أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


الصـــلاة

الصلاة من أفضل العبادات التى فرضها الله تعالى على عباده
لذلك فرضت كل العبادات عن طريق الوحى والإخبار من جبريل –عليه السلام- أما الصلاة فقد فرضت فى مقام القرب من الله
وإننا نسمع العلماء يقولون : إذا كان الله كرم نبيه بالمعراج فإنه أكرم أمته أيضا بالمعراج –ويقصدون الصلاة- ، ولذلك انتشرت عبارة " الصلاة معراجنا إلى الله "
والسؤال : كيف تكون الصلاة معراجنا إلى الله ؟
سمعنا إجابات متعددة على هذا السؤال ، ولكننى قرأت إجابة أعجبتنى –ولا اذكر الموضع الآن-
قالوا : المعراج تم على ثلاث مراحل : من المسجد الحرام إلى الأقصا ، ومن الأقصا إلى السماء السابعة ، ومن السماء السابعة إلى مقام القرب من الله –وهذا لم يصل إليه أحد من العالمين-
والصلاة كذلك تتم على ثلاثة مراحل : القيام ، الركوع ، والسجود
وكما أن كل مرحلة من مراحل المعراج النبوى كانت تقربه من الله أكثر ، فكذلك كل مرحلة من مراحل معراجنا –الصلاة- تقربنا إلى الله أكثر
وأيضا كما أن المرحلة الأخيرة فى المعراج النبوي كانت هى مرحلة القرب الشديد من الله تعالى ، فكذلك المرحلة الأخيرة من معراجنا –الصلاة- هى مرحلة القرب الشديد من الله تعالى ، وقد ورد أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، لذلك قيل : الصلاة معراجنا إلى الله
إن الصلاة ليست مجرد فريضة فقط ، وإنما هدية الله إلى عباده المؤمنين –وهذا المعنى يجب على الدعاة أن يصلوا به إلى قلوب مستمعيهم-
السؤال الآن : كيف تكون الصلاة هدية الرب إلى الخلق ؟
قرأت كذلك إجابات كثيرة على ذلك ، ولكن هناك أيضا إجابة أعجبتنى
لقد قال البعض : إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حينما مرّ على السماوات فى رحلة المعراج رأى الأشكال المختلفة التى يتعبد بها الملائكة لله ، فمنهم القائم ، ومنهم الراكع والساجد ، ومنهم المسبح والمكبر والحامد والممجد لله ......
فأعجب النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذه الصورة الرائعة ، خاصة وأنهم كانوا يتراصون فى صفوف وقد أخبر النبي بذلك وهو يحثهم على تسوية الصف فى الصلاة " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها "
حينما أعجب النبي –صلى الله عليه وسلم- بهذه الصورة الملائكية جمع الله له كل هذه الصور والأشكال فى الصلاة ففيها : التكبير والتسبيح والتحميد والتمجيد والدعاء والقيام والركوع والسجود وتراص الصفوف إلى غير ذلك
وذلك مثل أنك تكون عند حبيب لك وترى عنده شيئا يعجبك ، وحينما تبدى إعجابك يقول لك تفضله وخذه معك ، بهذا المعنى كانت الصلاة هدية الله لعباده
معنى ذلك أننا ونحن فى الصلاة نكون على الصورة الملائكية التى سُرّ بها الحبيب –صلى الله عليه وسلم-

الصلاة أخى المسلم وأخى الداعية كفيلة أن تغير الكثير من الأوضاع الخاطئة فى المجتمع إذا تناولها الداعية من الناحية الدعوية والاجتماعية ، إذا استخدمها الداعية فى الثبات على العقيدة والوقوف فى وجه الظالمين بقوة وثبات ، إذا استخدمها الداعية فى الثورة على النظم الطاغية الفاسدة ، لأن الصلاة فرضت فى وقت وصل فيه الأذى إلى أعلى درجاته ، ووصل فيه الطغاة إلى كامل طغيانهم ، وما من أسلوب فيه قضاء على الدعوة والداعية إلا ونفذه المشركون ، فكانت الصلاة فى هذا الوقت بمثابة الحبل المتين الذى يربط الدعاة إلى الحق بربهم وخالقهم وناصرهم
الصلاة إن لم نستفد من ركوعها وسجودها فلا فائدة منها ، إننا نركع فى الصلاة ونسجد ونقول الله أكبر لنتعلم أنلا نركع ونسجد إلا له –سبحانه- وأن نزيل ما فى قلوبنا من خشية لمخلوق مهما علا منصبه وبلغ جاهه وكثر ماله
