أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسولِ الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه.
وبعد.
فقد سهرتُ ليلة السبت على شاشة اللابتوب،مقلِّبًا لمقالات طلبة العلم والمشايخ في الانترنت، ومقلِّبًا لبعضِ الكتب المهمَّة، حتى جاء وقتُ صلاة الظهر، وقد بلغُ النعاس مني مبلَغه، حتى كدتُ أنام في صلاتي.
فلما أبصرتُ حلقة شيخنا الكريم أبي مالك العوضي في قناة " دليل " ببرنامج " مداد " بعنوان " متن موطأ الفصيح " نشطتُ وجهِدت في كتابة أهم فوائدها، وأنجع فرائدها.
هذا وقد وشمِلَتِ الحلقة شرحًا ميسرًا لمتن موطأة الفصيح، ثم الكلام عن المنظومات العلمية، وبعض النصائح في الحفظ والمراجعة، ثم اختيار بعض الكتب للقرَّاء.
ولما وجدتُ من أخي / أبي همام السعدي تأخرًا في كتابة فوائد الحلقة، بادرتُ مشمِّرًا عن ساعد الجد؛ حتى أنهيتُها -بفضل الله- فلا يلومنِّي!

وإليكموها شبه مفرغة، والعذر من السقطات الإملائية وتحريف بعض الكلِم - إن وجد - فقد كتبت عذري؛ لئلا أجد الملامَ والعتابا.


حلقة قناة " مداد " لأبي مالك العوضي = متن موطأ الفصيح.
فقرة في " الميزان " .
موطأ الفصيح : نظمٌ في ألف وثلاث مائة بيت، وعادة المصنفين والعلماء أن يُطلب منهم شيء في التصنيف أو التأليف أو النظم، ولكن ابن المرحل أراد أن ينظم من نفسه تسهيلا وتيسيرا لطلب العلم، وقد خفي على كثير من الناس أن الموطأ ليست نظمًا للفصيح، بل يمكن أن نعدها شرحًا.
قال المقدم= هذا الكتاب ليس فيه غلاف، لماذا؟ جردتَه كاملًا خمسةً وسبعين مرةً؟ لماذا هذا التكرار؟ اسود من طول ما لبس، وانقطع غلافه من كثرة ما قرئ.
قال الشيخ أبو مالك: الفصيح قرأته ثلاث مرات فقط، ولكن النظم قرأته كثيرًا من أجل الحفظ.
قال المقدم: هل ما في الفصيح موجود هاهنا وزيادة؟
قال الشيخ أبو مالك: قد تقول، أغلب ما في الفصيح موجود، ولكن فيه زيادات كثيرة؛ لأن ثعلب كان يعتمد على الإقراء، ولم يضبطه لفظًا، مثلًا قال:
إنما المالُ ينمِي نمَى بفتح الميم أم الكسر؟ لم ينص لفظًا؛ لأنه يُقرأ عليه أو يقرأ، وأبو العباس ثعلب صاحب الفصيح من أئمة اللغة من المائة الثالثة، من أقران المبرد، وفاتهم متقاربه، ولكن ثعلب عمّر لأنه (200 هـ ) وتوفي (291هـ) والمبرد قبله بست سنوات، فظل ثعلب يقرئ الفصيح، وأول ما صنفه للمبتدئين؛ لأنه وجد صعوبة في التحصيل.
ومن الطرائف أن شيخه ابن السكّيت صاحب " إصلاح المنطق " حينما صنف ثعلب فاشتهر، قال له شيخُه –مغضبا-: أرغبت عن كتابي؟ قال: أنت كتابك طويل، ووضعت كتابي للصبيان، فالكتاب أصلا للمبتدئين، ولا تكاد من يجد من يطلع عليه.
قال المقدم: قد يشيع بين الناس أن الفصيح لتصحيح الأخطاء الشائعة؟
قال الشيخ أبو مالك: رتبه ثعلب على كتب الأخطاء الشائعة في عصره، ما يفتحه العامة وهو مكسور، ما يكسره العامة وهو مفتوح، ولكن ليس هذا هو المقصود الأعظم؛ لأن فيه أشياءَ ليست أخطاء مشتهرة، فالكتاب بذرةٌ أو مدخلٌ لمن أراد أن يدرسَ علمَ متن اللغة، وهو مهجور من قبل كثير المتخصصين فضلا عن غيرهم، وعلم متن اللغة: هو العلم الذي يبحث في ألفاظ السماع عن العرب، (ذهَب) كيف عرفت فتحَها؟ لا تعرف إلا بالرجوع إلى المعجمات، فكثير من الأخطاء الشائعة تكون من هذا الباب.
