أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


مناقشة علمية لبحث "تهنئة غير المسلمين بأعيادهم" للشيخ عبدالخالق الشريف.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فقد اطلعت على البحث الذي نشر لفضيلة الشيخ عبد الخالق حسن الشريف، بعنوان "تهنئة غير المسلمين بأعيادهم"، ولا شك أن الأمر في هذا الموضوع وأشباهه يرجع فيه للدليل، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الحق في جميع مسائل الخلاف؛ لقول الله عز وجل:
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}،
وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، وهذه قاعدة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة.


فهذا إيضاح وتعقيب على ما ورد فيه، ونسأل الله أن ينفعنا بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


### أولا: الرد في سطور:


- الأحكام الفقهية كما تبنى على الأدلة القطعية، فإنها كذلك تبنى على الأدلة الظنية.


-كلام العلماء ليس هو الشرع، وإنما شرح للشرع، ومراد رب العالمين سبحانه وتعالى من عباده (الشرع) لا يتغير في نفس المسألة الواحدة من زمن إلى آخر.


-السياسة الشرعية لا تعني جعل المحرم مباحا! وإنما ارتكاب محرم أصغر أقل لتجنب محرم أكبر –إن كان هناك فعلا محرم أكبر-، مع بقاء البيان والتأصيل الشرعي للحرام أنه حرام.

- لا يقبل قول أحد بدون حجة، والاختلاف ليس بحجة في تقرير الصواب.


- الخلاف السائغ لا إنكار فيه على المخالف، ومع ذلك يلزم فيه بذل الوسع في طلب الحق، ولا يجوز الاختيار بالتشهي من بين الأقوال.


- الخلاف غير السائغ لابد فيه من الإنكار على المخالف، مع إعمال قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيئات في شخص المخالف.


- الخلاف في مسألة (التهنئة بأعياد المشركين) ليس من جنس الخلاف السائغ، لوجود البينات فيها:
+ نقل ابن القيم الإجماع على تحريم التهنئة، ولم تنقل الإباحة عن عالم قبله أو في عصره.
+ أعياد المشركين ترتبط بعقائدهم المخالفة للتوحيد، وتهنئتهم بها أشد من تهنئة شارب الخمر بشربه، والزاني بالفاحشة، والقاتل بجريمته، فكل هذه الشنائع من الكبائر، فكيف بالتهنئة بالاحتفال بالكفر؟
+ لم يهنئ النبيُّ أو أصحابُه أحدا من المشركين بعيدِه، مع وجود المقتضي (القيام بالبر)، وانتفاء المانع (تم لهم التمكين في الأرض).
+ نصوص أهل العلم في تفسير قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، في أنها تشمل أعياد المشركين.


- الربط بين الظاهر والباطن صحيح، أما القطع بحتمية التلازم فلا.

- التهنئة يلزم منها الإقرار، وليس كل مهنئ بالضرورة مقر.
فإن كانت التهنئة بإقرار صريح، أو بالمجمل من الألفاظ وهو مقر = كفر،
وإلا فهو محرم (إذا هنأ بالمجمل من الألفاظ ولم يقر)، وذلك لأسباب، منها:
1- تشجيع أهل الباطل على باطلهم.
2- ما يحدث من تشبه بالمشركين وبمن يقرهم في تبادل التهانئ.


- التشبه المحرم لا يشترط فيه النية، فالنية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد.


- نسب الشيخ كلاما بالخطأ إلى "ابن عابدين" ليستدل على اشتراط النية في التشبه، مع أن ابن عابدين في شرحه لذلك الكلام أشار إلى عدم اشتراط النية!


- دعوى تأثر الفقيه بزمانه في فتاويه لا حجة تدعمها، ويمكن قلبها على صاحبها.

- ليس في كلام ابن القيم التعليل بأمر خفي، بل ذكر حرمة الألفاظ المجملة التي ليس فيها إقرار صريح مثل "عيد مبارك".

- نُقل عن أهل العلم الاختلاف في مرافقة جنازة ذوي القربى، أو الصلاة في الكنيسة بدون تماثيل، بينما لم ينقل عنهم الاختلاف في تحريم التهنئة.

- الزور هو كل باطل وأعظمه الشرك، وفسر "شهود الزور" في الآية بحضور أعياد المشركين كل من:
أبو العالية، وطاوس، ومحمد بن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وابن عباس، ومجاهد. وخصه ابن سيرين بأعياد أهل الذمة كما ذكر الماوردي. ولم يشيروا إلى إقناع أو اقتناع.

- صلاة وفد نجران في المسجد إن ثبتت، فقد سمح لهم بها لغرض دعوتهم وإقامة الحجة عليهم، ثم مباهلتهم على أن دينهم باطل – وليس تهنئتهم به!-، ولا يمكنون من ذلك على الدوام، وقد شرط عليهم عمر - رضي الله عنه - عند عقد الذمة إخفاء دينهم، ومن جملته ألا يرفعوا أصواتهم في الصلاة، ولا القراءة في صلاتهم فيما يحضره المسلمون.

- الاجتهاد يكون في استنباط أحكام لمسائل جديدة (نوازل) أو تحقيق مناط الحكم بالواقع، وليس لتأصيل حكم جديد في مسألة قديمة، وشذوذ بعض المعاصرين عن إجماع المتقدمين لا يسمى اجتهادا.


- نقل ابن القيم الإجماع على حرمة التهنئة، ولا تجوز مخالفته إلا بالعلم بمخالف له في عصره أو قبله، أو الإتيان بمستند من كتاب أو سنة أقوى من الإجماع المنقول، وهذا لم يحدث منه شيء.


- من كفّر المهنئ علّق تكفيره بالرضا، وأما حرمتها فلم ينقل في تعليقها بالرضا القلبي حرف واحد! وما فهمه الشيخ يخالف صريح كلام العلماء المنقول.


- لا تجوز المجاملة فيما يحرم، ويجب أن نفرق بين صور الموالاة المحرمة كالتهنئة، وبين صور البر والإحسان مثل سهم المؤلفة قلوبهم، والإهداء إليهم، وعيادة مريضهم.


- المنقول من أقوال الأئمة في المذاهب الأربعة وغيرهم التحريم(1)، ومن خالفهم ممن جاء بعدهم لا يعتد بقوله إذا لم يكن له فيه سلف.




### ثانيا: الرد المفصل:
سأورد ما جاء من كلام الشيخ - وفقه الله - بين علامات الحصر [[]]، متبوعا بالتعقيب اللازم.


* أولا: تعليقات على القواعد العامة المطروحة في البحث:




- [[الحلال والحرام إنما يعرف بالنص الواضح الصريح]]
مذهب أهل السنة أن الإجماع والقياس المعتبر مصدران من مصادر التشريع،
وأن الأحكام الفقهية كما تبنى على الأدلة القطعية، فإنها كذلك تبنى على الأدلة الظنية،
وأشهر مثال على ذلك تحديد اتجاه القبلة، فإنه ظني، وبه نتعبد لله تعالى مع أنه حكم ظني.
ومثله أيضا تحديد كفارة الصيد في الحرم، فإنه يحكم بها ذوا عدل، وحكمهما ليس قطعيا، فإنهما قد يختلفان في التقدير عن غيرهما، ومع ذلك فالعمل بهذا الظن الراجح واجب.




- [[أن العلماء وفهمهم على مدار العصور له كامل الاحترام والتوقير ولكن يبقى النص الشرعي من الكتاب والسنة هو المرجع ويُنظر إلى كلامهم في ضوء النص]]
لا أظن الشيخ يقصد عدم اعتبار الإجماع. وعموما فهذا ينطبق أول ما ينطبق على المعاصرين أولا.




- [[لابد للناظر في المسائل الشرعية أن يفرق بين النص الشرعي وتنزيل النص على الواقعة موضع البحث]]
بحث الشيخ لم يتناول واقعة بعينها، وإنما تحدث عن حكم عام في المسألة ولم يقطع فيها برأي.




- [[لابد من التفريق بين الأمر المقطوع به من أحكام الشريعة وكلياتها وبين السياسة الشرعية التي يراها الإمام ويختلف النظر فيها باعتبار المصالح والمفاسد]]
السياسة الشرعية لا تعني جعل الحرام حلالا! وإنما ارتكاب محرم أصغر أقل لتجنب محرم أكبر –إن كان هناك فعلا محرم أكبر-، مع بقاء البيان والتأصيل الشرعي للحرام أنه حرام.


وفي السياسة الشرعية ومراعاة الضرر، فإن الفقيه لا يفتي بأمر خاص على أنه أمر عام، وإنما يبيّن الحكم العام، ثم يخص الواقعة بعينها - إن كانت هناك واقعة - ويبين أن هذا من باب مراعاة المصالح والمفاسد، وأن الأصل فيه خلاف ما عمل به في تلك الحال.
وحتى المصالح والمفاسد فإنه ينظر إليها بنظر الشرع أيضا، ولا يقبل منها الموهوم على المتحقق، وهذه قاعدة من قوله في سورة عبس: {عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}


فتبين أنه لا تترك مصلحة متحققة لأجل مصلحة متوهمة ولو كانت أكبر منها فيما يظن.




- [[وكثير من طلاب العلم قد لا يتسع صدره لإدراك موضع الاستثناء أو ضوابط الفتوى]]
هل يفهم من تصدير البحث بهذه العبارة أنه لا يعارضه إلا طلبة العلم! مع أن النتيجة التي وصل إليها البحث هي التي خالفت إجماع العلماء المتقدمين كما سيأتي.


وعموما فالعبارة صحيحة في ذاتها، ولكن قد يظن منها إرادة كف الناس عن السؤال عن الدليل وطلب معرفة وجه الفتوى، فالعلماء ليسوا مصدر تشريع، وإنما شراح للتشريع. وبيانهم لمسوغات آرائهم واجب، ولا يقبل قول أحدهم بدون حجة كما هو معلوم، لذلك لا يحبذ البدء بمثل هذه المقدمات عند تقديم بحث علمي يهتم بإبراز الأدلة وعرض الحجة، ولا يبدأ بتجهيل المعارضين!




- [[بعض أتباع إمام معين قد لا يحسن قراءة ما كتب]]
البداية بلغة فيها إيهام تسفيه المخالف، تارة بقصرهم على إمام معين، وتارة باتهامهم بعدم إجادة القراءة، ليس من البناء العلمي الجاد للأبحاث.




- [[ما يحتمل أوجهاً عدة من الأدلة فالأمة في سعة تبعا لهذه الأوجه إلا إذا ورد دليل قاطع]]
هذه النظرة عموما صحيحة من وجهة، وتخالف الصواب من وجه.
فوجه الصواب فيها أن ما يحتمل فيه الخلاف؛ ففيه متسع من جهة الإنكار على المخالف.
أما وجه الخطأ فهو أنه حتى ما يحتمل فيه الخلاف؛ فيجب بذل الوسع في بلوغ الحق فيه، فإن أصابه فله أجرين، وإن أخطأه فله أجر واحد، ولكن يجب بذل الوسع، ولا يترك الأمر للتشهي أو الاختيار المطلق.


