_ ( الــشّـــــاعــــر نـــمــــر بــــن عــــدوان )
من منّا لا يعرف هذا المخلص لحبيبته الذي بكى وابكى من قرأ قصائده التي نبعتْ من قلب هذا
المحب لزوجته وضُرب به المثل في الاخلاص لها فقد اصيب هذا الشاعر بوفاة زوجته وحمامة
بيته (( وضحى )) فلم يقدر على كتم ما في قلبه فهاضت قريحته وتفجّرت مشاعره بعدّة قصائد
حتى نفّس عن خاطره بشعره الجميل......
- ( نــبــــذة عــن الــشّـــــاعـــــر ) :
مولده ونشأته :
وقد ولد في منطقة ياجوز غربي الأردن في عام 1735م وتوفى في تاريخ 1782م_1300هـ
وحياة نمر زاخرة بالقصص والروايات واستطاع أن يوثقها بقصائده الخالدة بالذاكرة، لأنها حياة
إستثنائية عاشها الشاعر وأضاءت لنا ماهية ابداعاته، ويعد نمر بن عدوان هو أول من تعلم
القراءة والكتابة من بادية الأردن، على يد سيدة فرنسية أعجبت بذكائة وفطنتة وهو طفل،
وواصل تعليمة في القدس والأزهر، ويذكر أنه اول من أقتنى بندقية متطورة في ذلك الوقت، وقد
جاءته البندقية هدية من السائحة الفرنسية التي أهتمّت بتعليمه....
أسمه ونسبه :
هو الشيخ نمر بن عدوان من شيوخ قبيلة عربية مشهورة مواطنها الآن شرقي الأردن هو نمر
قبلان نمر حمدان عدواز وقبيلة العداوين من قبائل البلقاء الغربية ولها في الغور بلدة الشونة
(( شونة أبن عدوان )) وهي بلدة على الضفة الشرقية لنهر الأردن ....
شعره ومكانته الاجتماعية :
أبياته الشهيرة نسمعها تتردّد على لسان الآباء والأجداد , ويعدّون مناقبه الطيبة في الحب
والوفاء والفروسية، وهو جزء من ذاكرتنا الشعبية ورافداً من تاريخنا البدوي الأصيل، وقصائده
لازالت تحفظ بالذاكرة ويتداولون الناس شعره ويحفظونه، وهو ظاهرة أدبية شعبية مهمة،
ولقصائده خصوصية ثقافية متفردة في قصائد الغزل والرثاء والوجدانيات، ونمر بن عدوان نال
إعجاب الكثيرين من متذوقين الشعر والباحثين في الأدب الشعبي في أوساط العواصم العربية،
حيث كتب عنه الكثير من الباحثين والدارسين للأدب الشعبي حيث كتب عنه المستشرق الألماني
(ويتزستين) وترجمت قصائده إلى الألمانية، وكذلك كتب عنه مستشرق أمريكي وترجم مختارات
من شعره ونشرها في مجلة ألمانية، ويعد الشاعر نمر بن عدوان من أوائل من قرض الأدب
الشعبي وكان له فضل في تطوير وانتشار القصيدة البدوية في المنطقة العربية، حيث كان يتجول
في بعض الدول العربية منها الجزيرة العربية والعراق والأردن والشام وفلسطين ومصر،وهو
شاعر عاطفي واقعي هزه الأسى وأضناه الوجد وعصره الألم . . . نظم الشعر يشكو ما أصابه
فتفاعلت الجماهير مع شعره ورددوا شعره في كل مكان فتعاطف الناس معه وأحبوه وتابعوا
أخباره التي سارت بها الركبان
زواجه :
تزوّج فتاة من عشائر القضاة من بني صخر اسمها ( وضحى ).... التي كان يشهد لها بالجمال
والكرم والذكاء...أحبّها حباً جما.....
انجبت له عدد من الأولاد وكان اكبرهم عقاب ، وكانت وضحى تزداد تألقاً في نظر حبيبها ,
ورفيق دربها يوماً بعد يوم.... ولها مواقف عظيمة في حياة زوجها...
عاشا على التعاون والحب والمودة والرحمة.....
- ( الـقــصّــــة ) :
-وقصة قتلها تختلف من مصدر الى مصدر .. ولكن قد تجمّع المصادر على الآتي :
ان نمراً كان يأمر زوجته ان تقوم ليلاً بربط الفرس بالحديد حتى لاتسرق.. وفي احدى الليالي
نسيت( وضحى ) ان تربط الفرس ولم تذكر الاّ بعد وقت متاخر ..فذهبت مسرعة الى الفرس
وعندما همّت بربطه استقيظ نمر من نومه وشاهد ذلك الخيال عند الفرس واعتقد انها سارق
فصوّب اليها الشلفا وحيث انه فارساً لم يخطيء فارداها قتيلة....فكانت هذه مصيبة نمر...