الشائع في عصر ثعلب قولهم (ينمو) فبين اللغة العليا والفصحى وهي (ينمي) فقال:
(وهذا كتابٌ لخصناه وألفناه أبوبًا، فمنه ما كان فيه لغة واحدة والناس على خلافها فأخبرناهم بذلك، ومنهم من كان لغتان وأكثر فاخترنا أفصحهن، ومنهم من كان فيه لغتان كثرتا واستعملتا فلم تكن إحداهما أولى من الأخرى)
قال الشيخ: ثعلب قسمه إلى ثلاثين أبوابًا، بعضه يطول وبعضه يقصر وبعضه متوسط، ومن أطول الأبواب " المصادر " يحضرني مثال متعلق بالقرآن.

(بعُد أم بَعِد) = ألا بُعْدًا لمدين كما بعدت ثموت = وقال تعالى (ولكن بعُدت عليهم الشّقة) فدلّ أن بينهما فرقًا، فبعِدت أي: هلكت، وبعُدت، من المسافة.
مثال: قدِم، مضارعُه يقدَم .. وما في القرآن (يقدُم) معناه يتقدمهم، وماضيه قدَم، وقال تعالى (وقدِمنا إلى ما عملوا من عمل) فمضارعه يقدَم.

وكثير من الأشياء غير مستعملة، فبعضهم صنّف تهذيبا وتذييلا وتمامًا له، والموطأ لا تكاد تجد لها شرحا، ليس لها إلا شرح العلامة ابن الطيب الفاسي، وهو مع تقدمه ليس مشهورًا وهو صاحب الزّبيدي، ومعظم ما في التاج أخذَه من ابن الطيب، وله شرحٌ على القاموس، لكن اشتهر كتاب تلميذه " تاج العروس " واسم الشرح " موطِّأة الفصيح " ولم يكمله، بل لم يطبع منه إلا مجلدٌ واحدٌ.
ومزيّة نظم ابن المرحّل أنه جعلها لا تكاد تحتاج لها شرحا
قال ابنُ المرحِّل:
وبعد هذا فجرَى في خاطري ** ** من غير رأيِ نادبٍ أو آمرِ
أن أنظمَ الفصيح في سلوكِ ** ** من رجَزٍ مهذّبٍ مسبوكِ
وبعضَ ما لا بدَّ من تفسيره ** ** وشرحَه والقولَ في تعبيره
من غير أن أعدوَ ذاكَ المعنى ** ** واللفظَ إلا لاضّطرارٍ عنَّا
نمى المال بمعنى كثُرا .. وذوى يذوي .. غوى يغوي .. حتى كثيرًا من الشواهد تختلف فيه النسخ، وثعلب ظل يقرأ الفصيح فيغيّر ويزيد ويبدّل.
قال المقدم : ما أفضل طبعات الفصيح؟
قال الشيخ أبو مالك : طبع عدة طبعات أمثلها طبعة المستشرق " بارث " وطبعة الدكتور عاطف مذكور، والأول أفضل من جهة ضبط النص، ولكن الثانية تتميز بتاريخ ثعلب، ولما اسشتهر كتاب ثعلب كثر المستدركون عليه في التصنيف، وأشهرهم (الزجّاج) جعل بينه وبين ثعلب مناظرة، لأن ثعلب – وهو كوفي - انتقد سيوبيه وهو بصري، والزجاج أميل للبصريين، فقال الزجاج لسيبويه: أنت تنتقد سيبويه؟ وكتابك عشر ورقات وهو مليء بالأخطاء، ثم ذكرها، والمناظرة مضمنة في كتاب" المزهر " للسيوطي.
