عبدالله فراج الشريف(حرمة الخلوة بين الأجنبيين معلومة بالضرورة من الدين والنهي عنها جازم إذا كانا في مكان لا يراهما ولا يسمعهما فيه أحد، أما أن يكونا في مكان عام أو يمشيان في طريق فليس هذا من الخلوة في شيء)??هذه? الكلمة (اختلاط) لا وجود لها في قاموسنا الفقهي اصلاً، الا ما تحدث عنه الفقهاء في الخلطة في باب الزكاة، كما ان النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لم تذكرها حتى ترتب عليها حكماً، ومعنى الكلمة من الناحية اللغوية كما جاء في لسان العرب يعني التمازج فيقال: خلط الشيء بالشيء خلطاً وخلطه فاختلط: مازجه، وحتماً ليس من معانيه اللغوية اجتماع النساء والرجال في مكان واحد، ولا يرد بهذا المعنى في عرف اهل اللغة او عرف اهل الشرع، ومن يستعمل هذا اللفظ في زماننا هذا لا يوضح لنا ما يعنيه به، لانه يعلم انه ليس من المصطلحات الشرعية، واذا حدد له معنى طولب الا يتجاوزه، وهو يريد ان يضع في سلة الاختلاط كل ما يؤاخذ عليه الرجال والنساء وان لم يكن له دليل عليه، فمن يزعم ان اجتماع الرجال والنساء هو المعنى اللغوي المقصود عند اهل اللغة فليذكره لنا مؤيداً ما يقول بنقل عنهم صحيح، ومن يزعم ان الله حرم الاجتماع بين الرجال والنساء وان كانوا اجانب عن بعضهم بعضاً مما تنتفي معه الريبة فليأتنا بنص صحيح صريح يثبت به قوله، ولو وجد مثل هذا لما تحدث احد عن اختلاف حول مفهوم هذه الكلمة، وعزل النساء عن الرجال في كل حال لم يقل به احد من اهل العلم اصلاً، بل ان الواقع الممارس الثابت عبر عصور الاسلام التي مضت كلها ينبئ بضده، فالنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي العهود التي تلته يصلين الفرائض الخمس مع الرجال في المساجد، لا يفصل صفوفهن عن صفوف الرجال حاجز من اي نوع كان، ويرتدن الاسواق يبعن ويشترين، يخاطبن الرجال ويخاطبهن الرجال، وبعضهن يتخذن مواضع في السوق يعرضن فيها بضائع لهن يبعنها للناس، وقد روى ان سيدنا عمر بن الخطاب ولى (الشفاء) وهي امرأة من قومه الحسبة في سوق المدينة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والمرأة على مر عصور الاسلام ترتاد دور القضاء تخاصم وتدافع عن نفسها تحضر قضاياها بنفسها، ولم يطلب اليها قط ان يكون لها وكيل اذا راجعت دوائر حكومية لها فيها مصالح، ومن رأى من الفقهاء ان لها تولي منصب القضاء كالاحناف حيث اجازوا لها توليه في غير قضايا الحدود، وكالظاهرية الذين رأوا ان لها توليه حتى في قضايا الحدود، اقتضى ذلك اجتماعها بالرجال حتما، والمرأة تتحمل الشهادة وذلك يقتضيها حضور مجالس القضاء مع الرجال لتؤديها، والمرأة في بيتها تخدم ضيوف زوجها من الرجال ولا حرج، ففي الصحيح دعا ابو اسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عرسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس، قال سهل: اتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نقعت له تمرات من الليل في تور فلما أكل سقته إياه، وتحضر المرأة دروس العلم وتستمع إلى المواعظ، وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه (أنه شهد مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة النساء سعفاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن) ومن سطة النساء أي خيارهن، وسعفاء الخدين أي سود مشربة بحمرة، وما كان لراوي الحديث أن يصف خديها لو لم يرهما، والحديث مما يحتج به أيضاً على ان الوجه ليس بعورة، وكان رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كما جاء عن أنس في صحيح مسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه يسقين الماء ويداوين الرجال، وكل هذا يقتضي اجتماع الرجال والنساء، والمالكية يرون ألا بأس من اجتماع النساء والرجال على الطعام، إذا كانت قد جرت بذلك العادة، فإذا كان الأمر كذلك فما المقصود بالاختلاط، هي الخلوة بين الرجل الأجنبي والمرأة الأجنبية أم كل اجتماع يتم بين رجال ونساء حتى ولو كان بقصد العبادة في المسجد او في درس علمي، فحرمة الخلوة بين الأجنبيين معلومة بالضرورة من الدين لا تحتاج حتى للاستدلال عليها، فالنهي عنها جازم، فلا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ولكن الخلوة لا تتحقق إلا أن يكونا في مكان لا يراهما ولا يسمعهما فيه أحد، أما أن يكونا في مكان عام أو يمشيان في طريق فليس هذا من الخلوة في شيء، وهل من الحسبة التي أمر الله بها أن يستوقف الخلق في الطرق ليسألوا عن صلتهم ببعضهم، أفي الشريعة نص في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلم يؤيد هذا ، فما هو إذن الاختلاط الذي يتحدث عنه الناس في زماننا هذا ويجعلونه سبب كل شر وفتنة، أهو ما يستشهدون عليه بآيات الحجاب أو بالآيات الآمرة بغض الأبصار وحفظ الفروج، وإذا لم يكن اجتماع بين الرجال والنساء في المساجد وحلقات الدرس والأسواق والأعمال فعما يكف البصر ما دام لكل منهما مجتمعه منفصلاً عن الآخر، وما لم يحدد المتحدثون عن الاختلاط الذي يرونه شراً ويقيموا الدليل النقلي الصحيح عليه فسيظل حديثهم عنه بلا جدوى،. فهل يفعلون ما نطلبه منهم، هو ما نرجو والله ولي التوفيق
المـصـدر صـحـيـفـة المـديـنـة الـسـعـوديـة