أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


"الأصل في الجاهل التواضع للعالم ، وهذا هو ما توجبه الفطرة السوية ؛ لأن الجاهل يعرف ضعفه ونقصه أمام العالم ، ويدرك حاجته الماسة إلى علم العالم .
فكيف جمع الخوارج بين شدة الجهل وشدة التعالم واعتقاد أنهم أقوم بالدين من النبي صلى الله عليه وسلم (كما حصل مع ذي الخويصرة التميمي) ، وأنهم أقوم به من الصحابة رضون الله عليهم ، وعلى رأسهم عثمان وعلي رضي الله عنهما (كما حصل مع الذين خرجوا من ضئضئ ذي الخويصرة) ؟!
وكذلك فإن الأصل أن العبادة تزكي النفس ، وتدعو إلى التواضع وعدم العناد والتكبر على الحق وأهله ؛ لأنها تطهير للنفس من أدرانها ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر .
فكيف جمع الخوارج بين كثرة العبادة من صلاة وصيام وقيام وخشونة عيش وزهد ظاهر في الدنيا ، مع شدة تكبر وأشر وبطر بإنكارهم على النبي صلى الله عليه وسلم (كما حصل مع ذي الخويصرة) وإنكارهم على جلة الصحابة وفقهائهم وبقية الخلفاء المهديين الراشدين ؟!
إن هذا الجمع بين المتناقضات لا يحصل أبدا ؛ إلا مع داء خفي خطير ، تختفي معه نداءات الفطرة ، وتفسد آثار العبادة ، بل تصبح العبادة نفسها سببا لفساد النفس ، حتى يكون الفاسق غير المصاب بذلك الداء أرق قلبا وأزكى نفسا من المصاب بذلك الداء !!
إنه داء التعالي والكبر ، الذي يصور الشخص لنفسه أنه بنقاوة نفسه (التي أسبغها هو نفسه على نفسه !!) وبشدة حرصه على الحق (التي أكرم هو نفسه نفسه بالاتصاف بها) وبشدة تعبده الظاهرة (التي يجعلها سببا لتعاليه ودليلا على استحقاقه للتكبر واحتقار الناس) = أولى الناس بالعلم والعمل ، وأحقهم بمعرفة الحق والقيام به ، وأعظمهم أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ! حتى يبلغ جنون هذا الداء العضال بصاحبه أن ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم بغير علم ولا حلم ، عندما يقول له : (اعدل ؛ فإنك لم تعدل) !!
إنه جنون العظمة بمعنى الكلمة، في ثياب الزهد والعبادة !! وهذه هي خطورته !!!
وما زلنا نرى من لا يعرف من دينه ما كان يعرفه الخوارج الأولون ، ينكر العلم ، ويمارس ذلك التعالي والتعالم ، ويعتقد أنه قيوم الدين ، وديان العقيدة ، وبوابة السنة ، ورقيب على قلوب الناس قبل أعمالهم !
فلا يزول العجب من هؤلاء ؛ إلا إذا تذكرنا الخوارج ! فهم على درب الخوارج سائرون ، وبدائهم مصابون !"