الأحد, 2 نوفمبر 2008
أحمد عبدالرحمن العرفج
عِندَما يُصبح التَحريم والتَحليل بيَد البَشر مِن دُون الله.. تُصبح الفَتوى عند البعض كَمزاج الأكل والشُّرب واللبَاس والسَّكن، أمرًا تُحدِّده ظُروف البَشر وحُدود نَفسيَّاتهم.. وهُنا يَقع المُفتي والمُستفتي تَحت طَائلة التَّعدي عَلى حُدود الله.. والحَوم حَول حِمى الله -عز وجل- الذي مُنع عَنه جَميع المَخلوقين.. واختصَّ سُبحانه وتَعالى بأمر التَشريع وبَيان الحَلال والحَرام.
قَال عبدالعزيز مُصطفى كَامل في كِتَابه القيِّم «الحُكم والتَّحاكم فِي خِطاب الوَحي»: “وبِهذا يَعلم أنَّ التَّحليل والتَّحريم مُوصد الأبوَاب، مَقطوع الأسبَاب، عَلى كُل المَخلُوقين، ولو كَانوا من النَبييِّن والمُجتَبين، فَضلاً عن عُموم البَشر أجمعين؛ لأن التَّحليل والتَّحريم من خَصائص الألوهية. فَتَحريم مَا أحل الله، أو تَحليل مَا حَرم الله، إنَّما هو اعتدَاء فَوق اعتدَاء، وظُلم فَوق ظُلم”.
لقد أصبَحت مُفردة التَّحريم مُسيطرة مُستبدة عَلى العُقول حَتى طَالت (أكل الفُصفص)، ومُؤخرًا، رَوى لي الكَاتبَان الصَّديقَان عبدالعزيز السويِّد وعَبدالرحمَن الفَرَّاج أن أحد طُلاب مَعهد المُعلمين في بريدة، قَد أفتَى بِتَحريم الفُصفص والبيبسي وَعدَّ ذَلك داخلاً ضمن قوله تعالى: (ومن النَّاس من يَشتري لهو الحَديث ليُضل عن سَبيل الله بِغير عِلم ويَتخذها هُزوا أولئك لهم عذابٌ مهين) بل إنه انقطع عَن الدراسة في المعهد آنذاك!
أكثَر مِن ذَلك، أخبَرني أحد أصدقَائي المُعتَقين من أهل الحِجاز، أن جِدَّته لأمِّه السيِّدة/ فَتّو سَمرقندي -رَحمها الله- كانت عِندما يَحضر طبق الفُصفص في مَجلسها -تُطلق تنهيدتها المَشهورة- وتَقول: (إيه جَاءت سِبحة الشِّيطان دَحين إذا ابتدأت إيش ينهيها)؟!
مُشيرة إلى أن هَذا الطَّبق يُلهي ويُعرض عن ذكر الله.. عِندها، قَهقهتُ -من مَقولة جِدَّة صاحبي- ومِن هَذا التَشبيه البَليغ، وفَرحت بِمَقولته، بَل وشَكرته عليها، وسِر الشُّكر أنَّه عَرف مَا أريده وأبحَث عَنه، بَعد أن تَكلَّسن بي أو تكلَّسنني بِمَعنى تَقمَّصني!
والغَريب أنَّ (ذِهنية التَّحريم) ثَقافة مُتوارثة بيننا، وكَأن كُل مَشاكلنا قَد حُلَّت، ولَم يَنقصنا إلا أن يُصبح التَحريم كَالعَدوى يَنتقل مِن مَكان لآخر!
فرَغم اختلاف الأماكن، والبُعد الزَّمني والعَقلي والفِكري، إلا أنَّنا نَسير بِنُسق وَاحد وعَلى نَفس الخُطى!
وعَلى سِيرة الفُصفص لَن أنسَى ما ذَكَرَته لي أمِّي -قَمَّصها المَولى قَميص العَافية والسَّعادة- من أن المَرأة الذَّكيَّة إذا كَان الشَّاي قليلاً لديها، يَجب أن تُكثر من الفُصفص، لأن طَقطقَات الفُصفص سَتُغطي نَقص الشَّاي!
وبَعض جَماهير الكُرة تَزج بِمردة الفُصفص عِند قِيامها بسَب جُمهور النَّادي المُقابل حَيث تَصفه بأنَّه: (جُمهور فُصفص) ولا عَجب في ذَلك فَهُناك دِرَاسة تُخبرك بشَخصيتك مِن خِلال طَريقة أكْلِك للفُصفص!
وتَصف الكَاتبة وَفاء كريدية في مَقال نَشرته في جَريدة الحَياة عِلاقَتها بالفُصفص قَائلة: “بِتُّ أُحب الفُصفص كثيرًا، جَرِّبه وأنت تُشاهد بِرنامجًا عَلى أي من الفَضائيَّات العَربيّة وسَتَعرف سَبب حُبي للفُصفص، لأنَّه يُقلل من نسبة الغَباء عِندي ويُحولني من أوزَّة غَبيَّة مُسالمة إلى قِردَة ذَكيَّة مركِّزة، خُصوصًا لَو كَان بِرنامجًا تَحليليًّا اقتصاديًّا خليجيًّا، أو مَشادة سياسيَّة لبنانيَّة، أو مُسلسلاً اجتماعيًّا مصريًّا، وحَبَّذا لو كَان مَكسيكيًّا مُدبلجًا”!
يا قوم.. هَذا بَعض مَا جَاء من أمر الفُصفص، وفي ذَلك فليَتسابق المُتسَابقون!
المصـدر صـحـيـفـة المـديـنـة المـنـورة الـســعـوديـة