أهل - الحديث - حديث شريف - محمد - صلى الله عليه وسلم - قرأن كريم


إياك وكثرة الكلام والضحك
إعلم هداك الله أن الناس في مجال البشاشة واستقبال الآخرين بين إفراط وتفريط ، فمنهم العابس المتجهم ، الذي يقابل أخاه المسلم وكأنه قاتل أبيه ، وهذا مذموم بلا شك والعياذ بالله ، ومحروم من الحسنات، والصنف الآخر أفرط أيضا في البشاشة بإكثاره من الضحك في جميع الأحوال ، وهذا مذموم أيضا ، بل الوسط أن يكون الضحك قليلا ، والتبسم كثيرا ، والمؤمن لو درس شمائل المصطفى صلوات الله وسلامه عليه لعلم أنه كان كثير التبسم قليل الضحك ، مع تهلل وجهه وإشراقته لكل من يلقاه صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا ضحك تبدو نواجذه لا أضراسه صلى الله عليه وسلم : فعن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت وقعت على أهلي في رمضان قال ( أعتق رقبة ) . قال ليس لي قال ( فصم شهرين متتابعين ) . قال لا أستطيع قال
( فأطعم ستين مسكينا ) . قال لا أجد فأتي بعرق فيه تمر - قال إبراهيم العرق المكتل - فقال ( أين السائل تصدق بها ) . قال على أفقر مني والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه" صحيح البخاري
وعن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة ) . فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة ؟ قال ( بلى ) . قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه" صحيح البخاري
وفي الحديث الطويل ( .......قال فيقول أتسخر بي ( أو أتضحك بي ) وأنت الملك ؟ قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه" صحيح مسلم
وأما كثرة الضحك فليست من شيم أصحاب المروآت ، ولا تناسب هيبة العلم ، ولا رجاحة العقل ، وقد ورد النهي عنها في أحاديث ، وأقوال لبعض أهل العلم أنها تميت القلب ، وتذهب بنور الوجه ، وأنها تزيل هيبة الرجل الحليم .تنسي العلم
ففي الحديث (( إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه))( تفسير ابن كثير)
قال القرطبي في تفسيره: كان عليه السلام في أكثر أحواله يتبسم وكان أيضا يضحك في أحوال أخر ضحكا أعلى من التبسم وأقل من الاستغراق الذي تبدو فيه اللهوات وكان في النادر عند إفراط تعجبه ربما ضحك حتى بدت نواجذه وقد كره العلماء منه الكثرة كما قال لقمان لابنه : يا بني إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب .
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : كان يقال : ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابدا وأرض بما قسم الله لك تكن غنيا وأحسن مجاورة من جاورك من الناس تكن مسلما وصاحب الناس بالذي تحب أن يصاحبوك به تكن عدلا وإياك وكثرة الضحك فان كثرة الضحك تميت القلب" (الدر المنثور)
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ فقال أبو هريرة فقلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعد خمسا وقال اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب . قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان و الحسن لم يسمع عن أبي هريرة شيئا" سنن الترمذي
وفي صحيح ابن حبان: (( إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه ) . وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تكثروا الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"(1)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( يا أبا هريرة إرض بما قسم الله تكن غنيا وكن ورعا تكن عبدا لله وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا واحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب والقهقهة من الشيطان والتبسم من الله))(2)
عن يحيى بن أبي كثير قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام لابنه :
يا بني لا تكثر الغيرة على أهلك و لم تر منها سوء فترمي بالشر من أهلك و إن كانت بريئة و لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم قال : و عليك بخشية الله عز وجل فإنها غاية لكل شيء"( شعب الإيمان)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا أبا هريرة ارض بما قسم لك تكن غنيا وكن ورعا تكن أعبد الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما وإياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب والقهقهة من الشيطان والتبسم من الله عز وجل"(1)
________________
(1)الأدب المفرد تحقيق : محمد فؤاد عبدالباقي ، وفي الهامش قال الشيخ الألباني صحيح .
(2) لم يروه عن هشام بن حسان إلا يوسف بن هارون . المعجم الصغير 2/218 .