أنا أقول إن للصلاة رسالة ، أو إن الله يريد أن يبلغنا رسالة عبر الصلاة ، ورسالة الصلاة هى بناء الرجل المسلم الذى لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يخشى أحدا إلا الله
قد يظن البعض أننى أبالغ ، ولكننى لم آت بشيئ من خارج كتاب الله –جل وعلا- إنه الفقه الدعوى للنصوص الذى أنادى به علماءنا وأئمتنا
الناظر للصلاة فى القرآن الكريم يجد أن الله تعالى يقرنها بالخشية منه سبحانه وعدم الخشية من أى مخوق كان ، وهيا بنا نأخذ بعض الأمثلة على ذلك :
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء : 77]
الظاهر من هذه الآية أن الله أمر المسلمين بالصلاة والعبادة حتى يتعلموا الخضوع لله والخشية من الله ، ويزيلوا من قلوبهم كل خضوع وخشية لأى مخلوق ، فلما أمرهم الله بقتال عدوهم ظهر الجميع على حقيقتهم ، وإذا بنا نرى فريقا من الناس –المنافقين- لم ينتفعوا بصلاتهم ولا بعبادتهم ، لم ينتفعوا بركوعهم وسجودهم لله ، فإذا بهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ، فأين ذهب الركوع والسجود ؟ أين ذهبت الله أكبر ؟ إنهم كانوا يركعون ويسجدون لله بأجسادهم أما قلوبهم ما زالت خاضعة للمخلوق تخشاه أكثر من خشية الله
إن الصلاة تعلمنا الإستسلام الكامل لله –تعالى- ولمن جعله الله إماما نأتم به ، ومع ذلك وجدنا فريقا من الناس لا يستسلمون لله تعالى ، بل يصححون له أوامره ويقولون له الوقت ليس مناسبا للقتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب ؟!!
ونحن نرى أحفادا لهم الآن يقولون مثل قولهم وأكثر حيث يجهرون ليلا ونهارا أن الإسلام لا يصلح للتطبيق وأن شريعة الله ليس هذا وقتها ولا زمانها
ولكن الله فضحهم وبين حقيقتهم أنهم لا يريدون إلا الدنيا ولا يعملون إلا لها فقال لهم " قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا "
نذكر مثالا آخر من القرآن قرن الله فيه بين الصلاة والخشية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة : 18]
هذه الاية واضحة جدا حيث جعل الله فيها أن الذى يقيم الصلاة ويريد أن يصبح من عمار بيوت الله فلا بد أن يكون شجاعا قويا لا يهاب أحدا ولا يخاف أحدا ولا يخشى أحدا إلا الله
نذكر مثالا آخر قرن الله فيه بين الطاعات والخشية منه –سبحانه- " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ "
ففى هذه الآيات يوضح سبحانه أن الطاعات جميعها وعلى رأسها الصلاة لا يمكن أبدا أن تكون بمعزل عن خشية الله تعالى والخوف منه وعدم الخوف من أى مخلوق مهما بلغ ظلمه وطغيانه
نذكر مثلا آخر قرن الله فيه بين الصلاة والخشية من الله { إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر : 18]
وبعد أن ذكر الله فى سورة الأحزاب المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات .... قال : {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب : 39]
وفى سورة المائدة بعد أن ذكر الله من لا يخافون فى الله لومة لائم ذكر الصلاة فى الآية التى بعدها مباشرة : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة : 54 ، 55 ]
فهذه هى رسالة الصلاة ، أن تبنى الرجل المسلم الذى يدافع عن دينه وحقه ولا يخشى إلا ربه - جل وعلا -، ولذلك الله –سبحانه- لقب المصلين الذين يلتزمون المساجد بلقب جميل يحبه الجميع ، لقبهم بالرجولة : {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة : 108]
مع أن المقام هنا مقام إيمان وصدق ، فكان المتوقع ان يكون النص ( فيه مؤمنون أو فيه صادقون ) ولكن الله عبر بقوله (رِجَالٌ)
ويقول –تعالى - : {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور : 37]