وكذا قول بعضهم أن "كل مجتهد مصيب" باطل، وإنما الصحيح: "كل مجتهد مأجور".


والحق واحد في قول أحد المجتهدين، ومن خالفه مخطئ في الأصول والفروع، في العقائد والأعمال، في الأمور العلمية والأمور العملية.
وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم-، وعليه أئمة العلم، ولا يشك فيه من نظر إلى أقوالهم ومناظراتهم وتخطئتهم لأقوال مخالفيهم، إما يقيناً وقطعاً فيما كان دليله قطعياً، وإما ظناً فيما كان دليله ظنياً.


من الكتاب: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}
فلو استويا في إصابة الحكم لم يكن لتخصيص سليمان بالفهم معنى.


ومن السنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم تختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو مما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار" (متفق عليه).
فأمر صلى الله عليه وسلم ألا يؤخذ بقوله إذا خالف الحق، فكيف بمن دونه؟


وإجماع الصحابة: قال ابن قدامة: أما الإجماع فإن الصحابة -رضي الله عنهم- اشتهر عنهم في وقائع لا تحصى إطلاق الخطأ على المجتهدين، من ذلك قول أبي بكر -رضي الله عنه- في الكلالة: أقول فيها برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- في قصة بروع مثل ذلك، وقال عمر -رضي الله عنه- لكاتبه: اكتب: هذا ما رآه عمر، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر.


وقال علي لعمر -رضي الله عنهما- في المرأة التي أرسل إليها فأجهضت ذا بطنها وقد استشار عثمان وعبد الرحمن -رضي الله عنهما-، فقالا: "لا شيء عليك، إنما أنت مؤدب"، فقال علي -رضي الله عنه-: "إن يكونا قد اجتهدا فقد أخطآ، وإن يكونا ما اجتهدا فقد غشَّاك، عليك الدية"، فرجع عمر إلى رأيه.
قلت: ((مع أن المسألة لا نص فيها))، ومع أن قول عمر - رضي الله عنه - هو قول مجتهد وأي مجتهد.. ومع ذلك لم يسوّ بين قوله وقول غيره من المجتهدين، وإنما رجح ما رآه صوابا وعمل به، ولم يطلق عليّ - رضي الله عنه - الاختيار للمرأة مع أن الذي حكم لها عمر، وإنما خطّأ فتواه.


وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أبا الأب أباً!"، وقال: "من شاء باهلته في العول". وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوب".


قال ابن قدامة في روضة الناظر: ((وهذا اتفاق منهم على أن المجتهد يخطئ)).


وهذا في تقرير وجوب طلب الحق سواء كان في مسائل الخلاف السائغ أو غير السائغ، وأن الحق في قول المجتهدين واحد لا يتعدد.


وهذا لا علاقة له بتحديد درجة الخلاف فيما نحن بصدد مناقشته من مسألة التهنئة هل هي من الخلاف السائغ أم لا، وهل الأمر فيها واضح صريح أم لا.


قال ابن قدامة في روضة الناظر: "قال بعض أهل العلم: هذا المذهب (يعني أن الاجتهاد لا ينقسم إلى خطأ وصواب) أوله سفسطة وآخره زندقة، لأنه في الابتداء يجعل الشيء ونقضيه حقاً، وبالآخرة يخير المجتهدين بين النقيضين عن تعارض الدليلين، ويختار من المذاهب أطيبها".


قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: "الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله.
قال المزني: يقال لمن جوز الاختلاف وزعم أن العَالِمَيْن إذا اجتهدا في الحادثة، فقال أحدهم: حلال، والآخر: حرام، فقد أدى كل واحد منهما جهده، وما كلف به، وهو في اجتهاده مصيب الحق:
أبأصل قلت هذا أم بقياس؟
فإن قال بأصل، قيل: كيف يكون أصلاً والكتاب أصل ينفي الخلاف؟
وإن قال: قياس، قيل: كيف تكون الأصول تنفي الخلاف، ويجوز لك أن تقيس عليها جواز الخلاف؟
هذا ما لا يجوزه عاقل فضلاً عن عالم،
ويقال له: أليس إذا ثبت حديثان مختلفان عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في معنى واحد، أحله أحدهما وحرمه الآخر، وفي كتاب الله أو في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دليل على إثبات أحدهما ونفي الآخر، أليس يثبت الذي يثبته الدليل ويبطل الآخر ويبطل الحكم؟
فإن خفي الدليل على أحدهما وأشكل الأمر فيهما وجب الوقوف،
فإذا قال: نعم -ولابد من نعم وإلا خالف جماعة العلماء-
قيل له: فلم لا تصنع هذا برأي العالمين المختلفين، فيثبت منهما ما يثبته الدليل ويبطل ما أبطله الدليل؟".
(مستفاد بتصرف يسير من "فقه الخلاف" للشيخ ياسر برهامي).



- [[الفتوى قد تتغير من زمن إلى آخر]]
الفتوى تكون لحال معينة وواقع معين، أما الحكم العام فلا يتغير.
قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} قال ابن كثير: "ليس أحد يُعقِّبُ حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة".
فالاختلاف يكون تارة في تنزيل الحكم على الواقع المناسب (لحال معينة).
وتارة يكون في أنظار المجتهدين في فهم مراد رب العالمين.
أما مراد رب العالمين سبحانه وتعالى من عباده فإنه لا يتغير في المسألة الواحدة من زمن إلى آخر.
فإذا انحصرت أنظار المجتهدين في قول أو عدة أقوال في عصر ما، فإن مراد الله لا يخرج عن مجموع أقوالهم، فلا يكون لمن جاء بعدهم مستند في اعتماد قول جديد في نفس المسألة كحكم عام.




- [[المسألة ليس فيها دليل قطعي واضح في دلالته على المسألة]]
لا أظن الشيخ يريد قطعي الثبوت، وإنما قطعي الدلالة. فمذهب أهل السنة وجوب العمل بظني الثبوت كما سبق ووضحنا.
وأما قطعي الدلالة فهو الإجماع المنقول على حرمتها، فإنه وإن كان ظني الثبوت، إلا أنه قطعي الدلالة.

وهذه المسألة (التهنئة بأعياد المشركين) لا تدخل في باب الخلاف السائغ،
لأن فيها البينات (نص صريح من كتاب أو سنة، أو إجماع، أو قياس جلي):


+ نقل ابن القيم الإجماع على تحريم التهنئة، ولم تنقل الإباحة عن عالم قبله أو في عصره.
+ أعياد المشركين ترتبط بعقائدهم المخالفة للتوحيد، وتهنئتهم بها أشد من تهنئة شارب الخمر بشربه، والزاني بالفاحشة، والقاتل بجريمته، فكل هذه الشنائع من الكبائر، فكيف بالتهنئة بالاحتفال بالكفر؟
+ لم يهنئ النبيُّ أو أصحابُه أحدا من المشركين بعيدِه، مع وجود المقتضي (القيام بالبر)، وانتفاء المانع (تم لهم التمكين في الأرض).
+ نصوص أهل العلم في تفسير قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، في أنها تشمل أعياد المشركين.




وقد ذم الله تعالى الاختلاف غير السائغ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} قال ابن كثير: "أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة".


وقال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} قال ابن عباس: "تبيضُّ وجوه أهل السنة والائتلاف، وتَسْودُّ وجوه أهل البدع والاختلاف".


وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} قال ابن كثير: "أوصى الله –تعالى- جميع الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- بالائتلاف والجماعة، ونهاهم عن التفرق والاختلاف".


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".


وقال: "ألا وإن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين؛ ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهم الجماعة"، وفي رواية: "هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".


وبوّب البخاري في صحيحه: باب: إذا اجتهد العالم أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول –صلى الله عليه وسلم- من غير علم فحكمه مردود، لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: "من عمِل عمَلاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ".


قال ابن القيم: "إنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ لَا إنْكَارَ فِيهَا " لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقَوْلِ وَالْفَتْوَى أَوْ الْعَمَلِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُخَالِفُ سُنَّةً أَوْ إجْمَاعًا شَائِعًا وَجَبَ إنْكَارُهُ اتِّفَاقًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّ بَيَانَ ضَعْفِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ إنْكَارُ مِثْلِهِ ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَجَبَ إنْكَارُهُ بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الْإِنْكَارِ ، وَكَيْفَ يَقُولُ فَقِيهٌ لَا إنْكَارَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَالْفُقَهَاءُ مِنْ سَائِرِ الطَّوَائِفِ قَدْ صَرَّحُوا بِنَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ؟ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ وَلا إجْمَاعٌ وَلِلاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغٌ لَمْ تُنْكَرْ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا".


وقال النووي: "وكذلك قالوا : ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا".


وقال الغزالي في (الإحياء): "وكذا ينكر على من فعل فعلاً مختلفاً فيه خالف النص الظاهر أو الإجماع أو القياس الجلي كنكاح المتعة".


فهنا لا يجوز استعمال قاعدة: يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، بل لابد من إنكار ما خالف البينات، والرد إلى السنة، استعمالا للقاعدة النبوية الشريفة:
"وإنه من يَعشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".


ولابد أن ندرك وجود هذا النوع من الخلاف غير السائغ، وأن الأمر لا بد فيه من معالجة حقيقة للأسباب، وليس مجرد رفع شعارات التوحد والاجتماع أو نبذ العصبية والفرقة دون التصدي لحقيقة هذا الاختلاف.


إن من يحاول علاج هذا النوع من الخلاف بالعاطفة وحدها مثاله مثال رجل أراد أن يطفئ نارا فغطاها بثوب رقيق والجمر تحته مشتعل، فبعد لحظات اشتعلت النار في الثوب نفسه حتى صار سببا لزيادة اشتعالها.


والتخطئة حتى في مسائل الخلاف غير السائغ لا تستلزم التأثيم، طالما بُذل الوسع في طلب الحق في مظانه.


ومن وقع في شيء من هذا الخلاف غير السائغ من أهل الفضل، فإننا نعامله بقاعدة أهل السنة والجماعة في الموازنة بين الحسنات والسيئات، فلا نهدر فضله، ولا نغض الطرف عن الإنكار، بل ننكر ونخطّئ.
نبدع الأقوال دون تبديع أصحابها، ونستعمل قاعدة:
"وشيخ الإسلام حبيبٌ إلى نفوسنا، ولكن الحقَ أحبُّ إلينا منه".


وإنما ننكر عليهم، لما أمر به الشرع:
قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ"


وبوب البخاري في صحيحه: (باب إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهْوَ رَدٌّ)، وذكر فيه قصة قتل الأسرى، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ".
فهذا صريح في رد من خالف السنة ولو كان متأولا مجتهدا.


