هي فتاة لم تُكمل عقدها الثاني من العمر بعد.. حباها الله ما حباها من جمال ووسامة وحُسن خلقٍ وخُلق , طالبة في المرحلة الثانوية .
بين حين وآخر يتقدم لها شاب بواسطة ذويه للزواج وترفض , بغية إكمال دراستها وإنهاء المرحلة الجامعية , وفي يومٍ أبلغتها والدتها أن شاباً يدرس هندسة الحاسب في جامعة مرموقة , ومتفوقٌ دراسياً تقدم لخطبتها , لم تتحمس الأم , يقينا منها أن ابنتها سترفض بغية مواصلة التعليم .. وفي هذه المرة وافقت الفتاة شرط إنهائها الدراسة الثانوية على أقل تقدير .. طمعت في الشاب وتفوقه وما يحمله من صفات شرحتها والدة الشاب ونقلتها والدة الفتاة لابنتها.
وحسب المتبع , سأل والد الفتاة عن الشاب , وسمع ما سمع من صفات محمودة , يختزلها هذا الشاب وذويه , وأجمعت الأسرة في الموافقة على الشاب , تقدم رسميا برفقة والده ووالدته , وتمكن من رؤية الفتاة الرؤية الشرعية , وتم الاتفاق على كافة بنود الزواج , وأن يتم في منتصف الإجازة الصيفية , وتكون حينها الفتاة أنهت دراستها الثانوية , وخلُصت من توفير احتياجات الزواج .. واتفقوا أن تكون المُلكة قبل الزواج بأسبوع فقط .
في الإجازة, يكون الاتصال بين والدتي العروسين, لمناقشة ما يلزم من أمور الزواج, وفجأة اختفت اتصالات والدة الشاب, بحثت الأم عن سببٍ ولم تجد, لم تتوجس الفتاة أي خيفة على مصيرها لثقتها في نفسها.. فما زال باب منزلهم يُطرق من قبل الراغبين الزواج منها, زادت أيام القطيعة, وحان موعد الملكة وقرب يوم الزواج.. كل شيء منتهي .. استئجار قصر الأفراح وتوفير بيت الزوجية.
وفي يومٍ حارٍ ومُشمس, وحوالي الساعة الحادية عشرة ظهرا , رن الهاتف في بيت الفتاة , لترفع سماعة الهاتف ..
* نعم ..
- صوت نسائي ..السلام عليكم
* وعليكم السلام
- " شلونس "
* الحمد لله .. من معاي
هنا تبكي المتصلة , ويزيد بكائها , وتُنادي الفتاة والدتها , وتستلم سماعة الهاتف , وبعد تهدئة من الأم للمتصلة , تسمع الفتاة والدتها , تهذر بكلماتٍ , منها : لا حول ولا قوة إلا بالله .. الله يعافيه ويشفيه ويقومه بالسلامه .. الله يصبركم .. شي أحسن من شي .. و" شلونه " الحين .. خيره يا بنت الحلال والخيرة فيما اختاره الله .. الله يعينكم .. لازم تطمنينا .. الخ .
وبعد ان أُغلقت السماعة , سألت الفتاة الأم عن المتصل , وكانت الإجابة أن المتصلة والدة خطيبها , الذي تعرض لحادث مروري فضيع , ويرقد حاليا في المستشفى , وأُصيب بشلل في الأطراف - لا يحرك إلا رأسه ويديه - , وتدعو الأم للشباب بالعافية وأن يخلف عليه خيرا مما هو فيه !
بعدها , يحضر الأب من عمله , ويعلم بما حصل , ويسأل الله أن يعافي الشاب ويمن عليه بالصحة , ويُخاطب ابنته قائلاً : الخيرة فيما اختار الله , والحمد لله أن الملكة لم تتم , وتطلب الفتاة من والدها أن يزور الشاب في المستشفى , دون أن تعلق على الملكة , أو تفتح نقاشا لموضوع الارتباط به !
يعود الأب للمنزل بعد زيارة الشاب , ويروي مأساته , ويؤكد ان معاناته النفسية أشد من معاناته العضوية , ويذكر أنه تحرج من فتح النقاش مع والد الشاب فيما يخص إنهاء الارتباط بين ابنه وابنته .. في هذه اللحظة , تتساقط دموع الفتاة وتزيد نياحها وبكائها , ويهدي والدها ووالدتها من روعتها , مؤكدين ان الله سيمن عليها خيرا من هذا الشاب المقعد .
