أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم




1 ـ تمهيد.

2 ـ أعداء الحق يحاربون منهجه المحقق للسعادة.

3 ـ منهج أفصح عن نفسه وأقام الحجة على كل من بلغه.

4 ـ وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.

1 ـ تمهيد:

لو علم أعمى البصر أن طبيباً ظهر عنده قدرة على علاجه ليعود إليه بصره، لسارع كل أعمى إلى ذلك الطبيب، ينشد عنده العلاج الذي يمكنه من التمتع بنعمة البصر، ولو علم الأصم أن طبيباً آخر عنده قدرة على علاجه ليعود إليه سمعه لسارع كل أصم إلى ذلك الطبيب ينشد عنده العلاج الذي يمكنه من التمتع بنعمة السمع، وهكذا الأبكم، وفاقد الشم، وكل من عنده مرض مزمن أو عرف بصعوبة العلاج، هذا أمر مشاهد في ذوي العاهات والأمراض، يجتهدون هم وأقاربهم في البحث عن الأطباء والمستشفيات التي يأملون أن يجدوا فيها علاج أمراضهم، ينفقون في سبيل ذلك الأموال، ويكابدون مشاق السفر والتنقل، وهجر الديار، طلباً للشفاء والطمأنينة والاستقرار، وهذا الحرص مطلوب طبعاً وعادةً وشرعاً؛ لأن العبد مأمور بتعاطي الأسباب التي تجلب له المصالح وتدفع عنه المفاسد.

ولكن الأهم من ذلك - مع كونه مهماً - أن يهتم الجاهل بمصالح دنياه وآخرته، وبالمفاسد التي تكدر عليه حياته في الدنيا، وتفقده السعادة فيها وفي الآخرة، ألا وهو العلم النافع الذي يزيل عنه غشاوة الجهل وينير له درب الحياة، فيكون به على بصيرة بالمنهج الذي يهديه في حياته إلى ما يحقق له سعادة الدارين: فرداً وأسرةً و أمة، حاكماً ومحكوماً، خادماً ومخدوماً، المنهج الذي يؤدي به حق نفسه وحق خالقه وحق المخلوقين من حوله.

وإنك لترى كثيراً من المفكرين والقادة في العالم يبدون ضجرهم وامتعاضهم مما يرونه يحل بأممهم من المصائب المتنوعة: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، وغيرها من المشكلات التي تدمر الناس تدميراً، ويبحثون عن مناهج يضعونها لأممهم علها تحل مشكلاتهم أو تخفف منها، ويجربون منهجاً إثر منهج، وكلما بدا لهم نقص في منهج لجأوا إلى آخر.

ولقد جربوا كل المناهج البشرية الموجودة على ظهر الأرض، أخذ الغرب بعض تجارب الشرق، كما أخذ الشرق بعض تجارب الغرب، ولكنها كلها قد أخفقت، وبعض الدول الكبيرة قد انهارت، والبعض الآخر في طريقه إلى الانهيار، ولم يقدروا على تحقيق السعادة لقومهم، ولا على التخفيف من القلق والاضطراب.

فقد العالم العدل والأمن والسلام والمحبة والإيثار؛ لأن تلك المناهج كلها من صنع البشر الذين يعتريهم الجهل والهوى والغفلة والظلم، ومن كانت تلك صفاته فلا بد أن يكون في منهجه الذي يضعه نقص وسلبيات، يكون من ثمارها الظلم وكثرة الأخطاء التي تترتب عليها كثرة وقوع المفاسد، وكثرة فوات المصالح، وعدم إصابة الحق ـ إذا كان واضع المنهج ينشده، فكيف إذا تعمد اتباعاً لهواه ومصالحه إرادة الباطل؟ وهذا ما نشاهده اليوم في مشارق الأرض ومغاربها.

