بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما يبدأ الطبيب في قراءة الأدوية والتعليمات للمريض فإنه في الكثير من الأحيان يسأله : أريد أقراص فيتامينات لكي تعطيني بعض الطاقة والصحة وإذا كان هذا المريض على بعض الإطلاع الطبي فإنه سيسأل عن أقراص تحتوي على المعادن النادرة ، وأيضاً الفيتامينات الجديدة وخاصة مانعة الأكسدة .
والفيتامينات والمعادن النادرة معروف أنها لا تعطي أي طاقة ، فهي لا تحتوي على أي سعرات حرارية ، ولكن وظيفتها الرئيسية هي أنها بكميات صغيرة جداً ، تساعد الإنزيمات في عملية التمثيل الغذائي ونقل المكونات الأساسية مــن كربو هيدرات وبروتينات ودهون مختلفة داخل وخارج جميع أجزاء الجسم وكذلك تحافظ على سلامة وصحة العمليات الكيميائية المختلفة داخل خلايا أعضاء الجسم .
وهذا الاعتقاد الخاطئ بأن هناك قوى سحرية في الفيتامينات والمعادن النادرة نشأت مع الإنسان منذ فجر التاريخ فالإمبراطور " ثين " منشئ دولة الصين وقت ميلاد المسيح قد قام بإنشاء سور الصين العظيم لإيمانه بأن كل من هم خارجه هم من الهمج والرعاع غير المتحضرين وأن الحضارة والطب هي الصين وكان سبب موته المباشر أنه أراد أن يحسن من صحته ويطيل من عمره ، فأخذ جرعات متكررة من المعادن النادرة في ذلك الزمن ، ولم يعرف في وقته أن أخذ هذه المعادن وهو الزئبق بجرعات صغيرة متكررة سام وقاتل يؤدي إلى الوفاة بعد انقضاء فترة محددة .
ومن أكثر الأمور الشائعة عندما يعرض علينا مريض مجموعة أدويته السابقة نجد بها أكثر من نوع من هذه الفيتامينات ، وأن أنواع هذه الفيتامينات قد تكون مكررة في علب أدوية مختلفة الألوان والأحجام . وبحسبه بسيطة نجد أن هذا المريض يأخذ يومياً جرعات مضاعفة من هذه الفيتامينات .
وقد زاد الاهتمام وكثرة الطلب على الفيتامينات والمعادن النادرة عن معدله في العشر سنوات الماضية بسبب اهتمام الأطباء بكتابتها ووصفها لمرضى تصلب شرايين القلب ، السكري ، وارتفاع الدهون بالدم والفشل الكلوي والكبدي ، وحتى لمرضى السرطان بجميع أنواعه وهذا الاهتمام نشأ من مئات المقالات التي نشرت في المجلات الطبية المتخصصة والتي تدعو إلى إضافة جرعات دوائية متزايدة من فيتامينات أ ، هـ ، ج ، ب وغيرها ، وكذلك من المعادن النادرة مثل السيلينيوم ، الماغنسيوم وخلافه .
وبدأت فكرة إضافة هذه المجموعة من ملاحظة أو معادلة طبية بسيطة لم يكن لها في البداية أي علاقة بالفيتامينات وهى :
زيادة الإصابة بالذبحة الصدرية وجلطة القلب ومعدل الوفاة المبكر = ارتفاع في نسبة الدهون بالدم .
ولاحظ الأطباء والباحثين أن هذه المعادلة سليمة بنسبة عالية جداً في كل الإحصاءات التي أجريت على آلاف المرضى والأصحاء في أمريكا ودول غربية متعددة وكذلك في اليابان .
ولأن الطب يماثل علم الفلسفة في تعدد الآراء وكذلك تعدد الآراء المضادة ، فالمعادلة السابقة لم تكن أبداً بسيطة كما يبدو وأن هذه المشكلة يمكن حلها في جميع الحالات المرضية بعكس مكوناتها إذا أصبحت :
خفض الكوليسترول في الدم = قلة نسبة الإصابة بتصلب الشرايين التاجية والذبحة الصدرية = قلب سليم وعمر مديد .
