النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: عودة ارهابي

  1. #1
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    دولة النسيان
    المشاركات
    77

    عودة ارهابي

    هذه قصّة ٌ تتضمّنُ انتكاسة َ المفاهيم ِ ، حيثُ يكونُ التهوّرُ والتفرّدُ هو الذي يقودُ الشبابَ نحوَ الهاويةِ ، دونَ بصيرةٍ أو علم ٍ أو توجيهٍ ، ويتحوّلُ الإفتاءُ والتشريعُ حقاً لكلِّ أحدٍ ، وهي من وحي الخيال ِ ، ولكنَّ مجملَ أحداثها قد جرى في بعض ِ ما حولنا من بلادٍ .
    في يوم ِ السبتِ جهّزَ عبدُاللهِ ملابسهُ وأغراضهُ ، وودّعَ أمّهُ العجوزَ وأخواتهِ الستِّ ، متوجّهاً إلى نزهةٍ برّيةٍ مع مجموعةٍ من أصحابهِ ، تستغرقُ يومين ِ هما يوما إجازتهِ الأسبوعيّةِ في دراستهِ الجامعيّةِ .

    ألقتِ الأمُّ نظرة َ الوداع ِ عليهِ ، ولشدّةِ حبّها لهُ أخذتْ تردّدُ في نفسها قولَ يعقوبَ عليهِ السلامُ : إنّهُ ليحزُنني أن تذهبوا بهِ .

    مضى اليومان ِ ولكن لم يعُدْ عبدُاللهِ إلى منزلهِ ، وحتّى رفاقهُ انقطعَ خبرهم عن أهلهم ، فمنذ ُ يومين ِ فقدَ الحيُّ ثلاثة َ من شبابهِ الغضِّ ، ولم يقفوا لهم على أثر ٍ .

    بعدَ شهر ٍ : يرنُّ الهاتفُ في بيتِ عبداللهِ ، تتسابقُ للرّدِّ سبعة ُ أرواح ٍ حوّلها الانتظارُ إلى هياكلَ ودمى مليئةٍ بالألم ِ والحسرةِ ، لعلّهم يقفونَ على خبر ٍ لعبداللهِ ، بعدَ أن فقدوا الأملَ في العثور ِ عليهِ حيّاً أو ميتاً ، كانَ المُتحدّثُ عبدَاللهِ ، وأمّا اليدُ التي ظفرتْ بسمّاعةِ الهاتفِ فقد كانتْ يداً ترتعشُ وترتعدُ ، إنّها يدُ الأمُّ العجوز ِ ، والتي أخذتْ تركضُ كفتاةٍ في سنيِّ الشبابِ حينَ سماع ِ صوتِ الهاتفِ .

    بدا عبدُاللهِ صارماً وحاداً في حديثهِ ، وأمّا العجوزُ فبالكادِ استطاعتْ بعدَ مضيِّ عدّةِ دقائقَ من الحديثِ معهُ ، بعدَ أن كفكفتْ دموعها والتي أخذت تهملُ فوقَ خدّها المليءِ بالتجاعيدِ ، وهدأتْ زفراتِها التي انبعثتْ من صدرِها المكلوم ِ .

    فاجأها عبدُاللهِ أنّهُ و بعضُ أصدقائهِ يرغبونَ السفرَ إلى الجهادِ .

    - لقد كانتْ نزهة ً قصيرة ً ، ألم تُخبرني بذلكَ ؟ .

    تعلثمَ عبدُاللهِ في الرّدِّ ، وحاولَ أن يجمعَ ما يمكنهُ من أعذار ٍ ومبرّراتٍ ، لكنَّ كلماتِ أمّهِ كانتْ أعجلَ من أن يفعلَ ذلكَ .

    - ثُمَّ لماذا الجهادُ ! – هكذا قالتها العجوزُ وصوتُها يتقطّعُ وفيهِ حشرجة ٌ تجمّعتْ فيها سيلُ العاطفةِ المقدّسة ِ والحُزنُ العميقُ - ، و لمَ لا تُجاهدُ فيَّ أنا وأخواتِكَ الستِّ ؟ ، فليسَ لي في هذهِ الدنيا إلا أنتَ ، فتعالَ وجاهدْ فينا ، ولا تنسَ أنَّ الجنّة َ عندَ قدمي .

    قرّرَ عبدُاللهِ أن يُنهيَ المكالمة َ بعدَ أن أعيتهُ حيلتهُ أن يجدَ جواباً ورداً مُناسباً ، فتعلّلَ بأنَّ الهاتفَ مُراقبٌ ولا يستطيعُ الحديثَ أكثر من ذلكَ ، وطلبَ قبلَ إنهاءِ المُكالمةِ من أمّهِ أن تُسامحهُ وترضَ عنهُ .