هذه الاية يتحدث الله فيها عن المصلين الذين تعلقت قلوبهم بالمساجد ، وأخبر أنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وهؤلاء نطلق عليهم لقب إيمان وزهد ، فكان المتوقع أن يكون النص ( مؤمنون أو زاهدون لا تلهيهم تجارة ولا بيع ) ولكن الله تعالى عبر بقوله : (رِجَالٌ) ، وما ذاك إلا لأن الله – تعالى – يريد أن يركز على معانى الرجولة التى يغرسها المسجد وتغرسها الصلاة فى المسلم ، وكأن هذه المعانى إن لم تغرس فى المسلم فلا فائدة من صلاته
وحتى يظهر الأمر أكثر هيا بنا نتعرف على بعض معانى الرجولة فى القرآن
* الرجولة فى القرآن تعنى النصح لأهل الخير : {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص : 20]
هذا الرجل أنقذ موسى –عليه السلام- من مؤامرات الظالمين ، ونجى موسى بنصيحتهلذلك سمى القرآن هذا الناصح رجلا
* الرجولة فى القرآن تعنى الوقوف مع المصلحين والصادقين ودعوة الناس للوقوف بجوارهم حتى يفلحوا فى دنياهم وأخراهم : {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس : 20]
هذا الرجل وقف فى وجه القوم الذين كذبوا الرسل الثلاثة وبين لهم خطأهم وأمرهم بما فيه صلاحهم دنيا وأخرى ، فاجتمعت عليه القوى الظالمة الفاسدة القاتلة وقتلوه ، ولم يرجع عن قوله ولم يهتز إيمانه ولم تضعف عزيمته لذلك سماه القرآن رجلا
* الرجولى فى القرآن تعنى الوقوف فى وجه القوى الظالمة المتجبرة فى الأرض ونهيها عن الظلم والتكبر ، وأمرها بالاستماع لنصح الناصحين : " وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ .... "
* الرجولة فى القرآن تعنى المحافظة على العهد والصدق فى الكلمة ومحاربة أعداء الدين : {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب : 23]
والكل يعلم أن هذه الآية نزلت فى أنس بن النضر وأمثاله ، حين أقسم لئن أراه الله موقفا مع رسوله ضد أعداء دينه ليبلين بلاء حسنا ، وجاء يوم أحد وانصرف الناس وتفرقوا فثبت –رضى الله عنه- حتى وجد في جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ، حتى أن أخته ما عرفته إلا ببنانه
هل علمتم الآن أيها الدعاة لماذا لقب الله المصلين بالرجال ؟
هذه هى رسالة الصلاة ، والتى ينبغى أن تغرس فى قلوب الدعاة أولا ثم تفيض على من حولهم
قولوا للناس : الصلا فرضها الله عليكم لتجعل منكم رجالا تبلغون رسالة الله ولا تخشون أحدا إلا الله ولا تخافون فى الله لومة لائم

إننى أرى من الظلم البيّن الواضح الآن أن يقتصر الدعاة فى عرضهم للصلاة على الناحية الفقهية –مع أهميتها- ، والبعض ليته يقتصر على النواحى الفقهية التى ثبتت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بل يدخل فى تفريعات وتعقيدات تنفر الناس من الصلاة خاصة والبعض يلتزم برؤية فقهية واحدة مع الجميع ولا يسمح للرأى المخالف أن يصل لأتباعه بأى حال من الأحوال ، حتى وإن كان صحيحا
أخى الداعية الكريم :
الصلاة جعلها الإسلام بمنزلة الإيمان ، حيث أطلق الله على الإيمان صلاة فقال فى المعارج : " إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ " والمقصود بـ " المصلين " هنا المؤمنين ، فالله أطلق على الإيمان لفظ الصلاة وهذا يدل على أن الصلاة أعظم ما فى الإسلام ، كما أطلق الله على الفاتحة لفظ الصلاة لأنها أهم ما فى الصلاة ولا تصح الصلاة إلا بها وذلك فى قوله فى الحديث القدسى : " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين "
وإذا كان الله أطلق على الإيمان لفظ صلاة فقد أطلق على الصلاة لفظ الإيمان وذلك فى قوله : " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أى صلاتكم
فالله -تعالى- عبر عن الصلاة بالإيمان وعبر عن الإيمان بالصلاة ، أفيأتى الداعية الآن ويقصر مفهوم الصلاة على الناحية الفقهية والشكلية فقط ؟؟!!