2 ـ أعداء الحق يحاربون منهجه المحقق للسعادة:

إن المنهج الوحيد الذي تنشد البشرية السعادة في ظله - الذي لا يوجد اليوم في الأرض سواه - والذي لا يعتريه نقص؛ لأنه منهج من أحاط بكل شيء علماً، المتصف بالعدل، المنزه عن الجهل والظلم والغفلة، هو الإسلام الذي نزل به كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة نبيه الثابتة الصحيحة، وهو الذي شرف الله به هذه الأمة - الأمة الإسلامية - وجعلها به خير أمة أخرجت للناس، وهو النور الهادي، والدواء الشافي، والصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، وهو وحده الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور.

هذا هو المنهج الوحيد الذي يمكن للبشرية أن تنال السعادة في ظله، وهي تشكو من التعاسة التي أصابتها من جراء العلوم التي تقدمت تقدماً عظيماً في عالم الجماد، ولم يواكبها تقدم يذكر في علوم حياة الإنسان.

مفكرو الغرب يشكون من تعاستهم في ظل مناهجهم:

وهذه مقتطفات من تلك الشكوى، أطلقها بعض علماء الغرب الذين أذهلتهم الكوارث الأدبية والنفسية والعقلية التي أصابت أمتهم المتقدمة مادياً، بسبب فَقْدهم المنهج الذي يحقق لهم السعادة المنشودة.

فقد قال الطبيب الجراح "الفرنسي ألكسيس كاريل": "فيجب أن يُفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة، فإن علوم الاجتماع والاقتصاديات علوم افتراضية... صفوة القول، أن علوم الجماد حققت تقدماً عظيماً بعيد المدى، بينما بقيت علوم البشر في حالة بدائية... ومن ثم فإن التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها الإنسانية.

فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا، إننا قوم تعساء؛ لأننا ننحط أخلاقياً وعقلياً، إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم، هي على وجه الدقة، الجماعات والأمم الآخذة في الضعف، والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها، ولكنها لا تدرك ذلك...

إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إننا ضحايا تأخر علوم الحياة عن علوم الجماد.. والعلاج الوحيد لهذا الشر المستطير هو معرفة أكثر عمقاً بأنفسنا" [الإنسان ذلك المجهول، لألكسيس كاريل (ص 40 ـ 42).].

ولما كان المؤلف المذكور، لا يعول إلا على التجارب البشرية، غير ملتفت إلى الوحي السماوي ليأسه من صلاحية ما تدعي الكنيسة أنه من عند الله، وقد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق مصالح الناس وإخراجهم به من الظلمات إلى النور، وقد لا يكون على اطلاع على منهج الله الذي جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد نصح بسلوك تجارب هذا العلم تجربة بعد أخرى، حتى يتمكنوا من الوصول إلى المنهج المنشود..

قال: "ولئن استطاع هذا العلم أن يلقي الضوء على طبيعتنا الحقة وإمكانياتنا والطريقة التي تمكننا من تحقيق هذه الإمكانيات، فإنه سيمدنا بالإيضاح الصحيح لما يطرأ علينا من ضعف فسيولوجي، كذا لأمراضنا الأدبية والعقلية.

إننا لا نملك وسيلة أخرى [مثل الإسلام]لمعرفة القواعد التي لا تلين لوجوه نشاطنا العضوي والروحي، وتمييز ما هو محرم مما هو شرعي، وإدراك أننا لسنا أحراراً لنعدل في بيئتنا وفي أنفسنا تبعاً لأهوائنا، وما دامت الأحوال الطبيعية للحياة قد حطمتها المدنية العصرية، فقد أصبح علم الإنسان أكثر العلوم ضرورة" [نفس الكتاب (ص: 42).]).