وما رواه ابن عبد البر عن ابن عباس: "أراهم سيهلكون أقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقولون: نهى أبو بكر، وعمر" وهذا مع مثل الشيخين، ولم يدع الناس لأقوالهما!


وما ورد عن عائشة في الإنكار على زيد بن أرقم عندما تأول في بعض الربا: "أبلغي زيدَ بنَ أرقم أنه قد أبطلَ جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يتوبَ".
(مستفاد بتصرف يسير من "فقه الخلاف" للشيخ ياسر برهامي).




- [[ربط الأعمال الظاهرة بأن لها أثارا قلبية وداخلية والقطع بذلك وبحتمية التلازم أمر يحتاج إلى دقة نظر فالنوايا لا يعلمها إلا الله]]


الربط بين الظاهر والباطن صحيح، أما القطع بحتمية التلازم فلا.


ومذهب أهل السنة أن الظاهر ((دليل أو علامة)) على الباطن، وليس هو الباطن، وليس مجردا عن الباطن.
وهذا ليس فقط في الكفر والإيمان، بل مطرد كذلك في الطاعة والمعصية.


فأما اعتبار أن الظاهر ((هو)) الباطن هو مذهب الخوارج.
وأما أن الظاهر ((لا علاقة له)) بالباطن فهو مذهب المرجئة، ويخالف النصوص الصريحة.


قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
فالإيمان قول وعمل. وقال تعالى: {ولَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ}
يقول شيخ الإسلام: "فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له بل كنا نخوض ونلعب".
فهذا فيمن أتى بالكفر الصريح، فلم يعلقه الله بشيء خفي. وكذلك ((من أتى معصية عالما قاصدا مختارا، فإنه يأثم وإن صرح بأنه لا يريد المعصية)) وإنما يهذر مثلا. كمن شرب الخمر هاذرا. فإنه يأثم بلا شك.


وقال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}
قال ابن عباس:"فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثلَ الكافر كالبلدة السَّبِخة المالحة التي يخرج منها النز، فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث". فهل نتوقع مؤمنا يخرج منه الخبيث إلا إن نقص إيمانه؟ أو كان ذلك بجهل أو تأويل خاطئ؟


وقال تعالى عن المنافقين: {ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ} فلم يعلق الأمر بشيء خفي!


وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (متفق عليه).
يقول شيخ الإسلام معقبا على هذا الحديث: "إن الإيمان قول وعمل: قول باطن وظاهر وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن، لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد ولهذا قال من قال من الصحابة عن المصلي العابث: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه".


يقول الشاطبي: "فمن التفت إلى المسببات من حيث كانت علامة على الأسباب في الصحة أو الفساد لا من جهة أخرى - فقد حصل على قانون عظيم يضبط به جريان الأسباب على وزان ما شُرع أو على خلاف ذلك..
(((ومن هنا جعلت الأعمال الظاهرة في الشرع دليلاً على ما في الباطن)))،
فإن كان الظاهر منخرماً حكم على الباطن بذلك أو مستقيماً حُكم على الباطن بذلك أيضاً.
وهو أصل عام في الفقه وسائر الأحكام العاديات والتجريبيات. بل الالتفات إليها من هذا الوجه نافع في جملة الشريعة جداً. والأدلة على صحته كثيرة جداً.
(((وكفى بذلك عمدة أنه الحكم))) بإيمان المؤمن وكفر الكافر و(((طاعة المطيع وعصيان العاصي))) وعدالة العدل وجرح المجرّح، وبذلك تنعقد العقود وترتبط المواثيق إلى غير ذلك من الأمور، بل هو كلية التشريع وعمدة التكليف بالنسبة إلى إقامة حدود الشعائر الإسلامية الخاصة والعامة" انتهى.


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة".
ويقول أيضا: "وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما فى القلب ولازمه ودليله ومعلوله (((كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضا تأثير فيما فى القلب فكل منهما يؤثر فى الآخر))) لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له والفرع يستمد من أصله والأصل يثبت ويقوى بفرعه".


وقال ابن القيم: "ولا يجزىء باطن لا ظاهر له الا اذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الايمان. ونقصه دليل نقصه. وقوته دليل قوته".


وليس المراد أن كل من هنأ المشركين بأعيادهم كان مقرا، لكن التهنئة يلزم منها الإقرار لا شك.


فإن كان المهنئ يهنئ بما فيه إقرار صريح، أو يهنئ بالمجمل من الألفاظ وهو مقر = كفر،
وإلا فهو محرم (إذا هنأ بالمجمل من الألفاظ ولم يقر)، وذلك لأسباب، منها:
1- ما يظهر من الإقرار من عمله (التهنئة) وإن لم يدخل إلى قلبه، فقد شجع أهل الباطل، وفهموا منه الإقرار، أو على الأقل ذهبت جذوة الانكسار في قلوبهم من مباعدة أهل الحق لطريقتهم، فهاهم يشعرونهم ألا فارق ذا شأن بينهم، فلم يتركون دينهم الذي نشأوا عليه إلى دين لا يرى أتباعه كبير فرق بينه وبينهم؟
2- ما يحدث من تشبه بالمشركين وبمن يقرهم في تبادل التهانئ.


ومدلول التهنئة لا يخلو من الرضا بوجه من الوجوه، وخذ هذا في جانب السَّلب: فأنت لا تهنِّئ رجلا على ما لا ترضاه بداهةً، بل ربما كان في التهنئة معنى يزيد على الرضا، وهو الفرح، ولذا تجد في كتب اللغة تعريف التهنئة بأنها: (خلاف التعزية)، وعليه فتفصيل القول في ألفاظ تهنئة الكفار بأعيادهم من حيثُ الرضا بما هم عليه وعدمُه غيرُ واردٍ من جهة تحريم بعض وإباحة بعض، بل واردٌ في بيان مراتب الحرمة وما يكون من تلك الألفاظ كفرا وما هو دون ذلك وكل هذا الكلام عن الأنواع لا الأعيان، فأهل السنة يفرقون بين حكم النوع وحكم العين. لأنه قد يتخلف حكم العين عن حكم النوع لوجود مانع من الموانع المعتبرة، مثل: التأويل - الجهل - الخطأ - الصغر - الجنون - الإكراه - الخطأ.


وقد قال الله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} ففرق سبحانه بين النوعين من الآثام، الباطن منها، والظاهر، ولم يكتف بالتحذير من باطن الإثم فقط.
وقال تعالى في الآية بعدها: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
فهل إذا أكل أحدهم مما لم يذكر اسم الله عليه وهو يعلم، وصرح أنه لا يقصد طاعة المشركين، فهل يعفيه هذا من الإثم؟


بالقطع لا. فهنا لا تعليق لتحريم الفعل بالنية، فالنية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد كما هو معلوم.




- [[باب الاجتهاد لم يغلق]]
نعم، وهذا في النوازل في استنباط أحكام لمسائل جديدة (نوازل) أو تحقيق مناط الحكم بالواقع.. أما في المسائل القديمة، فلا يمكن أن يغيب الحق عن المتقدمين، ويأت به متأخر، وإلا كان هذا خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين"، وهذا يعني وجود من يعلم الحق ويعمل به في كل عصر، من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.


وشذوذ بعض المعاصرين عما جاء به الأئمة المتقدمون لا يعتد به وليس هو من باب الاجتهاد، لأن الاجتهاد يكون في النوازل، وليس في المسائل القديمة، فإن حكم الله لا يتغير في المسألة الواحدة بعد انقطاع الوحي.


وإلا فهذا يعني أن الأمة في مجموعها قد فاتها إصابة الحق طوال هذه القرون (وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعيش مع اليهود، وكذلك الصحابة فتحوا البلاد التي فيها النصارى وعاشوا معهم، ولم ينقل عنهم تهنئة المشركين بأعيادهم).


وفوات إصابة الحق من مجموع الأمة لا يجوز أن يحدث في أي عصر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين".


وهذا يعني إهدار قيمة أي إجماع، طالما يمكن خرقه بعد ذلك بدعوى الاجتهاد، فحتى لو اختلف المتقدمون في مسألة بعينها على ثلاثة أقوال، فهذا إجماع على أن الحق لا يخرج عن هذه الأقوال الثلاثة، فإن جاء متأخر بقول رابع لم يسبق إليه = فهذا قول باطل قطعا؛ لاستحالة تعدد مراد الله من العباد في المسألة الواحدة
{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.




* ثانيا: تعليقات على أسس الفتوى:


- [[حديث "من تشبه بقوم فهو منهم" مختلف في الحكم عليه عند العلماء]]
لم يحدد الشيخ عبد الخالق ما يراه هو في الحديث! هل يراه ثابتا أم لا؟ واكتفى فقط بنقل اختلاف العلماء فيه، ولم ينقل رؤيته، فإذا كان يراه ضعيفا، فلم يناقش دلالته؟ وإذا كان يراه ثابتا، فما وجه ذكر الاختلاف فيه؟


ثم طريقة مناقشة الشيخ لثبوت الحديث عجيبة!
فقد ذكر أن: [[البخاري لم يخرج منه إلا..]] وهل الحديث الذي لا يذكره البخاري يكون ضعيفا؟


هل ادعى أحد قط أو حتى البخاري نفسه أنه جمع الصحيح كله في كتابه؟
وهل نضعف أحاديث مسلم التي لم يخرجها البخاري أو لم يخرج طرفا منها؟ وعادة البخاري معلومة في تقطيع أطراف الحديث ليأخذ منها ما يناسب الباب الذي ذكره فيه، فربما ذكر الحديث الواحد في ثلاثة مواضع مفرقا بينها.


وابن حجر صاحب "فتح الباري شرح صحيح البخاري" هو أعلم الناس بكتاب البخاري، قد ذكر الحديث بتمامه وحسنه، وذكر أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ص (10/274) طبعة دار المعرفة.


-[[في طريق ابن أبي شيبه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف فيه، وفي طريق آخر بشر بن الحسين وهو متروك، وفي طريقٍ علي بن غراب اختلف في توثيقه وقيل كان يدلس وقال ابن حبان: حدَّث بالموضوعات]]
هنا ذكر الشيخ ((ثلاثة)) طرق فقط للحديث،
والحقيقة أن الحديث جاء من ((ثمانية)) طرق: (ابن ثوبان، والأوزاعي) إلى ابن عمر، و(علي بن غراب) إلى حذيفة مرفوعا، و(يحيى بن سعيد) إلى حذيفة موقوفا، و (بشر بن الحسين) إلى أنس، و(إسماعيل بن عياش) إلى الحسن، و(قتادة) إلى عمر، و(عيسى بن يونس) إلى طاووس.