كذلك الناظر إلى حديث القرآن عن الصلاة يجده قد جعل الصلاة من أهم أسباب الوصول إلى الفردوس –فهى الطريق الموصل إلى مجاورة الحبيب فى الجنة- وإذا نظرنا إلى سورتى المؤمنون والمعارج نرى أنهما تحدثتا عن صفات أهل الفردوس ، واللافت للنظر فى السورتين أن أول الصفات الموصلة للفردوس الصلاة ، وآخر الصفات أيضا الموصلة للفردوس الصلاة وإليك الآيات فى ذلك
سورة المؤمنون
" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "

سورة المعارج
" إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ "

كما رأيت أول الصفات فى سورة المؤمنون " الذين هم فى صلاتهم خاشعون " وآخرها " والذين هم على صلواتهم يحافظون "
وأول الصفات فى سورة المعارج " الذين هم على صلاتهم دائمون " وآخرها " والذين هم على صلاتهم يحافظون "
افتتاح الصفات واختتامها بالصلاة له دلالة ومغزى ، وهو أن كل الأعمال تنطلق من الصلاة ، والصلاة هى التى تحث عليها ، وبداية طريق الصلاح والإصلاح هى الصلاة ، ولذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أول ما قام به فى المدينة بناء المسجد ، وكذلك المسلمون كلما منّ الله عليهم بفتح بلد بدأوا ببناء المسجد لأنه المكان الذى سيبنى فيه الساجد
والدليل على أن الصلاة هى أساس الأعمال ، وان كل عمل خيرى ينطلق منها هو قوله تعالى : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت : 45]
كذلك الصلاة هى المتحكمة فى بقية الأعمال ، لذلك أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح العمل كله ، فالصلاة بالنسبة للإسلام كالقلب بالنسبة لجسد الإنسان
فهل يأتى بعض الدعاة الآن ويقصر الصلاة على الناحية الفقهية والشكلية فقط ؟
إن القرآن حين بين أوصاف أهل الجنة لم يتطرق إلى الناحية الفقهية –ولا يظن احد أننى أقلل من شأن الناحية الفقهية فهى الأساس- وإنما أتى بألفاظ يحافظون ، دائمون ؛ خاشعون
إن الصلاة تستطيع أن تستخرج منها الدروس النافعة لكل شيئ فى الحياة ، وكذلك تستخرج كل الحلول للمشاكل التى تعانى منها الأمة الإسلامية ، فمثلا الأمة تعانى اليوم من عدم النظام والعشوائية فى اتخاذ القرارات والتخبط فى التفكير ،كل ذلك حله فى تطبيق الصلاة فى الحياة العلمية ، فالصلاة من أولها لآخرها تدريب عملى على النظام والتنظيم فإنك تجد قبل الصلاة هناك نظام من خالفه لا تقبل صلاته ، فإن كنت محدثا حدثا أكبر وجب الغسل أولا وإن كنت محدثا حدثا أصغر وجب الوضوء و أنت تتوضأ تحافظ على النظام العام للوضوء تبدأ بالتسمية وغسل اليدين إلى الكوعين ثم المضمضة ثم ... الخ كذلك أيضا قبل الصلاة هناك الأذان للإعلام بدخول الوقت ثم الانتظار ثم إقامة الصلاة للوقوف بين يدى الله عز وجل
ثم تبدأ مرحلة ثانية من مراحل النظام أكثر عظمة من المراحل السابقة بعد إقامة الصلاة لا بد أن ينتظم الصف ويتراص المصلون ويقف الجميع بجوار بعضهم دون تقدم أو تأخر لا بالصدور ولا بالأقدام وينتظر الإمام ولا يدخل فى الصلاة حتى ينتظم الصف ، بل إن الإمام نفسه هو الذى ينظم الصف إن وجد به خللا وقبل أن يقول الله أكبر يحثهم على تسوية الصف كما كان يفعل -صلى الله عليه وسلم- كان ينظم الصفوف بنفسه ويقول لهم كما أخرج البخاري فى صحيحه " سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة " وقال لهم -صلى الله عليه وسلم- كما أخرج البخاري ومسلم " لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " وذلك حين نظر فوج رجلا منتبذ بصدره أو صدره بارز عن الصف قليلا ، فعدم النظام يؤدى إلى اختلاف القلوب
ويروى البزار عن ابن عمر " ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة فى الصف فسدها " بل إن هذا النظام الجميل مأخوذ من نظام الملائكي قد قال -صلى الله عليه وسلم- فى الصحيح " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها فقال الصحابة : يا رسول الله كيف تصف الملائكة عند ربها قال : يتمون الصف الأول ويتراصون فى الصف "