ألا ترى أنه يتطلع إلى منهج يعرف البشر بقواعد لا تلين لوجوه نشاطهم الجسمي والروحي، ليعرفوا الحلال من الحرام معرفة تشفيهم من أمراضهم الأدبية والعقلية!؟

إن هذا المنهج - الإسلام - لهو الذي يتطلع إليه هو وغيره، وهو الذي يحقق للناس السعادة إنه هو المنهج الرباني الذي جاء به رسولنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، الذي أبى مفكرو العالم وقادته أن يجربوه في الأرض بل إنهم ناصبوه العداء وحاربوه، ولا زالوا يحاربونه، وكثير منهم يعلم ما يحمله هذا المنهج من الخير، ولكنهم يحاربونه حسداً وعناداً، اتباعاً للهوى، وحرصاً على بقاء البشرية ترسف في القيود والأغلال، قيود الشهوات وأغلالها التي أراد الطغاة أن يكبلوها بها ليتمكنوا من قيادتها واستعبادها، بدلاً من السير على منهج الله الذي يحرر من اتبعه من عبودية العباد إلى عبودية الله الواحد الذي لا رب للعباد سواه.

3 ـ منهج أفصح عن نفسه وأقام الحجة على كل من بلغه:

لقد أفصح هذا المنهج عن نفسه غاية الإفصاح، وأقام على كل من بلغ من الناس ـ وبخاصة أهله ـ الحجة، فبيَّن مصدره، وهو الله، وبيَّن غايته، وهي هداية البشر، وبيَّن ثمرته، وهي سعادة البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور، فقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(16)}[المائدة].

وقال تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً(174)}[النساء].

وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ(257)}[البقرة]. وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا(8)}[التغابن]. وقال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2)}[البقرة]. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ(33)}[التوبة].وقال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ(44)}[فصلت]. وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ(9)}[الإسراء]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(24)}[الأنفال]. وقال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ
نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً(2)}[الجن].

كما بيَّن هذا المنهج للناس أن من لم يستضئ بنوره ويهتد بهداه ويستشف به من أمراض الجهالة والعصيان، ولم يستجب له ليمنحه الحياة السعيدة، فإنه سيتخبط في ظلمات الكفر وضلال الجهل ومرض الهوى والمعاصي، وسيسلك بدلاً من صراط الله المستقيم سبل عدوه الشيطان.

كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ(257)}[البقرة]. وقال تعالى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ(39)}[الأنعام]. وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً(60)}[النساء]. وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً(116)}[النساء]. وقال تعالى: {... وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً(36)}[الأحزاب]. وقال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً(10)}[البقرة]. وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ(26)}[التوبة]. وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ(76)}[النساء]. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ(169)}[النساء]. وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً(115)}[النساء]

4 ـ وظلم ذوي القربى أشد مضاضة:

ليس غريباً أن يحارب المنهج الإلهي أعداؤه الأصلاء في عداوته من يوم نزل إلى يومنا هذا، وستستمر محاربتهم له، ما بقي في الأرض حق وباطل، ولكن ما يؤسف له أن ينبري من ذراري المسلمين من يعلن الحرب على هذا المنهج المشتمل على كل ما تحتاج إليه الأمة الإسلامية، لتكون القدوة الصالحة للأمم، فينقذها وينقذ بها غيرها من أمم الأرض التي ذاقت بسبب غيابه عن توجيهها كلَّ المصائب والمحن التي تشاهد اليوم في كل أنحاء الأرض.

وها هو المنهج الرباني يدعو هذه الأمة لتعود إلى الله في إيمانها الذي حل في قلوب كثير من أبنائها غيره من المبادئ والعقائد الفاسدة، وفي عبادتها التي قست تلك القلوب بتركها، أو ضعفت صلة أجيالها بها، وفي تشريعها الذي عاداه بعض من تربع على كراسي حكمها من مثقفيها الذين تربوا على مناهج أعدائها، فاستبدلوا به قوانين تعارضه، وفي سياستها الشرعية التي أقصي رجالها ودعاتها، وحاربهم طغاة الحكم الصادون عن سبيل الله، فقاد أولئك الطغاة أمة الإسلام إلى هاوية الذلة والمهانة وجعلوها في ذيل قافلة الأمم، يتحكم في مصالحها أعداؤها من اليهود والنصارى والملحدون والوثنيون والمنافقون، حتى غدت هذه الأمة ـ وهي أغنى أمم الأرض في سعة أراضيها وكثرة معادنها وثرواتها، وامتداد بحارها، ووفرة مياهها، وكثرة رجالها، الذين يوجد من بينهم ذوو كفاءات عالية في شتى العلوم والتخصصات التي تحتاج إليها الأمة في نهوضها وتقدمها، غدت هذه الأمة التي هذه بعض إمكاناتها ـ أفقر من على وجه الأرض في كثير من بلدانها تستجدي من عدوها كل ضرورات حياتها في طعامها وشرابها، ولباسها ومركبها، وفي سلاحها واقتصادها.

