أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


ممّا يبطل ببطلان قاعدة التّسلسل (2) القول بأنّ : "من لم يكفّر
الكافر أو شكّ في كفره فهو كافر" بلا تفصيل في ذلك ولا نظر في
مناطه .
ومثاله أن يُختُلف في ردّة شخص بعينه لاختلاف النّاظرين في تطبيق
الشروط والموانع عليه ، فهذا لا يكفر من لم يكفّره ، وإلا لاستلزم أن
يكفر القاضي إذا احتهد وحكم بعدم ردّته خطأً منه ، وقد قال الرسول
صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله
أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) ، فالنّبيّ صلى الله عليه
وسلم لم يجلعه آثما فضلا أن يكون كافرًا ، بل يخرج من القاعدة : من
لم يكفّر الكافر المقطوع بكفره إذا يبلغه النّصّ القطعيّ أو الإجماع
القطعيّ لأنّ القطع والظنّ نسبيّان يختلفان من شخص لأخر كما
ذكرناه غير مرّة ، فقد يجهل شخص من هو عقبة بن أبي معيط فلا
يكفّره ، بل قد يظنّ أنّه من الصّحابة ويجادل في ذلك فلا يكفر قبل أن
يتبيّن له الهدى ، وكذلك يخرج من القاعدة : من لم يكفّر الكافر لكونه
لم يبلغه كفره وفعله المكفّر أو كان لا يعرف الشخص أصلاً ولم يسمع
به فلم يكّفر زيدًا لأنّه لا يعرف زيدًا ولا يسمع به بل القول بأنّ من لم
يكفّر الكافر كافرٌ بإطلاق قولٌ مستلزم لتكفير جميع المسلمين لأنّ
شخصًا لو كفر بعينه وجهل شخصٌ ثانٍ حاله أو عرضت له شبهة في
تكفيره أو جهل بالأدلّة والقواعد التي تدلّ على كفره فإنّ إطلاق
القاعدة وعمومها يؤدّي إلى تكفير الشخص الثاني فيصير مرتدًّا ثانيًا ،
وأنّ شخصًا ثالثًا لو لم من لم يكفّر هذا الشخص الثاني: كفر
الشخص الثالث ، وأنّ شخصًا رابعًا لو لم من لم يكفّر هذا الثالث
كفر الشخص الرّابع ... وهكذا إلى أن ينتهي التكفير إلى آخر شخص
المسلمين ، فعُلم بطلان عموم هذه القاعدة وإطلاقها قطعًا ، والله
المستعان .
وأصل استعمال إطلاقها والتزامه طوائف من المعتزلةكما ذكر ذلك أبو
الحسين الْمَلَطي في (التنبيه والردّ على أهل الأهواء والبدع) (ص40-41) قال : (وَاعْلَم أَن للمعتزلة سوى من ذَكَرْنَاهُمْ جمَاعَة كَثِيرَة قد وضعُوا من الْكتب والهوس مَا لَا يُحْصى وَلَا يبلغ جمعه، وَهِي فِي كل بلد وقرية لَا تَخْلُو مِنْهُم الأَرْض، فَأَما الْبلدَانِ الَّتِي غلب عَلَيْهَا الاعتزال حَتَّى لَا يظْهر فِيهَا غير الاعتزال: فَعَسْكَرَ مكرم من أَرض الأهواز، والصيمرة، ومدينة بِأَرْض فَارس يُقَال لَهَا جهرم، وهراة، واصطخر من أَرض كرمان نصفهم خوارج ونصفهم معتزلة إِلَّا أَن الاعتزال أغلب عَلَيْهِم.
فَأَما الَّذِي يُكفِّر فِيهِ معتزلة بَغْدَاد معتزلة الْبَصْرَة فَالْقَوْل فِي الشاكّ، والشاكّ فِي الشاكّ.
وَمعنى ذَلِك: أَن معتزلة بَغْدَاد وَالْبَصْرَة وَجَمِيع أهل الْقبْلَة لَا اخْتِلَاف بَينهم أَن من شكّ فِي كَافِر فَهُوَ كَافِر لِأَن الشاكّ فِي الْكفْر لَا إِيمَان لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف كفرا من إِيمَان، فَلَيْسَ بَين الْأمة كلهَا الْمُعْتَزلَة وَمن دونهم خلاف أَن الشاكّ فِي الْكَافِر كَافِر.
ثمَّ زَاد معتزلة بَغْدَاد على معتزلة الْبَصْرَة أَن الشاكّ فِي الشاكّ، والشاكّ فِي الشاكّ إِلَى الْأَبَد إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ كلهم كفّار، وسبيلهم سَبِيل الشاكّ الأول.
وَقَالَ معتزلة الْبَصْرَة الشاك الأول كَافِر لِأَنَّهُ شكّ فِي الْكفْر، والشاكّ الثَّانِي الَّذِي هُوَ شَاكّ فِي الشَّك لَيْسَ بِكَافِر، بل هُوَ فَاسق، لِأَنَّهُ لم يشك فِي الْكفْر إِنَّمَا شكّ فِي هَذَا الشاكّ أيكفر بشكّه أم لَا؟. فَلَيْسَ سَبيله فِي الْكفْر سَبِيل الشاكّ الأول، وَكَذَلِكَ عِنْدهم الشاكّ فِي الشاكّ، والشاكّ فِي الشاكّ إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ كلهم فسّاق، إِلَّا الشاكّ الأول فَإِنَّهُ كَافِر، وَقَوْلهمْ أحسن من قَول أهل بَغْدَاد)) انتهى كلامه.
ـ وقال عَبْد القَاهر البَغْدادي (المتوفى: 429هـ) في كتابه (الفَرْق بين الفِرَق وبيان الفرقة الناجية) ص152: ((وَزعم المردار أَيْضًا أَن من أجَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار بِلَا كَيفَ فَهُوَ كَافِر والشاكّ فى كفره كَافِر وَكَذَلِكَ الشاكّ فى الشاكّ لَا إلى نِهَايَة، وَالْبَاقُونَ من الْمُعْتَزلَة إنما قَالُوا بتكفير من أجَاز الرُّؤْيَة على جِهَة الْمُقَابلَة أوْ على اتِّصَال شُعَاع بصر الرائي بالمرئي)) انتهى .