ثم تأتى بعد ذلك المرحلة الثالثة من مراحل النظام فى الصلاة يقف الإمام مستقبل القبلة وخلفه المصلون كذلك ولا يرفع أحد يده إلا بعد أن يرفع الإمام ويكبر تكبيرة الإحرام يكبر الإمام فيكبرون ، ويركع فيركعون ، ويسجد فيسجدون ويقرأ الإمام والكل يسمع فى خشوع هذه الصورة النظامية الرائعة أمرنا بها -صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج البخاري ومسلم فى صحيحيهما واللفظ للبخاري : " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون وأقيموا الصف فى الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة "
بل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توعد من يخالف هذا النظام ويسبق الإمام فى ركوع أوسجود بعقوبة غليظة منفرة من ترك النظام توعده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمسخ فقد أخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أما يخشى أحدكم أو لا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار "
كذلك تؤدى الصلاة بنظام ثابت لا يجوز الإخلال به بأى حال من الأحوال فالقيام أولا ثم الركوع ثم الرفع منه ثم السجود ثم الرفع منه ثم السجود ثم الرفع منه فلا يجوز تقديم الركوع على القيام ولا السجود على الركوع هذه الصورة المنظمة لعبادة واحدة وهى الصلاة جعلت كثيرا من الغربيين يدخلون الإسلام لمجرد رؤيتهم للمسلمين وهم يصلون بهذه الطريقة المنظمة الجميلة
هذا النظام المفروض على المسلم خمس مرات يوميا إلا أن يطّوع ما هو إلا تدريب عملى لتنظيم الحياة كلها السياسية والعسكرية والاجتماعية والعلمية أو الحياة الدينية بمفهومها الشامل ، كذلك أيضا متابعة المصلين للإمام فى الصلاة وعدم مخالفته ما هو إلا تدريب على طاعة أئمتنا –فى غير معصية-
يقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ } جاء فى تفسير ابن كثير " ألم تر إلى صاحب البنيان كيف لا يحب أن يختلف بنيانه فكذلك الله عز وجل لا يحب ان يختلف أمره و إن الله صف المؤمنين فى قتالهم وفى صلاتهم فعليكم بأمر الله فإنه عصمة لمن أخذ به "
هذا عن النظام فقط ، ولولا أننى هنا ملتزم بالإيجاز لطولنا الحديث عن الصلاة أكثر من ذلك
إننى أعجب من خطيب كلما تحدث عن الصلاة فى خطبة أو درس يتناول فرضيتها والأدلة من الكتاب والسنة والإجماع ، ويتحدث عن تركها وعقوبة تاركها –وربما أتى بأحاديث ضعيفة- ونسى أنه يتحدث فى المسجد ومن المؤكد أن الذى يسمعه من المصلين !!
أخى الداعية
لا بد لك أن تشعر المصلى أن الله لا يريد منه مجرد الصلاة ولذلك جاء الحديث عن الصلاة فى القرآن بألفاظ مختلفة ، فمرة بالخشوع ، ومرة بالمحافظة ، ومرة بالدوام ، ومرة بالإقامة
واختلاف الألفاظ ليس مجرد إظهار قدرات بلاغية ، وإنما اختلاف الألفاظ فى حد ذاته رسالة موجهة إلى المسلمين عامة والدعاة خاصة أن الله لا يريد مجرد صلاة وإلا لقال صلوا ، ولو قال الله صلوا لأجزأت أى صلاة
أيها الدعاة الكرام استنهضوا همم المصلين وأفهموهم أن أهل الفردوس ليسوا كغيرهم
أفهموهم أنه لا يكفى لأصحاب الهمم العالية مجرد الصلاة بل لا بد من الإقامة ، ثم أفهموهم أنه لا يكفى لصحاب الهمم العالية مجرد الإقامة بل لا بد من الدوام ، ثم أفهموهم أنه لا يكفى لأصحاب الهمم العالية مجرد الدوام بل لا بد من المحافظة ، ثم أفهموهم أنه لا يكفى لأصحاب الهمم العالية المحافظة بل لا بد من الخشوع ، ثم أفهموهم أنه لا يكفى الخشوع بل لا بد من ظهور آثار الخشوع فى الحياة العملية
أخى الداعية
نريد أن نصل بالمدعويين إلى تحقيق قوله تعالى : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر "
وإذا كنا نجيد فقه الصلاة ونتحدث فيه دوما فقد آن الأوان أن نتحدث فى فقه مقاصد الصلاة
واعلم أن الصلاة لو لم يكن لها أكبر فائدة –فى الدنيا والآخرة- ما أكرم الله بها حبيبه –صلى الله عليه وسلم- فى رحلة المعراج
أكرر لك اخى الداعية : تحدث عن الصلاة بأسلوب دعوى
أعلم أننى أطلت الحديث ، ومع ذلك لم أعط الصلاة حقها لأنها أعظم عباداتنا ولو أقمناها كما أراد الله وحققنا الغاية المرجوة منها لتغير حالنا كثيرا




كتبه /
الشيخ طه الوزيرى