وابن ثوبان وإن كان قد اختلف فيه، فإنه لم يتفرد به عن ابن عمر، فقد تابعه الأوزاعي، عن حسان بن عطية، به.
وحديث يحيى بن سعيد صحيح الإسناد.


فحديث حذيفة وحديث عمر لهما حكم الرفع، ولم يشتد ضعفهما، ومرسل طاووس إسناده صحيح إليه، وهو يقوي حديث ابن عمر.


[[وفي كشف الخفاء برقم 2436 إثبات الخلاف بين مَن ضعَّف الحديث ومن قال: سنده صحيح، وعند البعض أنه مرسل]]
من المعلوم أن الحديث الواحد قد يروى بأكثر من طريق، قد يكون بعضها صحيحا والآخر ضعيفا، والطريق الضعيف قد يتقوى بغيره من الطرق، فيقوى الحديث في مجموع طرقه.
والعجلوني في كشف الخفاء لم يذكر من ضعف الحديث! إنما ذكر من ضعف طريقا واحدا من طرق الحديث وهو طريق ابن ثوبان، وقد أسلفنا أنه روي من ثمانية طرق!


ولو تتبع الشيخ عبد الخالق من ذكرهم العجلوني، لوجد الآتي:
ذكر العجلوني أن في سنده ضعيف وأشار إلى: السخاوي في المقاصد الحسنة، وقد ذكر السخاوي في كتابه (1/639) أنه ورد من طريق : "ابن عمر به مرفوعا ((وفي سنده ضعف ولكن شاهده)) عند البزار من حديث حذيفة وأبي هيرة وعند أبي نعيم في تاريخ اصبهان عن أنس وعند القضاعي من حديث طاوس مرسلا".
فكلام السخاوي عن طريق واحد، ويقصد تضعيف ابن ثوبان، وقوى إسناده بأن ذكر شواهده!


وكذلك أشار العجلوني إلى اللآلي للزركشي، فنجد أيضا أن الزركشي تكلم عن طريق واحدة وهي طريق ابن عمر (102): "اخرجه ابو داود من حديث ابن عمر بإسناد في ضعف".
فكلام الزركشي أيضا عن طريق واحدة.


فإذا تتبعنا طرق الحديث وجدنا ان بعضها قوي بعضا، وقد بينته بتفصيل في الحاشية(2).


عموما فالحديث قد صححه وحسنه كل من العلماء:
- أبو داود،
- وابن حبان،
- والحافظ العراقي،
- والقاضي أبو يعلى،
- والسخاوي،
- وابن تيمية،
- وابن القيم،
- وابن كثير،
- وابن مفلح،
- وابن حجر العسقلاني،
- والذهبي،
- والسيوطي،
- والزرقاني،
- والصنعاني،
- ومحمد بن محمد الغزي،
- ومحمد بن جار الله الصعدي،
- والبهوتي،
- ومحمد بن عبد الوهاب،
- وابن باز،
- وأحمد شاكر،
- والألباني.


والحديث يوافق أصولا ونصوصا كثيرة في الشريعة، منها على سبيل المثال لا الحصر:


قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا}
و{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}
و{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}
و{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}


وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم"، قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن"؟
وقوله: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".
وقد خالف النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين حيث دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس، وكان المشركون ينتظرون طلوع الشمس، ويقولون: (أشرق ثبير كي ما نغير).
وفي الإعلام بالصلاة، فقد اقتُرح على النبي -صلى الله عليه وسلم- البوق فأمتنع؛ لأنه من أمر اليهود، فاقتُرِح عليه الناقوس قبل الأذان، فامتنع؛ لأنه من أمر النصارى، واقتُرح -عليه الصلاة والسلام- النار فامتنع؛ لأنه من أمر المجوس.
وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص حينما رأى عليه ثوبين معصفرين: "إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها"
وقال: "يا معشر الأنصار، حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب".
وقال: "تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب".
وقال: "فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب".
وقال: "قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب".
وقال: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس".
وقال: "ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصاري فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى الإشارة بالأكف".
وقال: "أبغض الناس إلى الله ثلاثة".. وذكر منهم: "ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية".
وقال: "ألا أن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع".
ولما صام النبي يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع". وذلك لتحقيق المخالفة.
و"لعن الرسول -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال"
و "من سكن البادية جفا" و "الإيمان يمان هاهنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر" فنهى عن التشبه بهؤلاء الأعراب.
و "أرن ما نهر أو أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، غير السنّ والظفر، فإن السنَّ عظم والظفر مدى الحبشة" فنهى عن الذبح بالظفر وعلله بالتشبه بالأعاجم. وكذا قوله لأصحابه حينما صلى قاعداً وصلوا خلفه قياماً، قال: "إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم".
و "إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".
و "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث ونهاني عن ثلاث أمرني بركعتي الضحى كل يوم، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب".
و"إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير".
و لما هاجر إلى المدينة، وجد أهلها من الأوس والخزرج يلعبون في يومين، فسأل عنهما فقيل: هما يومان يلعبون فيها، يعني أعياد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر".
وقال للرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟" قالوا: لا، قال: "فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟"، قالوا: لا، قال: "أوف بنذرك".
وقول عمر: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم"، و "من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة".


فكل هذه من النصوص التي وافق معناها متن الحديث الشريف.




- [[وحقيقة التشبه تحتاج إلى أن يكون الفعل من خصائصهم مع وجود نية مصاحبة بقصد التشبه ولا تكون هناك ضرورة أو حاجة ظاهرة]]
قد جعل الشيخ هنا ثلاثة شروط:
1- أن يكون الفعل من خصائصهم: وهذا صحيح.


2- وجود نية مصاحبة بقصد التشبه: وهذا غير صحيح.
فوجود النية لا يشترط، لأن التشبه بهم عمل فاسد، والعمل الفاسد لا تصلحه النية الحسنة..


وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قبل طلوع الشمس، لوجود من يعبد الشيطان في ذلك الوقت.. فهل تجوز الصلاة قبل طلوع الشمس إذا لم ينو الإنسان التشبه بالمشركين؟ بالطبع لا.
بل في هذا الحديث، قال المناوي والعلقمي:
"أي تزيى في ظاهره بزيهم، وسار بسيرتهم وهديهم في ((ملبسهم وبعض أفعالهم))".
وقال القاري: "أي من شبه نفسه بالكفار مثلا من اللباس وغيره، أو بالفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار (فهو منهم): أي في الإثم والخير".
وقال الفخر الرازي: "من خالط أهل الشر ونظر إلى أفعالهم وحضر مجامعهم فقد شاركهم في تلك المعصية، لأن الحضور والنظر دليل الرضا به، بل هو سبب لوجوده والزيادة فيه، لأن الذي حملهم على فعله استحسان النظارة ورغبتهم في النظر إليه".
وقال البيضاوي والزمخشري وأبو السعود: "مشاهدة الباطل شركة فيه".
فلم يعلقوه بالنية ابتداءا، وإنما جعلوا تغير الباطن بسببه انتهاءا.
وهذا مثل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سائر المحرمات مثل الغيبة والنميمة، فهل يقال أن الإنسان إذا مشى بالغيبة (عالما بغيبته ولكنه لا ينوي الاستهزاء) وإنما يريد تسلية جلساءه؛ فهل نقول بالجواز؟!


هذا وقد أخرج أبو داود في سننه: عن ثابت بن الضحاك قال:
نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم أن ينحر إبلا ببوانة (موضع)، فأتى النبي فقال:
إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة.
فقال النبي: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا.
قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا.
قال: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" وصححه الألباني.


فلا شك أن الرجل أراد الوفاء بالنذر ولم يرد سنن الجاهلية، ومع ذلك عد النبي صلى الله عليه وسلم مجرد الفعل معصية.


وقد ذكر الشيخ أن [[حقيقة التشبه لا تكون إلا بنية مصاحبة]].. ثم قال: [[والدليل على هذا حديث إنما الأعمال بالنيات]].
وهذا احتجاج في غير موضعه كما بيّنا، لأن النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد. فلو أمعن أحدهم النظر إلى مفاتن النساء، واحتج بأن نيته هي التفكر في صنع الله! فهل تقبل نيته بهذا التبرير؟


ثم عزا الشيخ هذا القول إلى ابن عابدين: [[أي إن قصده، فإن التشبه بهم لا يكره في كل شيء بل في المذموم وفيما يقصد به التشبه]]،
وأقول هذا وهم منه، فإن هذا من كلام العلاء الحصكفي في الدر المختار (1/672).


وفي ما نقله الشيخ أصلا: التفريق بين التشبه المذموم، وبين التشبه المقصود "بل في المذموم وفيما يقصد"، فهل التهنئة بالشرك لا تدخل في التشبه المذموم؟


ثم إن ابن عابدين نفسه قد ذكر في شرحه لهذا النص ما يفسره بأن التشبه لا يعم ما ينتفع به المسلم من الاستعمالات، حيث ذكر نوعا من النعال كان ينتعله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "فإن الأرض مما لا يمكن قطع المسافة البعيدة فيها إلا بهذا النوع".
ثم نص ابن عابدين على أن التشبه لا علاقة له بالقصد، فقال: "وفيه إشارة أيضا إلى أن المراد بالتشبه أصل الفعل : أي صورة المشابهة بلا قصد".
فهكذا بنقل جميع كلام ابن عابدين وتأمله في سياقه كاملا فإنه يتسق مع كلام العلماء الذين نقلنا عنهم من قبل في عدم تعليق التشبه بالنية.
ولا أدري لم يبتر الشيخ الكلام من سياقه مع تغيير معناه؟ هل لثقته أن أحدا لن يحقق في كلامه؟


3- ولا تكون هناك ضرورة أو حاجة ظاهرة:
تقدير الحاجة لا يجري مجرى القاعدة العامة، بل كل مسألة بحسب غلظة التحريم فيها. فمثلا النظر إلى الأجنبية وكذا تقبيل الأجنبية محرم لغيره، ولكن النظر أهون، فيباح لأجل حاجة مثل البيع والشراء، أما القبلة فمع أنها محرمة لغيرها فإنها لا تباح لمثل هذه المصلحة!
فهذه ليست قاعدة مضطردة في المحرم لغيره، وإنما كل مسألة بحسبها.




- [[هل من هنأ غير المسلم بعيد الميلاد أو غيره يتشبه بهم ويرضى بدينهم أم أن هذا من باب المجاملات التي سادت المجتمع؟]]
قد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبيّ بن كعب – رضي الله عنه، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله: "يا أبا المنذر ! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم . قال : يا أبا المنذر ! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال : فضرب في صدري وقال : ((والله ! ليهنك العلم أبا المنذر))".
فاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بتهنئته بالعلم عن التصريح بإقراره، لأنها دليل عند العقلاء على الإقرار!