_________________

عليكم بصلاة الليل ولو ركعة واحدة فإن صلاة الليل منهاة عن الإثم وتطفيء غضب الرب تبارك وتعالى وتدفع عن أهلها حر النار يوم القيامة وإن أبغض الخلق إلى الله ثلاثة : الرجل يكثر النوم بالنهار ولم يصل من الليل شيئا والرجل يكثر الأكل ولا يسمي الله على طعامه ولا يحمده والرجل يكثر الضحك من غير عجب فإن كثرة الضحك تميت القلب وتورث الفقر"
لا تكثروا الضحك ؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب ] حديث صحيح
عن عاصم قال رأيت سعيد بن المسيب لا يدع ظفره يطول ورأيت سعيدا يحفي شاربه شبيها بالحلق ورأيته يصافح كل من لقيه ورأيت سعيدا يكره كثرة الضحك"
عن الفضيل بن مرزوق عن رجل عن أبي جعفر قال إياكم والضحك أو قال وكثرة الضحك فإنه يمج العلم مجا"( الطبقات الكبرى)
وحدث أبو رجاء بسنده إلى أبي بكر بن سختويه " من الراج "
إن المزاح ينبت الضغينه ... وحمل ضغن في الحشا مؤونه
وكثرة الضحك من الرعونه ... والصمت عن فضل الكلام زينه
وإليكم قول السلف:
1* كان إبراهيم النخعي إذا طلبه من يكره أن يخرج إليه وهو في الدار قال للجارية : قولي له اطلبه في المسجد ولا تقولي له ليس هاهنا كيلا يكون كذباً
2* حُكي عن بعض الحكماء رأى رجلاً يُكثر الكلام ويُقل السكوت ، فقال : إن الله – تعالى – إنما خلق لك أذنين ولسانا واحداً ، ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به
3* روى الربيع بن صبيح أن رجلاً قال للحسن : يا أبا سعيد إني أرى أمراً أكرهه ، قال : وما ذاك يا ابن أخي ، قال : أرى أقواماً يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك ، فقال : يا ابن أخي : لا يكبرن هذا عليك ، أخبرك بما هو أعجب ، قال : وما ذاك يا عم ؟ قال : أطعت نفسي في جوار الرحمن وملوك الجنان والنجاة من النيران ، ومرافقة الأنبياء ولم أطع نفسي في السمعة من الناس ، إنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم الذي خلقهم ، فإذا لم يسلم من خلقهم فالمخلوق أجدر ألا يسلم .
4* قال جبير بن عبد الله : شهدت وهب ابن منبه وجاءه رجل فقال : إن فلاناً يقع منك ،
فقال وهب : أما وجد الشيطان أحداً يستخف به غيرك ؟ فما كان بأسرع من أن جاء الرجل ، فرفع مجلسه وأكرمه .
5* عن حاتم الأصم قال : لو أن صاحب خير جلس إليك لكنت تتحرز منه ، وكلامك يُعرض على الله فلا تتحرز منه .
6* حدث أبو حيان التميمي عن أبيه قال : رأيت ابنة الربيع بن خثيم أتته فقالت : يا أبتاه ، أذهب ألعب ؟ قال : يا بنيتي ، إذهبي قولي خيرا .
7* اغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له : اذكر القطن إذا وُضع على عينيك
8* قال رجل لعمرو بن عبيد : إن الأسواري مازال يذكُرك في قصصه بشرٍ ،فقال له عمرو : يا هذا ، ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ، ولكن أعلمه أن الموت يعُمنا والقبر يضمنا والقيامة تجمعنا ، والله – تعالى – يحكم بيننا وهو خير الحاكمين
9* قيل للمعافي بن معران : ما ترى في الرجل يُقرض الشعر ويقوله ؟ قال : هو عمرك فأفنه بما شئت !!
10* عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا ويكتب عليه حتى أنينه في مرضه ، فلما مرض الإمام أحمد فقيل له: إن طاووساً كان يكره أنين المرض ، فتركه .
11* قال عمر بن عبد العزيز : من علم أن كلامه من عَمَلِهِ ، قل كلامه إلا فيما يعنيه .
12* قال الحسن بن صالح : فتشنا الورع فلم نجده في شيء أقل منه في اللسان.
13* كان عبد الله الخيار يقول في مجلسه : اللهم سلمنا ،وسلم المؤمنين منّا .
14* قال بعض السلف .. يُعرض على ابن آدم ساعات عمره ، فكل ساعة لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات ..
15* قال الحسن ابن بشار : منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر منها
16* قال بشر بن منصور : كنا عند أيوب السختياني فغلطنا وتكلمنا، فقال لنا : كفوا .. لو أردت أن أخبركم بكل شيء تكلمت به اليوم لفعلت .