وصنّف ابن خالويه ردّا على الزجاج، طبع مفردًا وقبل ذلك ضمّنه السيوطي في " الأشباه والنظائر " وهناك من ذيّل على الكتاب كعبد اللطيف البغدادي واسمُ كتابِه " ذيل الفصيح " أضاف بعض الأشياء التي رآها أهم في عصره، وابن فارس له كتابُ " تمام فصيح الكلام " أضاف بنفس الأبواب والأسلوب، وأبو سهل الهروي من أكثر العلماء عناية بالفصيح فله شرحان، وله تهذيب، وثعلب أحيانا يذكر كلمة ليست في بابها، فيرتبها الهروي، ويردها إلى بابا.
قال المقدم: أيش يصنف الكتاب تحت أي قسم؟
قال الشيخ أبو مالك: بعضهم يصنّفه تحت " اللحن " والأولى أن يصنّف من باب " متن اللغة " كالمعجمات المصنفة على الأبواب، كالمخصص لابن سيدَه، وكفقه اللغة للثعالبي، وكالنبات والخيل، وكتب النوادر كأبي زيد واللحياني وابن الأعرابي.
قال المقدِّم: ما الكتب الشبيهة بالباب؟
قال الشيخ: أشبه كتاب هو كتاب ابن السكّيت " إصلاح المنطق " فكثيرًا من هنا تجده في كتاب شيخه، وكما قلنا غضبَ شيخُه!
والموازنة بينهما لا يحضرني شيءٌ فيها، ولكن مزيّة ثعلب أنه مختصر، وهو ليس من الأئمة الذي يشتهرون بالمخالفة، بل هو أشهرهم اتباعًا، بل كان يحكي القولين ولا يرجّح، وأكثر ما اشتهر له أنه تصدى لتعليم الناس مدة طويلة، وكان يقول: لولا ما أؤمنه من الثواب ما تعذّبت.
وقيل له رؤيا يومًا حزينًا: اشتغل أهل الحديث بالحديث ففازوا، واشتغل أهل الفقه بالفقه ففازوا، واشتغلت أنا باللغة! فرآى في المنام فقيل له: إنك صاحب العلم المستقيل، أي: أنك إن دخلت أي علم فمحتاج للغة!
طبع الكتاب طبعة قديمة غير محققة، ولكن المحققة التي حققها الشيخ عبد الله حكمي، وقبل أن أنسى أشهر من نظمها :
(1) نظم ابن أبي الحديد، صاحب شرح منهج البلاغة، وهو أقدمها في التأليف، وهو مطبوع في مجلة معهد المخطوطات، ولم أره مطبوعا مفردا
(2) نظم ابن المرحل.
(3) نظر ابن جابر الهوّاري الأعمى.
وكل نظم له ميز، فالأول مختصر في ثمانمائة بيت، حتى بعض القرّاء يظن أنه لم يستوعب الفصيح بقوله (ولم أغادر منه حرفًا واحدا ** إلا إذا كان غريبًا زائدًا ** ففي زيادات الفصيح كثرة ** يعرف منه ذاك أهلُ الخبرة) وهذه الزيادات توجد في بعض النسخ دون الأخرى، وحتى أبو عمر الزاهد تلميذ ثعلب له كتاب " فاءة الفصيح " يُفهم أنه استدرك، وتبيّن لي أنه ما أملاه إليه ثعلب، وتجد بعض المخطوطات مليئة بفاءة الفصيح.
قال المقدِّم: ما الأشياء التي لم يذكرها ابن المرحل قاصدا أو ناسيا؟
قال الشيخ - حفظه الله - :محمد الحسن الددو – حفظه الله – نظم الزيادات التي تركها ابن المرحل غير قاصد، بل لاختلاف المخطوطات، وهذه الزيادات قد لا تثبت.
نظم ابن المرحل هو ( المختار ) ولكن يتميّز نظم ابن جابر بأنه أوضح ما في الفصيح وما زاده، وأحيانا يذكر ثعلب لغة يراها هو الفصحى، وهذا لا يدل أن غيرها هو الفصيح، فابن المرحل يذكر الاثنين، ولا تعرف ما اختار ثعلب، فابن جابر أبان ما ذكره ثعلب، ثم قد يزيد ويبـيّن، والطريقة الصحيحة أن يُدرس متن ابنِ جابر، ويُحفظ متن ابنِ المرحّل.