وتهنئة غير المسلم بأعياده قد تكون كفرا، وقد تكون محرمة.
فإنه إن هنأ بكلام صريح في الإقرار، أو غير صريح لكنه يقر بقلبه فإنه يكفر.
وإن هنأ بكلام غير صريح ولم يقر فإنه يحرم، لحصول التشبه، ولتشجيعهم على باطلهم.
وانتشار المعصية لا يجعلها حلالا.. فمثله مثل انتشار التبرج، فهل يصير التبرج يوما من باب العادات الاجتماعية إن لم تقصد المتبرجة أن تعصي الله؟


* استدل الشيخ على حل التهنئة بقول متخيل لماسح أحذية افتراضي! وهذا لم نر مثله في عجائب الاستدلال.
وربما حاول الشيخ إيصال فكرته بهذا الأسلوب، ولكن نحب أن نطلع القارئ على تصور شامل للمسألة:
هناك فعل، وفاعل، ومفعول.
الفعل: التهنئة، وحكمها الكفر أو التحريم.
الفاعل: المهنئ، وحكمه الكفر إن أقر، والإثم إن لم يقر.
المفعول: الكافر، شعوره بوجود من يشجعه من أهل الحق على باطله.


فهنا الفاعل، إن سلم من الإقرار، فحينها لا تجتزأ الصورة عند نفي الإقرار..
فالأمر يشمل ما حدث لطرف المفعول من تشجيع على الباطل،
وكذا ما وقع من القاعل من تشبه بالمقرّين وأفعالهم من التهنئة في تلك المواطن.




- [[كلام الإمام ابن قيم الجوزية على تحريم التهنئة]]
لم ينقل حرف واحد عن المتقدمين في تجويز التهنئة، وليس ابن القيم فقط، بل إن ابن القيم نقل الإجماع.




- [[أنه لا يمكن الغفلة عن أن بعض أحكام الأئمة قد تأثرت بالظروف السياسية أو الاجتماعية التي تعيشها البلاد، فكما حدث من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- من إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم]]
لذا وجب إجادة استقراء إنتاج الأئمة، والتفريق بين ما هو من باب القواعد والأحكام العامة، وبين ما هو من باب الفتوى لحال معينة.




- [[وأخشى أن تكون ظروف زمانه في انتصار التتار أدى إلى مزيد الخوف من التشبه بهم]]
في زمان ابن القيم انتصر المسلمون على التتار في وقعة قشحب، ولم تقم لهم بعدها قائمة!
ثم هل هذا ميزان لنقد فقه العلماء؟
إن ابن القيم تكلم عن حكم عام، ولم يتكلم عن فتوى لحال أو واقعة بعينها.
أخشى أن يقول قائل: إن زمان الأئمة الأربعة كان فيه فساد الولاة، فربما تأثروا بواقعهم فلا يناسبنا فقههم!
وقد يقول آخر: إن زمان الصحابة كان فيه مشركي قريش، وكان فيه الاصطدام مع فارس والروم، وربما تأثروا بذلك فلا يعتد بفقههم!!
وإذا جاز لنا أن نحاسب الفقهاء بهذا الأسلوب، فهل نقول إن بعض معاصرينا قد تأثروا بخوف الاتهام بالتطرف فأباحوا التهنئة؟ أم أن أسلوب النقد للمسائل ينبغي أن ينضبط علميا؟


وعموما فإن ابن القيم لم يذكر رأيا له فقط! وإنما نقل الاتفاق على التحريم،
فكيف يُصور الأمر على أنه رأيه فقط؟


ثم يتم بعد ذلك تصوير الأمر على أنها فتوى خاصة لحال له فقط وليس حكما عاما؟
وحكم الله في مسألة بعينها لا يتغير ولا يتبدل بعد اكتمال الوحي، وإنما قد تتغير الفتوى لواقعة معينة.


فكمثال: تحريم تشبه الرجال بالنساء، حكم عام، لا يتغير من زمان لآخر، ولكن قد نأتي في واقعة بعينها، فنقول إن فلانة من النساء احتاجت إلى حلق شعرها لإجراء عملية جراحية (مثلا)، فهذه فتوى لحالة خاصة.
وعندما يتكلم فقيه عن حكم حلق النساء لشعورهن عموما، فلا يصح أن نقول أنه قد يكون هذا لزمانه. وإنما إذا كان كلامه عاما: فنقول هذا حكم عام في المسألة، وإذا ذكر حالة خاصة: فحينها نقول هذه فتوى لحال معينة.


وكذلك كلام ابن القيم، فإنه لم يخصه بحال معينة، فضلا عن نقله الاتفاق على الحرمة (يعني حتى ممن سبقوه من علماء الإسلام قبل عصره - عصر التتار!!).




- [[ولم يورد دليلا قاطعا في المسألة]]
قد نقل الإجماع على حرمتها!!، فإنه وإن كان ظني الثبوت، إلا أنه قطعي الدلالة.


قال الشيخ أحمد سالم أبو فهر (ما بين الأقواس من كلامي):


ولم ندع أن الإجماع في المسألة قطعي (الثبوت)، ولكن حتى الإجماع الظني لا تجوز مخالفته إلا بأحد طريقين:


الأول: العلم بالمخالف (لهذا الإجماع قبل نقله أو في عصر ناقله)،
والثاني: إبداء بينة من كتاب أو سنة تكون أرجح عند المستدل بها من الإجماع، بحيث تقوي في نظره خطأ الإجماع.
وكلاهما لم يفعله مخالف الإجماع.




- [[علاوة على أنه علقه على أمر قلبي خفي]]
هذا سبق قلم من الشيخ كما فعل في نسبته إلى ابن عابدين، فلم يعلق ابن القيم التحريم بأمر قلبي، بل علق الحرمة بالتهنئة بالكلام المجمل، فقال:
"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه"


فجعل مناط التحريم هو التهنئة بالقول دون الإقرار، لقوله: "إن سلم من الكفر".




- [[كما أنه أجاز مرافقة الجنازة وشهادتها مع ما فيها ما في مثل أعيادهم]]
وهل الجنازة مناسبة دينية مثلها مثل العيد؟ وإنما ما يقرؤونه في الكنائس عليها هو مما يشبه ما يفعلونه في العيد، وليس في حمل الجنازة نفسها منه شيء، وقول الشيخ [[ومعلوم أنهم في ذلك يرفعون الصليب ويفعلون طقوسهم]] غير دقيق، فلم يكونوا في تلك العهود يظهرون أو يرفعون الصلبان بين المسلمين، بل كان هذا من شروط عهدهم.
ثم قد ورد كلامهم في الاختلاف فيها، ولم يرد اختلافهم في العيد.. فمنهم من أباح شهودها لذوي قرابة الرجل وأن يمشي أمامها أو يكون في ناحية عنها فلا يكون معها.


بينما العيد نقل عنهم الاتفاق في تحريم التهنئة به، ولم ينقل عن واحد منهم الإباحة.


ولم أر من يحتج على إمام في مسألة نقل فيها الاجماع بقوله في مسألة أخرى!




- [[أوردنا ما رواه البخاري تعليقا من جواز الصلاة في البيعة "الكنيسة" إلا ما فيها تماثيل]]
ما علاقة هذه المسألة بالتهنئة؟ فمن قال بجواز الصلاة لم يقل بجواز التهنئة، ودل هذا على انتفاء الرابط بين الصلاة فيها وبين التهنئة بالأعياد. فالمسلم إذا صلى فهو يصلي صلاة المسلمين! وليس يهنئ المشركين بعيدهم الكفري.




- [[قوله تعالى " وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ " الأساس أنه الكذب وداخل فيه فعل غير المسلمين إذا أراد الإقناع أو كان مقتنعا به]]
لم يفسر القرطبي الزور على أن الأساس فيه الكذب.
وإنما قال: "والزور كل باطل زور وزخرف، وأعظمه الشرك وتعظيم الانداد".
وقال الواحدي : "أكثر المفسرين على أن الزور ها هنا بمعنى الشرك".
وقال السمرقندي: "مجالس الكذب والفحش والكفر".
وقال ابن عطية: "كل باطل زور وزخرف ".
وقال الزجاج : "الزور في اللغة الكذب ، ولا كذب فوق الشرك بالله".
وقال النيسابوري: "والتحقيق أنه يدخل فيه حضور كل موضع يجري فيه ما لا ينبغي كمحاضر الكذابين ومجالس الخطائين وكالنظارة إلى ما لم تسوغه الشريعة، لأن الحضور والنظر إلى تلك المجالس دليل الإهانة وبعث لفاعله عليه لا زجر له عنه". وهذا عن مجرد عدم زجره! فما بالنا بالتهنئة على الباطل؟
وقال الفخر الرازي: "ويحتمل حضور كل موضع يجري فيه ما لا ينبغي ويدخل فيه أعياد المشركين ومجامع الفساق"، وقال: "الأصح أن اللغو كل ما يجب أن يلغى ويترك ".
وقال الثعالبي: "والزور : كل باطل زُوِّرَ ، وأعظمه الشرك ".
وقال ابن جرير الطبري: "وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك، لأنه محسَّن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق، وهو باطل، ويدخل فيه الغناء، لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت، حتى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضا قد يدخل فيه لتحسين صاحبه إياه، حتى يظنّ صاحبه أنه حق، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور".


وقد تعدد ذكر المفسرين لأنواع الزور المراد في الآية:
كالشرك بالله: وهو قول الضحاك، وابن زيد، وابن عباس.
وأعياد المشركين: وهو قول أبو العالية، وطاوس، ومحمد بن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وابن عباس، ومجاهد. وخصه ابن سيرين بأعياد أهل الذمة كما ذكر الماوردي.
و ممالأة أهل الباطل فيه: وهو قول قتادة.
ولعب الجاهلية (احتفال كان في الجاهلية): وهو قول عكرمة، وابن عباس.
واللهو والغناء: وهو قول مجاهد، ومحمد بن الحنفية، ومكحول، وأبو حنيفة.
والنياحة: وهو قول الحسن.
ومجالس السوء والخنا: وهو قول عمرو بن قيس.
ومجالس الخمر: وهو قول الزهري.
والكذب: وهو قول ابن جريج، ومجاهد، وقتادة.
وشهادة الزور: وهو قول علي بن أبي طلحة، ومحمد بن علي.
والنياحة: وهو قول الحسن.


وقال ابن جرير كلاما نفيسا في تخصيص معنى الزور بوجه دون آخر: "فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال: والذين لا يشهدون شيئا من الباطل لا شركا، ولا غناء، ولا كذبا ولا غيره، وكلّ ما لزمه اسم الزور، لأن الله عمّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل"


ولم يذكر أحد من المفسرين البتة الإقناع أو الاقتناع أو الإشارة إلى النية!.
وهذا في مجرد الحضور بدون كلام، فكيف بالتهنئة به؟




- [[ماذا عن سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة ومقارنته بالتهنئة]]
كل هذا من أنواع الإحسان والبر، وليس فيه من الإقرار بالباطل شيء.
فأنا قد أهدي الهدية إلى من أحب ومن لا أحب، وأعامل الكافر بالأخلاق الحسنة، وأهنئه بالمناسبات الطبيعية كالزواج والشفاء والنجاح والمولود.. وليس في ذلك إقرار أو دليل إقرار بشيء من دينه!