وحينما قلبها على ظهرها .. فإذا هو بوجه زوجته وضحى صُدم....وجنّ جنونه.....حتّى
قارب على الموت من شدة الصدمة... و حزن عليها حزناً شديداً كاد يقتله ، وقيل انه كان يُرى
وهو يبكي نهاراً وكان يسمع صوت نحيبه ليلاً .. على فراق حبيبته ورفيقة دربه... لأنه كان
يحبها محبة عظيمة..وهي تستحقُّ..ففوق جمالها كانت خير عون وسند لزوجها وكانت مثال
الزوجة الصالحة والوفية....
-ومنهم من قال :
انه عندما جاءت زوجته ( وضحى ) بجانبه وهو يهمُّ بالنوم سألها عن الخيل وهل ربطته
وقيّدته أم لا؟ فخشيت ان يغضب عليها او ان يقوم من فراشه للذهاب الى ربط الفرس فقالت: نعم
وحينما نام نهضت وذهبت الى الاسطبل ثم قربت من الخيل وظهرت اصواتها فزع نمر واستيقظ
وشاهدمن خلال نافذة صغيرة لغرفته ذلك الزول القريب من الخيول فظنَّ انه سارق فقام باطلاق
النار عليه ولم يدري انها "زوجته"! فلمّا علم بذلك حزن عليها حزناً شديداً.....
ورثاها في العديد من القصائد التي جُمعت في دواوين عدَّة منها قصيدة مطلعها "حيّ الجواب
وحيّ من به يعزين" و"ياونتي ونّت كثير الحسوفي" ولم يزل هذا الشاعر يتغنّى ويغرّد باشعاره
الجميلة ومراثيه المحزنة في هذه الزوجة التي افتقدها...
وقد زاده حزناً على حزن والماً على الم ما رآه في المنام من قدوم زوجته إليه بقامتها الفارعة
وعنقها الجميل فقام من منامه ولم يجد شيئاً فقال :
- ( الــقــصـــيــــدة ) :
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="groove,7,crimson" type=1 line=0 align=center use=sp num="0,black"]
البارحه في هجعة النوم غرقان = ويحٍ من الوجلا وفرقة نــــديمي
زاراً خليل فيه وصف لنا بـــــــان = وصايف المجمول هيف البــــريمِ
تحديد نــــــمر مشيها وزن ميزان = عين المها والعنق والرنق ريـمي
ووسطٍ صخيفٍ ينعش الروح باحسان = فوق الردوف وزاف ريش الظــليمِ
يومه تبين في منامي وانا بـــان = فزيت مرعوب فريحٍ هـــــــــميمِ
أثاريه طيف فر عني وخــــــــلان = واصبحت في صحراء جهنم حطيمِ
وابكي أنا وعقاب ينحب وسلطان = قالوا يتاما قلت وانا يــــــــتيمِ
قلبي دوابه ســـمهري ذارع الزان = قالوا سليم قلت ماني ســـــليمِ
مازلت بالدنيا شقـــــاوي وندمان = وانوح نوح طفيل توه فـــــطيمِ
قالوا لي الخلان تخضيع واحسان = تلقى مثيله سمّ والله كــــــــريمِ
جاوبتهم ذا القول زور وبهـــــتان = ورب الحرم مع زمزٍم والحــــطيمِ
ما القى مثيله لا بحضرٍ وبـــــدوان = من قال هذا صار باغي غريـمي
يا الله بجاهك يا مجيب الدعا الآن = تفتح لها في جنتك يارحــــــيمِ
ماريد حور العين ما اريد جنوان = إلا ان ازوره في جنـــــان النعيمِ
صبراً على الدنيا ولا اريد نسوان = ما اريد غير اللي سباني حريمي
لو خالقي سوان طيرٍ بجنحـــــان = امسيت يا المجمول جاهل غشيمِ
مالي سوى التهليل مع قول سبحان = واعوذ بالله من ابـــليس الــرجيمِ
يا لايمي تبلى برهطٍ من الجـــــان = ما فاد بك رقية حـــكيمٍ فـهيـــمِ[/poem]
وهكذا لا نزال نسمع هذه النغمات المحزنة من شاعرنا (( نمر )) حتى نرى من يقرؤها او
يسمعها يتألّم لألمه......
ولما تقطّع قلبه ألماً وحسرةً وصار جسمه مسرحاً للاحزان وافته المنية فجأة سنه 1300 هـــ
رحمه الله.....