    بعدَ ثلاثةِ أشهر ٍ : صوتُ الهاتفِ يرنُّ ، ولكنْ بلا حماس ٍ للرّدِّ ، وبعدَ أن كانوا سبعة ً يردّونَ على الهاتفِ ويستابقونَ إليهِ تقلّصَ العددُ إلى ستٍّ نصفهنَّ نائمٌ ، وأمّا الأمُّ فقد كانَ آخرَ عهدها بالحركةِ والمشي عندَ تلكَ المُحادثة ُ الأخيرة ُ مع عبداللهِ ، وبعدَها أصابها الشللُ وأُقعدتْ عن الحركةِ .

    ردتْ إحدى البناتِ بامتعاظٍ شديدٍ ، وكانتِ الدهشة ُ أنَّ المُتحدّثَ هو عبداللهِ ، فركضتْ نحوَ أمّها ومدتْ إلى أذنها بسمّاعةِ الهاتفِ .

    - إنّهُ عبداللهِ يا أمّاهُ .

    ولكنّهُ ليسَ عبدَاللهِ القديمُ ، إنّهُ شبحُ عبداللهِ ، وفي هذه المحادثةِ أخبرَ أمّهُ أنّهُ سوفَ يُقاتلُ الطواغيتَ وسيحرّرُ أرضهُ من اليهودِ والصليبيينَ .

    كعادتهِ لم يُطِلْ عبدُاللهِ الحديثَ ، وكانتِ الفاجعة ُ أنَّ أمّهُ بدلاً من دعائها لهُ بالسلامةِ والحفظِ ، دعتْ عليهِ بالهلاكِ والويل ِ ، وقالتْ لهُ : خيّبَ اللهُ مسعاكَ في الدّنيا والآخرةِ .

    سكتَ عبدُاللهِ ولم ينبسْ معها ببنتِ شفةٍ .

    أصابتْهُ قشعريرة ٌ شديدة ٌ في جسمهِ ، وصُعقَ من وقع ِ الكلمةِ على نفسهِ ، وكأنّها طعناتُ خنجر ٍ مسموم ٍ أخذتْ تُمزّقُ صدرهُ الصغيرَ .

    كانَ عبداللهِ يعي جيّداً ماذا يعني دعاءَ أمّهِ عليهِ ، وفي كلِّ ليلةٍ يأوي إلى فراشه ِ للنوم ِ ويتململُ عليهِ يتذّكرُ تلكَ الكلماتِ ، وتتصارعُ في رأسهِ نوازعُ الخير ِ ودواعي الشرِّ ، أينَ الخيرُ والصوابُ ؟ أمّي وبرّها ، أم صحبي وثورتُهم ؟ .

    لم يكنْ يُطيقُ النظرَ إلى السماءِ ليلاً ، فقد كانتْ أمّهُ تتراءى لهُ ككوكبٍ درّيٍّ مُلتهبٍ ، وتتردّدُ في مسمعهِ دعواتُها عليهِ ، وفي كلِّ مرّةٍ يختلسُ نفسَهُ من رفاقهِ ، يذهبُ بعيداً ويبكي على حالهِ ونفسهِ ويرثي لهما .

    بعدَ ستّةِ أشهر ٍ من الصراعاتِ النفسيّةِ المريرةِ ، اتصلَ عبدُاللهِ على أمّهِ ، وأخبرها أنّهُ انتصرَ على نفسهِ وذاتِهِ ، وأنّهُ سيترُكَ رفاقهُ ويعودُ للبيتِ بعدَ أيّام ٍ قليلةٍ ، ومن فرحةِ الأمِّ العجوزِ بالخبر ِ ، اقترضتْ من جارةٍ لها مبلغاً من المال ِ لتُقيمَ حفلة َ عشاءٍ بمناسبةِ عودةِ ابنِها سالماً .

    بعدَ يومين ِ : رجالُ الأمن ِ يُحاصرونَ مخبأً لمجموعةِ من الشبابِ المُسلّح ِ ، وكانتِ المفاجأة ُ أنَّ عبداللهِ من بينهم .

    أخذَ عبدُاللهِ زمامَ المُبادرةِ ، وصاحَ في وجهِ رفاقهِ قائلاً : سوفَ أسلّمُ نفسي ، أريدُ أن أعيشَ لو للحظةٍ واحدةٍ ترضى فيها عليَّ أمّي ، كيفَ ستكونُ خاتمتي وأمي غاضبة ٌ عليَّ ؟ .

    - أريدُ أن أعيشَ ! ، هكذا حدّثَ نفسهُ في لحظةِ عتابٍ مريرةٍ ، فقد كانتْ هذه الكلماتُ هي أملهُ الوحيدُ من الدنيا ، أن يعيشَ ليرى أمّهُ ويستبيحَ منها .

