[align=justify]
نصر المجالي- لندن : GMT 14:00:00 2005 الثلائاء 15 فبراير
استنكر اغتيال الحريري وكانت له سجالات معه
الوليد خليفة محتمل لقيادة السنة في لبنان
اعتبر مراقبون أن المجال صار مفتوحا أمام الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز للتقدم نحو قيادة السنة في لبنان، وذلك بعد شغور موقع الزعامة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق المرحوم الشيخ رفيق الحريري أمس الإثنين في حادث تفجير إجرامي يُذكر بالأحداث المأساوية التي عاشها لبنان منذ 15 عاما، وكان الأمير السعودي الذي يحمل الجنسية اللبنانية ندد بحادث الاغتيال وقال إنه "جريمة بشعة وعملا إجراميا مُنكرا، وأنا استنكر هذا العمل الذي لا يتقبله عقل ولا دين".
وعلق مراقبون على تصريح الأمير السعودي الملياردير الوليد بن طلال بالقول "نعم لقد استنكر الأمير الحادث الإجرامي، لكنه قد يجد المجال أمامه مفتوحا الآن أكثر من أي وقت مضى لقيادة السنة في لبنان". يشار إلى أنه بعد ساعات محدودات من اغتيال رئيس الوزراء الراحل، تنادت زعامات من المعارضة والقيادات السنية للاجتماع في قصر قريطم حيث مقر الشيخ الحريري لتأكيد السير على نهجه والمطالبة بمطاردة مخططي الاغتيال الإجرامي والشروع في تحقيق دولي وكشف الجهات التي تورطت فيه ودبرته. وفي غضون ذلك تعالت الأصوات بمبايعة بهاء الحريري النجل الأكبر للشيخ رفيق ، لتسلم راية والده.
وفي تصريحه أمس للزميل سلطان القحطاني مراسل "إيلاف" في الرياض، لم يشأ الأمير الوليد استباق الأمور بالحديث عن المستفيد من اغتيال الحريري أو توجيه الاتهام إلى أية جهة، وهو أكد على القول "إنها جريمة ٌ نكراء لا يقبلها أي فرد في العالم العربي"، معبرا عن أحر تعازيه لأنجال الرئيس الراحل وعائلته.
ويعتبر كثيرون ، أن الأمير الوليد بن طلال المولود لأم لبنانية هي السيدة منى الصلح كريمة الزعيم اللبناني السني الراحل رياض الصلح الذي كان اغتيل في العاصمة الأردنية العام 1951 على أيدي مسلحين ينتمون للحزب القومي السوري الاجتماعي، أحد الورثة المحتملين الأقوياء لقيادة السنة في لبنان، على أن جموعا منهم خرجت بعد الحادث الإجرامي بساعات قليلة معلنة البيعة لبهاء الحريري النجل الأكبر للرئيس الراحل.
وكان الوليد بن طلال أثار معارك جدلية في الأوساط السياسية اللبنانية على مدى السنوات الثلاث الماضية حين لوح بترشيح نفسه لمنصب رئاسة الحكومة اللبنانية، وخاض غمار معارك كثيرة مع الحريري نفسه، حيث اعتبره رئيس الوزراء الراحل خصما عنيدا. وكان الأمير وجه انتقادات أيضا للسياسات الاقتصادية التي ينتهجها الراحل الحريري في لبنان، ولمرات عديدة قدم الوليد مرئيات عملية لإنقاذ لبنان من محنته الاقتصادية، وفي كل مرة يقدم فيها مناهجه كان يلاحظ أنه "يغمز من جانب الحريري كثيرا"، وكانت آخر مرة يهاجم فيها الأمير، الحريري خلال حفل افتتاحي لمشروع فندق موفنبيك الضخم في أكتوبر (تشرين الأول) من العام وهو تموله الشركة السعودية القابضة التي يديرها الأمير الذي لم يخف عزمه على خوض معركة رئاسته للحكومة اللبنانية.
