العنف ضد الأطفال المعاقين وكيفية تدعيم أسرهم 000
إن ولادة طفل مُعاق في الأسرة، ومن ثم في المجتمع، يعتبر مسألة مهمة يجب الانتباه لها. ومن الضروري معرفة دور الأسرة الأساسي في التعامل مع هذه الحالة، لما لهذا الدور من آثار على نمو الفرد وتكيفه النفسي وتفاعله مع أسرته ومع أفراد المجتمع المحلي، خاصة وأننا نجد بعض الأسر تمارس كافة أشكال العنف ضد الفرد المعاق ليس إلا لكونه مُعاقًا، وتسبب هذه الإعاقة بعض الحرج للأسرة.
ظهور العنف ضد الأطفال المعاقين:
يتعرض الأطفال المعاقين إلى صور من العنف الموجَّه ضدهم عمومًا، والتي تتخذ عادة نموذج الإساءة المتعمدة ومنها:
1- الإساءة الجسدية
ولها أكثر من تعريف، وحسب الجهة التي تقوم على هذا التصنيف، فقد يعرف من منظور طبي شرعي على أنه "وجود إصابات غير عرضية على جسم الطفل المساء إليه كالحروق أو الرضوض أو الكدمات أو السحجات والجروح، أما من الناحية الاجتماعية؛ فيمكن تعريفه بأنه "كل فعل أو امتناع يمكن أن يحدث من خلاله ضرر مقصود يوقعه القائم على رعاية وتنشئة هذا الطفل.
2- الإساءة الجنسية:
قد يكون الأطفال مهددين في كثير من الأسر بالتعرض إلى مثل هذا النوع من المعاملة من قِبَل أبويهم أو من قِبَل القائمين على رعاية هؤلاء الأطفال ولقد عُرَّف الاستغلال الجنسي من قِبَل منظمة الصحة العالمية في العام 1986، على أنه "استخدام الطفل بطريقة غير مشروعة بهدف الحصول على اللذة الجنسية للراشد"، وقد ينطوي هذا الاستغلال على أشكال عدة منها (الحديث الجنسي المفضي إلى إثارة الطفل جنسيًا، إجبار الطفل على أعمال الدعارة أو تصوير الأفلام الإباحية).
3- الإساءة القائمة على الإهمال:
يمكن القول بأن هذه الإساءة تنطوي بشكل كبير وأساسي على "إخفاق الوالدين القائمين على أسلوب التنشئة والتربية لأطفالهم، في توفير متطلبات أبنائهم الأساسية والضرورية لنموهم أو تطورهم، وبشكل مقصود ومتعمد أو بشكل إظهار اللامبالاة بهذه الحاجيات.
إن إساءة معاملة الأطفال ظاهرة سلبية لها آثار مستقبلية على الصحة النفسية والعقلية لهؤلاء الأطفال، ناهيك أن يكون هؤلاء الأطفال مصابين بإعاقات مختلفة قد تتطور إلى مراحل متقدمة ومستعصية على العلاج في حالة تعرضهم المتكرر للعنف أو الإساءة، نتيجة إخفاق الأسرة في التعامل مع حاجات ومتطلبات أبنائهم من ذوي الإعاقات المختلفة عمومًا والعقلية منها تحديدًا.
أسباب العنف ضد الأطفال المعاقين:
لقد دلت بعض الأبحاث والدراسات إلى أن الأطفال المعاقين هم أكثر من غيرهم، عرضه لإيقاع الإساءة والعنف عليهم، كما أن هذه الإعاقة قد تكون مصدرًا ميرًا للضغط والتوتر لدى الآباء المسيئين بسبب حاجة هؤلاء الأطفال إلى العناية والإشراف اللازمين ولعل من المفيد هنا التطرق إلى بعض الظروف المسرعة لإحداث الإساءة على هذه الشريحة من الأطفال، والتي منها:
1- حلقة العنف:
ويُعنى بها أن يكون الآباء قد تعرضوا هم أنفسهم إلى العنف والإساءة في طفولتهم، مما يجعلهم أكثر ميلاً واستعدادًا إلى إسقاط تجاربهم السلبية على أطفالهم وخصوصًا الآباء الذين لديهم أطفال معاقين.
2- الوضع الاجتماعي:
إن كثرة المشاكل بين الزوجين واستحكامها تزيد من حدة التوتر والضغط داخل المنزل مما قد يساهم في تسريع فرص تفريغ ثورات الغضب التي تنتاب الآباء على أطفالهم، وبالتالي وقوعهم – أي الأطفال – في دائرة الإيذاء والعنف، وإذا كان هذا الأمر يتم مع أطفال أصحاء، فإنه من المتوقع في حالة وجود طفل معاق أن تزيد احتمالية الخطر؛ ولاسيما وأن كلا من الوالدين يُحمَّل أحدهما الآخر المسئولية عن الإعاقة الخاصة بطفلهما.