    لقد كانَ كلُّ شيءٍ يتآمرُ ضدّهُ ، فالوقتُ يضيقُ ويتقلّصُ ، والجنودُ المُدجّجونَ بالسلاح ِ ينتظرونَ في الخارج ِ لحظة َ الهجوم ِ عليهم ، وأمّا أصحابهُ فقد تحزّموا بالأحزمةِ الناسفةِ ، وتجهّزوا لوداع ِ الدّنيا ، فهم لا يرونَ الحياة َ إلا موتاً ، وأمّا هو فلا يرى في وجههِ أينما توجّهَ إلا صورة َ أمّهُ العجوز ِ ، وهي متجهّزة ٌ تنتظرُ عودتهُ بفارغ ِ الصبر ِ .

    الوقتُ يمضي سريعاً وسريعاً جداً .

    قرّرَ عبدُاللهِ أن يتقدّمَ أخيراً ، فأخذَ يمشي واثقَ الخُطا نحوَ البوّابةِ ليُسلّمَ نفسهُ ، بعدَ أن سمعَ النداءاتِ المُتكرّرة َ بأنَّ من يُسلمُ نفسهُ سوفَ ينجو ويُعفى عنهُ ، وهو في طريقهِ إلى البوّابةِ ، كانَ أصحابهُ قد جهّزوا الفتوى بإباحةِ دمهِ ، حتّى لا يُعطيَ رجالَ الأمن ِ أسرارهم ، وقبلَ وصولهِ للبوّابةِ خرجتْ رصاصة ٌ غادرة ٌ من فوّهةِ إحدى البندقيّاتِ ، واستقرتْ في صدر ِ عبدِاللهِ .

    لقد ماتَ برصاصةٍ من سلاح ٍ عبأهُ هو شخصياً .

    بعدَ قليل ٍ : الهاتفُ يرنُّ في بيتِ عبدِاللهِ ، أخواتهُ يستابقنَ كالفراشاتِ نحوَ السمّاعةِ ، بعدَ أن أخذنَ زينتهنَّ وهنَّ ينتظرنَ خبرَ عودتهِ للبيتِ ، رفعتْ إحداهنَّ السمّاعة َ ، وكانتْ أمّها تنظرُ إلى شفتها وقد تعلقتْ حياتُها بها ، وفجأة تضائلَ وجهُ الفتاةِ وأخذ َ يذبلُ ويذوي ، وصرختْ صرخة ً بدّدتْ سكونَ البيتِ : عبدُاللهِ ماتَ ! .

    في اليوم ِ التالي : أقيمَ سُرداقُ العزاءِ ونُصبتْ خيمتهُ وأضيئتْ أنوراهُ ، وجاءَ المعزّونَ يُعزّونَ في عبداللهِ وفي أمّهِ العجوز ِ أيضاً ، والتي كانتْ قد لفظتْ أنفاسها بعد آخر ِ شهقةٍ شهقتها حينَ سمعتْ نبأ موتِ وحيدِها .

    دمتم بخير ٍ .
    :هاها: :هاها: :هاها:

    سري للغاية

    للمشاهده اضغط هنا

  2. #2

    ~ [ المشرفة العامة ] ~

    الصورة الرمزية أمل عبدالعزيز
    تاريخ التسجيل
    Jan 2003
    الدولة
    $بيتــــــــنا$
    المشاركات
    27,500
    0
    0
    0

    عسى الله أن يعفو عنه ويرفع الضر عمن سار على منهجه ويعيد لهم صوابهم ورشدهم فهم فئة باغية تحتاج لمن يعيدها لطريق الصواب ...........

    قاتل الله من دمَّر فكرهم ونصب لهم فخلاً أسموه الجهاد وحاشا لله أن يكون كذلك...........

    تحية لمن سطر هذه القصة الرائعة ............
    [poem=font="Simplified Arabic,5,crimson,bold,normal" bkcolor="black" bkimage="" border="ridge,7,crimson" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

    ياقلبي المتعب لك شهور منصاب=وين الفرح ؟ ماعنّه الوقت خبّر
    لاتلتفت للي يقولون لك طاب=ولا إذا قالوا تصبّر .. تصبّر
    إنت إنكسرت وخانتك فزعة أصحاب=وعمر الزجاج إللي انكسر ماتجبّر


    [/poem]






    خصخصة وتشفيــر منتديات غرابيـــل

    :واو:


    الدرس السابع من دروس الشعر النبطي ( الهلالي والمنكوس ) ... أمل عبدالعزيز ...




  3. #3
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    دولة النسيان
    المشاركات
    77
    نعم مانقول الا الله يهديهم ويردهم للسراط المستقيم


    فعلا بعضهم يظن الجهاد انه عقوق للوالدين

    شكرا لتعقيبكم علي الموضوع
    :هاها: :هاها: :هاها:

    سري للغاية

    للمشاهده اضغط هنا

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. رسالة من ارهابي الى ارهابية
    بواسطة عطر طيبه في المنتدى منتدى الفكاهة والغربلة
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 22-09-2006, 07:34 AM
  2. يوميات ارهابي
    بواسطة ابو العز في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-01-2004, 01:25 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •