يبعد عن أهله ومسقط رأسه 500كم والبعض 800كم والآخر 1000كم والبعض 1500كم. ألم نتجرّع مرارته كل سنة. بلغ بنا الألم أعلى درجاته حيث أصبح الإعلان عن حركة النقل بمثابة ( تجديد الجرح والألم والحزن ). نعم أيها الأحبة لم تكن بالنسبة لنا سوى ( حركة ألم ) وليست حركة نقل. تحطّمت آمال الكثير على صخرة حركة النقل عفوًا ( حركة الألم ), فالبعض كان يمنّي النفس بأن يقترب من والديه , ولكن القدر لم يمهله لتحقيق ذلك. فهناك من فقد أمه العزيزة أو أباه الشيخ الكبير, إنه القدر و اللهم لا اعتراض. حتى العيد ! يا الله ! حتى العيد يذكرنا بقرب الرحيل عن المكان الذي ألفناه حيث موعد العودة هناك. ولسان حالنا يقول : عيدٌ بأي حال عُدتَ يا عيدُ. عن أي تفاصيل الحزن أتحدث,وعن أي موقف أحكي , أأتحدث عن الضغط علينا بسبب الأداء الوظيفي. البعض قدّم التنازلات تلو التنازلات من أجل أداء وظيفي قد يكون سببًا في نقله. الله المستعان. لن أدخل في تفاصيل تعامل بعض مديري المدارس للمعلمين القادمين من بعيد لأن القصص يندى لها الجبين. وهي مؤلمة جدًا. وبالرغم من كل المعطيات المُحبطة والألم المتجذر فينا , كنتُ أهمس في أذن زملائي في ( المعاناة ) : إن الفرج قادم لامحالة, وأن الليل مهما طال حتمًا سيعقبه فجر. وكنت مبتسمًا رغم أن الألم والحزن يختلج في دواخلي وكانوا يقولون : ما شاء الله عليك على رباطة جأشك وتفاؤلك؛ لكنهم لا يشعرون بما أشعره به داخليًا. فأتجلّد وأتصبّر ما أستطعت إلى ذلك سبيلا. أما حزني فتعودت ألا يبارح صدري وأرفض أن يشاركني أحدٌ فيه أبدًا. وكنت على يقين أنها تضيق وتضيق وتضيق ثم تُفرج. فبلوغ الشدة أوجها إيذانٌ بقرب الفرج, وهذا ما كان بالفعل بفضل الله تعالى وتوفيقه. لتأتي الساعة 2:37 ظهر يوم الأحد الموافق 4/4/1433هـ وبعد تناولي وجبة الغداء لأفتح جهاز الجوال الخاص بي وأبحث عبر بوابة التكامل الإلكتروني عن الأمل الذي طال انتظاره , لعلّ وعسى أن أجد شيئًا. وأقوم بإدخال السجل الخاص بي وإذا بعبارة ( مبروك تم نقلك ) لم أستوعب وإذا بها على الرغبة الأولى. يا الله ! فخرجت من غرفتي للزملاء في الشقة , يا شباب نقلت ( جدة جدة ) ولله الحمد, لم يصدقوا لأسلِّمهم الجهاز وأسجد لله شكرًا على ما منّ به عليَّ. لتنهال بعدها الاتصالات؛ لأتصل على أمي صاحبة القلب الكبير , فما كان منها إلا أن بكت فرحًا وتترك للزغاريد العنان. نعم إنها الوحيدة في الكون التي فرحت أكثر مني. ما أعظم فرحتك يا أمي ! بكت عندما تعينت وبكت عندما نقلت. لك الحمد يا رب أن أفرحت أمي الحمد لله الحمد لله.


حركة النقل لهذا العام تمثل للجامعيين ( عربي ) نقطة تحول كبيرة وربما هي للبعض (يوم ميلاد جديد )
ورددت كثيرًا البيت القائل :


ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ........... فُرجت وكنت أظنها لا تُفرجُ


أبارك لكل المعلمين المنقولين وأرجو من الله العلي القدير أن يكون نقل خير وبركة


وأدعو الله العلي القدير أن يعجّل بنقل من لم يوفق في حركة النقل. ويكتب لنا ولكم ما فيه الخير.