17* وكان الشعبي إذا طُلب في المنزل وهو يكره خط دائرة وقال للجارية : ضعي الأصبع فيها وقولي ليس هاهنا .
وهذا في موضع الحاجة فأما في غير موضع الحاجة فلا ، لأن هذا تفهيم الكذب وإن لم يكن اللفظ كذباً فهو مكروه على الجملة.
18* قال رجل للفضيل ابن عياض : إن فلاناً يغتابني ، قال : قد جلب لك الخير جلباً.
19* قال عبد الرحمن بن مهدي : لولا أني أكره أن يُعصى الله تمنيت ألا يبقى في هذا العصر أحدٌ إلا وقع فيّ واغتابني فأي شيء أهنأ من حسنة يجدها الرجل في صحيفته يوم القيامة لم يعملها ولم يعلم بها.
20* قال رجل لبكر بن محمد : بلغني أنك تقع فيّ ، قال أنت إذاً أكرم عليَّ من نفسي .
21* رُؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم فسُئل عن حاله ، فقال : أنا موقوف على كلمه قُلتُها ،قُلتُ: ما أحوج الناس إلى غيث ، فقيل لي : وما يدريك ؟ أنا أعلم بمصلحة عبادي.
22* قال عبد الله بن محمد بن زياد : كنت عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله قد اغتبتك ، فاجعلني في حل ، قال :أنت في حل إن لم تعد ، فقلت له : أتجعله في حل يا أبا عبد الله وقد اغتابك ؟ قال : ألم ترني اشترطت عليه .
23* وجاء ابن سيرين أناسٌ فقالوا : إنا نلنا منك فاجعلنا في حل ، قال : لا أحل لكم شيئاً حرمه الله .
فكأنه أشار إليه بالاستغفار ، والتوبة إلى الله مع استحلاله منه .
24* قال طوق بن منبه : دخلت على محمد بن سيرين فقال : كأني أراك شاكيا؟ قلت : أجـل ، قال : اذهب إلى فلان الطبيب فاستوصفه ثم قال : اذهب إلى فلان فإنه أطب منه ، ثم قال : أستغفر الله أراني قد اغتبته .
25* روي عن الحسن أن رجلاً قال : إن فلاناً قد اغتابك ، فبعث إليه طبقاً من الرطب ، وقال : بلغني أنك أهديت إليّ حسناتك ، فأردت أن أكافئك عليها ، فاعذرني، فإني لا أقدر أن أكافئك بها على التمام.
26* وذكر عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – أنه قال : إن العبد ليُعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يكن قد عملها ، فيقول يا رب: من أين لي هذا؟
فيقول : هذا بما اغتابك الناس وانت لا تشعر.
27* قيل لبعض الحكماء: ما الحكمة في أن ريح الغيبة ونتنها كانت تتبين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبين في يومنا هذا ؟
قال: لأن الغيبة قد كثرت في يومنا، فامتلأت الأنوف منها، فلم تتبين الرائحة وهي النتن ، ويكون مثال هذا ، مثال رجل دخل الدباغين ، لا يقدر على القرار فيها من شدة الرائحة ، وأهل تلك الدار يأكلون فيها الطعام ويشربون الشراب ولا تتبين لهم الرائحة ، لأنهم قد امتلأت أنوفهم منها ، كذلك أمر الغيبة في يومنا هذا .
28* قال عبد الله بن المبارك : قلت لسفيان الثوري : يا أبا عبد الله ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة ، ما سمعته يغتاب عدواً له قط ، فقال : هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يُذهبها .
29* روي عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئا ،فقال له عمر : إن شئت نظرنا في أمرك ، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية:{ إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا} وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية
{ همازٍ مشاءٍ بنميم } وإن شئت عفونا عنك ؟ فقال : العفو يا أمير المؤمنين ، لا أعود إليه أبدا .
30* قال رجل لعبد الله بن عمر – وكان أميراً – بلغني أن فلاناً أعلم الأمير أني ذكرته بسوء ، قال : قد كان ذلك ، قال فأخبرني بما قال حتى أظهر كذبه عندك ؟ قال : ما أحب أن أشتم نفسي بلساني ، وحسبي أني لم أصدقه فيما قال ، ولا أقطع عنك الوصال(1)
_________________
(1) من كتابي خمس وعشرون نصيحة لطلبة العلم