بل إن المسلم العاصي لا يُقر على معصيته، ولا يعان عليها، ولا يُهنأ بها،
ولا يمنع ذلك من إعطاءه من الزكاة والصدقة في نفس الوقت!


فيجب التفريق بين ما فيه إقرار وما ليس فيه إقرار.




- [[دخول النبي- صلى الله عليه وسلم- الكنيسة]]
أولا: لا علاقة لهذا الحديث بمسألة التهنئة.


ثانيا: على فرض ثبوت هذا الحديث: ما موضع الاحتجاج به في تجويز التهنئة؟ وإذا سلمنا أنه لم يرد فيه سبب لدخول الكنيسة، مع تفسير ابن مسعود لذلك، فإن الله تعالى قد وضح في كتابه:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}
فإذا وُجد الكفر والشرك بالله، فلا يقعد المسلم بلا سبب.
فكيف لا توجد ضوابط لدخول الكنيسة وهي يكفر فيها بالله ويشرك به فيها؟


ثالثا: هذا الحديث لم يصح إسناده، فقد جاء عند أحمد والطبراني من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ابن مسعود. وفيه علتين:
1- فيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وحماد ممن سمعوا منه قبل الاختلاط وبعده.
قال علي بن المديني: "وكان أبو عوانة حمل عنه قبل أن يختلط، ثم حمل عنه بعدُ، فكان لا يعقل ذا من ذا، وكذا حماد بن سلمة".
وقال ابن حجر العسقلاني في "تهذيب التهذيب": "فيتحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهيراً وزائدة حماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيه إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين: مرة مع أيوب كما يومئ إليه كلام الدارقطني، ومرة بعد ذلك لمّا دخل إليهم البصرة، وسمع منه جرير وذويه. والله أعلم".
2- الانقطاع، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.


وقد ضعف الحديث الهيثمي، وأحمد شاكر، والألباني، والأرناؤوط.


*فائدة:
قال الشيخ سفر الحوالي - حفظه الله -: وقد يتفلسف بعضهم ويقول: هذه أعياد الجاهلية قد استؤصلت، فأعياد أهل الكتاب أمرنا شرعاً أن نقرهم عليها، فعندما يدخلون في عقد الذمة نقرهم على دينهم، ومن جملة دينهم الاحتفال بأعيادهم، وأن الإسلام يحترم أهل الكتاب، فـشَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله يرد على هذا رداً قوياً فيقول:


" المحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حُذروا من مشابهة اليهود والنصارى، وأخبروا أن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً " عندما تقرب الساعة وتدنو، يلتحق فئام من أمتى بالمشركين وتضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة -وما أشبه ذلك من الأدلة- قال: هذا عند نهاية الزمان، أما أن تعود الجاهلية تلك التي كانت قبل قدومه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بأعيادها، فلا تعود أبداً، فالنهي عن الشيء المتكرر والواقع والفتنة به أشد بلا ريب، فقال: " ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله " أقل ما يقال: إن أعياد أهل الكتاب هي مثل أعياد الجاهليين.


إذاً الشر الذي له فاعل موجود، يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له قوي" انتهى.




- [[أن النصارى صلوا صلاتهم في مسجد الرسول وعلى مشهد من الصحابة]]
أولا: الراجح من الأقوال في حكم دخول غير المسلم المسجد، عدم جواز دخول الكافرالمسجد مالم يكن مصلحة راجحة، ومن ذلك دعوته إلى الإسلام، كما في حديث ثمامة بن أثال في الصحيحين وأمر النبي بربطه في سارية المسجد ليعرض عليه الإسلام.


ثانيا: إن صحت رواية صلاة وفد نجران في المسجد، فإننا إذا سمحنا بدخول غير المسلم المسجد في مقام الدعوة، والمجادلة بالتي هي أحسن، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران، فأراد أن يصلي صلاته، سُمح له بذلك.. إذ كان هذا السماح العارض في مثل هذا المقام العظيم لإظهار الدين، وإعلاء الحق الذي جاء به، وقطع حجّة خصـومه = مغفوراً، مغموراً في جنب تلك المصلحة الراجحة.


قال ابن رجب بعد أن ضعفها: "ولو صح فإنه يحمل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تألفهم بذلك في ذلك الوقت استجلابا لقلوبهم، وخشية لنفورهم عن الإسلام، ولما زالت الحاجة إلى مثل ذلك لم يجز الإقرار على مثله.


((ولهذا شرط عليهم عمر - رضي الله عنه - عند عقد الذمة إخفاء دينهم، ومن جملة إلا يرفعوا أصواتهم في الصلاة، ولا القراءة في صلاتهم فيما يحضره المسلمون))" انتهى.


وقال ابن القيم: "تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم أيضا، إذا كان ذلك عارضا ولا يمكنون من اعتياد ذلك".


فوفد نصارى نجران، بدأهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعوتهم إلى دين التوحيد، وإقامة الحجة عليهم، وإبطال كفرهم، ثم دعا إلى مباهلتهم بأنْ لعنة الله على الكاذبين، ليهلكهم دعاؤُه، ثم انتهى بعد خوفهم من المباهلة إلى دخولهم في حُكم الجزية، فكيف يترك كل هذا السياق ويتدل بالقصة على التهنئة؟!


ثالثا: القصة لم تثبت بإسناد صحيح.
أوردها ابن كثير في تفسيره: "قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، قال: قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر...".
وهذا إسناد معضل،
فمحمد بن جعفر بن الزبير إنما يروي عن التابعين، بل عن صغارهم، عده الحافظ ابن حجر من الطبقة السادسة، وقد قال عنها الحافظ في "مقدمة تقريبه": طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.


وقد ذكر ابن كثير نحوه أيضا، قال: وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لَبِيد عن رافع بن خديج.
قال الشيخ عبد الله بن زقيل: "وهذ إسناد ظاهره الصحة إذا سلم من تدليس بن إسحاق صاحب السيرة فقد قال الإمام أحمد فيه: هو كثير التدليس جداً، إلى جانب أن الإسناد قبل محمد بن إسحاق ليس بين أيدينا. والله أعلم".




- [[الفتاوى الحديثة]]
مسألة التهنئة قديمة تم إحكامها، ولا جديد فيها كما بينا سابقا.
فأقول بقول ابن مسعود - رضي الله عنه - :
"من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة،
أولئك أصحاب محمد، كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".


وأقول كما قال الإمام مالك رحمه الله: "كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر" وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.


فلم ينقل عن أئمة وعلماء الإسلام حرف واحد يوافق السادة المعاصرين المشار إليهم أصحاب الفتاوى بإجازة التهنئة بأعياد المشركين.


وقد أدرجت في الحاشية مختصرا بأقوال العلماء في المذاهب الأربعة في تحريم التهنئة بأعياد المشركين(3).


ولا يصح شرعا ولا عقلا أن يفوت الحق كل الأمة طوال هذه العصور ثم يدركه بعد ذلك من يأتي متأخرا بأكثر من ثلاثة عشر قرنا، فلو كان خيرا لسبقنا إليه السلف الصالح (الصحابة والتابعون)، فهم أعلم منا وأعبد.


فيستحيل أن يخفى هذا الخير - إن كان خيراً - على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
ونحن لم نعرف الإسلام والإيمان إلا عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم؛ فكيف نعرف خيراً هو لم يعرفه! هذا مستحيل.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"ما تركتُ شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به".
فإذا كانت التهنئة خيرا، وكانت من البر ومن محاسن الأخلاق التي دعا إليها النبي، وقد كان خلقه القرآن - صلى الله عليه وسلم - = فينبغي أن يكون دلنا عليها..
وقد كان اليهود مع المسلمين بالمدينة سنين؛ فهل هنأهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولو في حديث واحد؟! ولو مرة واحدة هنأهم فيها بعيد من أعيادهم؟!
ولقد كان النصارى في الشام ومصر مع المسلمين بعد فتحهما؛ فهلا أوجدونا أثرًا واحدًا صحيحًا عن أحد من الصحابة أو التابعين في تهنئتهم بأعيادهم؟!


فنقول: أنه لم يحدث من ذلك شيء، فإن ادعى أحد أن قد حدث، فنقول: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.


فالجميع - سواء من يهنئ ومن لا يهنئ - يتفقون على أن هذا لم يحدث من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (متفق عليه).
فهل نتصور أن هناك خيرا سبقناهم إليه (في جملتهم) علما وعملا؟ هل يمكن هذا؟


قد يقول قائل: أن العصر تطور وهناك مكتشفات، وهناك جديد في العلم لم يعلمه السابقون!
فنقول: نحن نعني: العلم الشرعي، وإلا فالعلوم التجريبية تتطور، ولا يزكي هذا صاحبها عند الله ولا يقدمه على القرون الخيرية الثلاثة، وإنما يزكيه في مجال العلم التجريبي، فأنت تجد عالم الرياضيات العبقري ربما لا يحسن قراءة الفاتحة، فنحن نتكلم عن العلم الشرعي، لأننا نبحث مسألة شرعية وهي تحريم تهنئة المشركين بأعيادهم.


وقد يقول قائل: ولكن هناك اكتشافات علمية حديثة، قد تحدث عنها بعض الآيات والأحاديث، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطن"، فلم يكن السابقون يعرفون حقيقتها!
فنقول: هذا له علاقة بالفكر والفهم، وليس له علاقة بالعمل، وإلا فقد أدرك الصحابة العلم بالمراد منها، وهو اجتناب الإسراف في الطعام والشراب، وتفضيل الزهد. فالعلم بمراد الشرع هو المقصود بحديثنا هنا، وإلا فقد يعلم الحقائق الكونية من الكفار أكثر من الصحابة، فهل ينفعه ذلك إذ جهل مراد الشرع وأعرض عنه؟ وإنما العلوم الدنيوية تنفع العبد إذا استعملها في طاعة الله، وفق مراد الله الذي يتعلم من الكتاب والسنة.
فنحن نريد الآن أن نتكلم عما يقربنا إلى الله، نتكلم عن حكم شرعي..