وبمنديل أبيض , تمسح الفتاة دموعها .. وتتنهد وتحبس أنفاسها , وتُلقي نظراتٍ غير مألوفة لمن حولها !
وبعد ان تستعيد شيئاً من قواها .. تنظر لوالديها , لتقول بنبراتٍ جادة وحزينة : من قال أني سأرفض " ... " - وتعني الشاب - , سأتزوجه وبرضاكم , لا تعني إعاقته إلا تحدياً لهذه الحياة الرخيصة , سأتزوجه .. ليس تعاطفاً معه أو رحمة بحاله , فلا -والحديث لها – أجد حرجا من الارتباط به !
وبين أخذ ورد بينها وبين والديها , يقرر الأخيران أن القرار لها , وأنها الأدرى بمصلحتها .
وياخذ الأب سماعة الهاتف ويطلب والد الشاب على النقال , ويدعوه لأحتساء القهوة في منزله , يحضر والد الشاب مُثقلا بهموم ضناه .. وينتظر أن يفتح والد الفتاة الموضوع الخاص بفسخ الخطبة , وعينيه تُغرقان بالدموع , ويستمع من مضيفه لرغبة الفتاة وإلحاحها في طلبها , ولا يفعل أكثر من مسح دموعه التي تساقطت فرحا وحزناً .. ينقل الأب رغبة الفتاة لابنه الذي يرقد في المستشفى , ويرفض الطلب ويؤكد على الانفصال , إحساسا منه بعطفٍ لا يرغبه , يؤكد الأب أن الفتاة ألحت في طلبها , ويطلب الشاب الاتصال بها .. عندها يدخل والد الفتاة في غرفة الشاب وبصحبته رجل ملتحٍ يحمل دفترا كبير بين ذراعه الأيسر , ويصافح الشاب , ويُقدم له شيئاً من الرقية الشرعية , ويتنفس الشاب الصعداء ويهيم في أوهام لم يكن يحسب أنها حقيقة , ويُخبره والد الفتاة أن هذا الرجل مأذون أنكحه وأن ابنته في الخارج تنتظر إتمام الملكة .. يصمت الشاب ولا ينطق إلا بالقول : وافقت الزواج من ابنتك ! ويتبسم لأول مرة من بعد الحادث !
يخرج الشيخ والأبوين , وتدخل " الزوجة " وتطبع قبلة على جبين زوجها , وتتلو على جسده آياتٍ من القرآن الكريم .. وفي كل يومٍ تزوره , والشاب يتحسن حاله بشكل مُذهل .
وقبل أن تنقضي الإجازة , يُعلن موعد جديد للزواج , وفي احد أفخم قصور الافراح في العاصمة الرياض , وتلبية لرغبة الزوجة , يحتشد الاف المدعويين في حفل بهيج , كان فيه الزوجين الأكثر سعادة !
قضى الزوجين إجازتهما في مكة المكرمة , وبعد العودة , عاد الزوج لمواصلة دراسته الجامعية , واستعان بسائق لتنقلاته وزوجته التي التحقت بالجامعة .. أنهى الشاب دراسته في الجامعة بتفوق , معتمداً على قدراته وتشجيع زوجته ووقوفها الدائم معه , حيث فرغت نفسها وتعذرت عن مواصلة دراستها للوقوف مع زوجها , الذي عمل معيداً في الجامعة .
غادر الشاب بمفرده للولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الماجستير في هندسة الحاسب الآلي , وبعد مضي ثلاثة أشهر سافرت له زوجته برفقة والدها , وعاد الأب ومكثت الزوجة , واستطاع الزوج التحدث بالانجليزية أفضل من بعض الأمريكيين , والتحقت زوجته بمعهد لدراسة اللغة الإنجليزية .. ورزقا بطفل وسيم هناك .. واستخرج الأب " الجديد " رخصة قيادة , واقتنى سيارة خاصة بوضعه .. ويردد كل يوم : لا حرمني الله هذه الزوج !
تحية إجلال وإكبار لهذه الزوجة " النادرة " ورزقها الله ما تستحق..
قصة طويلة خطتها يدي لكم, وعذرا للإطالة, وأوردتها لما رأيت فيها من معاني سامية - من وجهة نظري - .
وآسف لإزعاجكم,,