وخلال الاحتفال المشار إليه، الذي حضره الرئيس اللبناني العماد أميل لحود وهو الآخر خصم للرئيس الراحل، وجه الأمير الوليد انتقادات لاذعة للسياسات الاقتصادية التي تتبناها حكومة الحريري، مما أثار ردة فعل كبيرة لدى الأوساط المؤيدة للحريري، وجبهات المعارضة التي تأخذ هي الأخرى على لحود اقترابه الشديد من دمشق لدرجة أنها تعتبره "الرئيس المعين من جانب دمشق، أو بمعنى أدق دمية لها".
وظل لحود خلال الشهور الثلاثة الماضية يتهم علانية رئيس الوزراء الراحل الذي استقال احتجاجا على تمديد ولاية لحود بدعم من سورية لثلاث سنوات على سدة الرئاسة، بأنه وراء إصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي يدعو إلى سحب القوات السورية من لبنان، وإفساح المجال أمام الشعب اللبناني لتقرير مصيره بحرية واقتدار بعيدا عن أية ضغوط خارجية وخصوصا من سورية. واستقال الحريري في أكتوبر (تشرين الأول) 2004 وخلفه في المنصب السني الطرابلسي عمر كرامي الذي هو أيضا محسوب على دمشق، وتدعمه.
وخلال الحفل قدم الأمير الوليد بن طلال خططه لمواجهة الدين العام الذي يتحمله لبنان (35 مليار دولار)، واقترح في إطار ذلك خطة خمسية أو عشرية واضحة وشفافة، إضافة إلى توحيد الجهود الوطنية لتحقيق "أعجوبة إنقاذ الاقتصاد الوطني". وأكد الأمير التزامه بالاستثمار في لبنان وإخلاصه "لهذا البلد الذي أحمل جنسيته" وقال "كل ما سأبذله هو يصب في خانة مواجهتي مع بعض الأصوات المعدودة والمعروفة التي تحاول التشكيك في محبتي للبنان".
ولم يكتف الأمير الوليد بن طلال في مساجلاته مع رفيق الحريري كلاميا وحسب، بل أنه زار معاقل سنية مهمة في لبنان مثل طرابلس الشمالية وصيدا حيث هذه المدينة الجنوبية مسقط رأس رئيس الوزراء الراحل، وكان أمضى في المدينتين قبل شهور ساعات طويلة مفتتحا مشاريع خيرية وتنموية يمولها، ومتحدث عن هموم سكان المدينتين، ولم يخف أيضا طموحاته برئاسة الحكومة.
ومن بين المشروعات التي مولها الأمير السعودي في المدينتين إزالة "جبل النفايات" الشهير في صيدا ووضع الحجر الأساس لمبنى "أوديتوريوم الوليد بن طلال" في جامعة المنار ـ "مؤسسة رشيد كرامي للتعليم العالي"، الذي بدا العمل فيه بشكل فوري بعد أن تبرع الأمير بمبلغ مليون دولار أميركي لإنجازه.
وزار الوليد مسقط رأس جده الراحل الرئيس رياض الصلح مدينة صيدا للمرة الاولى، وفق ما اعلن بنفسه، واكد للصيداويين ان التخلص من جبل النفايات سيتم خلال ثلاث سنوات، بموجب بروتوكول وقعته بلدية صيدا ، مع "مؤسسة الوليد بن طلال الانسانية" يقضي بان تقدم المؤسسة مبلغ خمسة ملايين دولار اميركي، لازالة هذا الجبل، ووقع البروتوكول عن البلدية رئيسها الدكتور عبد الرحمن البزري الذي يعتبر ندا للرئيس الحريري، وعن المؤسسة نائبة رئيس المؤسسة ليلى الصلح والمدير العام لشركة الجنوب للإعمار المهندس رياض الاسعد.
يشار إلى أن مسؤولين رسميين حضروا الاحتفال، بينما غابت النائبة في البرلمان بهية الحريري وفعاليات محسوبة على تيارها وتيار شقيقها رئيس الوزراء السابق.
