أنواع المضاربين في سوق الأسهم

عبدالله الجعيثن
والمضاربون أنواع .. نعد منهم ولا نعددهم:لا يحصيهم إلا الله عزَّ وجل.. ولا يحيط بسلوكهم غيره.. خاصة في هذه الطفرة.. في الثلاث سنوات الأخيرة التي أمطر فيها سوق الأسهم ذهباً وفضة.. ولا ندري ماذا سيمطر بعد؟..في السنوات الثلاث الأخيرة - وهي من أعجب ما مَرّ علينا على الإطلاق - ظهر مليونيرات جدد.. ومليارديرات.. تشابكت الأمور.. واختلطت الأوراق.. وتقافزت الأسهم.. وتضاعفت أسعارها.. وتضاعفت الأرباح أضعافاً مضاعفة.. وظهر مضاربون جدد في سوق الأسهم.. لم نسمع بهم من قبل.. ودخلته تكتلات من المضاربين.. وارتفعت حرارة السوق.. وغلبت عليه حُمَّى المضاربات لتزيد حرارته فوق ما هي زائدة.. والله يحسن عاقبتها.. ويحسن خواتيمنا جميعاً في الدنيا والآخرة..٭٭٭وقبل أن ندخل في وصف طرق بعض المضاربين - نذكر أن المضاربة بحد ذاتها لا غبار عليها.. فالمضاربة هي (ملح السوق) وبدونها يصبح السوق مثل الطبخة بدون ملح.. لا طعم لها.. ولا يقبل عليها أحد.. وبالتالي تفشل السوق الأولية التي تستقبل شركات جديدة تطرح للاكتتاب.. وتوفر فرص عمل جديدة.. وعملة صعبة جديدة للوطن.. أو على الأقل تساهم في جعل بعض العملة الصعبة تنفق داخل البلد، ولا تذهب للخارج. بسد هذه الشركات لبعض الطلب المحلي، أو تصدير إنتاجها للخارج، أو الجمع بين الأمرين..والأوطان لا تُبنى إلا عبر الشركات المساهمة الكبيرة جداً.. والتي بعضها (عابرة للقارات) كسابك الآن.(سابك) تتكون من أربع كلمات.. وتحتوي على أكثر من عشرين شركة ناجحة.. لو تم تفكيك عشر منها فقط وطرح جزء من هذه العشر للاكتتاب العام ثم طرحها في السوق (البورصة) وتظل سابك هي الشركة القابضة لرأينا العَجَبَ العُجَاب.. واستفادت الدولة والناس والاقتصاد، ولكن سابك تصر على أن تظل (أربعة أحرف) كل حرف منها يساوي خمس شركات على الأقل!٭٭٭الخلاصة أن المضاربة نافعة جداً إذا ظلت في حدود المعقول، وأحاطها (الوعي) و(الوضوح) بحيث لا يبالغ المضاربون في رفع شركات لا تساوي ربع ثمنها، ولا يعملون بطرق ملتوية تخدع الناس.. إذا كانت المضاربة واعية واضحة فإنها نافعة جداً، لأنها تجعل السوق كفؤاً، وعادلاً، وتفتح شهية الناس للاكتتاب في الشركات الجديدة، والشركات الجديدة توفر الخدمة وفرص العمل وفرص الاستثمار المجدي، وعن طريق تكاثرها وتضخمها يزدهر الاقتصاد..٭٭٭والمضاربة مشتقة من (الضرب) على وزن حرب.. والخنساء تقول من قديم الزمان:«ومن ظن ممّن يلاقيالحروب..بأن لا يصاب..فقد ظن عجزا»فليس كل المضاربين يربحون، كما يتوهم الكثيرون، وليست أرباحهم - وإن كثرت - قابلة للدوام، طالما ظلوا مستمرين في الضرب خائضين غمار الحرب، والذين تعودوا على أخذ تسهيلات كبيرة من البنوك واستمروا عليها واستمرأوا أرباحها مهما بلغ ارتفاع السوق عليهم خطر من الإفلاس وهم ليسوا تجاراً بالمعنى الصحيح، فقد قسم أجدادنا التجار إلى ثلاثة أقسام:1- تاجر: وهو الذي يعمل بنصف رأس ماله ويدخر الباقي ويضع بعضه في أصول عقارية راسخة.. وهذا هو التاجر الذي قال عنه المثل الشعبي: «بيت الغَنَاة يخشاه الفقر». فإنه حتى لو تضررت تجارته الأصلية وخسرت - والدنيا دوارة ودوام الحال من المحال - يبقى لديه من السيولة والأصول ما يجعله تاجراً غنياً بإذن الله.2 - تويجر: وهو الذي يعمل برأس ماله كله ولكنه لا يستدين أبداً، فهذا في منزلة بين المنزلتين: أقل من الأول وأفضل من الأخير.. فحتى لو ساءت الأمور إلى أبعد الحدود فلن يلحقه طلب.. وما أمرَّ الطلب وما أسوأ الدَّين..3 - سماد التجار: وهو الذي يعمل برأس ماله كله ويستدين أيضاً، فهذا إذا أدبرت الأمور - وقد تدبر بسرعة وخاصة في الأسهم - أفلس وضاع وضيع من يعول وانطبق عليه المثل الذي يقول (ارحموا عزيز قوم ذل).