وقوة السلاح والاقتصاد مع قوة الإيمان كانت من أهم أسباب عزتها، وقد كانت بذلك ترهب عدوها ـ استجابة لأمر ربها ـ، لا لتظلمه بها ولا لتكرهه على الدخول في دينها، ولكن لتحطم السدود التي يضعها الطغاة أمام حرية الكلمة التي أراد الباري أن يحرر بها عباده من استعباد الطغاة الجبارين في الأرض ولتنشر بذلك العدل بين الناس وتحمي المظلومين من الظالمين.

وها هي الأمة الإسلامية اليوم وقد حرمها أعداء دينها من أبنائها، يعتدي عليها أراذل البشر ويستبيح كل ضرورات حياتها فلا تستطيع أن تدفع عن نفسها[لقد بلغ الأمر ببعض الطغاة الذين يحاربون الإسلام أن أمروا بحذف آيات القرآن الكريم التي تتعلق باليهود الذين اغتصبوا ديار المسلمين]، وهي قادرة على ذلك ـ لولا قهر الطغاة من أبنائها ـ الذين يفترض فيهم أن يأخذوا بيدها إلى العودة إلى منهجها لتستعيد قوتها وقيادتها للناس بهدى ربها ولكن القريب ظلم قريبه:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة



على المرء من وقع الحسام المهند



إن منهج الله تعالى لينادي هذه الأمة حادياً لها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ(24)}[الأنفال]. ولكن هذه الأمة، وهي تحمل تلك الأمراض المتنوعة الخطيرة، ونزلت بها تلك النكبات العظيمة، عزف أهل الحل والعقد فيها ـ الذين بيدهم أزمة أمورها ـ أن يعالجوها بذلك الدواء الناجع، أو ينيروا لها الدرب الذي يجب أن تسلكه بذلك السراج المنير أو يهدوها إلى صراط الله المستقيم بذلك الهدى الرباني الذي يهدي للتي هي أقوم؛ لأن مرض التمرد على الله وعلى دينه قد تمكن من قلوبهم فآثرت المرض على الصحة، ولا سبيل لشفاء هذه الأمة من أمراضها إلا بتناول دوائها من كتاب ربها وسنة نبيها.

وقد قال بعض العلماء في أمثال هؤلاء الذين يرفضون علاج أمراضهم بالدواء الناجع: "وعلامة مرض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة إلى الأغذية الضارة، وعدوله عن دوائه النافع إلى دوائه الضار. فها هنا أربعة أشياء: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، ودواء مهلك. فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضار المؤذي، والقلب المريض بضد ذلك.

وأنفع الأغذية غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية دواء القرآن، وكل منهما فيه الغذاء والدواء، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة، فهو من أجهل الجاهلين الضالين، فإن الله تعالى يقول: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ(44)}[فصلت]. وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً(82)}[الإسراء]. و{ مِنْ} في قوله: {مِنْ الْقُرْآنِ}
لبيان الجنس، لا للتبعيض [أي أن القرآن كله شفاء.]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(57)}[يونس].

فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاوم الداء، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه، لمن رزقه الله فهماً في كتابه" [شرح الطحاوية: (308) بتحقيق الشيخ الألباني.].