فنقول: هل يمكن ونحن في آخر الزمان وفي زمان انتشار الجهل وقلة العلم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، أن نكون أعلم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين في العلم الشرعي؟ وأن نكون أسرع إلى العمل بالخير والتقرب إلى الله من هؤلاء السلف الصالح؟


لا يمكن أبدا، فهذه التهنئة لو كانت من الخير، فكيف يخفى عليهم؟
إما أنهم علموه وإما أنهم لم يعلموه..
فإذا قلنا أنهم لم يعلموه؛ فكيف علمناه نحن من بعدهم؟
وإن قلنا أنهم علموه؛ فلماذا لم يعملوا به؟
لماذا لم يفعله واحد منهم مرة (صحابي أو تابعي أو عالم أو عابد)؟
وهم قد تلقوا العلم منه - صلى الله عليه وسلم - غضاً طرياً بدون هذه الوسائط الكثيرة التي بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم؟


قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} قال الإمام مالك: "فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً".
والإسلام قد كَمُلَ، وهو ليس كدين اليهود والنصارى؛ في كل يوم فيه تغيير وتبديل..


كيف تكون التهنئة من البر والإحسان الذان أمر بهما الدين ولم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ولا في عهد التابعين ولا في عهد أتباع التابعين ؟!


وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
"للتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".. فلم يعلق الأمر بإرادة الكفر، وإنما بحدوث الاتباع، وعلى قدر الاتباع على قدر الذنب. نسأل الله العافية.
قال الله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون}.
وقال سبحانه: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا}. نسأل الله الثبات على ما نعلمه من الحق.


وأخيرا: ملاحظة جانبية، فقد ختم الشيخ بحثه بقوله:
[[أخي القارئ الكريم إنني لم أرد تأييد رأي معين ولكني أردت من هذا إظهار بحث علمي]]
ولعل هذا موقف جديد يخالف ما كنت أعلمه عن الشيخ – فأنا بلديّه -، فمثلا في مؤتمر لحزب الحرية والعدالة، يوم الجمعة، 30 ديسمبر الماضي، بمركز ناصر - في محافظة بني سويف، عرّض الشيخ بمن يحرم التهنئة فوصفهم بـ "التشدد"!


ولكن هذا الموقف الجديد يعني أن الشيخ في أي مناسبة كمؤتمر أو حفل: لن يهاجم رأي من قال بالتحريم ولن يصفه بالتعصب، فهو لم يؤيد رأيا كما قال، وهو على الحياد إذن، ولم يقطع برأي كما قال في بداية بحثه.
ونسأل الله لنا وللمسلمين الإخلاص في القول والعمل.




* وهذه المناقشة كلها كانت في مسألة التهنئة بالمناسبات الدينية، أما التهنئة بالمناسبات الجائزة، فإنها تدخل في باب البر، فقد قال الشيخ ياسر برهامي حفظه الله:
"أما المناسبات غير الدينية؛ فلا يوجد دليل على يمنع من تهنئتهم عليها: كالزواج، والولادة، وكذا التعزية في الموت بنحو قول القائل: "البقاء لله"، أو: "اتقِ الله واصبر"، دون استغفار أو ترحم على مَن مات على غير الإسلام؛ لقوله -تعالى-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}".


فأرجو من فضيلة الشيخ عبدالخالق إعادة النظر في هذه المسألة بناء على الأدلة الشرعية، لا الاستحسان، والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل ما فيه رضاه، وأن يمنحهم الفقه في دينه، والاستقامة عليه، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح قادة المسلمين ويوفقهم للحكم بشريعته والتحاكم إليها، والحذر مما يخالفها، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان.




ياسر بن عبد رب الرسول بن أحمد.
ليلة الجمعة،
الثامن عشر من صفر، 1433 هـ،
الثالث عشر من يناير 2012 م.








حاشية:
***(1)،(3) مختصر لأقوال العلماء في المذاهب الأربعة في التهنئة بأعياد المشركين:


1.مذهب السادة الحنفية :



(قال أبو حفص الكبير رحمه الله : لو أن رجلا عبد الله تعالى خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصة ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيها بأولئك القوم , وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } وقال في الجامع الأصغر رجل اشترى يوم النيروز شيئا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر , وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر)ا.هـ


البحر الرائق شرح كنز الدقائق للعلامة ابن نجيم (8/555)


2.مذهب السادة المالكية :


( فصل ) في ذكر بعض مواسم أهل الكتاب فهذا بعض الكلام على المواسم التي ينسبونها إلى الشرع وليست منه وبقي الكلام على المواسم التي اعتادها أكثرهم وهم يعلمون أنها مواسم مختصة بأهل الكتاب فتشبه بعض أهل الوقت بهم فيها وشاركوهم في تعظيمها يا ليت ذلك لو كان في العامة خصوصا ولكنك ترى بعض من ينتسب إلى العلم يفعل ذلك في بيته ويعينهم عليه ويعجبه منهم ويدخل السرور على من عنده في البيت من كبير وصغير بتوسعة النفقة والكسوة على زعمه بل زاد بعضهم أنهم يهادون بعض أهل الكتاب في مواسمهم ويرسلون إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك مما يكون في وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم , وهذا كله مخالف للشرع الشريف .


ومن العتبية قال أشهب قيل لمالك أترى بأسا أن يهدي الرجل لجاره النصراني مكافأة له على هدية أهداها إليه قال ما يعجبني ذلك قال الله عز وجل { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } الآية قال ابن رشد رحمه الله تعالى قوله مكافأة له على هدية أهداها إليه إذ لا ينبغي له أن يقبل منه هدية ; لأن المقصود من الهدايا التودد لقول النبي صلى الله عليه وسلم { تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء } , فإن أخطأ وقبل منه هديته وفاتت عنده فالأحسن أن يكافئه عليها حتى لا يكون له عليه فضل في معروف صنعه معه . وسئل مالك رحمه الله عن مؤاكلة النصراني في إناء واحد قال تركه أحب إلي ولا يصادق نصرانيا قال ابن رشد رحمه الله الوجه في كراهة مصادقة النصراني بين ; لأن الله عز وجل يقول { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية .


فواجب على كل مسلم أن يبغض في الله من يكفر به ويجعل معه إلها غيره ويكذب رسوله صلى الله عليه وسلم , ومؤاكلته في إناء واحد تقتضي الألفة بينهما والمودة فهي تكره من هذا الوجه وإن علمت طهارة يده .


ومن مختصر الواضحة سئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له . قال وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له . ورآه من تعظيم عيده وعونا له على مصلحة كفره . ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئا من مصلحة عيدهم لا لحما ولا إداما ولا ثوبا ولا يعارون دابة ولا يعانون على شيء من دينهم ; لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك , وهو قول مالك وغيره لم أعلم أحدا اختلف في ذلك انتهى .


ويمنع التشبه بهم كما تقدم لما ورد في الحديث { من تشبه بقوم فهو منهم } ومعنى ذلك تنفير المسلمين عن موافقة الكفار في كل ما اختصوا به . وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود إن محمدا يريد أن لا يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه . وقد جمع هؤلاء بين التشبه بهم فيما ذكر والإعانة لهم على كفرهم فيزدادون به طغيانا إذ أنهم إذا رأوا المسلمين يوافقونهم أو يساعدونهم , أو هما معا كان ذلك سببا لغبطتهم بدينهم ويظنون أنهم على حق وكثر هذا بينهم . أعني المهاداة حتى إن بعض أهل الكتاب ليهادون ببعض ما يفعلونه في مواسمهم لبعض من له رياسة من المسلمين فيقبلون ذلك منهم ويشكرونهم ويكافئونهم . وأكثر أهل الكتاب يغتبطون بدينهم ويسرون عند قبول المسلم ذلك منهم ; لأنهم أهل صور وزخارف فيظنون أن أرباب الرياسة في الدنيا من المسلمين هم أهل العلم والفضل والمشار إليهم في الدين وتعدى هذا السم لعامة المسلمين فسرى فيهم فعظموا مواسم أهل الكتاب وتكلفوا فيها النفقة..) ا.هـ


المدخل للعلامة ابن الحاج المالكي (2/46-48)


3.مذهب السادة الشافعية :


قال الإمام الدَّمِيري رحمه الله تعالى في (فصل التعزير) :
(تتمة : يُعزّر من وافق الكفار في أعيادهم ، ومن يمسك الحية ، ومن يدخل النار ، ومن قال لذمي : يا حاج ، ومَـنْ هَـنّـأه بِـعِـيـدٍ ، ومن سمى زائر قبور الصالحين حاجاً ، والساعي بالنميمة لكثرة إفسادها بين الناس ، قال يحيى بن أبي كثير : يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة) ا.هـ


النجم الوهاج في شرح المنهاج للعلامة الدَّمِيري (9/244) ، وكذا قال العلامة الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/191) .


وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله تعالى في ( باب الردة ) :
(ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال : ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون وقد قال صلى الله عليه وسلم { من تشبه بقوم فهو منهم } بل قال ابن الحاج لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيا شيئا من مصلحة عيده لا لحما ولا أدما ولا ثوبا ولا يعارون شيئا ولو دابة إذ هو معاونة لهم على كفرهم وعلى ولاة الأمر منع المسلمين من ذلك ومنها اهتمامهم في النيروز بأكل الهريسة واستعمال البخور في خميس العيدين سبع مرات زاعمين أنه يدفع الكسل والمرض وصبغ البيض أصفر وأحمر وبيعه والأدوية في السبت الذي يسمونه سبت النور وهو في الحقيقة سبت الظلام ويشترون فيه الشبث ويقولون إنه للبركة ويجمعون ورق الشجر ويلقونها ليلة السبت بماء يغتسلون به فيه لزوال السحر ويكتحلون فيه لزيادة نور أعينهم ويدهنون فيه بالكبريت والزيت ويجلسون عرايا في الشمس لدفع الجرب والحكة ويطبخون طعام اللبن ويأكلونه في الحمام إلى غير ذلك من البدع التي اخترعوها ويجب منعهم من التظاهر بأعيادهم) ا.هـ


الفتاوى الفقهية الكبرى لللعلامة ابن حجر الهيتمي (4/238-239)


4.مذهب السادة الحنابلة :


(( و ) يكره ( التعرض لما يوجب المودة بينهما ) لعموم قوله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية .
( وإن شمته كافر أجابه ) ; لأن طلب الهداية جائز للخبر السابق .
( ويحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ) ; لأنه تعظيم لهم أشبه السلام .
( وعنه تجوز العيادة ) أي : عيادة الذمي ( إن رجي إسلامه فيعرضه عليه واختاره الشيخ وغيره ) لما روى أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا , وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار } رواه البخاري ولأنه من مكارم الأخلاق .
( وقال ) الشيخ ( ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى ) وغيرهم من الكفار ( وبيعه لهم فيه ) . وفي المنتهى : لا بيعنا لهم فيه ( ومهاداتهم لعيدهم ) لما في ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام .
( ويحرم بيعهم ) وإجارتهم ( ما يعملونه كنيسة أو تمثالا ) أي : صنما ( ونحوه ) كالذي يعملونه صليبا ; لأنه إعانة لهم على كفرهم . وقال تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ( و ) يحرم ( كل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم وهو من التشبه بهم , والتشبه بهم منهي عنه إجماعا ) للخبر ( وتجب عقوبة فاعله )) ا.هـ


كشف القناع عن متن الإقناع للعلامة البهوتي (3/131)


وقال فضيلة الشيخ علي محفوظ الأزهري رحمه الله تعالى :


(مما ابتلي به المسلمون وفشا بين العامة والخاصة مشاركة أهل الكتاب من اليهود والنصارى في كثير من مواسمهم كاستحسان كثير من عوائدهم ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم حتى قالت اليهود أن محمداً يريد ألا يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه .. فانظر هذا مع ما يقع من الناس اليوم من العناية بأعيادهم وعاداتهم ، فتراهم يتركون أعمالهم من الصناعات والتجارات والاشتغال بالعلم في تلك المواسم ويتخذونها أيام فرح وراحة يوسعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثياب ويصبغون فيها البيض لأولادهم كما يصنع أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، فهذا وما شاكله مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم" قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال " فمن غيرهم" رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .. فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم والفاسقين في أماكنهم ويظفر بإحسان الله ورحمته)ا.هـ


باختصار من كتاب الإبداع في مضار الإبتداع ص 274-276


الإمام المحقق ابن القيم الجوزية ينقل الإتفاق على حرمة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم :


(وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول : عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه .


وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ، وقد كان أهل الورع من اهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنباً لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيراً ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك وبالله التوفيق) ا.هـ


أحكام أهل الذمة (1/441-442)


يُضاف إلى ذلك ما ذكره الإمام ابن القاسم من أنه لم يعلم أن أحداً اختلف في ذلك.




قال الواحد الأحد:
{وقالوا اتخذ الرحمن ولداً*لقد جئتم شيئاً إداً*تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً*أن دعوا للرحمن ولداً*وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً*إن كلّ من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً*لقد أحصاهم وعدّهم عدّا*وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً} ! [سورة مريم:88-95]


وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه (4482) عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذبيه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه أياي فقوله لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدا" !


وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
"قال الله : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد ، لم ألد ولم أولد ، ولم يكن لي كفأ أحد" ! [رواه الإمام البخاري في صحيحه (4974-4975)]


{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [سورة البقرة:120].




***(2)تخريج حديث "من تشبه بقوم فهو منهم":


قد عمل الأئمة بهذا الحديث واحتجوا به، مما يدل على تلقيهم له بالقبول، وقد ورد الحديث من عدة طرق:


- عن ابن عمر.


أخرجه أبوداود في " سننه " ( 4 / 44 / 4013 ) ، وأحمد في " مسنده " ( 2 / 50 ، 92 / 5114 ، 5115 ، 2667 ) ، وعبد بن حميد في" المنتخب " ( 848 ) ، وابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 4 / 212 ) و ( 6 / 471 / 33016 ) ، وفي " مسنده " – كما في " التغليق " ( 3 / 445 ) – ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 1 / 135 / 216 ) ، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " ( ص 205 ) ، والهروي في " ذم الكلام " ( 54 / ب ) ، وابن الأعرابي في " معجمه " ( ص 222 ) ، والبيهقي في " الشعب " ( 2 / 75 / 1199 ) ، وابن خصيب الشيرازي في " شرف الفقراء " – كما في " الميزان " ( 8 / 219 ) – ، وابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ( ص 189 ) ، والمزي في" تهذيب الكمال " ( 34 / 324 ) ، والذهبي في " السير " ( 15 / 509 ) ، وابن حجر في " التغليق " ( 3 / 445 ) .


من طريق عبدالرحمن بن ثابت ، حدثنا حسان بن عطية ، عن أبي منيب الجرشي ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم :
" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .


وأخرجه البخاري في " صحيحه " ( 6 / 115 – فتح ) تعليقاً ، بصيغة التمريض .


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم " ( 1 / 269 ) : " إسناده جيد " ، وقال في " الفتاوى " ( 25 / 331 ) : " حديث جيد " .
وقال العراقي : " سنده صحيح " .
وقال الذهبي : " إسناده صالح " .
وقال ابن حجر : " أبو منيب لا يعرف اسمه وقد وثقه العجلي وغيره ، وعبدالرحمن بن ثابت مختلف في الاحتجاج به " .
وقال الألباني في " الإرواء " ( 5 / 109 ) : " وهذا إسناد حسن ؛ رجاله كلهم ثقات ، غير ابن ثوبان هذا ففيه خلاف " .
وقال المنذري في " تهذيب سنن أبي داود " ( 6 / 25 ) : " في إسناده عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان ، وهو ضعيف " .
وقال الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 347 ) : " وابن ثوبان ضعيف " .
وابن ثوبان
قال فيه أحمد " لم يكن بالقوي في الحديث ".


وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: " ضعيف ". قلت: يكتب حديثه؟ قال: "نعم على ضعفه". وقال العباس بن محمد الدورى سمعت يحيى بن معين يقول: ليس به بأس. وقال إبراهيم بن الجنيد سمعت يحيى بن معين وسأله أبو طالب عن ابن ثوبان فقال: صالح.


وقال أبوحاتم: "مستقيم الحديث".


وصحَّح له أبو عيسى الترمذى جملة أفراد وغرائب، وذكر في حديث توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْفَضْلِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".


وقال أبو حفص عمرو بن علي: حديث الشاميين كله ضعيف إلا نفراً منهم: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي، ((وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان))، وعبد الله بن العلاء بن زبر، وثور بن يزيد، وبرد بن سنان.


ووثقه علي بن المديني، وأبو زرعة الرازي، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وصالح بن محمد جزرة، وابن حبان.


ومع هذا لم يتفرد به ابن ثوبان، فقد تابعه الأوزاعي، عن حسان بن عطية، به.
أخرجه الطحاوي في "المشكل" (1 / 88 – ط: الهندية) عن أبي أمية، حدثنا محمد بن وهب بن عطية، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن حسان، به.


قال الألباني: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي أمية واسمه محمد بن ابراهيم الطرسوسي قال الحافظ في "التقريب": "صدوق صاحب حديث يهم".
والوليد بن مسلم ثقة محتج به في الصحيحين ولكنه كان يدلس تدليس التسوية فإن كان محفوظا عنه فيخشى أن يكون سواه!


وقد خالفه في إسناده صدقة فقال: عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً.
أخرجه البزار في "مسنده" – كما في "نصب الراية" ( 4 / 347 ) –، والهروي في "ذم الكلام"( 54 / أ )، والذهبي في "السير" ( 16 / 242 ).


وصدقة هذا هو ابن عبد الله السمين الدمشقي وهو ضعيف.


وخالفهما (أي صدقة والوليد بن مسلم) عيسى بن يونس فقال: عن الأوزاعي عن سعيد بن جبلة عن طاوس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: فذكره. أخرجه ابن أبي شيبة ( 7 / 152 / 1 ).
قال الألباني: وهذا مرسل وقد ذكره الحافظ في "الفتح" ( 6 / 72 ) من رواية ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبلة مرسلا لم يذكر فيه طاوسا وقال: "إسناد حسن".
كذا قال ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن جبلة
وقد أورده إبن أبي حاتم ( 2 / 1 / 10 ) من رواية الأوزاعي عنه وقال عن أبيه: "هو شامي". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وهو على شرط ابن عساكر في "تاريخه" ولم يورده فيه.


- عن حذيفة.


أخرجه البزار ( 7 / 368 / 2966 )، والطبراني في "المعجم الأوسط" ( 8 / 179 / 8327 ) .
عن محمد بن مرزوق، قال أخبرنا: عبدالعزيز بن الخطاب، قال: أخبرنا علي بن غراب، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة، عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تشبه بقوم فهو منهم".


قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن حذيفة مسندا إلا من هذا الوجه، وقد رواه علي بن غراب، عن هشام، عن محمد، عن أبي عبيدة، عن أبيه، موقوفاً".


وقال الهيثمي في "المجمع" ( 10 / 271 ): "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه علي بن غراب وقد وثقه غير واحد، وضعفه بعضهم، وبقية رجاله ثقات".


ورجح ابن حجر أن علي بن غراب: "صدوق، وكان يدلس، ويتشيع".


وقد توبع ابن سيرين، فتابعه يحيى بن سعيد ، عن أبي عبيدة، قال: دعي حذيفة إلى شيء، قال فرأى شيئاً من زي الأعاجم، قال: فخرج، وقال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
أخرجه أحمد في "الورع" ( ص 508 )، وإسناده صحيح، وهو المحفوظ من هذا الوجه، وله حكم الرفع.


- عن أنس.


أخرجه أبونعيم في "أخبار أصبهان" ( 1 / 129 )، والهروي في "ذم الكلام" ( 54 / أ – ب ).
من طريق بشر بن الحسين الأصبهاني، ثنا الزبير بن عدي، عن أنس بن مالك، مرفوعاً، مثله.


قال البخاري في بشر بن الحسين: "فيه نظر"، وتركه الدارقطني، وقال أبوحاتم: "يكذب على الزبير". قال الألباني: وبشر هذا متروك متهم فلا يفرح بحديثه.


- عن الحسن.


أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" ( 2 / 177 / 2370 ) عن إسماعيل بن عياش، عن أبى عمير الصورى، عن الحسن، مرفوعاً، مثله.


قال محمد الأبيضي: وهذا مرسل إسناده ضعيف؛ إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير أهل بلده.
غير أن أبا عمير مترجم في الجرح: ( 1106 ) أبان بن سليمان أبو عمير الصوري وكان من عباد الله الصالحين يتكلم بالحكمة روى عن سقط روى عنه عتبة بن تميم أبو سبأ.
الصوري: نسبة إلى " صور " بلدة كبيرة من بلاد ساحل الشام كما في الأنساب (3/564)،
وهكذا تكون الرواية صحيحة لأن رواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحة.


- عن عمر.


أخرجه عبدالرزاق في "مصنفه" ( 11 / 453 ) عن معمر، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً قد حلق قفاه ولبس حريراً، فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم".
وقتادة لم يسمع من عمر، وله حكم الرفع.


فحديث حذيفة وحديث عمر لهما حكم الرفع، ولم يشتد ضعفهما ، ومرسل طاووس إسناده صحيح إليه، وهو يقوي حديث ابن عمر.


و ممن صحح الحديث أو حسنه:
- أبو داود، وابن حبان، والحافظ العراقي، والسخاوي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن مفلح، وابن حجر العسقلاني، والذهبي، والسيوطي، والزرقاني، والصنعاني، ومحمد بن محمد الغزي، ومحمد بن جار الله الصعدي، والبهوتي، ومحمد بن عبد الوهاب، وابن باز، وأحمد شاكر، والألباني.


وقد استفدت في مادة هذا التخريج للحديث من تحقيقات الشيخ الألباني، وبحث للشيخ محمد الأبيضي.