والذي يستدين برهن أسهمه ويقذف بماله ومال الآخرين في لجة بحر الأسهم يظل كالسابح في البحر معرضاً للغرق السريع أو لأسماك القرش تقصه وتقده نصفين وتحول جلده لأحذية نسائية وشنط وفساتين!كما أن هذا النوع الأخير قد صار (عبداً للسوق) وتحت رحمته لا يهنأ بنومه ولا بلقمته وقلبه (يرجف مثل رجف المكينة) إذا نزلت أسهمه، وحين يرى أسهمه حمراء على النسبة ينظر لها كما ينظر لسكين:نظرت إليكَ بأعين مُحْمَرَّةنَظَرَ التيوس إلى شِفَار الجازرِ!وكل هذه الأنواع الثلاثة من المضاربين موجودة في سوق الأسهم: فيهم العاقل الذي يضارب بجزء من رأس ماله ويترك جزءاً لمستجدات الأمور، وفيهم الذي يضارب بماله كله، وفيهم الذي يلقي نفسه في لجة المحيط ومعه غيره: فلوس الناس.. الدّين الذي هو ذل في الليل غلٌ في النهار، الدَّين الذي استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «اللهم إني أعوذ بك من الدين وقهرِ الرجال».٭٭٭ومن ناحية السلوك أثناء المضاربة فإن المضاربين يختلفون:٭ فيهم من يجمع في السهم الذي يريده بهدوء وسرية، ويضغط على السهم حتى يجمع ثلاثة أرباع كميته مثلاً، ثم يرفعه فوق بسرعة الصاروخ ويبدأ بيعه حتى يتخلص منه، فهو يرفع سهم الشركة ليلفت لها الأنظار ويجر لها الأقدام ويبدأ بالتصريف خاصة أن معدله منخفض.وهو لم يرفع شركته ليحافظ على سعرها المرتفع بل لكي يتخلص منها ويحقق أرباحه الرأسمالية، ينطبق عليه المثل الأمريكي الذي يقول: «تسمين البطة تمهيداً لذبحها».وبعض هؤلاء المضاربين يحاول الخروج من السهم بهدوء وحكمة وبأقل ضرر ممكن للذين دخلوا معه وانخدعوا برفعه للسهم - وإلا فإن الضرر حاصل حاصل - أما بعض المضاربين فإنه (نجْس طفس) إذا بقي معه عشرة في المئة من أسهمه (وغالباً ما تكون تكلفتها صفراً بعد الأرباح التي حققتها) ضرب السهم بعنف وقسوة ونذالة، وباع (بيعَ سوق) ليضرب السهم أملاً أن يشتريه مرة أخرى بأبخس الأسعار، وأبرك ساعة عنده أن يتعلّق الناس!٭ وفي المضاربين من يرفع السهم بسرعة ويتخلص منه بالسرعة الممكنة لأنه قليل صبر وقليل ثقة بالسوق..٭ ومن المضاربين من يجمع في السهم حتى إذا أوشك على النهاية رفعه وأوصى كل من يعرف بالشراء فيه ووعد برفعه وأطلق الإشاعات حوله، ثم يبيع - وأول ما يبيع على معارفه وأصدقائه الذين أوصاهم بالشراء فيه ووعدهم - بأن يرفعه - وهذه خسة ونذالة.٭ وبعض المضاربين يختار سهماً لم ينصفه السوق، ويدرسه دراسة جوهرية من مختلف الجوانب، ثم يبدأ يجمع فيه بهدوء وعقل، وقد يضغط عليه أو لا يضغط، ولكنه في كل الأحوال يستمر في الشراء حتى يصل السهم إلى قيمته العادلة أو يزيد فيبدأ بالتصريف بهدوء وعلى تلك المستويات (السعر العادل) وبدون إشاعات ولا توصيات.. وهذا أفضل المضاربين، وهو أيضاً أنجحهم على المدى الطويل، لأنه مهما طال الزمن لا يصح إلا الصحيح..٭ وبعض المضاربين يدير عدة محافظ.. فيشتري بهدوء، ويضغط، ثم يرفع السهم عن طريق التدوير، يعرض أسهم فلان الذي يدير محفظته هو، ويشتريها لفلان الآخر، ويستمر كأنه يلعب كرة تنس في الشاشة (خذ وهات ولكن على فوق) وهذا يغرر بالناس، يلفت نظرهم بكثرة التداول على السهم (مع أنه تداول وهمي من محفظة لمحفظة) ويلفت نظرهم إلى الارتفاع السريع في سعر السهم (مع أنه ارتفاع وهمي إذ أنه مجرد مناقلة من محافظ يديرها وإن اضطر لشراء القليل مما يعرض معه) وقد يكون متفقاً مع المصرف على أن له (هو!!) جزءاً من العمولة (تحت الطاولة!) فيلذ له التدوير ومناقلة المحافظ ولعب الكرة في الشاشة لأنه يزيد أرباحه من كل ناحية:1 - له نسبة من أرباح المحافظ التي يديرها.2 - قد شرى لنفسه قبلهم كلهم بأرخص الأسعار.3- له نسبة من عمولات البيع والشراء!أخطبوط!ونأمل من هيئة سوق المال أن تراقب هؤلاء بدقة وأن تضعهم تحت المجهر وتوقفهم عند حدهم.