ولوحظ وقتها أن الأمير الوليد بن طلال دخل في كلمته خلال الحفل على خط السياسة الصيداوية المحلية، حين وجه كلمته حصريا الى "رئيس البلدية المحبوب عبد الرحمن البزري ونائب صيدا والجنوب أسامة سعد، شاكرا حفاوة الاستقبال وشاكرا لصيدا التي أنجبت جدي رياض الصلح زعيم الاستقلال الأول في لبنان".
ولتأكيد دوره السياسي، زار الوليد بن طلال والبزري والفعاليات الصيداوية، دارة جده رياض الصلح، حيث وضع حجر الأساس لـ "متحف رياض الصلح الوطني" في المنزل الذي كان يقيم فيه وولد فيه، قرب قلعة صيدا، حيث تجري عملية ترميمه من قبل مؤسسة الوليد بن طلال، وقام الأمير مع البزري بجولة في صيدا القديمة وتعهد له بقديم نحو ربع مليون دولار لترميم العديد من الأبنية الأثرية القديمة المهددة بالانهيار.
يشار إلى أنه كان وزع في صيدا، بيان حمل توقيع "شرفاء صيدا" بعنوان "كتاب مفتوح إلى الأمير الوليد بن طلال"، وجاء فيه "صيدا ليست للبيع، حتى ولو كان الذي سيشتريها حفيد رياض الصلح. وهي ليست للبيع حتى لو كان الثمن تحقيق حلم أبنائها برفع كابوس جبل النفايات؛ وصيدا ليست للبيع حتى ولو أن الأوفياء من أبنائها لا يتكلمون ولا يتحركون ولا يعبرون عن رفضهم لزيارتك المفخخة"، وحمل البيان بشدة على النائب أسامة سعد وعبد الرحمن البزري "اللذين حادا عن نهج أسلافهما وارتهنا لحفنة من المرتزقة يحركونهما كما يشاؤون، وصيدا ستبقى وفية لرفيق الحريري وليس لمن حول إنجازاته إلى سراب".
وإذ تصريحات الأمير الوليد المتكررة وسجالاته مع رئيس الوزراء السابق الحريري واجهت ردات فعل كثيرة في الداخل اللبناني وتناقلتها وسائل إعلام كثيرة، فإن الحكومة السعودية سارعت في حينه إلى إصدار بيان باسم مصدر مسؤول ونقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) ، وقال المصدر إن "هذه التصريحات تمثل آراءه الشخصية ولا تعكس من قريب أو بعيد موقف الحكومة والشعب السعودي، كما أن سموه ليست له أي صفة رسمية".
وأضاف المصدر معلقا على الكتاب المفتوح الموجه من رابطة الجامعيين اللبنانيين لولي العهد السعودي "أن المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها لم تتدخل في الشؤون الداخلية لأى دولة ولن تفعل ذلك لأنها تعتبر هذا الأمر تدخلا في استقلال وسيادة وحق الدول الكامل في تسيير شؤونها دون تدخل من أي أحد وأن المملكة العربية السعودية عندما تعلن ذلك لتؤكد أنها لم ولن تتخلى أبدا عن مساندتها ووقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق في كل ما يخدم توجهاته دون مساس باستقلالية وسيادة القرار اللبناني محترمة في نفس الوقت الإرادة الوطنية للشعب اللبناني الشقيق"..
ومن جانبهم، كان معارضون لبنانيون ردوا لمرات عديدة على مواقف الأمير الوليد من المعارضة ذاتها وكذلك من الحريري الذي لا ينتمي إلى جبهة سياسية بعينها، وقالوا في معرض تصريحاتهم إن خبرته الديمقراطية معدومة"، وطالبوه بـ "الاعتذار عما بدر منه تجاه الحريري".
واعتبرت المعارضة تصريحات الأمير الوليد تدخلا في الشؤون اللبنانية، على أن الأمير رد في وقت لاحق بالقول إنه "لبناني الجنسية، حاله حال السيد الحريري الذي يحمل الجنسية السعودية أيضا".