وظهر المتحمسون لدور الفيتامينات وأهميتها لأنه من المعروف أن أهم وظائفها هي أنها تساعد على سرعة وكفاءة التمثيل الغذائي للكوليسترول ومشتقاته ، وبالتالي عدم تراكمها في جدار شرايين القلب والأعضاء الأخرى بالجسم .
إذا عند إضافة أقراص فيتامينات إلى الأصحاء والمرضى فالمفروض أن تقل نسبة الإصابة بالذبحة الصدرية وجلطة القلب .
ومع هذه النظرية الافتراضية بدأت موجة جديدة من الأبحاث الطبية والتي تتلخص في إعطاء مجموعات من المرضى كميات كبيرة من الفيتامينات والمعادن افتراضاً أنها ستمنع تراكم الدهون وتحولها إلى مركبات ضارة تتجمع في جدار شرايين القلب وباقي أعضاء الجسم .
فهذه مجموعة من مرضى الذبحة الصدرية تأخذ فيتامين هـ وأخري تأخذ فيتامين ج وأخرى أنواع نادرة من المعادن ، إلى آخره من مجموعات البحث في المقالات التي نشرت في العديد من المجلات العلمية وكانت معظم الأبحاث المعلن عنها في كبرى مجلات القلب العالمية مشجعة ولكن للأسف ليست مؤكدة عن فوائد زيادة جرعات هذه الفيتامينات في تحسن الحالة الصحية لفئران التجارب – آسف مرضى القلب .
وكما ذكر أن تقدم الطب يبدأ من الشك في نوعية وكفاءة الأبحاث ، فلقد نشر في مجلة القلب الأمريكية في عدد ديسمبر لسنة 2001 بحثان في غاية الأهمية عن هذا الموضوع وهما يثبتان أن أخذ كميات إضافية من الفيتامينات لمرضى تصلب الشرايين لم يحدث أي تغيير في الحالة المرضية وكان البحث الأول على أكثر من 1100 مريض ، والبحث الثاني كان عبارة عن مقالة افتتاحية لتقويم العديد من الأبحاث المتعددة التي نشرت عن فوائد أقراص الفيتامينات على مرضى تصلب الشرايين التاجية وشرايين المخ ، وأثبتت المقالة الأخيرة ( بقلم الدكتورة / ايفا لون ) هذا المفهوم ، وعللت تخبط نتائج الأبحاث إلى أن المجتمع الغربي المتحضر وخاصة المرضى منهم قد أصبحوا أكثر وعياً في نوعية غذائهم ، وأن الكثير منهم يكثر من تناول الطعام الذي يحتوي على نسب عالية من الفيتامينات مثل الخضر والفاكهة الطازجة ، وأصبح لا يحتاج إلى أي أقراص إضافية من الفيتامينات وأشارت أيضاً إلى خطورة أخذ أنواع الفيتامينات والمعادن النادرة بكميات زائدة وذلك لأنه إلى الآن غير معروف النتائج الضارة لها عند تناولها لفترات طويلة .
أذن وببساطة شديدة فالمعادلة السابقة تصبح :
أكل بدون كوليسترول + خضراوات وفواكه تحتوي على كل الفيتامينات = أكل نباتي ( بدون لحوم ومنتجات الألبان ) = سلامة وصحة قلبك وشرايينك .
وفي ختام مقالي هذا أتوجه باستفسار للقارئ الكريم وأقول له هل سيصبح طعام الإنسان العصري يعتمد أساساً على المكونات النباتية وهل سيصبح الإنسان الصحيح بدنياً نباتياً لا يتذوق اللحوم والمشتقات الحيوانية ؟ وهل سنأكل كالقرود أم مثل الأسود ؟
وإجابتي عن اقتناع هي : إن كنت خائفاً على صحتك فكن شجاعاً وكن نباتياً في طعامك وإن كنت متهوراً فأجعل طعامك مثل الأسود !! .
أ . د / عادل محمد زكي
أستاذ أمراض القلب والأوعية الدموية
كلية الطب – جامعة القاهرة