3- الوضع الاقتصادي:
إن عجز أرباب الأسر عن تأمين احتياجات أفراد أسرهم نتيجة لسوء الوضع الاقتصادي الملازم لهم، أو نتيجة عوامل البطالة المختلفة، قد يؤدي إلى نشوء صراع بين الزوجين، وقد تكون نتائجه سلبية في العادة، وتنعكس هذه الصور الممثلة بالإساءة على بعض أفراد الأسرة الضعفاء، وخصوصًا الأم وبعض الأطفال.
4- الكروب الاجتماعية:
إن تضافر وجود الضغوطات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة والمركبة والتي يتعرض لها أرباب الأسرة خارج المنزل قد تزيد من حدة التوترات والهزات المحتملة لهذه الأسر، وبالتالي انتقال حلقة العنف إلى داخل أطر هذه الأسرة، والتي قد تزداد حدتها في حال وجود طفل أو أطفال معاقين، يحملون وبشكل غير مقصود أسرهم السمات السلبية.
5- جهل كثير من أرباب الأسر:
بالخصائص النمائية والسلوكية المتعلقة بالأطفال المعاقين؛ مما قد يدفع بهؤلاء الأرباب إلى إيقاع الأذى بأطفالهم.
لذا فلا بد للأسر الموجودة بها طفل معاق أن تحرص على عدم استخدام العنف ضد الأطفال المعاقين، لأن الأسرة تلعب دورًا مهمًا للغاية في تشكيل سلوك الطفل وتكيفه؛ خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، وبصرف النظر عن الفروق الثقافية، تبقى الأسرة النظام الرئيسي في كل المجتمعات البشرية الذي لا يلبي الحاجات الفسيولوجية للطفل فحسب وإنما الحاجات النفسية – الاجتماعية أيضًا، والمتمثلة في الحاجة إلى الحب والانتماء والشعور بالأمن وتقدير الذات، خصوصًا إذا كان الطفل مُعاقًا.
والآباء هم الأكثر معرفة بحاجات أطفالهم، فهم يدركون أفضل من أي شخص آخر أنواع الخدمات التي يحتاجها الأطفال. ولكن الطريق لا يزال طويلاً جدًا أمام الآباء قبل أن تترجم معرفتهم بأطفالهم إلى قوة مؤثرة على الخدمات التي يقدمها أخصائيو التربية الخاصة. ولا شك في أن الآباء هم العنصر الوحيد المشترك في كل الخدمات والنشاطات والخبرات المقدمة لأطفالهم في الأوضاع المختلفة وعليه فهم الحلقة التي تتصل بها كل الحلقات التي تتكون منها سلسلة الخدمات التي يتم تقديمها للأطفال المعوقين في المراحل العمرية المختلفة.
إن رعاية الأطفال المعوقين ليست مقتصرة على أمهاتهم، بالرغم من أن معظم البرامج التربوية والعلاجية المقدمة لهؤلاء الأطفال تميل إلى تأكيد أهمية دور الأمهات أكثر بكثير من اهتمامها بدور الآباء. وبعيدًا عن الأدوار التقليدية التي يقوم بها الآباء والأمهات في تنشئة الأطفال في ضوء الحقائق الاجتماعية المحلية، فليس هناك ما يبرر إغفال دور الآباء في تعليم أبناءهم فمن المعروف تمامًا أن مشاركة جميع أفراد الأسرة بالعملية التربوية تعود بفوائد لا على الطفل المعوق فحسب، وإنما على الأسرة كلها أيضًا.
لا بد من الاعتراف بأن أخوة وأخوات الطفل المعوق سواء أكانوا أصغر أم أكبر سنًا منه، غالبًا ما يتأثرون بالإعاقة. وبناء على ذلك، فإن معظم المراكز والمدارس التي تُعنى بالأطفال المعوقين تحرص على مشاركة الأخوة والأخوات في البرامج التربوية والعلاجية الخاصة باستخدام العنف.
وبالرغم من أن هذه المشاركة تأخذ أشكالاً عدة؛ مثل التحدث مع الأخوة والأخوات العاديين عن الإعاقة، بصراحة ووضوح ومشاركتهم في اتخاذ القرارات في الأسرة، وطلب مساعدتهم في دمج الطفل المعوق في المجتمع، إلا أن الهدف المتوخى تحقيقه هو: التخفيف من الضغوط والتوترات النفسية، وتفعيل آليات التعايش مع الإعاقة، والتغلب على المشكلات الناجمة عنها بعيدًا عن استخدام العنف مع الطفل المعاق.