ولم تنحصر انتقادات الأمير الوليد المعارضة في الرئيس الحريري وحسب، بل طالت الإعلام اللبناني، معرباً عن استعداده لـ «مساعدته» على التخلص من ارتباطاته، وهو الأمر الذي احدث في حينه صدمة في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية. وكان النائب في البرلمان اللبناني بطرس حرب علق في وقت سابق على مواقف الأمير الوليد بالقول "لا أريد أن اعلق على كلام الوليد وهذا رأيه وهو لا يعبر عن رأينا إطلاقاً، نحن نعيش في بلد نظامه ديمقراطي يسمح للقوى السياسية بان تعبر عن موقفها ضمن الأصول الديمقراطية البرلمانية ويمكن ان يكون الوليد غير معتاد على هذه الاصول، كنت اتمنى ان يقتصر رأيه على التعليق على الحياة السياسية من دون ان يؤدي هذا الامر الى توجيه نوع من امثولات للناس، وهو لديه ايد بيض اذ ساعد لبنان خلال الازمات وله مقدار من المحبة لدى اللبنانيين انما هذا المقدار يقف عند حدود حق اللبنانيين في ممارسة حياتهم السياسية".
وفيما إذا كان النائب حرب يعتبر كلام الأمير تدخلاً في الحياة السياسية اللبنانية قال: « ان سمو الامير يتمتع بالجنسية اللبنانية بموجب المرسوم الذي قدمنا الطعن به، ان لبنان يمنح الجنسية لاشخاص طيبين لهم ايد بيض، واذا كان كلامه موجهاً من موقع سعودي فهو تدخل ونحن نشكو من كثرة التدخلات».
وتساءل النائب المعارض انطوان غانم من جانبه «كيف يسمح الوليد بن طلال لنفسه بالتدخل في الشؤون الداخلية للبنان؟»، وقال: «ان لبنان بلد ديمقراطي حرص اهله على نظامه ودفعوا الغالي والرخيص من اجل صون هذا النظام وحمايته». وقال النائب محسن دلول ان «لا حياة سياسية ولا ديمقراطية من دون اعلام»، اضاف: «في اعتقادي انها زلة لسان للامير الوليد الذي بدأ كأنه لا يعرف كثيراً الاصول الديمقراطية في لبنان».
ورأى النائب ناظم الخوري «ان ما سمعه اللبنانيون من الوليد بن طلال امر مؤسف»، لافتاً الى ان «المس بالاعلام مستغرب لان الاعلام والمعارضة مدماكان اساسيان من مداميك الحياة الديمقراطية». ومن جهته كان امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي (الذي يترأسه النائب وليد جنبلاط) المقدم شريف فياض قال « لم يبد الوليد بن طلال في كلامه انه ثقف نفسه ديمقراطياً كفاية ليعرف ما معنى المعارضة والموالاة وتداول السلطة وحرية الرأي وما معنى الاعلام وكيفية التعاطي معه».
اما حزب «الأحرار» الذي يتزعمه دوري شمعون فقال انها «ليست المرة الاولى يمون فيها الأمير الوليد على اللبنانيين بتنصيب نفسه مرشداً وواعظا فيمن عليهم بفيض من آرائه القيمة وعاطفته الجارفة التي تتخطى أدب المخاطبة السياسية ولياقاتها".
وأخيرا، قال حزب الأحرار "كنا آلينا على أنفسنا غض النظر عن مواقفه وتصريحاته وعدم الرد عليها إيمانا منا بحرية الرأي والقول، واحتراما لجده ـرياض الصلح ، وهو حفيد أحد بناة استقلال لبنان، وأملا في ان يتنبه الى ضرورة إجراء نقد ذاتي يردعه عن الذهاب بعيداً في اقواله، الا ان انعدام خبرته الديموقراطية وعدم موضوعيته في ما خص لبنان من جهة، والثروة والنجاح في الاعمال من جهة اخرى، جعلاه يعتقد ان بامكانه الغوص في مواضيع لا تعنيه من قريب او بعيد, ولم يتوقف عند تصنيف بعض اللبنانيين وتقرير صفتهم التمثيلية بل راح يكيل لهم ما لا يقبلوا ان يسمعوه من شخص يفترض به التزام التحفظ في تصريحاته".
المصدر إيلاف > سياسة [/align]
رد مع اقتباس
