[align=center]لا نهم بالحديث عن الحب بوصفه بهجة من مباهج الحياة البشرية إلا ونلمح على ملامح البعض سمات الاعتراض مع ما قد يمتزج بها من ملامح امتعاض !! ولسان حالهم يقول: ومتى وضعتم " الحب " على قدم المساواة مع " اللعب " أو " الضحك " فيما تثيره من متعه وبهجة للنفس ؟!! أليس الحب هو من اقترن لدى المحبين والعشاق والشعراء بالألم والمعاناة والعذاب ؟!! ألا تحفل تجارب أهل الحب والعشق والهوى بنماذج يغلفها الوله والشجن والقلق من وعلى الحبيب ؟! هذا يقودنا إلى التساؤل حول " الحب " كمفهوم في حد ذاته يقود الإنسان لمشاعر مترفه ممتزجة بـ " السعادة والحبور " وبين " الحب " كخبرة وتجربه معاشه قد تترافق بكم معين من الألم والحزن أو حتى التعاسة والشقاء، لكنها مع ما فيها تعرض الإنسان لألوان من المعاناة تصقل الإنسان، وهكذا تصبح السعادة من جهة أمر ثانوي في هذه التجربة، حيث التجربة تحمل في أعماقها ومضامينها مخزون هائل من المعاني والرموز لا يعيها سوى من يجيد التقاطها !! وبالتالي فان من يرى أن الحب سعادة مطلقة أو حتى معاناة مطلقة فهو واهم، فالحب تجربه رائعة بكل تفاصيلها وانحناءاتها بل وحتى تناقضاتها: " الألم والنشوة " " الحلم والحقيقة " "الواقع والخيال " " السعادة والشقاء " " اللوعة والاقتراع “... وهكذا تعكس تلك المفاهيم كافة صنوف التجربة البشرية في عمق مضمونها واتصال ذلك المضمون بجانب من النفس البشرية إلا وهو الجانب الروحي حيث تمتد تجربة الحب في مشاعرها لتلتصق بالروح، فنشعر بذلك الحبيب وكأنه قطعة من الروح، ويصبح الفراق أو الهجر أو الصد من قبل الحبيب بمثابة طعنة نجلاء في صميم أرواحنا !!
الحب من ناحية أخرى له انعكاساته النفسية ذات العلاقة بالوعي والشعور، انظر الى تلك المشاعر الوارفة من الألفة والحميميه والتلاقي بين الأنا و ألهو (واعني به الحبيب) حيث تنصهر عوالم كل من المحب والمحبوب في بوتقة تغلفها صنوف الغبطة والنشوة الروحية..وهكذا تخلق بهجة الحب من خلال تجربه مشتركة يتحقق عن طريقها توحد " الذات المُحبة " مع " الذات المحبوبة " وتواصل "الأنا العاشق" مع " ألهو المعشوق" وانبثاق ذات جديدة وهي أل "نحن".!
وهكذا تتراءى لنا جدلية غريبة في تناقضاتها، فبقدر ما تؤدي " فكرة الحب " لنشوة الروح بقدر ما تؤدي للوعتها وعذابها، وبقدر ما تكون اللوعة والعذاب اشد بقدر ما يفقد الحب كثير من رومانسيته وعذوبته !! .. ويصبح التساؤل هنا: أليس الحب ضربا من العذاب ؟!!
البعض قد يدافع عن المفهوم مبررا انه بالرغم مما في الحب من آلام إلا انه لا يخلو من فلسفة عميقة، حيث يعد نوعا من التحامل على الذات والانتصار على الفردية وانانية الإنسان ! فالمحب يخرج من ذاته ويضحي بتمركزه الذاتي ويسعى جاهدا لترويض ذاته واعطاء الأولية والصدارة للآخر، كذلك الحب لا يخلو من جهد إرادي تعمل بمقتضاه الذات على هدم أنانيتها الأصلية من اجل الآخر، الذي تصبو للارتباط به بل وحتى الوجود من اجله، ونحن وان كنا نوافق إلي حدما أصحاب هذا الاعتراض إلا أننا نرى من جهة أخرى أن خيوطا عديدة تدخل في تكوين نسيج هذا الحب ومنها " خيط اسود " قد يصح إن نسميه باسم " العذاب أو الألم أو المعاناة “، ومهما يكن أمر تلك الخيوط السوداء التي قد تقترن بها تجربة الحب فإنها لا يمكن أن تكون لها الكلمة الأخيرة في دراما الحب وإلا لما كان لهذه الخبرة كل تلك الدلالة الوجدانية الإيجابية في حياة المحبين. من جهة أخرى تبرز معاني " التملك " في الحب !! فهل يكون الحب مجرد نزوع نحو التملك ؟!! تملك الحبيب بكافة أطيافه ومشاعره، أم هو نوع من المشاركة يتيح لكل منهم مساحاته وأطيافه ؟ !! أمور عديدة قد نخوض فيها هنا وتفتح المسار لتساؤلات مرهقة تتعلق بجدلية " الحرية والعبودية في الحب " وعلاقة ذلك بعذابات الحب وأطيافه ألمؤرقه في حياة المحبين !!
وهكذا فاللجب العديد من القضايا المرتبطة بمدى فهمنا لفلسفته التي ينطلق منها، وبمدى وعينا الأول والأخير لذواتنا وذوات من نرتبط بهم، وبمدى فهمنا واستيعابنا بالحدود النفسية والاجتماعية والروحية والثقافية التي تؤطر مفهوم الحب في وعينا...ولا نقصد بذلك الوعي النفسي فقط وإنما أيضا نؤصل لقضية الوعي الاجتماعي لهذا لمفهوم..
الحب كمفهوم " اجتماعي " في ارتباطه بذواتنا وإشباعه لرغباتنا وربما نزواتنا !! الحب في خلقه لعوالم فيها من الألم والمعاناة بقدر ما فيها من السعادة والفرح والحبور !! الحب بكافة أطيافه وشجونه !!...كلها مفاهيم ينبغي إن نعيها بدقه قبل إن نتحدث عن الحب أو نحكم عليه ببساطه بأنه " تجربة حلوة أو مرة “.[/align]